أ. د. عادل الاسطة - المثقف والسياسي الفلسطيني وحضوره في الرواية العربية: فلسطين والحق الفلسطيني ولا مساومة

( ٢ من ٢ من الكتابة عن رواية رضوى عاشور " الطنطورية " ٢٠١٠ / مقالي اليوم ٢٢ آب ٢٠٢١ في جريدة الأيام الفلسطينية ، مع إضافات طفيفة)


في العام ١٩٩٣ عقد في جامعة بيرزيت مؤتمر عن التطبيع وأخطاره شاركت فيه بورقة عن التعددية في الأدب الفلسطيني وأتيت فيها على الكتابة عن الفصيلية ومدى حضورها في الأدبيات المنجزة ، وتحديدا في بعض الروايات التي ظهر فيها تمجيد لهذا الفصيل أو ذاك ابتداء من رواية " المتشائل " لاميل حبيبي ومرورا ب " عباد الشمس " لسحر خليفة ، ولم تكن النصوص في حينه كثيرة ولم تكن الكتابة عن تمجيد هذا الفصيل أو ذاك لافتة كما سيحدث لاحقا ، حيث أخذ كتاب الفصائل والحركات يمجدون الفصيل الذي انتموا إليه ، وآخر ما قرأته وكتبت عنه هو رواية يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ٢٠٠٤ التي تعد تأريخا لحركة حماس دون اغفال الكتابة عن حركة فتح والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية . ( حول الموضوع ينظر كتابي " ظواهر سلبية في مسيرة محمود درويش الشعرية ، الدار الوطنية ، نابلس ١٩٩٦ ، وحول رواية يحيى السنوار ينظر موقع الانطولوجيا وما نشرته عنها في العام ٢٠٢١ ) .
وأنا أقرأ الرواية العربية التي قارب كتابها فيها شخصيات فلسطينية أو الموضوع الفلسطيني لفت نظري الكتابة عن فصائل فلسطينية وشخصيات فلسطينية ، وهو ما قاربته وأنا أكتب عن أحلام مستغانمي والياس خوري وعلي بدر واسماعيل فهد اسماعيل وحيدر حيدر وياسين رفاعية وهوشنك أوسي أيضا ، والأمر ذاته لا تخلو منه رواية رضوى عاشور .
في " الطنطورية " تكتب رضوى عاشور ، عدا الإشارات الكثيرة للرئيس ياسر عرفات ومواقف بعض الشخصيات منه ومن خلفه الرئيس محمود عباس لتوقيعهما اتفاق أوسلو وتسليمهما على اسحق رابين وشمعون بيريس في أيلول ١٩٩٣ ، تكتب رضوى عن مثقف فلسطيني هو أنيس صايغ وعن فنان الكاريكاتير ناجي العلي كتابة تلفت الانتباه ، وتقتبس من كتاب سياسييين فلسطينيين ، مثل سميح شبيب ، أقوالهم . طبعا لا يغيب غسان كنفاني وبعض أدبياته عن أذهان الشخصيات الفلسطينية ، ومثله شهداء عملية فردان الثلاثة . ( تحتج بعض الشخصيات على اتفاق أوسلو وتبدي امتعاضها من الرئيس ياسر عرفات ومن " أبو مازن / محمود عباس ، وتنظر إلى الاتفاق على أنه تنازل عن فلسطين التاريخية ، وترى أنهما فرطا بالقضية الفلسطينية ، وستظهر لاحقا لعرفات في رواية السوري هوشنك أوسي " أوهام حفلة مفتوحة " صورة مختلفة تبدو إيجابية ) .
يحضر المثقف الفلسطيني في الرواية مجسدا في شخصية أنيس صايغ ابن قرية صفد الذي حصل على الدكتوراه من جامعة غربية وعمل لفترة من الوقت في مركز الأبحاث الفلسطيني ( من ١٩٦٦ إلى ١٩٧٧ ) وأسهم في النضال السياسي والثقافي الفلسطيني حتى وفاته ، فتعرض جراء ذلك إلى محاولات اغتيال عديدة من الموساد بترت على إثرها ثلاثة أصابع من يده وتضرر أيضا نظره ، ومع ذلك واصل نضاله الذي لم يقتصر على دحض الرواية الصهيونية وإظهار الرواية الفلسطينية ، وإنما امتد ليقف في وجه القيادة الفلسطينية إن كانت له رؤية مختلفة عن رؤيتها . إنه نموذج المثقف الفلسطيني المستقل الشجاع الذي لا تقل شجاعته في قول قناعاته عن شجاعة ادوارد سعيد الذي احتفل به في الرواية العربية أكثر ، فخصصت له ، كما لاحظنا ، رواية يحمل عنوانها الفرعي اسمه ، وكتب عنه الياس خوري في بعض رواياته كتابة المعجب المفتون به وبما يمثله .
تخصص في " الطنطورية " صفحات عديدة للكتابة عن مركز الأبحاث الفلسطيني ، بل وتخصص عناوين فرعية خاصة تحمل اسمه وتصف ما ألم به في حرب ١٩٨٢ - أي المركز ( الفصل ٣٢ " المركز ١ " والفصل ٤٧ " مركز الأبحاث (٢) " ) ، وتبدو صورة أنيس صورة إيجابية تتجسد في صرامته في العمل ودماثة خلقه في التعامل مع العاملين معه. ( تنظر الصفحات ٣٧١ إلى ٣٧٤ ) .
الشخصية الفلسطينية الثانية اللافتة هي شخصية ناجي العلي الذي يشغل وحياته ورسومه الفصلين ٤١ " مريم المفاجآت " و ٤٢ " ابن الشجرة " من الرواية ( ص ٣٢٧ إلى ٣٣٧ ) .
يبدو ناجي في الرواية في تصور الفلسطينيين فنانا فلسطينيا منغمسا في واقعه وابن ظروفه ويعبر عن ضميره وضمير أبناء شعبه ممن عانوا وما زالوا يعانون من نكبة ١٩٤٨ التي ألقت بهم في الشتات . إنه فنان لا يقبل المساومة وقد دفع حياته ثمنا لرسوماته الجريئة التي لم يهادن فيها ، وترجح شخصيات الرواية أن الموساد الإسرائيلي هو من قتله .
" رسوم ناجي تعرفنا بأنفسنا .
وعندما نعرف نستطيع .
ربما لذلك اغتالوه " .
" عاش مع أهله في مخيم عين الحلوة وبقي مرتبطا بالمخيم حتى بعد أن كبر وانتقل للعمل في الخليج كرسام كاريكاتور . لم ينس أبدا أن أرضه سرقت وأنه طرد بغير وجه حق من بلده فاضطر ليعيش لاجئا في مخيم من مخيمات لبنان . لم ينس انه ابن المخيم وأن أمه كانت تحيك له سرواله الداخلي من مخلفات أكياس الطحين التي توزعها وكالة الغوث ، وتصنع له منها شنطة قماشية يصنع فيها دفاتره وهو ذاهب إلى المدرسة . ولم ينس أنه كان يعمل وهو طفل في بيع الخضرة وفي قطف البرتقال للإسهام في مصروفات الأسرة . ولم ينس أن أهله يعيشون في عين الحلوة وأن الطائرات الإسرائيلية تقصف المخيم بانتظام كأن قتل الناس واجب يومي مقرر " .
ببساطة فإن المثقف الفلسطيني ممثلا في أنيس صايغ والفنان الفلسطيني ممثلا في ناجي العلي تبدو صورتهما صورة الفلسطيني الذي يرفض المساومة على أرض بلاده ويظل وفيا لتاريخه الشخصي ولتاريخ شعبه المظلوم المضطهد .
إن صورة ناجي في "الطنطورية" سيفصل فيها في رواية اسماعيل فهد اسماعيل المدروسة هنا ، وقد أنجزت بعد ٧ سنوات من كتابة " الطنطورية".
الاثنين
١٦ آب ٢٠٢١



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى