محمد عيد إبراهيم - إلى ما يشبه الإغماءَ.. شعر

منذُ ستةٍ وعشرينَ عاماً، رأيتُ "سعاد حسني" في مسرحِ
المدرسةِ. بزيارتِها مع العَجائزِ العنيدينَ كانت نوعاً من امرأةٍ
بشنطَتِها، كالبطِّ الذي يستَكِينُ لدى رؤياهُ صورتَهُ فرِيسَةً
سَهلةً للماءِ أو لخيالِ الأزرقِ الباهتِ يدعَمهُ الماءُ. انقلبَت الدنيا
إلى فوضَى تَحَطَّمَت على فمي، أن ألمَحَ الكلّ في فسادهِ
الخاصّ يدعوها بعينهِ، فحَزَّمتُ خَصرَها بيقينِ أن تجلسَ
جنبي، وكان أن أعجَبَها سيطرتي الراعيةُ.
.
هي امرأةٌ، لِحَدّ الأسنانِ
يقطُنُ فيها ما ابتُلِيَ الآخرونَ بهِ. أما خطُّ ظَهرِها
فكانَ بسيطاً كغريبةٍ تخطِفُها بمِطواةٍ داخلَ سيارةِ أُجرة.
.
هي امرأتي،
تلَمّسَت بأصابعِها كثيراً من التعبِ الذي زارَني
أيامَ الذهبِ وضائقةِ النفسِ والانزلاقِ ـ على ألبسةِ المخدّاتِ،
لاختبار نَجدَتها التي يتطلّبُها المجانين،
جِلدُ رُكبتِها والذي يعكِسُ كالزيتِ الملوَّنِ نورَ عينَيها
مالَ بي، فانتَفَضتُ لدى أن مَسّ السريرَ ناعماً بنَسِيجهِ...
وكانت تفكّ أربطةَ العضلاتِ من صدرِها وتلفُّ على عنقي،
كلُعبةِ الصوفِ البنيّ، مثل أمّي مع القطّ الذي كانت تقترضهُ
من الجارةِ، وفاءً لفتائلِ المصباحِ والكمّونِ أو كَسَرولَة ـ
.
لم لا،
سأُدلّككِ في فِراشِ المرضِ، وأنزعُ سُوسَةَ العُمرِ
من جسدي وأعطِيكِ، لا تحكي. آهٍ، سأعمل لكِ الشاي!
............................
(*) القصيدة، من ديوان (فحم التماثيل)، دار شرقيات، 1997
(*) نُشرت عام 1993، وهي مريضة في مستشفى بلندن.
أعلى