د. أيمن دراوشة - مطاحن العقلاء للكاتب المغربي أسمانة حماني.. قراءة اجتماعية

أولا / القراءة

في هذا السبيل يشق الكاتب طريقه مخترقًا تزاحم الأحداث ومختزلًا ما يعوق سياقها.

يلتقط في شبكتها ما يتنامى وما يتصاعد، وما يتواكب مع حبكتها، كأنه يسكن وعي الشخصية، وهو يسكنها فعلا.

يعبِّر الكاتب عن شخصيته التي هي شخصية مسترخية طيبة مبدعة، يحاول الهروب من ظلم وحقد البشر، وتحطيمهم للإنجازات التي تصبح ذكرى قد احترقت وانتهت.

إنَّ النص ما هو إلا تعبير الكاتب عن رؤيته السوداء للكائنات البشرية الحاقدة على كل نجاح لغيرها، فكان احتفاله قبل كل شيء بإضاءة جوانب من سلوكيات البشرية الخبيئة في مجرى الحياة الواسعة.

كما يعمق الكاتب الشخصية المحورية في النص، فنراه يبدع في رسم الشخصيات المجاورة حتى تنكشف الدلالة في نهاية هذا النص البديع.

" فلم أعد معجبًا بشطائر ذلك الرجل في زاوية الشارع؛ لأنه يبتسم لمن يداعب قسوته؛ لأنه يريد أن ننام جميعًا نداهم أنفسنا بغطاء من جلد الثعالب التي تؤيد الفريسة على نار الحقد الذي تمطره القبور بكل الصفات الحقيرة"

وفي جميع الأحوال تكون المواقف وأنماط سلوكها في النص متوازنة، حتى تتملك قناعة فنية تؤكد قربها أو تماسكها مع الواقع الحياتي الرديء ثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا واقتصاديا...

النص أقرب إلى الحياة، وقد كتب بلغة عصرية تتميز بمستجدات في بنية هيكلها وتركيبها وهندسة تشكيلها، وبالتالي فهي تهمل القص والسرد التقليدي، وتعتمد على التشابك الزمني بين الماضي والحاضر.

لقد ألغى الزمان مادية المكان برؤية أشمل وأعمق، ومن ثم كان تيار الوعي مَعْلَمًا واضحا، فثمة ارتداد وامتداد إلى الماضي، وثمة عودة ورجوع إلى الحاضر.

ثانيًا/ النص

سبق وأن قلت بأنَّ النار تشتعل في الذكريات

تلتهمها كحطب صيفي قديم، يجعل اشتعال النار فيه أشبه بمراجعة أوراق من كتاب مقدس مفقود، كأنها تبحث عن نفسها في الأشياء، الأمر يقترب من الرغبة في فك الحياة من كائنات تبدع في حياكة سلوكيات تأتي من الاختباء في كلام البشر.

كذلك اللحظات التي تنفلت مني تموت، تنقسم إلى ذرات من الفشل، حتى دخلت من فرط الحب كل المعابد حاملا ضميري في يدي، لكنه يقول" اهرب بعيدًا عن المجاملة والتقاعس وسط نظام العبيد، اهرب حتى من قارئ الكتب.

أهرب حيث تكون الحياة بدون كيمياء مخططًا له،

فلم أعد معجبًا بشطائر ذلك الرجل في زاوية الشارع؛ لأنه يبتسم لمن يداعب قسوته؛ لأنه يريد أن ننام جميعًا نداهم أنفسنا بغطاء من جلد الثعالب التي تؤيد الفريسة على نار الحقد الذي تمطره القبور بكل الصفات الحقيرة..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى