منذ أيام قليلة حضرت ندوة لمناقشة المجموعة القصصية (كأننى حى) للكاتب محسن عبد العزيز وقد قرأت المجموعة وقمت بمداخلة قصيرة أبديت فيها ملاحظتى أن هناك تشابا كبيرا واختلافا بين (قصة عجل الطلوقة) احدى قصص هذه المجموعة وبين (قصة زبيدة والوحش) للكاتب الكبير سعيد الكفراوى ، وكتبت دراسة عن هذه المجموعة نشرتها فى صفحتى وفى بعض المواقع وأثبت فيها باختصار أن هناك تشابها كبيرا وهناك أيضا اختلافا بين القصتين ، الأمرالذى يستحق دراسة مستقلة لهاتين القصتين والعلاقة بينهما .
وسأبدأ الدراسة بقصة (زبيدة والوحش) للقاص سعيد الكفراوى باعتبار أنها القصة الاقدم فقد نُشرت فى مجلة الكرمل الفصلية الفلسطينية عام 1989 ثم نشرت فى مختارات قصصية شفق ورجل عجوز وصبى الصادرة من دار الشروق عام 2008 ثم نشرت ضمن مختارات قصصية بعنوان زبيدة والعرش وبها رسوم عمرو الكفراوى بالدار المصرية اللبنانية عام 2015 وتقع القصة فى سبع صفحات وتتناول عملية إعشار العجل للبقرة طالبة العشر والقصة بها بالاضافة إلى السارد بمير الغاءب هناك صوت الطفل عبد المولى (يستخدم الكفراوى صوت هذا الطفل فى كثير من قصصه ) وتبدأ القصة بوصف عبد المولى للعلاقة بين عمته زبيدة والعجل " طوقت عنق الفحل بالخرزة الزرقاء المباركة والحجاب الحارس ، والعظمة البيضاء الشائهة ، والجرس الصغير الذى يصلصل كلما اهتز رأس البهيم " بداية تدل على الحب والاحتفاء الكبير بالعجل الذى قام بتعشير ثلاث بقرات فى ذلك اليوم وحضر صاحب بقرة يريد تعشير بقرته من عجل أبو سلامة المعروف بقوته فى تعشير البقر " وهو فيه طلوقة فى الجيزة وجيزة الجيزة زى عجلك " ثم انتقل المشهد الى العشار والتى فشل العجل فيها مرتين ثم نجح فى الثالثة بمساعدة صاحب العجل أبو سلامة "مبروك ياعم الدخلة ، والبركة فى الخلفة والعيال "
ثم قام الطفل عبد المولى باصطحاب العجل إلى النهر وقامت عمته زبيدة بتحميمه " دلقت على الجسم الحميم الماء ، فانساب فى فى خطوط على الارض التى ارتوت . دعكت جسد البهيم بقبضة من قش الأرز فى حماس غجرى ، تسرح يدها على الظهر وتهبط أسفل البطن ، وتصعد إلى الزند . حماس اليدين ، وجسد الشاب المتوثب " ثم قامت العمة وأحضرت الدف وضربت عليه ضربات خفيفة ثم اشتدت الضربات وهتز جسدها فى إيقاع رتيب مع ضربات الدف كأنه زار ، وتنتهى القصة بمشهد حميمى بين زبيدة والعجل فى الزريبة وضبابية نهاية القصصة بموت العجل أم لا وذلك عند قيام أخيها بفتح الزريبة " رأى أخته زبيدة الارملة الجميلة ذات الثلاثين ربيعا والتى تعيش خرافتها تحنى جسدها – له المجد ، وتخرج من رضاعة ثوبها ثديها الايمن الذى ينير عتمة الزريبة ، وتقبض بكفها عليه وتعصره بنشوة جليلة فينساب سرسوب اللبن فى خطوط حيث التخزم البعيدة ، تخوم تعشق الحياة والموت "
أما قصة (عجل الطلوقة) فهى أحدى قصص المجموعة القصصية (وكأننى أحى ) للكاتب محسن عبد العزيز وتقع فى صفحة ونصف وتتناول عملية عشار البقرة من العجل وكان السرد بضمير الغائب العليم وتبدأ القصة " أى بقرة تطلب العشر إذن عجل فخرى هو الحل " ولفخرى فتاة كالقمر والضياء ، يلجأ بدران ومعه بقرته طالبة العشار الى منزل فخرى ولم يكن بالمنزل الا فتاته " فقد خرجت الفاتنة تجر عجل الطلوقة خلفها فور أن رأت الرجل وبقرته تخور " ثم يصف السارد عملية العشار والتى فشلت مرتين ثم نجحت بالمرة الثالثة بمساعدة فاتنة الرجال " مدت فاتنة الرجال يدها المدربة وأدخلت احليله بسرعة إلى رحمها " وانتهت القصة بنهاية مؤكدة وواضحة " وقالت له مبروك ثم سحبت الطلوقة خلفها وكان ثقيلا متعبا بينما هى عفية واثقة لها شفا فاترة وعيون تخجل كل رجال البلد "
وبقراءة القصتين زبيدة والوحش (السابقة) وقصة عجل الطلوقة (اللاحقة) يتبين للقارئ العادى أن بين القصتين علاقة لا تخطئها العين وتتشابه فى مواضع كثيرة وتختلف فى مواضع أخرى .
مواضع المشابهة فى القصتين
- الشخصية الرئيسية فى كلتا القصتين لفتاة غاية فى الجمال وهى زبيدة أخت صاحب العجل فى القصة السابقة وابنة فخرى أبنة صاحب العجل فى القصة اللاحقة ويطلقون عليها فاتنة الرجال من شدة جمالها .
مواضع الاختلاف والسمات بين القصتين
السرد : فى القصة الاولى السرد بضمير الغائب وبعين الطفل عبد المولى فأكسبت القصة جمالا ودهشة ، وكان السرد تصويرا للمشاعر من زبيدة تجاه العجل أما السرد فى القصة الثانية فكان بضمير الغائب العليم فأكثر من الجمل الخبرية التقريرية وظهر ذلك منذ الجملة الافتتاحية الاولى بالقصة السابق ذكرها ومثال تقرير عملية الاعشار جملة " ولكن لأنه لا حياء فى الحياة الطبيعية" ورغم ذلك يردد كلمات الخجل والكسوف أكثر من مرة بالقصة مناقضا ما قرره من قيل ، فى حين خلت القصة الاولى من أى كلمة تحمل الخجل والكسوف .
أعتنى الكاتب بالقصة الاولى بتفصيلات أغنت الشخصية والحدث معا مثل قيام زبيدة بوضع خرزة زرقة وجرس على العجل ، وقوع صينية الشاى منها عند إعشار العجل للبقرة ، إمساكها الدف واحداث ايقاعات اهتزلها جسمها كأنها فى زار، تحميمها العجل بعد العشار كل ذلك أحدث غنى وإمتاع وعمق بالقصة ، أما القصة اللاحقة فقد خلت من التفاصيل الفنية واقتصرت على عملية إعشار العجل للبقرة دون تفاصيل تغنى الحدث كما ورد فى الاستشهادات السابقة وقد قامت ابنة فخرى بالقصة االلاحقة بعملية الاعشار بنفسها ووحدها بالدار وبيدها وهومناف لطبيعة المراة وخاصة فتاة ريفية وكذلك الاعراف الريفية تأبى ذلك ، بينما القصة الاولى أكثر منطقية إذ قام صاحب العجل بمساعدة العجل فى الاعشار .
نحن إذن أمام قصة زبيدة والوحش التى اتسمت بالأصالة والعمق والتركيب فى الشخصية وحفلت بالتفاصيل الفنية فزادتها غنى وعمقا وأمام سارد اشترك معه عين طفل أكسب القصة دهشة وجمالا ، أما القصة الثانية عجل الطلوقة فكانت محدودة وبسيطة اقتصرت على عملية اعشار العجل للبقرة دون ابعاد أخرى مشتركة مع الانسان وخلت القصة من التفصيلات الفنية فكانت أقل فنية وأقل عمقا وأقل جمالا من القصة الاولى (الاصل).
بقلم مصطفى فودة
وسأبدأ الدراسة بقصة (زبيدة والوحش) للقاص سعيد الكفراوى باعتبار أنها القصة الاقدم فقد نُشرت فى مجلة الكرمل الفصلية الفلسطينية عام 1989 ثم نشرت فى مختارات قصصية شفق ورجل عجوز وصبى الصادرة من دار الشروق عام 2008 ثم نشرت ضمن مختارات قصصية بعنوان زبيدة والعرش وبها رسوم عمرو الكفراوى بالدار المصرية اللبنانية عام 2015 وتقع القصة فى سبع صفحات وتتناول عملية إعشار العجل للبقرة طالبة العشر والقصة بها بالاضافة إلى السارد بمير الغاءب هناك صوت الطفل عبد المولى (يستخدم الكفراوى صوت هذا الطفل فى كثير من قصصه ) وتبدأ القصة بوصف عبد المولى للعلاقة بين عمته زبيدة والعجل " طوقت عنق الفحل بالخرزة الزرقاء المباركة والحجاب الحارس ، والعظمة البيضاء الشائهة ، والجرس الصغير الذى يصلصل كلما اهتز رأس البهيم " بداية تدل على الحب والاحتفاء الكبير بالعجل الذى قام بتعشير ثلاث بقرات فى ذلك اليوم وحضر صاحب بقرة يريد تعشير بقرته من عجل أبو سلامة المعروف بقوته فى تعشير البقر " وهو فيه طلوقة فى الجيزة وجيزة الجيزة زى عجلك " ثم انتقل المشهد الى العشار والتى فشل العجل فيها مرتين ثم نجح فى الثالثة بمساعدة صاحب العجل أبو سلامة "مبروك ياعم الدخلة ، والبركة فى الخلفة والعيال "
ثم قام الطفل عبد المولى باصطحاب العجل إلى النهر وقامت عمته زبيدة بتحميمه " دلقت على الجسم الحميم الماء ، فانساب فى فى خطوط على الارض التى ارتوت . دعكت جسد البهيم بقبضة من قش الأرز فى حماس غجرى ، تسرح يدها على الظهر وتهبط أسفل البطن ، وتصعد إلى الزند . حماس اليدين ، وجسد الشاب المتوثب " ثم قامت العمة وأحضرت الدف وضربت عليه ضربات خفيفة ثم اشتدت الضربات وهتز جسدها فى إيقاع رتيب مع ضربات الدف كأنه زار ، وتنتهى القصة بمشهد حميمى بين زبيدة والعجل فى الزريبة وضبابية نهاية القصصة بموت العجل أم لا وذلك عند قيام أخيها بفتح الزريبة " رأى أخته زبيدة الارملة الجميلة ذات الثلاثين ربيعا والتى تعيش خرافتها تحنى جسدها – له المجد ، وتخرج من رضاعة ثوبها ثديها الايمن الذى ينير عتمة الزريبة ، وتقبض بكفها عليه وتعصره بنشوة جليلة فينساب سرسوب اللبن فى خطوط حيث التخزم البعيدة ، تخوم تعشق الحياة والموت "
أما قصة (عجل الطلوقة) فهى أحدى قصص المجموعة القصصية (وكأننى أحى ) للكاتب محسن عبد العزيز وتقع فى صفحة ونصف وتتناول عملية عشار البقرة من العجل وكان السرد بضمير الغائب العليم وتبدأ القصة " أى بقرة تطلب العشر إذن عجل فخرى هو الحل " ولفخرى فتاة كالقمر والضياء ، يلجأ بدران ومعه بقرته طالبة العشار الى منزل فخرى ولم يكن بالمنزل الا فتاته " فقد خرجت الفاتنة تجر عجل الطلوقة خلفها فور أن رأت الرجل وبقرته تخور " ثم يصف السارد عملية العشار والتى فشلت مرتين ثم نجحت بالمرة الثالثة بمساعدة فاتنة الرجال " مدت فاتنة الرجال يدها المدربة وأدخلت احليله بسرعة إلى رحمها " وانتهت القصة بنهاية مؤكدة وواضحة " وقالت له مبروك ثم سحبت الطلوقة خلفها وكان ثقيلا متعبا بينما هى عفية واثقة لها شفا فاترة وعيون تخجل كل رجال البلد "
وبقراءة القصتين زبيدة والوحش (السابقة) وقصة عجل الطلوقة (اللاحقة) يتبين للقارئ العادى أن بين القصتين علاقة لا تخطئها العين وتتشابه فى مواضع كثيرة وتختلف فى مواضع أخرى .
مواضع المشابهة فى القصتين
- البيئة الريفية هى الفضاء المكانى لكلتا القصتين وكلا الكاتبين يرجع أصولهما الى البيئة الريفية .
- القصتان تتناولان عملية إعشار العجل للبقرة ، ويسمى العجل الذى يقوم بذلك عجل الطلوقة .
- الشخصية الرئيسية فى كلتا القصتين لفتاة غاية فى الجمال وهى زبيدة أخت صاحب العجل فى القصة السابقة وابنة فخرى أبنة صاحب العجل فى القصة اللاحقة ويطلقون عليها فاتنة الرجال من شدة جمالها .
مواضع الاختلاف والسمات بين القصتين
- الشخصية الرئيسية : كانت الشخصية الرئيسية بقصة الكفراوى هى زبيدة وسميت القصة باسمها فهى أرملة جميلة تبلغ من العمر ثلاثين عاما وهى أخت أبوسلامة صاحب العجل الطلوقة وهى عمة الطفل عبد المولى وهناك بين زبيدة والعجل علاقة مركبة بالنسبة لها فهى تضع خرزة زرقاء وجرس بعنق الفحل اتقاء للحسد وهى تخشى عليه من كثرة أعشار البقر ، وبعد اعشار البقرة الرابعة تقوم زبيدة بتحميم العجل ودعك جسده ، ثم تنتهى القصة بمشهد لافت وهى تخرج ثديها الايمن من ثوبها وتقبض بكفها عليه وتعصره بنشوة فينساب سرسوب اللبن على الفحل الراقد على الارض ، إذن نحن أمام شخصية أنثوية مركبة وغنية بالمشاعر تجاه العجل والذى يشكل معادلا موضوعيا للرجل أو بديلا للرجل بالنسبة لزبيدة والتى تضفى عليه مشاعرها الأنثوية الجمة .
السرد : فى القصة الاولى السرد بضمير الغائب وبعين الطفل عبد المولى فأكسبت القصة جمالا ودهشة ، وكان السرد تصويرا للمشاعر من زبيدة تجاه العجل أما السرد فى القصة الثانية فكان بضمير الغائب العليم فأكثر من الجمل الخبرية التقريرية وظهر ذلك منذ الجملة الافتتاحية الاولى بالقصة السابق ذكرها ومثال تقرير عملية الاعشار جملة " ولكن لأنه لا حياء فى الحياة الطبيعية" ورغم ذلك يردد كلمات الخجل والكسوف أكثر من مرة بالقصة مناقضا ما قرره من قيل ، فى حين خلت القصة الاولى من أى كلمة تحمل الخجل والكسوف .
أعتنى الكاتب بالقصة الاولى بتفصيلات أغنت الشخصية والحدث معا مثل قيام زبيدة بوضع خرزة زرقة وجرس على العجل ، وقوع صينية الشاى منها عند إعشار العجل للبقرة ، إمساكها الدف واحداث ايقاعات اهتزلها جسمها كأنها فى زار، تحميمها العجل بعد العشار كل ذلك أحدث غنى وإمتاع وعمق بالقصة ، أما القصة اللاحقة فقد خلت من التفاصيل الفنية واقتصرت على عملية إعشار العجل للبقرة دون تفاصيل تغنى الحدث كما ورد فى الاستشهادات السابقة وقد قامت ابنة فخرى بالقصة االلاحقة بعملية الاعشار بنفسها ووحدها بالدار وبيدها وهومناف لطبيعة المراة وخاصة فتاة ريفية وكذلك الاعراف الريفية تأبى ذلك ، بينما القصة الاولى أكثر منطقية إذ قام صاحب العجل بمساعدة العجل فى الاعشار .
نحن إذن أمام قصة زبيدة والوحش التى اتسمت بالأصالة والعمق والتركيب فى الشخصية وحفلت بالتفاصيل الفنية فزادتها غنى وعمقا وأمام سارد اشترك معه عين طفل أكسب القصة دهشة وجمالا ، أما القصة الثانية عجل الطلوقة فكانت محدودة وبسيطة اقتصرت على عملية اعشار العجل للبقرة دون ابعاد أخرى مشتركة مع الانسان وخلت القصة من التفصيلات الفنية فكانت أقل فنية وأقل عمقا وأقل جمالا من القصة الاولى (الاصل).
بقلم مصطفى فودة
