عنترة بن شداد - أشاقك من عبل الخيال المبهج

أَشاقَكَ مِن عَبلَ الخَيالُ المُبَهَّجُ
فَقَلبُكَ مِنهُ لاعِجٌ يَتَوَهَّجُ
فَقَدتَ الَّتي بانَت فَبِتُّ مُعَذَّب
وَتِلكَ اِحتَواها عَنكَ لِلبَينِ هَودَجُ
كَأَنَّ فُؤادي يَومَ قُمتُ مُوَدِّع
عُبَيلَةَ مِنّي هارِبٌ يَتَمَعَّجُ
خَليلَيَّ ما أَنساكُما بَل فِداكُم
أَبي وَأَبوها أَينَ أَينَ المُعَرَّجُ
أَلِمّا بِماءِ الدُحرُضَينِ فَكَلَّم
دِيارَ الَّتي في حُبِّها بِتُّ أَلهَجُ
دِيارٌ لِذاتِ الخِدرِ عَبلَةَ أَصبَحَت
بِها الأَربَعُ الهوجُ العَواصِفُ تُرهِجُ
أَلا هَل تُرى إِن شَطَّ عَنّي مَزارُه
وَأَزعَجُها عَن أَهلِها الآنَ مُزعِجُ
فَهَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ
هَمَلَّعَةٌ بَينَ القِفارِ تُهَملِجُ
تُريكَ إِذا وَلَّت سَناماً وَكاهِل
وَإِن أَقبَلَت صَدراً لَها يَتَرَجرَجُ
عُبَيلَةُ هَذا دُرُّ نَظمٍ نَظَمتُهُ
وَأَنتِ لَهُ سِلكٌ وَحُسنٌ وَمَبهَجُ
وَقَد سِرتُ يا بِنتَ الكِرامِ مُبادِر
وَتَحتِيَ مَهرِيٌّ مِنَ الإِبلِ أَهوَجُ
بِأَرضٍ تَرَدّى الماءُ مِن هَضَباتِه
فَأَصبَحَ فيها نَبتُها يَتَوَهَّجُ
وَأَورَقَ فيها الآسُ وَالضالُ وَالغَض
وَنَبقٌ وَنِسرينٌ وَوَردٌ وَعَوسَجُ
لَئِن أَضحَتِ الأَطلالُ مِنها خَوالِي
كَأَن لَم يَكُن فيها مِنَ العَيشِ مُبهِجُ
فَيا طالَما مازَحتُ فيها عُبَيلَةً
وَمازَحَني فيها الغَزالُ المُغَنَّجُ
أَغَنُّ مَليحُ الدَلِّ أَحوَرُ أَكحَلٌ
أَزَجُّ نَقِيُّ الخَدِّ أَبلَجُ أَدعَجُ
لَهُ حاجِبٌ كَالنونِ فَوقَ جُفونِهِ
وَثَغرٌ كَزَهرِ الأُقحُوانِ مُفَلَّجُ
وَرِدفٌ لَهُ ثِقلٌ وَخَصرٌ مُهَفهَفٌ
وَخَدٌّ بِهِ وَردٌ وَساقٌ خَدَلَّجُ
وَبَطنٌ كَطَيِّ السابِرِيَّةِ لَيِّنٌ
أَقَبُّ لَطيفٌ ضامِرُ الكَشحِ مُدمَجُ
لَهَوتُ بِها وَاللَيلُ أَرخى سُدولَهُ
إِلى أَن بَدا ضَوءُ الصَباحِ المُبَلَّجُ
أُراعي نُجومَ اللَيلِ وَهيَ كَأَنَّه
قَواريرُ فيها زِئبَقٌ يَتَرَجرَجُ
وَتَحتِيَ مِنها ساعِدٌ فيهِ دُملُجُ
مُضيءٌ وَفَوقي آخَرٌ فيهِ دُملُجُ
وَإِخوانِ صِدقٍ صادِقينَ صَحِبتَهُم
عَلى غارَةٍ مِن مِثلِها الخَيلُ تُسرَجُ
تَطوفُ عَلَيهِم خَندَريسٌ مُدامَةٌ
تَرى حَبَباً مِن فَوقِها حينَ تُمزَجُ
أَلا إِنَّها نِعمَ الدَواءُ لِشارِبٍ
أَلا فَاِسقِنيها قَبلَ ما أَنتَ تَخرُجُ
فَنُضحي سُكارى وَالمُدامُ مُصَفَّفٌ
يُدارُ عَلَينا وَالطَعامُ المُطَبهَجُ
وَما راعَني يَومَ الطِعانِ زُهوقُهُ
إِلَيَّ بِمَن بِالزَعفَرانِ تَضَرَّجوا
فَأَقبَلَ مُنقَضّاً عَلَيَّ بِخَلقِهِ
يُقَرِّبُ أَحياناً وَحيناً يُهَملِجُ
فَلَمّا دَنا مِنّي قَطَعتُ وَتينَهُ
بِحَدِّ حُسامٍ صارِمٍ يَتَبَلَّجُ
كَأَنَّ دِماءَ الفُرسِ حينَ تَحَدَّرَت
خَلوقُ العَذارى أَو قُباءَ مُدَبَّجُ
فَوَيلٌ لِكِسرى إِن حَلَلتُ بِأَرضِهِ
وَوَيلٌ لِجَيشِ الفُرسِ حينَ أُعَجعِجُ
وَأَحمِلُ فيهِم حَملَةً عَنتَرِيَّةً
أَرُدُّ بِها الأَبطالَ في القَفرِ تَنبِجُ
وَأَصدِمُ كَبشَ القَومِ ثُمَّ أُذيقُهُ
مَرارَةَ كَأسِ المَوتِ صَبراً يُمَجَّجُ
وَآخُذُ ثَأرَ النَدبِ سَيِّدِ قَومِهِ
وَأُضرِمُها في الحَربِ ناراً تُؤَجَّجُ
وَإِنّي لَحَمّالٌ لِكُلِّ مُلِمَّةٍ
تَخِرُّ لَها شُمُّ الجِبالِ وَتُزعَجُ
وَإِنّي لَأَحمي الجارَ مِن كُلِّ ذِلَّةٍ
وَأَفرَحُ بِالضَيفِ المُقيمِ وَأَبهَجُ
وَأَحمي حِمى قَومي عَلى طولِ مُدَّتي
إِلى أَن يَرَوني في اللَفائِفِ أُدرَجُ
فَدونَكُمُ يا آلَ عَبسٍ قَصيدَةً
يَلوحُ لَها ضَوءٌ مِنَ الصُبحِ أَبلَجُ
أَلا إِنَّها خَيرُ القَصائِدِ كُلَّه
يُفَصَّلُ مِنها كُلُّ ثَوبٍ وَيُنسَجُ
أعلى