عددٌ من الشعراء العرب الكبار، تأثروا بالشاعر الإسباني فريديريك لوركا، أمثال: عبد الوهاب البياتي، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وإبراهيم نصر الله، ومحمد القيسي، وسعدي يوسف...
الكلُّ كتب عنه وله وفيه، تأثروا به، واستلهموا منه.
فلماذا لوركا؟!
ألأنه يمتلك روحاً شرقية إذ إنه ابن غرناطة؟
وكلنا يعلم ما غرناطة بالنسبة للعرب، وخاصة شعرائها؟!
أم لأن مصرعه المؤلم ونهايته المأساوية جعلت أعين الشعراء تنشدُّ إليه؟
فالغموض الذي اكتنف موته أدى إلى ترسيخ الانطباع لدى هؤلاء بأنه مات شهيداً ، إذ قتله الغاشمون من أتباع الجنرال فرانكو الذي قاد حرباً أهلية ضد الجمهوريين، مما شكل هذا مواقف عاطفية ووجدانية من الشاعر والكاتب لوركا. فوظفوا هذا الموت المختلف والقاهر في قصائدهم، وقيل إن لوركا كان وقتذاك في مدريد، وأصر على الذهاب إلى قريته" بينزو" ليكون إلى جانب أسرته، بينما نصحه الأصدقاء بعدم الذهاب لأن الوضع السياسي متوتر، لكنه أبى ومضى. ولما داهموا بيته اقتادوه خارجاً وأطلقوا النار عليه ، وفي الفجر دفنوه في موقع خلف حي " البيازين" حيث قيل إن أحدهم عثر على قصيدة في حديقة منزله تذكر مقتله، فمن صاحب القصيدة ولم رماها في الحديقة؟
ومع ذلك تعددت الأقاويل حول مقتله وتأثر الجميع بمصرعه المأساوي وهو في مقتبل العمر؛
فكم أعدنا هذا المشهد في مخيلاتنا: شاعر خلفه جدار وربما بان ظله عليه ، يرفع يديه ويلقي أشعاره ، دون خوف ، بينما بندقية العسكر موجهة صوب صدره .
ألهذا تأثر شعراؤنا به ،أم لأنهم من شعراء اليسار العربي ، ولوركا يمثل لهم قضية آمنوا بها، وعدّوه شهيداً وقديساً ونموذجاً من الصمود والتضحية والشجاعة يحتذى به؟
أم ترى لأن مضمون شعر لوركا كان خصباً وأفكاره التي طرحها ذات قيمة؟
أم لأنه تأثر هو بالعرب وبكتابة القصيدة العربية، فنظم قصائد في مجموعته الأخيرة "ديوان التمارين" على شاكلة القصيدة العربية؟ ومن المعروف كم كان ميالاً إلى استخدام كلمات عربية في شعره، مما اعتبر هذا خيطاً يشد شعراءنا إلى شاعر أحبهم، وأحب لغتهم قبل أن يحبوه ويتأثروا به.
ولعل تأثر البياتي بمقتله ماجعله يكتب قصائد عدة منها قصيدته " الموت في غرناطة" يقول فيها :
"وصاح في غرناطة
معلم الصبيان
لوركا يموت ، مات
أعدمه الفاشيست في الليل على الفرات
ومزقوا جثته، وسملوا عينيه
لوركا بلا يدين
يبث نجواه إلى العنقاء
والنور والتراب والهواء.."
مما لاريب فيه أن لهذه القصيدة أبعاداً سياسية وانتماء وجذوراً، فالبياتي ربط بين مقتل لوركا، وبين مقتل الحسين بن علي"ع" على الفرات ؛ إذ كلاهما قتل نتيجة رأيه ودفاعه عن الظلم ، لهذا أصبحت قضية لوركا قضية عامة وإنسانية كقضية الحسين ، بينما رفعه محمود درويش إلى مقام الشهادة مستبدلاً عرس الدم ، مسرحية لوركا الشهيرة بزهر الدم، إذ يشبه لوركا بالمسيح أيضاً الذي قدم للبشرية وناضل من أجلها، فيقول:
" عفو الزهر الدم يالوركا
وشمسي في يديك
وصليب يرتدي نار قصيدة
أجمل الفرسان في الليل يحجون إليك
بشهيد وشهيدة.."
بينما سعدي يوسف ، لم يكتف بالتأثر بقضية لوركا أو الاستلهام منها، وإنما تأثر بقصائده ، فاستعان بمفرداتها.
واقتفى عز الدين المناصرة ذلك ، إذ اقتبس صوره والتعبيرات اللوركية والرموز واستعاراته، وانتضى سيف شجاعته وقضيته وانتمائه للأرض والإنسان كأي شاعر فلسطيني لا يحيد عن أرض وحلم عودة وقضية..
هوذا لوركا الذي قيض له أن يكون في نسيج قصائد شعرائنا الكبار. شاعر صار نبع استلهام لهم، وقضية مازالت قضية الكثيرين منا.
نجاح إبراهيم -
العدد 1747 من جريدة الأسبوع الأدبي، الصادرة عن اتحاد كتاب العرب بدمشق
الكلُّ كتب عنه وله وفيه، تأثروا به، واستلهموا منه.
فلماذا لوركا؟!
ألأنه يمتلك روحاً شرقية إذ إنه ابن غرناطة؟
وكلنا يعلم ما غرناطة بالنسبة للعرب، وخاصة شعرائها؟!
أم لأن مصرعه المؤلم ونهايته المأساوية جعلت أعين الشعراء تنشدُّ إليه؟
فالغموض الذي اكتنف موته أدى إلى ترسيخ الانطباع لدى هؤلاء بأنه مات شهيداً ، إذ قتله الغاشمون من أتباع الجنرال فرانكو الذي قاد حرباً أهلية ضد الجمهوريين، مما شكل هذا مواقف عاطفية ووجدانية من الشاعر والكاتب لوركا. فوظفوا هذا الموت المختلف والقاهر في قصائدهم، وقيل إن لوركا كان وقتذاك في مدريد، وأصر على الذهاب إلى قريته" بينزو" ليكون إلى جانب أسرته، بينما نصحه الأصدقاء بعدم الذهاب لأن الوضع السياسي متوتر، لكنه أبى ومضى. ولما داهموا بيته اقتادوه خارجاً وأطلقوا النار عليه ، وفي الفجر دفنوه في موقع خلف حي " البيازين" حيث قيل إن أحدهم عثر على قصيدة في حديقة منزله تذكر مقتله، فمن صاحب القصيدة ولم رماها في الحديقة؟
ومع ذلك تعددت الأقاويل حول مقتله وتأثر الجميع بمصرعه المأساوي وهو في مقتبل العمر؛
فكم أعدنا هذا المشهد في مخيلاتنا: شاعر خلفه جدار وربما بان ظله عليه ، يرفع يديه ويلقي أشعاره ، دون خوف ، بينما بندقية العسكر موجهة صوب صدره .
ألهذا تأثر شعراؤنا به ،أم لأنهم من شعراء اليسار العربي ، ولوركا يمثل لهم قضية آمنوا بها، وعدّوه شهيداً وقديساً ونموذجاً من الصمود والتضحية والشجاعة يحتذى به؟
أم ترى لأن مضمون شعر لوركا كان خصباً وأفكاره التي طرحها ذات قيمة؟
أم لأنه تأثر هو بالعرب وبكتابة القصيدة العربية، فنظم قصائد في مجموعته الأخيرة "ديوان التمارين" على شاكلة القصيدة العربية؟ ومن المعروف كم كان ميالاً إلى استخدام كلمات عربية في شعره، مما اعتبر هذا خيطاً يشد شعراءنا إلى شاعر أحبهم، وأحب لغتهم قبل أن يحبوه ويتأثروا به.
ولعل تأثر البياتي بمقتله ماجعله يكتب قصائد عدة منها قصيدته " الموت في غرناطة" يقول فيها :
"وصاح في غرناطة
معلم الصبيان
لوركا يموت ، مات
أعدمه الفاشيست في الليل على الفرات
ومزقوا جثته، وسملوا عينيه
لوركا بلا يدين
يبث نجواه إلى العنقاء
والنور والتراب والهواء.."
مما لاريب فيه أن لهذه القصيدة أبعاداً سياسية وانتماء وجذوراً، فالبياتي ربط بين مقتل لوركا، وبين مقتل الحسين بن علي"ع" على الفرات ؛ إذ كلاهما قتل نتيجة رأيه ودفاعه عن الظلم ، لهذا أصبحت قضية لوركا قضية عامة وإنسانية كقضية الحسين ، بينما رفعه محمود درويش إلى مقام الشهادة مستبدلاً عرس الدم ، مسرحية لوركا الشهيرة بزهر الدم، إذ يشبه لوركا بالمسيح أيضاً الذي قدم للبشرية وناضل من أجلها، فيقول:
" عفو الزهر الدم يالوركا
وشمسي في يديك
وصليب يرتدي نار قصيدة
أجمل الفرسان في الليل يحجون إليك
بشهيد وشهيدة.."
بينما سعدي يوسف ، لم يكتف بالتأثر بقضية لوركا أو الاستلهام منها، وإنما تأثر بقصائده ، فاستعان بمفرداتها.
واقتفى عز الدين المناصرة ذلك ، إذ اقتبس صوره والتعبيرات اللوركية والرموز واستعاراته، وانتضى سيف شجاعته وقضيته وانتمائه للأرض والإنسان كأي شاعر فلسطيني لا يحيد عن أرض وحلم عودة وقضية..
هوذا لوركا الذي قيض له أن يكون في نسيج قصائد شعرائنا الكبار. شاعر صار نبع استلهام لهم، وقضية مازالت قضية الكثيرين منا.
نجاح إبراهيم -
العدد 1747 من جريدة الأسبوع الأدبي، الصادرة عن اتحاد كتاب العرب بدمشق