يبدأ مجموعته الشعرية بأستعارة لشاعر بوهيمي :
»انني أمارس حياتي...على انها هواية أو نزوة ّ ، لم أكن قط جادا ، في عام 1995 دخلت الثلاثين هكذا... أي كما لو انني أدخل... حانة « عبد الأمير جرص .
لكن الشاعر مُبين خشاني في مجموعته الشعرية (( مخطوف من يد الراحة )) ، التي فازت بجائزة الرافدين للكتاب الأول ، دورة الشاعر فوزي كريم ، يقلب المبنى والمعنى معا كأنه يقلب طاولة ثملة فيقول :
(( أدخل العشرين ْ كمن يخرج من الجنَّة ... ))
ثم يستطرد ليأخذنا معه كما لو أننا فصيلا من فصائل تشرين التي تطاردها الهراوات وقنابل الغاز المُسيل للدموع / مشحوتين / من الجنة لنبحث خارجها عن ملجأ نستكين فيه قليلا كي نحصي جراحنا .
لا يكتفي مُبين بذلك بل يقودنا الى ما لانريد ان نراه أو نتذكره ، يجول بنا في غرف البيت الموحش ويتوقف معنا لنعيد أكتشاف المشهد :
(( أدخل العشرين كمن يفتح الثّلاجة ،
ويصمت أمام فراغها )) .
يتركنا هناك واقفين في صمت وذهول فيما يواصل هو دخوله العشرين من عمره أعزلاً لا يملك غير التأمل في سماء خاوية يلعب معها لعبة الخيبة :
(( أُسمّي الغيوم على أسماء رغباتي
وأرقب كيف تصل كل واحدة ذروتها ثم تذوي ))
لم يختر مُبين خشاني أستعارة لأدغار آلن بو ولا آرثر رامبو ليفتتح بها أسفاره الشعرية بل أختار مقطعا موجعا لشاعر بوهيمي أضطر أن يهجر العرق في سن مبكرة بعد أن أستقام مشروعه الشعري معلنا عن فرادته في حدته ونقائه ، عبد الأمير جرص الذي جمع بين السخط الحاد على الوضع السياسي والسخرية المريرة من عدمية الوجود التي ظلت تلاحقه في مهجره لتقضي عليه هناك في حادث عبثي توالى الأصدقاء على وصفه بالمفجع ، فوصفه الشاعر عارف الساعدي بأنه خيانة (( حيث تخونه دراجته الهوائية فيسقط منها على أرصفة كندا غريباً وحزيناً )) فيما وصفه الشاعر سعد جاسم بأنه (( رحيل الى الأبدية على الدراجة الهوائية )) . لكن مالذي يضمره مُبين خلف هذه المرجعية التي يضل صداها يرافقنا مثل أنين باب كهل في بقايا خرائبنا المقدسة التي ما أن نهجرها حتى نشقى للعودة أليها.
(( أخرجُ كل صباح
كمن يقع في الفخ مرتين ،
وأنتِ بنية الأنقاذ
تمدين أصابعك مثل نخيل مذبوح وتغلقين النافذة ))
ومثله مثل شعراء جيله تتخذ الصور الشعرية عنده شكل الشظايا المتطايرة التي لا يمكن تجنبها لأنها تداهمك فجأة ، قاسية كوقائع الحياة ، ساخطة غاضبة كصراخ الثائرين وساخرة كأنها مُزحة شعبية مُرة ، ومثلها مثل قصص العشق في ساحات الأحتجاج وخيمات الغضب لا تنسى أن تعلن عن قدرتها على التحليق في فضاء الحرية :
(( ليست خفة الطائر ما تجعله يطير
بل أحلامه ...))
ذلك التعلق الحميم بالحب والحرية هو ما يجنبنا الأحساس بالخيبة واليأس ويقلب المبنى والمعنى معا ليجعل من قصائد مُبين منشورات للعشق والثورة لا نمل جمعها وتأملها مثل لُقى متفرقة أو شواهد عدوان من طرف ثالث صوب المحتجين ، شظايا قنابل ومغلفات رصاص مختوم بلغة الجيران .
ومع انني لست ناقدا ولا شاعرا لكن أشتغالي الطويل والمتكرر مع مسرحة الشعر في تجارب عديدة سابقة مكنني من الأحساس بخصوصية تكوين الصورة الشعرية هنا ، حيث تمنحك معنى لا يشوبه الغموض لكنها في الوقت ذاته تنأى بنفسها عن السطحية والمباشرة ، إذ تنطوي على بنية مُركبة تقدم لنا المعنى في مبنى مبتكر .
(( حين تفتح أعين دهشتها على
ما يجعل وقت الوهلة أطول ،
فيغرق طرف ثالث في الحسرة
على فراغ سلاله وضمور خياله ))
لا ينجذب مُبين خشاني الى غواية التشويق عبر الغموض والتمويه ولا يسلك مسالك مضللة لأنه يعرف تماما ما يريد قوله ويدرك تماما ألى أين تقوده كلماته ، بغض النظر عن ما إذا كان ذلك الموضع أمام ثلاجة فارغة أو فضاء فسيح ،
فالفكرة لديه تكتسب قيمتها من وضوحها والعبارة من أقتضابها ولا ينسى أن يخضب ذلك كله بحزن عراقي شفيف .
(( متى ما أقر الكائن بجهد الفكرة
إنهمر دمع الفرح
أبن الحزن الضال ))
لا يتخلى مُبين عن طرافته التي هي درعه الحصين في مواجهة رصاص الطرف الثالث وقسوة الجوع ومرارة اليأس ولا يلجأ الى إدعاء البطولة بل يلجأ الى النوم :
(( لا تسيئي فهم نومي الطويل ، أنه نزهة فيك )).
على خلاف غيرها تحمل أحدى قصائده عنوانا مباشرا واضحا (( ثأر )) مثل أظفرا في عين ، وكأن صبره قد نفد أو أن غضبه قد بلغ أقصى مداه ، لكنه هنا أيضا لا ينسى أن التحدي الذي يواجهه هو ليس طرفا ثالثا متخفيا خلف ترسانات من الأسمنت والأسلحة بل أن تحديه الأكبر هو الحياة ذاتها ، وهنا يلجأ مُبين أحيانا الى تكنيك يذكرني بحيلة طريفة كانت أمي تقوم بها عندما تعتق ياقة قميصي المدرسي الأبيض حيث تقوم بقصها وقلبها من جديد ليكون باطنها ظهرها فتبدو وكأنها جديدة وتمنح قميصي عمرا أضافيا :
(( لن تفني يا حياتي
حتى أرد أيامي من أعقابها
وأعيش مرات عديدة .
بيني وبينك دمٌ
وأخوة ضائعون
في أسمائك الكثيرة
وعليّ لكي أنام أن أسرق النار منك
وأقبل هية الرماد )).
يلازم الخوف طفولتنا ويعكر صفوها حتى نتعلم معنى الشجاعة ، وليست الشجاعة في المواجهة فحسب بل في الأعتراف وهي صورة من صور المعرفة والمكاشفة والمصالحة مع الذات فلا قيمة لشجاعة زائفة تستهين بالموت وتنتقص من قيمة الحياة ، لهذا تتخذ الشجاعة شكل الخوف أحيانا ، ذلك الخوف الذي يمضي الى أقصاه ليتحول الى شجاعة .
(( كان صوت أمي يطرد الوحوش عن فراشي
فننام أثنين
أنا وشعوري بالخوف ))
صالح
صالح رحيم
لم يهاجر مُبين العراق مثلما فعل عبد الأمير جرص لكنه هاجر طمأنينته وهجر فيه الأمان والسلوى فصارت الغربة تنهش قلبه وهو ساكن في داره يتأمل مأساته القادمة في مهجر محتمل يقوده الى مصير مجهول ، قد تسبب له فيه خيانة دراجة هوائية رحيلا أبديا .
(( والداي سلاما
الليلة أبذر وداعي بينكما
تاركا لكما في الدار
شجرة غيابٍ تنمو
بقدر المسافة المقطوعة نحو غايتي .
وأريد كلّما غير الشفق ألوانه
أن تسقيا شجرة غيابي
وتمدان لحزن الصفصاف سبيلا
يوصلُه غايته )) .
وهناك في غربته يوجع قلبه الحنين الى صورة الحبيبة التي تتخذ صورة الدمع في العيون في ليلة مظلمة :
(( وأدري أنك بعيدة الى درجة لا أراها
لكن .. في عينّي حين تغمضان يتجمد ماء
ويصير وجهك ))
قد لا يكون لدى مُبين ما يجعله يتمسك بالحياة غير الحب ، وهو أيضا ما علّمه أن لا يخشى الهاوية :
(( لم أمت من قبل ...
لكني عرفت أن السقوط طيران مؤقت ))
الجمال والشهوة هي أكسير الحياة الذي يمنح مُبين قوة التحليق والقفز المتواصل في الفراغ ليعلن عن خلود الفكرة والحب ويمتد مثل أظفر في عين قناص يرقبه ويتربص به .
((ومن ذهبك السائل في فمي
انطق ما قاله الماء للصخر فأنفلق ))
لا يدعي معرفة سر الخلود ولا هو عصي على الموت لكنه نام مبكرا مع الخوف على سرير واحد وعرف أسراره وخفاياه وعرف أن الموت جبان ولهذا فأنه يختبيء في حفر الأرض بينما يقفز العشق عاليا مثل شغف او شهوة او فكرة جامحة.
(( نقفزُ في الهواء
تنفلت حمالةُ صدرِكِ
وينفلت بعدها العالم ))
ورغم تلك القفزات العالية التي تشاكس جاذبية الملل فأن الشاعر يحط من جديد في البيت ويجول معنا في غرفه ليرسم على جدرانه لوحات للعشق الذي سلب وجدانه وعقله فجعل روحه تهيم بين ممرات بيت صغير يكاد يطير معه من فرط عشقه .
(( أنتِ كما أنتِ
وانا كوصية في عنقك .
أنغزك وقت دخول الشمس من شُباك المطبخ
لكي لا تسهي عن وضع الملح في الحياة الماسخة )) .
»انني أمارس حياتي...على انها هواية أو نزوة ّ ، لم أكن قط جادا ، في عام 1995 دخلت الثلاثين هكذا... أي كما لو انني أدخل... حانة « عبد الأمير جرص .
لكن الشاعر مُبين خشاني في مجموعته الشعرية (( مخطوف من يد الراحة )) ، التي فازت بجائزة الرافدين للكتاب الأول ، دورة الشاعر فوزي كريم ، يقلب المبنى والمعنى معا كأنه يقلب طاولة ثملة فيقول :
(( أدخل العشرين ْ كمن يخرج من الجنَّة ... ))
ثم يستطرد ليأخذنا معه كما لو أننا فصيلا من فصائل تشرين التي تطاردها الهراوات وقنابل الغاز المُسيل للدموع / مشحوتين / من الجنة لنبحث خارجها عن ملجأ نستكين فيه قليلا كي نحصي جراحنا .
لا يكتفي مُبين بذلك بل يقودنا الى ما لانريد ان نراه أو نتذكره ، يجول بنا في غرف البيت الموحش ويتوقف معنا لنعيد أكتشاف المشهد :
(( أدخل العشرين كمن يفتح الثّلاجة ،
ويصمت أمام فراغها )) .
يتركنا هناك واقفين في صمت وذهول فيما يواصل هو دخوله العشرين من عمره أعزلاً لا يملك غير التأمل في سماء خاوية يلعب معها لعبة الخيبة :
(( أُسمّي الغيوم على أسماء رغباتي
وأرقب كيف تصل كل واحدة ذروتها ثم تذوي ))
لم يختر مُبين خشاني أستعارة لأدغار آلن بو ولا آرثر رامبو ليفتتح بها أسفاره الشعرية بل أختار مقطعا موجعا لشاعر بوهيمي أضطر أن يهجر العرق في سن مبكرة بعد أن أستقام مشروعه الشعري معلنا عن فرادته في حدته ونقائه ، عبد الأمير جرص الذي جمع بين السخط الحاد على الوضع السياسي والسخرية المريرة من عدمية الوجود التي ظلت تلاحقه في مهجره لتقضي عليه هناك في حادث عبثي توالى الأصدقاء على وصفه بالمفجع ، فوصفه الشاعر عارف الساعدي بأنه خيانة (( حيث تخونه دراجته الهوائية فيسقط منها على أرصفة كندا غريباً وحزيناً )) فيما وصفه الشاعر سعد جاسم بأنه (( رحيل الى الأبدية على الدراجة الهوائية )) . لكن مالذي يضمره مُبين خلف هذه المرجعية التي يضل صداها يرافقنا مثل أنين باب كهل في بقايا خرائبنا المقدسة التي ما أن نهجرها حتى نشقى للعودة أليها.
(( أخرجُ كل صباح
كمن يقع في الفخ مرتين ،
وأنتِ بنية الأنقاذ
تمدين أصابعك مثل نخيل مذبوح وتغلقين النافذة ))
ومثله مثل شعراء جيله تتخذ الصور الشعرية عنده شكل الشظايا المتطايرة التي لا يمكن تجنبها لأنها تداهمك فجأة ، قاسية كوقائع الحياة ، ساخطة غاضبة كصراخ الثائرين وساخرة كأنها مُزحة شعبية مُرة ، ومثلها مثل قصص العشق في ساحات الأحتجاج وخيمات الغضب لا تنسى أن تعلن عن قدرتها على التحليق في فضاء الحرية :
(( ليست خفة الطائر ما تجعله يطير
بل أحلامه ...))
ذلك التعلق الحميم بالحب والحرية هو ما يجنبنا الأحساس بالخيبة واليأس ويقلب المبنى والمعنى معا ليجعل من قصائد مُبين منشورات للعشق والثورة لا نمل جمعها وتأملها مثل لُقى متفرقة أو شواهد عدوان من طرف ثالث صوب المحتجين ، شظايا قنابل ومغلفات رصاص مختوم بلغة الجيران .
ومع انني لست ناقدا ولا شاعرا لكن أشتغالي الطويل والمتكرر مع مسرحة الشعر في تجارب عديدة سابقة مكنني من الأحساس بخصوصية تكوين الصورة الشعرية هنا ، حيث تمنحك معنى لا يشوبه الغموض لكنها في الوقت ذاته تنأى بنفسها عن السطحية والمباشرة ، إذ تنطوي على بنية مُركبة تقدم لنا المعنى في مبنى مبتكر .
(( حين تفتح أعين دهشتها على
ما يجعل وقت الوهلة أطول ،
فيغرق طرف ثالث في الحسرة
على فراغ سلاله وضمور خياله ))
لا ينجذب مُبين خشاني الى غواية التشويق عبر الغموض والتمويه ولا يسلك مسالك مضللة لأنه يعرف تماما ما يريد قوله ويدرك تماما ألى أين تقوده كلماته ، بغض النظر عن ما إذا كان ذلك الموضع أمام ثلاجة فارغة أو فضاء فسيح ،
فالفكرة لديه تكتسب قيمتها من وضوحها والعبارة من أقتضابها ولا ينسى أن يخضب ذلك كله بحزن عراقي شفيف .
(( متى ما أقر الكائن بجهد الفكرة
إنهمر دمع الفرح
أبن الحزن الضال ))
لا يتخلى مُبين عن طرافته التي هي درعه الحصين في مواجهة رصاص الطرف الثالث وقسوة الجوع ومرارة اليأس ولا يلجأ الى إدعاء البطولة بل يلجأ الى النوم :
(( لا تسيئي فهم نومي الطويل ، أنه نزهة فيك )).
على خلاف غيرها تحمل أحدى قصائده عنوانا مباشرا واضحا (( ثأر )) مثل أظفرا في عين ، وكأن صبره قد نفد أو أن غضبه قد بلغ أقصى مداه ، لكنه هنا أيضا لا ينسى أن التحدي الذي يواجهه هو ليس طرفا ثالثا متخفيا خلف ترسانات من الأسمنت والأسلحة بل أن تحديه الأكبر هو الحياة ذاتها ، وهنا يلجأ مُبين أحيانا الى تكنيك يذكرني بحيلة طريفة كانت أمي تقوم بها عندما تعتق ياقة قميصي المدرسي الأبيض حيث تقوم بقصها وقلبها من جديد ليكون باطنها ظهرها فتبدو وكأنها جديدة وتمنح قميصي عمرا أضافيا :
(( لن تفني يا حياتي
حتى أرد أيامي من أعقابها
وأعيش مرات عديدة .
بيني وبينك دمٌ
وأخوة ضائعون
في أسمائك الكثيرة
وعليّ لكي أنام أن أسرق النار منك
وأقبل هية الرماد )).
يلازم الخوف طفولتنا ويعكر صفوها حتى نتعلم معنى الشجاعة ، وليست الشجاعة في المواجهة فحسب بل في الأعتراف وهي صورة من صور المعرفة والمكاشفة والمصالحة مع الذات فلا قيمة لشجاعة زائفة تستهين بالموت وتنتقص من قيمة الحياة ، لهذا تتخذ الشجاعة شكل الخوف أحيانا ، ذلك الخوف الذي يمضي الى أقصاه ليتحول الى شجاعة .
(( كان صوت أمي يطرد الوحوش عن فراشي
فننام أثنين
أنا وشعوري بالخوف ))
صالح
صالح رحيم
لم يهاجر مُبين العراق مثلما فعل عبد الأمير جرص لكنه هاجر طمأنينته وهجر فيه الأمان والسلوى فصارت الغربة تنهش قلبه وهو ساكن في داره يتأمل مأساته القادمة في مهجر محتمل يقوده الى مصير مجهول ، قد تسبب له فيه خيانة دراجة هوائية رحيلا أبديا .
(( والداي سلاما
الليلة أبذر وداعي بينكما
تاركا لكما في الدار
شجرة غيابٍ تنمو
بقدر المسافة المقطوعة نحو غايتي .
وأريد كلّما غير الشفق ألوانه
أن تسقيا شجرة غيابي
وتمدان لحزن الصفصاف سبيلا
يوصلُه غايته )) .
وهناك في غربته يوجع قلبه الحنين الى صورة الحبيبة التي تتخذ صورة الدمع في العيون في ليلة مظلمة :
(( وأدري أنك بعيدة الى درجة لا أراها
لكن .. في عينّي حين تغمضان يتجمد ماء
ويصير وجهك ))
قد لا يكون لدى مُبين ما يجعله يتمسك بالحياة غير الحب ، وهو أيضا ما علّمه أن لا يخشى الهاوية :
(( لم أمت من قبل ...
لكني عرفت أن السقوط طيران مؤقت ))
الجمال والشهوة هي أكسير الحياة الذي يمنح مُبين قوة التحليق والقفز المتواصل في الفراغ ليعلن عن خلود الفكرة والحب ويمتد مثل أظفر في عين قناص يرقبه ويتربص به .
((ومن ذهبك السائل في فمي
انطق ما قاله الماء للصخر فأنفلق ))
لا يدعي معرفة سر الخلود ولا هو عصي على الموت لكنه نام مبكرا مع الخوف على سرير واحد وعرف أسراره وخفاياه وعرف أن الموت جبان ولهذا فأنه يختبيء في حفر الأرض بينما يقفز العشق عاليا مثل شغف او شهوة او فكرة جامحة.
(( نقفزُ في الهواء
تنفلت حمالةُ صدرِكِ
وينفلت بعدها العالم ))
ورغم تلك القفزات العالية التي تشاكس جاذبية الملل فأن الشاعر يحط من جديد في البيت ويجول معنا في غرفه ليرسم على جدرانه لوحات للعشق الذي سلب وجدانه وعقله فجعل روحه تهيم بين ممرات بيت صغير يكاد يطير معه من فرط عشقه .
(( أنتِ كما أنتِ
وانا كوصية في عنقك .
أنغزك وقت دخول الشمس من شُباك المطبخ
لكي لا تسهي عن وضع الملح في الحياة الماسخة )) .