1
الحديث عن الجسد في أدبيات الشعوب لا يعني الحديث عن الجانب الجنسي من الجسد فقط. والكتابة عن الجسد لا تعني الكتابة الايروتيكية واستعار الرغبة الجنسية وانطفائها بلا جمرة وجدانية ونفحة جمالية خلاقة.
الجسد كيان شديد التعقيد، يدان، ساقان، قدمان، أصابع، عينان، أذنان، أعضاء جنسية- ذكرية وأنثوية، رأس وما يسكن داخله من دماغ- وفكر وأعصاب...والخ.
ويمكننا كتابة هذه الشبكة من البديهيات شعريا ونثريا إذا شذبنا أدواتنا المعرفية الإبداعية. وهذا الكيان ليس بمعزل عن المحمول الاجتماعي والسياسي والديني والبيئي.
فإذا كان الجسد بيتا، فهو كيان منفتح على الخارج وخاضع لمنظومة متغيرات خارجية خارجة عن الإرادة أو بمحض الاختيار والصدفة، كتغيير المفاهيم والثقافات بين حقبة وأخرى.
والجسد كالبيت تغزوه عواصف الشتاء، يمر به الربيع والخريف. يخفي الجسد أكثر مما يظهر. متشابك بذاته وبالكون أكثر مما تستطيع القصيدة أو الرواية أن تقول، أو تدل.
في الشرق كما في الغرب هناك من يدّعون أنهم سباقون إلى تحرير الجسد ولم يفعلوا في الواقع سوى قصقصة الأعضاء وتفريغها من كينونتها الكبرى. هذه الخصخصة ليست إلا بتراً للكيان الكلي الإنساني وتصغيراً لدورته الخصبة. فأين وصلنا بثقافة الجسد المكتمل الحرّ والمبجّل في غيابه وحضوره؟
2
ليس الجسد غرفة مغلقة وسريرا أحمر نتلصص عليه من ثقب الباب وبين سطور الكتاب. الجسد ليس الشباب الدائم والجمال المتألق الثابت، بل تحولاته وما تفعله فيه دورة الطبيعة البيولوجية، وعمليات التجميل قبل أن يصير غير طبيعته الأولى. الجسد دورة ما بين الطفولة والشباب والشيخوخة.
وحين أكتب وأنظر إلى الجسد بهذه الصورة أعتقد أنني كنت داخل هذه الكتلة التي تشكل الجسد، وعالقة بتلك الفلسفة التي تقمعه وتحد من تموجاته، أو تلك المعرفة التي تدعي تحريره وتعاقبه في آن.
في كتاباتي، تطرقت إلى أجسادنا الاجتماعية والسياسية، المقموعة والحرة والملتبسة. كتبت عن أصابعي ويدي وهي تصافح، وهي تلوح بالوداع. كتبت عن القدم والحذاء والكعب العالي وارتباط هذا بحدود الحرية.
وكتبت عن طقوس مجاورة للجسد للبرد في علاقته مع الطبيعة، عن جسدي الغارق في معاطف الشتاء في غربة العالم. كتبت عن شَعري الذي ظهر فيه بعض البياض، وكتبت بحنان عن التجاعيد التي خلفها الدهر حول عيني وعلى وجهي.
لست مشغولة بكتابة الشبق. أعتقد أن الجسد أكثر حرّية حين أحرره من الكتابة عنه بنزق وتفاصيل تخلو من القيمة الإبداعية. أكتب عن الجسد وفي مداراته، ولا أجدني منساقة في الكتابة الايروتيكية لأنها حافة وعرة. ونادراً ما قرأت نصوصاً على الصعيد العالمي أو العربي تقترب مما يمارسه الجسد من إبداع بلغته الحسية الخاصة. هذا ما أرى الآن وحتى إشعار آخر من دورة أيامي على هذه الأرض.
3
الكتابة رحلة في الروح والجسد. لم أصل بجسدي إلى أي مكان، أخذني جسدي إلى الهاوية وإلى آخر العالم. رافقني جسدي كله في نشوة الحب، في ألم الولادة، في الرضاعة، في خسارات الحب، نعم الحبّ، في الحزن والمنفى، في العيش في درجات الحرارة التي تصل الى ( ناقص 40 مئوية) أحيانا.
الكتابة الفنية والفنون تدور في إطار هذا الجسد الذي تقتله الحرب، وتهلكه الفيضانات والأعاصير، وتحييه قوة الحب وسلطته الحانية.
الكتابة حب ونزوع بشري لهتك الحجب المستورة ومن أجل نيل المعرفة.
المعرفة نور، يحتاجه جسد المرأة وعقلها وقلبها، جسد الرجل وعقله وقلبه كي نصل معا إلى نهاية النفق-الوجودي العصري الملتبس.
وربما ضللنا الطريق ولا وصول ما وراء العتبة عدا هذه الرحلة.
*
كتابي الأخير، هو جسدي القلق من الغد وهو يحلم بالغد ولا يستسلم للسكون والثوابت.
جاكلين سلام – كندا
(نشر في موقع الحوار المتمدن، 4 نوفمبر، 2021)
www.jacquelinesalamwritings.blogspot.com
الحديث عن الجسد في أدبيات الشعوب لا يعني الحديث عن الجانب الجنسي من الجسد فقط. والكتابة عن الجسد لا تعني الكتابة الايروتيكية واستعار الرغبة الجنسية وانطفائها بلا جمرة وجدانية ونفحة جمالية خلاقة.
الجسد كيان شديد التعقيد، يدان، ساقان، قدمان، أصابع، عينان، أذنان، أعضاء جنسية- ذكرية وأنثوية، رأس وما يسكن داخله من دماغ- وفكر وأعصاب...والخ.
ويمكننا كتابة هذه الشبكة من البديهيات شعريا ونثريا إذا شذبنا أدواتنا المعرفية الإبداعية. وهذا الكيان ليس بمعزل عن المحمول الاجتماعي والسياسي والديني والبيئي.
فإذا كان الجسد بيتا، فهو كيان منفتح على الخارج وخاضع لمنظومة متغيرات خارجية خارجة عن الإرادة أو بمحض الاختيار والصدفة، كتغيير المفاهيم والثقافات بين حقبة وأخرى.
والجسد كالبيت تغزوه عواصف الشتاء، يمر به الربيع والخريف. يخفي الجسد أكثر مما يظهر. متشابك بذاته وبالكون أكثر مما تستطيع القصيدة أو الرواية أن تقول، أو تدل.
في الشرق كما في الغرب هناك من يدّعون أنهم سباقون إلى تحرير الجسد ولم يفعلوا في الواقع سوى قصقصة الأعضاء وتفريغها من كينونتها الكبرى. هذه الخصخصة ليست إلا بتراً للكيان الكلي الإنساني وتصغيراً لدورته الخصبة. فأين وصلنا بثقافة الجسد المكتمل الحرّ والمبجّل في غيابه وحضوره؟
2
ليس الجسد غرفة مغلقة وسريرا أحمر نتلصص عليه من ثقب الباب وبين سطور الكتاب. الجسد ليس الشباب الدائم والجمال المتألق الثابت، بل تحولاته وما تفعله فيه دورة الطبيعة البيولوجية، وعمليات التجميل قبل أن يصير غير طبيعته الأولى. الجسد دورة ما بين الطفولة والشباب والشيخوخة.
وحين أكتب وأنظر إلى الجسد بهذه الصورة أعتقد أنني كنت داخل هذه الكتلة التي تشكل الجسد، وعالقة بتلك الفلسفة التي تقمعه وتحد من تموجاته، أو تلك المعرفة التي تدعي تحريره وتعاقبه في آن.
في كتاباتي، تطرقت إلى أجسادنا الاجتماعية والسياسية، المقموعة والحرة والملتبسة. كتبت عن أصابعي ويدي وهي تصافح، وهي تلوح بالوداع. كتبت عن القدم والحذاء والكعب العالي وارتباط هذا بحدود الحرية.
وكتبت عن طقوس مجاورة للجسد للبرد في علاقته مع الطبيعة، عن جسدي الغارق في معاطف الشتاء في غربة العالم. كتبت عن شَعري الذي ظهر فيه بعض البياض، وكتبت بحنان عن التجاعيد التي خلفها الدهر حول عيني وعلى وجهي.
لست مشغولة بكتابة الشبق. أعتقد أن الجسد أكثر حرّية حين أحرره من الكتابة عنه بنزق وتفاصيل تخلو من القيمة الإبداعية. أكتب عن الجسد وفي مداراته، ولا أجدني منساقة في الكتابة الايروتيكية لأنها حافة وعرة. ونادراً ما قرأت نصوصاً على الصعيد العالمي أو العربي تقترب مما يمارسه الجسد من إبداع بلغته الحسية الخاصة. هذا ما أرى الآن وحتى إشعار آخر من دورة أيامي على هذه الأرض.
3
الكتابة رحلة في الروح والجسد. لم أصل بجسدي إلى أي مكان، أخذني جسدي إلى الهاوية وإلى آخر العالم. رافقني جسدي كله في نشوة الحب، في ألم الولادة، في الرضاعة، في خسارات الحب، نعم الحبّ، في الحزن والمنفى، في العيش في درجات الحرارة التي تصل الى ( ناقص 40 مئوية) أحيانا.
الكتابة الفنية والفنون تدور في إطار هذا الجسد الذي تقتله الحرب، وتهلكه الفيضانات والأعاصير، وتحييه قوة الحب وسلطته الحانية.
الكتابة حب ونزوع بشري لهتك الحجب المستورة ومن أجل نيل المعرفة.
المعرفة نور، يحتاجه جسد المرأة وعقلها وقلبها، جسد الرجل وعقله وقلبه كي نصل معا إلى نهاية النفق-الوجودي العصري الملتبس.
وربما ضللنا الطريق ولا وصول ما وراء العتبة عدا هذه الرحلة.
*
كتابي الأخير، هو جسدي القلق من الغد وهو يحلم بالغد ولا يستسلم للسكون والثوابت.
جاكلين سلام – كندا
(نشر في موقع الحوار المتمدن، 4 نوفمبر، 2021)
www.jacquelinesalamwritings.blogspot.com
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.
www.facebook.com