مصطفى فودة - قراءة فى قصة مشيرة للأستاذ الكبير سمير الفيل

بدأت قصة مشيرة بداية غير مألوفة " البنت مشيرة ......ماتت اليوم " حيث بدأت بنهاية حياتها وهى بداية بها مخاطرة سردية إذ يعلم القارئ نهاية القصة من بدايتها فمن المحتمل أن ينصرف عنها ويزهد فيها ، أما عند كبار الكتاب فهناك عوامل جاذبة أخرى للقارئ تجعله منجذبا اليها حريصا على قراءتها .
استخدم الكاتب تقنية الفلاش باك فى كتابة القصة حيث كانت جنازة مشيرة مركز السرد فى القصة ينطلق منها السارد الى ذكرياته الماضية مع مشيرة ثم يعود الى الجنازة تم يعود مرة أخرى الى مشهد من الماضى ثم يعود الى الجنازة وهكذا دواليك فكان السارد مثل من يضع سن الفرجار ( البرجل ) على مركز الدائرة ويدور بقوس واسع يصنع هذا المحيط من القصص الجميل فكانت حركة الزمن فى النص حركة دائرية من الحاضر إلى الماضى ثم العودة مرة أخرى إلى الحاضر وكأنها دورة حياة الكائنات مما زاد القصة عمقا وشغفا وجاذبية .
كان بالقصة نزعة وجودية فقد حفلت بالسؤال عن الأفق فى طفولتهما وما يستطيع أن يبلغه الانسان منه وعن الموت وعن مصير البشر بعد الموت عندما كبرا كل ذلك بطريقة فنية قصصية دون أن يشعر القارئ بثقل تلك الاسئلة الفلسفية " من يمكنه أن يجرى ليبلغ الأفق / قالت وهى تستعيد اسماء الأبطال فى ذهنها السندباد .....وأكتشفنا أن هناك أشياء لايمكن أن تطولها أبدا " ...سالتنى وأنا أحمل جمجمة أخيها طالب الطب بيدى ألا تخشى أن يطلع لك صاحبها بالليل " " أطلعتنى على فراشة محنطة وهى تسألنى هل نصير فى يوم من الأيام مثل هذه الكائنات ؟ " إذن كانت مشيرة والسارد مشغولان بالموت والمصير بعد الموت وهذا ما نراه فى نهاية القصة " وكان الوجع يملأ قلبى أن الأفق هناك بعيدا بلا إنتهاء .....فسمعتها أوقن أنها لم تكذب علىّ : لقد بلغت حد الأفق" ومضى السارد يحدث مشيرة فى خياله كنت أعرف أنك ستدركين غايتك وضعت رأسى على كتف خالتى التى ماتت من ربع قرن مضى قالت لى وهى تنخرط فى نحيب مؤثر لقد سبقتك الى هناك أنا جهزت لها الأرائك " والقارئ إذ يلاحظ تلك الصورة الفانتازية وهو يضع رأسه على كتف خالته التى ماتت من رب قرن وتحدثه أنه سبقت ابنتها الى العالم الآخر وجهزت لها الأرائك إشارة الى الجنة .
أحتوت القصة فى بعض عباراتها إلى حب الحرية والسعى اليها وخاصة حرية أرواحنا حيث تحدث السارد إلى خالته أم مشيرة " لقد أكدت لها أن الدائرة لم تصنع كى نسجن فيها وأن علينا واجب دائم أن نصنع ثغرة لها مهما بدت ضئيلة فهى ضرورية لتحرير أرواحنا " ففيها عشق الحرية ومحاولة الوصول اليها والفو بها مهما كانت الظروف المحيطة ونلاحظ أن تحرير أرواحنا هى الحرية الحقيقية التى ينبغى أن نصبو إليها .
حفلت القصة بصور فنية رائعة من واقع البيئة وللسارد مهارة كبيرة فى رسم الشخصيات وخاصة وجوهها فنراه يصور وجه مشيرة وجمال عينيها ( وجه باسم تستقر بها عينان يسكنهما غيط برسيم أخضر فى موسم النوار ، ومثل عيونها التى ضحكت ، أشعر بالنوار يتفتح فتزهزه الدنيا ) وهى صورة جميلة عن جمال عينيها من واقع بيئة زراعية بمشهد غيط برسيم فى موسم النوار كذلك حين يصف مشيرة الصغيرة ابنة مشيرة ( ضحكت بدون حقلى برسيم - اى عيناها لم تكن خضراء مثل امها - كانت جميلة وبرسيمها أفتح قليلا ولم يكن النوار قد تفتح بعد فموسمه لم يقبل ) كناية عن عدم ظهور مظاهر الأنوثة بها فلا زالت صغيرة ، كذلك رصد السارد التغير الذى حدث لمشيرة حين وجد امرأة متلفعة فى الاسود الغطيس وقد تغيرت كثيرا وانحنى ظهرها بعض الشئ والذى لم يعرفها إلى أن بدأت مشيرة بالحديث معه بعد وفاة زوجها ولا زالت تحتفظ بخفة دمها رغم مرور الزمن وإنجاب مشيرة الصغيرة ،( تقصدننى انا ؟ اقتربت وهى تعنفنى/ أترى خيالك ؟ ) .
ورغم معرفتنا بوفاة مشيرة من اول القصة الا أننا ننسي أو تتناسى وفاتها ونتمنى إلا تموت من فرط روعة الوصف وجمال السرد وتساؤلات الحياة والموت والذى ينسينا موتها إلى أن يفاجئنا السارد بأننا فى جنازة مشيرة مرة أخرى ، القصة رائعة وعميقة وذات نزعة وجودية واحتوت على تقنيات فنية عالية جدا .
ونحن إذ يشعر بالأسى لوفاة مشيرة إلا أننا لا نملك إلا ان نحبها وننادى من أعماق قلوبنا ما أجملك يا مشيرة .
تعليق مصطفى فودة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى