حين يكون الأديب ناقدًا وممارسًا الكتابة النقدية تطرح عليه خاصة بعد صدور عمل أدبي له أسئلة كثيرة تتصل بالنقد والأدب، يطرحها الصحفيون والإعلاميون والمثقفون، من أهمها: لماذا يجمع الأديب بين الكتابة الإبداعية والنقد؟ هل يرافق الأديبَ الناقدُ في أثناء الكتابة؟ هل للنقد تأثير قبل البدء بالكتابة الإبداعية؟ ما دور الناقد بعد أن يفرغ من عمله الأدبي؟
لعل الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها تختلف من أديب ناقد إلى غيره من الأدباء النقاد؛ لتعدد طرق الكتابة وطقوسها، وتنوع مصادرها عند كل واحد منهم، واختلاف الثقافة والانتماء الفكري والمنهج النقدي. لكني أغامر بالإجابة عن هذه الأسئلة بما خبرته في مجال الإبداع والنقد والكتابة عامة.
لعل الإجابة عن السؤال الأول: لماذا يجمع الأديب بين الكتابة الإبداعية والنقد؟ يكمن في أنّ التوجه نحو النقد من طبيعة الإنسان عامة ومن يشتغل بالأدب خاصة. فنحن نمارس النقد دائمًا في حياتنا الفكرية والاجتماعية؛ فلا غرابة أن يتجه الأديب إلى الكتابة النقدية، كما أنه أحيانًا يجد نفسه إزاء أفكار يضيق بها أدبه، أو أفكار أوردها في أدبه، ورأى من الضرورة التعبير عنها في شكل من الكتابة النقدية. ربما لأهميتها عنده، أو لبيان مقدرته على التنوع في كتاباته والرغبة في التجديد والتطور.
أما الإجابة عن السؤال الثاني: هل يرافق الأديبَ الناقدُ في أثناء الكتابة؟ فإن المبدع الناقد عليه أن يلغي الجانب النقدي من عقله عندما يغرق في عمله الإبداعي، عليه أن ينتبه إلى تدفق الخيالات والعواطف لا إلى استمطار الأفكار المحكمة والمتأنية؛ فالإبداع أداته الأولى العواطف والأحاسيس العفوية أما الإغراق في التفكير النقدي فيضعف العمل الأدبي، ويحوّله إلى عمل فكري؛ فالأديب لن ينجح إذا حمل معول النقد أثناء الكتابة الإبداعية؛ لهذا لا بد من موت النقد أو لنقل إخفاءه عند إبداع الأدب.
أما عن السؤال الثالث: هل للنقد تأثير قبل البدء بالكتابة الإبداعية؟ فمما لا شك فيه أن الأديب الناقد يُقبل على الكتابة الإبداعية، وهو متسلح بعدة نقدية مناسبة، فهو يفهم طبيعة ما يبدع، وأساليب إبرازه للوجود، فعلى سبيل المثال، إذا كان إبداعه رواية فإنه يعرف عناصر الرواية، وأهمية كل عنصر وكيفية البناء والتقنيات. إن الناقد وهو يبدع الأدب لا يتعمد أن يتبع معرفته النقدية فيما يكتب، وإن كان يسير على هديها في لا وعيه. إنه يخلع عباءة النقد تمامًا، ويلبس عباءة الأدب الذي يبدعه.
أما السؤال الأخير: ما دور الناقد بعد أن يفرغ من عمله الأدبي ويذيعه على الناس؟ فمن خلال التجربة الشخصية في كتابة الرواية وغيرها فإن العمل الأدبي الذي ينتجه الناقد ويطبع وينشر ويخرج إلى الحياة لا يستطيع أن يتعامل معه نقديًا؛ فالنقد عملية تقوم في الأساس على إظهار حسنات العمل وعيوبه، فإذا كان يدرك هذه العيوب فلماذا تركها في عمله؟ إنه يرى إنجازه في غاية التكامل ولا عيوب فيه، ويترك للمتلقي أن يرى فيه رؤيته، ولناقد آخر أن يعمل فيه معوله كما يشاء. وربما، إذا أدرك الناقد العيوب في عمله الأدبي بعد طبعه ونشره فقد يعيد النظر في العمل، ويجري عليه تغييرات ليطبعه وينشره مرة أخرى. وفي الغالب لا يعود الناقد إلى العمل مرة أخرى؛ فإنه قد أفرغ فيه كل ما عنده من مقدرة، وتكون العودة إليه عملية شاقة. وفي الغالب يظل الأديب الحقيقي غير راض عما وصل إليه؛ فهو ينظر دائمًا إلى الأجمل والأكمل، ويردد في نفسه ما كان يردده القاضي الفاضل أو كما قيل العماد الأصفهاني:" إني رأيتُ أنه لا يكتب أحد كتابًا في يومهِ إلا قال في غَدِهِ: لوُ ُغيَّرَ هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يُستحَسن، ولو قُدَّم هذا لكان أفضل، ولو تُرِك هذا لكان أجمل. وهذا أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر". إنه قلق المبدع الذي يحافظ على النوعية دائمًا.
إن ما يقدر عليه الناقد إزاء عمله الإبداعي ينحصر، كما أرى، في بيان الظروف التي أحاطت بإنتاجه، وقد يلخصه أو يوضح مناسبته وما تأثر به، ويبين مصادره ومرجعيته. أما إذا حاول مقاربته النقدية فمحاولته لن يكتب لها التوفيق، فلن يظهر له غير وجه عمله الحسن، ولن يكون إلا مادحًا له وجاعله متفوقًا على غيره من الأعمال، وهذا ليس من النقد في شيء.
والخلاصة إن الناقد عندما يمارس العمل الإبداعي يكون بعيدًا عن التأثر برؤيته النقدية، وهو لا يقدر على النقد السليم في التعامل مع عمله الإبداعي، ومن الصعوبة أن ينجح في نقد ما أنتجه، كما أنه لا يقدر في الغالب على إدراك عيوب العمل بعد نشره، وإذا تبين له بعضها واقتنع بوجودها فإنه قد يعيد طباعة العمل، أو يلجأ إلى نسفه أو التنكر له كأنه لم يبدعه.
لعل الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها تختلف من أديب ناقد إلى غيره من الأدباء النقاد؛ لتعدد طرق الكتابة وطقوسها، وتنوع مصادرها عند كل واحد منهم، واختلاف الثقافة والانتماء الفكري والمنهج النقدي. لكني أغامر بالإجابة عن هذه الأسئلة بما خبرته في مجال الإبداع والنقد والكتابة عامة.
لعل الإجابة عن السؤال الأول: لماذا يجمع الأديب بين الكتابة الإبداعية والنقد؟ يكمن في أنّ التوجه نحو النقد من طبيعة الإنسان عامة ومن يشتغل بالأدب خاصة. فنحن نمارس النقد دائمًا في حياتنا الفكرية والاجتماعية؛ فلا غرابة أن يتجه الأديب إلى الكتابة النقدية، كما أنه أحيانًا يجد نفسه إزاء أفكار يضيق بها أدبه، أو أفكار أوردها في أدبه، ورأى من الضرورة التعبير عنها في شكل من الكتابة النقدية. ربما لأهميتها عنده، أو لبيان مقدرته على التنوع في كتاباته والرغبة في التجديد والتطور.
أما الإجابة عن السؤال الثاني: هل يرافق الأديبَ الناقدُ في أثناء الكتابة؟ فإن المبدع الناقد عليه أن يلغي الجانب النقدي من عقله عندما يغرق في عمله الإبداعي، عليه أن ينتبه إلى تدفق الخيالات والعواطف لا إلى استمطار الأفكار المحكمة والمتأنية؛ فالإبداع أداته الأولى العواطف والأحاسيس العفوية أما الإغراق في التفكير النقدي فيضعف العمل الأدبي، ويحوّله إلى عمل فكري؛ فالأديب لن ينجح إذا حمل معول النقد أثناء الكتابة الإبداعية؛ لهذا لا بد من موت النقد أو لنقل إخفاءه عند إبداع الأدب.
أما عن السؤال الثالث: هل للنقد تأثير قبل البدء بالكتابة الإبداعية؟ فمما لا شك فيه أن الأديب الناقد يُقبل على الكتابة الإبداعية، وهو متسلح بعدة نقدية مناسبة، فهو يفهم طبيعة ما يبدع، وأساليب إبرازه للوجود، فعلى سبيل المثال، إذا كان إبداعه رواية فإنه يعرف عناصر الرواية، وأهمية كل عنصر وكيفية البناء والتقنيات. إن الناقد وهو يبدع الأدب لا يتعمد أن يتبع معرفته النقدية فيما يكتب، وإن كان يسير على هديها في لا وعيه. إنه يخلع عباءة النقد تمامًا، ويلبس عباءة الأدب الذي يبدعه.
أما السؤال الأخير: ما دور الناقد بعد أن يفرغ من عمله الأدبي ويذيعه على الناس؟ فمن خلال التجربة الشخصية في كتابة الرواية وغيرها فإن العمل الأدبي الذي ينتجه الناقد ويطبع وينشر ويخرج إلى الحياة لا يستطيع أن يتعامل معه نقديًا؛ فالنقد عملية تقوم في الأساس على إظهار حسنات العمل وعيوبه، فإذا كان يدرك هذه العيوب فلماذا تركها في عمله؟ إنه يرى إنجازه في غاية التكامل ولا عيوب فيه، ويترك للمتلقي أن يرى فيه رؤيته، ولناقد آخر أن يعمل فيه معوله كما يشاء. وربما، إذا أدرك الناقد العيوب في عمله الأدبي بعد طبعه ونشره فقد يعيد النظر في العمل، ويجري عليه تغييرات ليطبعه وينشره مرة أخرى. وفي الغالب لا يعود الناقد إلى العمل مرة أخرى؛ فإنه قد أفرغ فيه كل ما عنده من مقدرة، وتكون العودة إليه عملية شاقة. وفي الغالب يظل الأديب الحقيقي غير راض عما وصل إليه؛ فهو ينظر دائمًا إلى الأجمل والأكمل، ويردد في نفسه ما كان يردده القاضي الفاضل أو كما قيل العماد الأصفهاني:" إني رأيتُ أنه لا يكتب أحد كتابًا في يومهِ إلا قال في غَدِهِ: لوُ ُغيَّرَ هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يُستحَسن، ولو قُدَّم هذا لكان أفضل، ولو تُرِك هذا لكان أجمل. وهذا أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر". إنه قلق المبدع الذي يحافظ على النوعية دائمًا.
إن ما يقدر عليه الناقد إزاء عمله الإبداعي ينحصر، كما أرى، في بيان الظروف التي أحاطت بإنتاجه، وقد يلخصه أو يوضح مناسبته وما تأثر به، ويبين مصادره ومرجعيته. أما إذا حاول مقاربته النقدية فمحاولته لن يكتب لها التوفيق، فلن يظهر له غير وجه عمله الحسن، ولن يكون إلا مادحًا له وجاعله متفوقًا على غيره من الأعمال، وهذا ليس من النقد في شيء.
والخلاصة إن الناقد عندما يمارس العمل الإبداعي يكون بعيدًا عن التأثر برؤيته النقدية، وهو لا يقدر على النقد السليم في التعامل مع عمله الإبداعي، ومن الصعوبة أن ينجح في نقد ما أنتجه، كما أنه لا يقدر في الغالب على إدراك عيوب العمل بعد نشره، وإذا تبين له بعضها واقتنع بوجودها فإنه قد يعيد طباعة العمل، أو يلجأ إلى نسفه أو التنكر له كأنه لم يبدعه.