مصطفى فودة - عرض وتحليل كتاب قراءة النص الشعرى د شعبان عبد الحكيم

كتاب قراءة النص الشعرى
رحلة فى فكر الناقد العربى
ومقترح لقراءة النص
دكتور شعبان عبد الحكيم محمد
عرض وتحليل بقلم مصطفى فودة
هل نحن قُراء الادب بحاجة الى كتب تساعدنا فى تحسين قراءتنا للنص الأدبى وتأويله والوصول الى أعماقه والالمام بالنظريات المعاصرة لهذه القراءة ، أعتقد الاجابة بنعم ، من هذه الكتب التى قرأتها مؤخرا وحازت إعجابى وتقديرى العميق له هو ( كتاب قراءة النص الشعرى رحلة فى فكر الناقد العربى ومقترح لقراءة النص ) والكتاب صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2021 ويقع فى 292 صفحة وهو بحق رحلة بديعة ومفيدة فى قراءة النص الشعرى قديما وحديثا
-يتكون الكتاب من تمهيد عن مفهوم القراءة وثلاثة فصول الفصل الاول قراءة النص فى تراثنا العربى الفصل الثانى قراءة النص الشعرى فى العصر الحديث فى محورين الاول قراءة النص الشعرى فى النصف الاول من القرن العشرين المحور الثانى القراءة الحداثية ومناهج قراءة النص الادبى الفصل الثالث المنهج المقترح لقراءة النص الشعرى رؤية نظرية وقراءات تطبيقية .
-بدأ الكتاب بتمهيد عن مفهوم القراءة ومستوياتها وذكرأنه يقصد بالقراءة كإجراء نقدى "فك شفرات النص والنفاذ الى أعماقه للوقوف على دلالته وما يتمنه من أفكار وقيم فى بنيته العميقة" وتعددت تسميات القراءة نوعية القراءة الناجحة فأطلق عيها انجاردين القراءة الفاعلة وأطلق عليها نصر حامد أبو زيد القراءة المنتجة وأطلق عليها د لطفى عبد البديع القراءة الناقدة وأطلق عليها تودروف القراءة الشاعرة فى تقسيمه لأنواع القراءة ونظرا لأهمية تقسيم تودروف فلابد من ذكره كالاتى :
الاولى/ قراءة إسقاطية لا تركز على النص ولكنها تتجه نحو المؤلف والمجتمع والثانية / قراءة الشرح التى تقف عن ظاهر النص والثالثة / قراءة الشاعرية التى تسعى إلى جلاء ما فى باطن النص وتقرأ فيه أبعد من لفظه .
وأقترح ريفاتير مرحلتين فى القراءة الاولى الاستكشافية والثانية القراءة الاسترجاعية التأويلية ، وذكر الكاتب أنه يمكن وضع منهج للقراءة المنتجة كالاتى 1- عملية القراءة تبدأ من النص وفى صورة جدلية بين النص والقارئ وعلى القارئ أن يتغلب على إنتمائه الأيدلوجى 2- فى إضاءة النص لا يمكن تجاهل منتج الخطاب 3- التركيز على البعد الجمالى فى النص وأثره فى المتلقى – إجراء القراءة يتم فى خطوات متزامنة ومتداخلة يعتمد على فك النسق التعبيرى ثم إعادة تركيبه – تأويل الدلالة الظاهرة للغور فى أعماق النص – إستخلاص الدلالات التى يوحى بها النص .
وقد حرصت على بسط التمهيد لأهميته القصوى فى الدراسة وإنخاذها اساسا لها .
- الفصل الأول قراءة النص فى ترثنا العربى يتناوله فى محاور ثلاثة إشكالية القراءة فى تراثنا النقدى ، التأويل والقراءة المنتجة ، مستويات القراءة فى النقد العربى القديم ، وذكرالكاتب ثلاث إشكاليات حالت دون ازدهار عملية القراءة الفاعلة فى النقد القديم
الإشكالية الأولى النظرة الجزئية التى دارت فى فلك البيت الواحد حيث تجاهلت الرؤية الشاملة للقصيدة كبنية فنية متكاملة .
الاشكالية الثانية التصورالمسبق للدلالة فى النص ويرجع ذلك لغلبة الاتجاه النظرى فى النقد والبلاغة وهو منهج ينظر الى النص كشاهد للتمثيل على قاعدة نقدية او بلاغية .
الإشكالية الثالثة أحادية الدلالة التى ترجع إلى عاملين الأول عدم تجاوز الدلالة الوضعية للغة بمعنى خضوع عملية الابداع لمجموعة من القواعد التى ارتضاها الشعراء وباركها النقاد والبلاغيون وبذلك اصبح المعنى معدا بصورة مقولبة والعامل الثانى عامل اجتماعى ونفسى حيث ان الشعر كان ينشد فى المحافل والمجامع مما يقتضى وضوح الدلالة اما العامل النفسى فهو ان الشخصية العربية ودور البيئة فى تشكيلها تتسم بالوضوح والانفعال .
أما التأويل فقد اتخذت صورة التأويل عند الناقد العربى ازالة التناقض فى الدلالة الظاهرة فى النص وتأويل الابيات التى تتضمن النقل وإظهار دلالة غير متوقعة يمكن أن يوحى بها النص ، كما ذكر الكاتب أن الناقد العربى القديم قد أعتمد على العقل وتعامل مع الشعر بمنطق الحقيقة ، والعجيب أن هناك بعض القراء والنقاد يتعاملون فى العصر الحاضر بهذا المنطق ، وإنتقل الكاتب الى النقطة الثالثة من الفصل الاول وهو مستويات القراءة فى النقد العربى واتخد من تصور تودروف لمستويات القراءة ( الشارحة والاسقاطية والشاعرية ) وذهب الى أن شرح الدواوين والمختارات وإن كثرت هى قراءة شارحة على غرار الطريقة المدرسية اى نقل الشعر الى نثر اما القراءة الاسقاطية فقد كانت عند الباقلانى والامدى وتمثلت فى البحث عن القبح وغض البصر عن الجمال الفنى انطلاقا من قياس الشعر بمنطق الحقيقة اما القراءة الشاعرية وقد اطلق عليها القراءة الاجمالية لتتناسب مع العصر القديم فقد تمثلت عند الناقد عبد القاهر الجرجانى فى كتابيه دلائل الاعجاز واسرار البلاغة حيث شارك فى اعادة صياغة المعنى بملء الفراغات .
-الفصل الثانى قراءة النص الشعرى فى العصر الحديث فى محورين الاول قراءة النص الشعرى فى النصف الاول من القرن العشرين مثل قراءة طه حسين والعقاد للشاعرين شوقى حافظ ابراهيم فقد اوضح انها كانت اسقاطية مغرضة للغض من شعر شوقى والتقليل من شأنه بكثير من التعسف وبعيد عن الموضوعية " فالنص الشعرى كتشكيل لغوى آخر ما يستثير طه حسين والبحث عن المعنى العام هو جل همه وبمدى مطابقة النص بحقائق الواقع يكون الجمال الفنى "
2- القراءة الحداثية ومناهج قراءة النص الادبى
1-حيث تناول قراءة النص من الخارج ( مناهج ما قبل البنيوية ) وهى المنهج النفسى والاجتماعى والاسطورى " كانت البنيوية محطة نقدية جاءت لتتجاوز قراءة النص من خارجه كصدى للانفعالات والعقد النفسية كالمنهج النفسى أو نتاج البيئة والعصر كالمنهج الاجتماعى أو تعبيرا عن اللاشعور الجمعمى وتفسيرا لرؤية الاديب اتجاه الكون والحياة كالمنهج الاسطورى ، ولكن البنيوية رغم ذلك فسرت العمل الأدبى كأشكال هندسية يتفنن فيها الناقد دون قاعدة ثابتة يمكن أن تنسحب عليها رؤية كلية للعمل الأدبى عامة " ومن إشكاليات المنهج البنيوى إغفال التاريخ وإغفال فردية المبدع وكثير من من نقاده صاغوا نماذجهم فى أشكال رياضية بحيث يبدو العمل الأدبى شكلا بلا روح .
2-الاسلوبية وقراءة النص يقوم هذا المنهج على أساس ان" النص الادبى نص لغوى لا يمكن سبر أغواره دون تحليل العلاقات اللغوية التى ينطوى عليها لان هذا التحليل هو الذى يقودنا إلى تفهم الشحنة الدلالية والعاطفية الكامنة فى النص " ص 159 وذكرمن إشكاليات هذا المنهج أن اللغة والصيغ اللغوية ليست سوى خاصية من خصائص العمل الادبى ولذلك فإن الدراسات الاسلوبية لا تمكننا من التعامل مع الجوانبب الاخرى من النص الادبى كالحبكة والشخصيات والحوار فى القصة والدلالات الاجتماعية والنفسية للعمل الأدبى .
3- المنهج السيميولوجى وقراءة النص ، تتجه كثير من التعريفات لهذا المصطلح بالعلامة وعند د صلاح فضل بأنها العلم الذى يدرس الانظمة الرمزية فى كل الاشارات الدالة وكيفية هذه الدلالة ومن إيجابياته والاهتمام بالعنصر اللغوى فى النص والذى هو تشكيل لغوى فى المقام الاول " النص تشكيل لغوى ولكنه تشكيل خاص بعالم النص لاستخدام اللغة فى غير مسارها المعتاد لاعتماده على المجاز ولغة المفارقة التى تقول اشياء وتقصد دلالات أخرى ( كقولى لمن أهاننى شكرا لك ) للتوبيخ واللوم ، ومن إشكاليات هذا المنهج انقطاع الصلة يبن النص ومبدعه وواقعه فالمبدع لا يبدع فى جو أثيرى متجردا عن ذاته والأمور المحيطة به ، ويخلص الى أنه ليس هناك منهج نقدى لقراءة النصوص دون سلبيات " واختزال التجربة برمتها فى دالة واحدة نسف للتجربة الفنية فى عناصرها المتعددة والمتداخلة "
4- نظرية التلقى فى عملية القراءة
يقصد بالتلقى هى عملية التفاعل بين القارئ والنص لتشكيل المعنى ولهذه النظرية دور كبير فى التركيز على القارئ كمنتج للدلالة وهنا يظهر اصطلاحين مهمين نتيجة لهذه النظرية الاول هو ما اقترحه ياوس بافق التوقعات والذى من خلاله يكون توجه القارئ للنص حسب ثقافته والثانى لإيزر وهو ملء الفراغات بالنص وقصد به دور القارئ فى إكمال الدلالة فى النص من خلال تصوره للشراكة بين القارئ والنص، وقد ُوجه نقد اليها وقالوا انها تؤدى الى متاهة وانها لا تصلح الا للسرد وان افق التوقع جاء مشوشا وملء الفراغات جاء غير واضح ولكن لا توجد نظرية تخلو من العيوب .
الفصل الثالث نحو منهج لقراءة النص الشعرى
ذهب الكاتب بأن المنهج الاسلوبى هو أقرب المناهج من روح النص الادبى كتشكيل لغوى ووقف على عَلمين اتصفا بقدرات عالية فى قراءة النص وهما الدكتورمحمد حماسة عبد اللطيف والدكتورمحمود الربيعى .
- عرض الكاتب منهجه المقترح فى قراءة النص الشعرى كالاتى 1-النص يفرض منهج نقده من داخله فلكل نص ادواته النقدية المناسبة له 2- أرفض فكرة بارت (موت المؤلف ) ولكن فى الوقت نفسه لا نقر بأن النص هو صورة لصاحبه ونسخه من فكره وإيدلوجيته 3- التحليل الأسلوبى له وجوده الاكبر على خريطة منج القراءة باعتبار أن النص تشكيل لغوي- استظهار الجمال الفنى فى النسق التعبيرى 5- الافادة من فكر الاخرين 6- لا يقصد بالقراءة تحويل النص الشعرى الى نص نثرى 7- لا يمكن تجاهل الجانب الايقاعى للقصيدة فالايقاع احد مرتكزات بنية النص .
تطبيقات (قراءات نصية ) للكاتب وهذه النصوص هى 1- رثاء عمر المختار لأحمد شوقى 2- اللغة العربية تنعى حظها بين أهلها لحافظ ابراهيم 3-شنق زهران لصلاح عبد الصبور 4- قصيدتان الى ولدى على للشاعر عبد الوهاب البياتى 5- الابداع والنص الموازى قراءة فى قصيدتين من ديوان تحورات الارض لمنير فوزى .
أنا أحى الكاتب الدكتور شعبان عبد الحكيم محمد على الجهد الهائل الذى بذله فى الكتاب وعلى المعلومات الوفيرة والهامة والمفيدة للقارئ ، وقد حفل الكتاب بالاشارة الى مصادر ومراجع قيمة استعان بها البحث فكانت دراسة أصيلة ذات منهج علمى محترم ، وأرى أنه كتاب لا يستغنى عنه قارئ للنص الادبى كان شعرًا أو نثرًا .
عرض وقراءة
مصطفى فودة
No photo description available.






Like






Share

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى