السَّنة التي لم نعِشْها لا تستحق أن نُقيِّم أحْداثها في حصيلة أو حوْصلة، لا تسْتحقُّ أن نزيد بموتها رقماً جديداً في أعمارنا ونُقْحِمه في شهادة الازدياد، السَّنة التي لم نعْشْها لا تستحقُّ أن نَتبادل من أجلها التَّهاني ونَعْتبرها سعيدة، ولا أعجب إلا مِمَّن ينتظر بفارغ الخمر وبشوق واقفٍ على الجمر، انصرام الأيام المُتبقِّية من هذا العام، لا أعرف هل لِيحتفل بنهاية عهده بنفسه كإنسانٍ يتمتَّع بجميع حقوقه الطَّبيعية في الحياة، أمْ يحتفل بِنهاية السَّنة التي تُسلِّم للموالية مشعل الوباء !
صحيح أنَّ البركان إذا نشَط يقذف حِمماً تُحرق الأخْضر واليابس، ولكن لنْ يكون بِقوَّة نشاط الخيال الإنساني الذي يُمكنه أنْ يُصيب في تخْميناته أو يَخِيب، ولنْ أُبالغ إذا قلتُ إنَّ ثمَّة روايةً ملحمية جاهزة في الخارج، تحْتاج فقط لِمنْ ينْقُل سطورها ببراعةٍ بين دفَّتَي كتاب، ولكن ليس الآن من داخل الوباء، بل من خارجه رُبَّما مع آخر لقاحٍ يُعالج ولا يزهق الأرواح، فالذي ما زال في الرَّحِم يحتاج للولادة ليتعرَّف على أمه، كذلك الكتابة تحتاج لمسافة التأمل التي دونَها لا تكتمل ملامح ما يعيشُنا اليوم ولوْ في صورة مُرعبة، لكن المحتوم أنَّ الخيال الإنساني المضْغُوط في عبوة الخوف، قد ذهب بالأفكار إلى أبعد مِمَّا نتوقَّعُه من أقوى انفجار !
أمَّا من وِجْهة الخيال الديني الذي يسْتمِدُّ أغْرب الشَّطحات من الجُرْعة القويَّة لزمن كورونا، فقد اكتملتْ في نظر كلِّ ذي جُبَّة ولِحيةٍ يتوق أن يُنصِّبوهُ وليّاً تحت قُبة، علامات السَّاعة وأُغْلِقَت أبواب التَّوْبة وإليه النُّشُور، ومِنْ شِدَّة ما انتشرتْ أحاجي الموت، تحسبُ الشَّمس لنْ تطلع غداً، والأرض ستعود كما في الأزل السحيق لِغَمْرها العظيم، ويكفي المرء شُغلا أنْ يتعلَّم كَيْفِية تغسيل الجُثث، لِيفتح قناةً في اليوتيوب تَضخُّ عليه وهو يُمضْمِض ثمنا قليلا الله يتوب !
أما الخيال السِّياسي فَيعْكِس كل القلاقل والنِّزاعات التي تضْطرم بِحربها الباردة بين بلدان العالم، على صفحة كُرة بلَّورية تلتمع فوق طاولة إحدى العرافات المشهورات بتوقُّعاتها المخيفة؛ فأمريكا ستُحارب الصين التي ألغت التعامل بالدولار، ولن تبيع بضائعها في الطريق المغزولة بالحرير إلا مُقابل اليَن، وروسيا ستغزو أكرانيا ليس لأنَّها بحاجة لرُقعة أرض تَرْتُق سروالها البُولشيفي المُمزَّق، بل تريدها عناداً فقط لتذوِّبها كقطعة ثلج في كأس من الفودكا، وما زالت الكُرة البلورية للعرَّافة تدور حتى توقَّفت عند الجزائر، وقالت إنها تسعى لتحرير فلسطين بإعلان الحرب على المغرب، وكل من حاولوا فهم هذه النوتة الموسيقية بالذات أُصيبوا بالجنون، بينما إسرائيل في مُستنقع آخر تتوعَّد بالانقضاض في أيِّ لحظة على إيران، وهو الثور الأسود الأخير الذي ما زال يُزَمْجر بالنَّووي في الشرق الأوسط، ويبدو أنَّه قد أُكِل بعد أن سمح للأسد بافتراس الثورين الأبيض والأحمر، ومن لا يعرف سوريا والعراق، وهما البلدان اللذان دكَّتْهما أمريكا غِيلةً لتمحو حضارة الشام والرافدين، منْ بقي في المنطقة بعد أن أحاطت برقبة صَدَّام أنْشوطة الخيانة وليس فقط المشنقة !
هلْ أُهنِّىء بالقوْل سنة سعيدة أمْ أقْبِض رأسي خوف أنْ ينفلت الدِّماغ كالطائر من القفص، هل هذه سنة تستحقُّ أنْ نحتفل بنهايتها وكل ما ينْشأ في الخفاء يُبشِّر بنهاية الإنسان، بل يُمكن القول إنَّنا نُودِّع عاما سيتكرَّر نُسْخةً طِبْق القتل في السَّنة القادمة، أما كورونا فهي مُجرَّد غِطاء لِصَرْف الأنظار عن الوباء الحقيقي الذي سيُعيد هيْكلة التَّحالفات وموازين القوى في العالم، أليْس مِمَّا يَسْترعي الانتباه أنْ تتَّجه أغلب الدول للتسلح بوتيرة سريعة تُقدَّر بملايير الدولارات، أليْس بهذه الأموال الطَّائلة يُمكن لِكُلِّ الأمراض أن تُصْبح صِحَّة، وتغدو البطالة شغلا، وتصير الأمية الألفبائية والمعرفية تعليماً وثقافة، ويمكن لكل الجيوب الأمامية والخلفية أن تتنفس الصعداء، سنة سعيدة للذين بحاجة لدليل أسطع أنَّ الوباء الحقيقي ليس كورونا، إنما هؤلاء الذين فقدوا الأسماء ومازالُوا مَحْسوبين بِحُجَّة نُطْفة اصْطِناعيَّة على البشر !
.............................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 16 دجنبر 2021.
صحيح أنَّ البركان إذا نشَط يقذف حِمماً تُحرق الأخْضر واليابس، ولكن لنْ يكون بِقوَّة نشاط الخيال الإنساني الذي يُمكنه أنْ يُصيب في تخْميناته أو يَخِيب، ولنْ أُبالغ إذا قلتُ إنَّ ثمَّة روايةً ملحمية جاهزة في الخارج، تحْتاج فقط لِمنْ ينْقُل سطورها ببراعةٍ بين دفَّتَي كتاب، ولكن ليس الآن من داخل الوباء، بل من خارجه رُبَّما مع آخر لقاحٍ يُعالج ولا يزهق الأرواح، فالذي ما زال في الرَّحِم يحتاج للولادة ليتعرَّف على أمه، كذلك الكتابة تحتاج لمسافة التأمل التي دونَها لا تكتمل ملامح ما يعيشُنا اليوم ولوْ في صورة مُرعبة، لكن المحتوم أنَّ الخيال الإنساني المضْغُوط في عبوة الخوف، قد ذهب بالأفكار إلى أبعد مِمَّا نتوقَّعُه من أقوى انفجار !
أمَّا من وِجْهة الخيال الديني الذي يسْتمِدُّ أغْرب الشَّطحات من الجُرْعة القويَّة لزمن كورونا، فقد اكتملتْ في نظر كلِّ ذي جُبَّة ولِحيةٍ يتوق أن يُنصِّبوهُ وليّاً تحت قُبة، علامات السَّاعة وأُغْلِقَت أبواب التَّوْبة وإليه النُّشُور، ومِنْ شِدَّة ما انتشرتْ أحاجي الموت، تحسبُ الشَّمس لنْ تطلع غداً، والأرض ستعود كما في الأزل السحيق لِغَمْرها العظيم، ويكفي المرء شُغلا أنْ يتعلَّم كَيْفِية تغسيل الجُثث، لِيفتح قناةً في اليوتيوب تَضخُّ عليه وهو يُمضْمِض ثمنا قليلا الله يتوب !
أما الخيال السِّياسي فَيعْكِس كل القلاقل والنِّزاعات التي تضْطرم بِحربها الباردة بين بلدان العالم، على صفحة كُرة بلَّورية تلتمع فوق طاولة إحدى العرافات المشهورات بتوقُّعاتها المخيفة؛ فأمريكا ستُحارب الصين التي ألغت التعامل بالدولار، ولن تبيع بضائعها في الطريق المغزولة بالحرير إلا مُقابل اليَن، وروسيا ستغزو أكرانيا ليس لأنَّها بحاجة لرُقعة أرض تَرْتُق سروالها البُولشيفي المُمزَّق، بل تريدها عناداً فقط لتذوِّبها كقطعة ثلج في كأس من الفودكا، وما زالت الكُرة البلورية للعرَّافة تدور حتى توقَّفت عند الجزائر، وقالت إنها تسعى لتحرير فلسطين بإعلان الحرب على المغرب، وكل من حاولوا فهم هذه النوتة الموسيقية بالذات أُصيبوا بالجنون، بينما إسرائيل في مُستنقع آخر تتوعَّد بالانقضاض في أيِّ لحظة على إيران، وهو الثور الأسود الأخير الذي ما زال يُزَمْجر بالنَّووي في الشرق الأوسط، ويبدو أنَّه قد أُكِل بعد أن سمح للأسد بافتراس الثورين الأبيض والأحمر، ومن لا يعرف سوريا والعراق، وهما البلدان اللذان دكَّتْهما أمريكا غِيلةً لتمحو حضارة الشام والرافدين، منْ بقي في المنطقة بعد أن أحاطت برقبة صَدَّام أنْشوطة الخيانة وليس فقط المشنقة !
هلْ أُهنِّىء بالقوْل سنة سعيدة أمْ أقْبِض رأسي خوف أنْ ينفلت الدِّماغ كالطائر من القفص، هل هذه سنة تستحقُّ أنْ نحتفل بنهايتها وكل ما ينْشأ في الخفاء يُبشِّر بنهاية الإنسان، بل يُمكن القول إنَّنا نُودِّع عاما سيتكرَّر نُسْخةً طِبْق القتل في السَّنة القادمة، أما كورونا فهي مُجرَّد غِطاء لِصَرْف الأنظار عن الوباء الحقيقي الذي سيُعيد هيْكلة التَّحالفات وموازين القوى في العالم، أليْس مِمَّا يَسْترعي الانتباه أنْ تتَّجه أغلب الدول للتسلح بوتيرة سريعة تُقدَّر بملايير الدولارات، أليْس بهذه الأموال الطَّائلة يُمكن لِكُلِّ الأمراض أن تُصْبح صِحَّة، وتغدو البطالة شغلا، وتصير الأمية الألفبائية والمعرفية تعليماً وثقافة، ويمكن لكل الجيوب الأمامية والخلفية أن تتنفس الصعداء، سنة سعيدة للذين بحاجة لدليل أسطع أنَّ الوباء الحقيقي ليس كورونا، إنما هؤلاء الذين فقدوا الأسماء ومازالُوا مَحْسوبين بِحُجَّة نُطْفة اصْطِناعيَّة على البشر !
.............................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 16 دجنبر 2021.