لم أكن يومًا ممن يهتمون بقضيةِ عتباتِ النصِ. إذ كيف نحاسبُ الشاعرَ على غلافٍ لم يصممه هو نفسه وعلى عنوانٍ ربما لم يكن حرًا في اختياره ولا إهداءٍ قد تفرضه عليه ضروراتٍ كثيرةٍ. ولكن برغم موقفي هذا؛ إلّا إن هذا الديوانَ “أنامُ بين قَوْسيْنِ ” للشاعرة سهير الطويل والصادر منذ أيامٍ؛ جعلني أحاول الاستفادةَ من ذلك التوجه النقدي.
ولكن من خلالِ توظيفِه نفسيًا، بل وتطبيقه على البناء النفسي للشاعرة نفسها وما تكابده من معاناةٍ أو آلامٍ خلال عمليةِ الإبداعِ لهذا النص الشعري.
ولقد اهتمت مناهجُ النقدِ الحديثةِ بعتباتِ النصِ أو النصُ الموازي، لما تمثله من أهميةِ كونها، هي الجسرُ الأولُ الذي يعبره القارئُ نحو العمل. فكان “جيرار جينيت” من السباقين في تبني قضيةَ العتباتِ عبر دراساتٍ معمَّقةٍ على مستوى التنظيرِ، والخلاصةُ أن العتباتُ هي كل ما يحيطُ النصَ من عنوانٍ وغلافٍ و إهداءِ أو كلمةُ ناشرٍ أو حتى من مقابلاتٍ مع الكاتبِ أو دراساتٍ حول النصِ.
ولعتباتِ النصِ وظيفتان:
وظيفةٌ جماليةٌ تتمثل في تزيينِ الكتابَ وتنميقَه، ووظيفةٌ تداوليةً تكمن في استقطابِ القارئَ واستغوائِه فتشجعه على تصفحِ الكتابِ في البدايةِ ثم الاقتناعُ بالكتابِ واقتنائِه. ويعتبرُ العنوانُ أولَ العتباتِ وأهمِها، حيثُ هو أولُ ما تقع عليه عين القارئِ، فإن شدّه العنوانَ أخذَ الكتابَ ليتصفحه و إن لم يشُدّ انتباهِهِ فإنه لن يمسك الكتابَ أصلاً.
و هكذا فإنه يقومُ بعملٍ (دعائيٍ) للكتابِ. وكما قال “محمد مفتاح” عن العنوان: ” العنوانُ معرفةٌ لضبطِ انسجامِ النصِ وفهمُ ما غمُض منه، إذ هو المحورُ الذي يتوالدُ ويتنامى ويعيدُ إنتاج نفسِهِ، وهو الذي يحددُ هويةَ العملِ. فهو إن صحت المشابهة -بمثابةِ الرأسِ للجسدِ-، والأساسُ الذي تُبْنى عليه،غير أنه إما أن يكونَ طويلًا فيساعد على توقعِ المضمونِ الذي يتلوه، وإما أن يكونَ قصيرًا.
والعنوانُ هنا “أنامُ بَيْنَ قَوْسَيْنِ” ولابد من معرفةِ دلالةِ النومِ ومعناه ووظائفه حتى نستطيعُ فهمَ المقصودَ منه؛ النومُ نكوصٌ بدنيٌ إلي مرحلةٍ مبكرةٍ وعودٌ قدرُ المستطاعِ إلي مرحلةِ ما قبل الميلادِ، -وهي المرحلةُ الجنينيةُ داخِل الرحمِ- ويعتبرُ النومُ سيكولوجيًا نكوصًا إلي مراحلٍ أوليةٍ، وبخاصة المرحلةُ التي يصِفُها بالنرجسيةِ البدائيةِ والإشباعِ الهلاسي للرغباتِ، أما من حيث أنه نكوصٌ إلي مرحلةِ النرجسيةِ البدائيةِ فإن النومَ يعني أن المرءَ قد صرف كل اهتماماتِه عن العالمِ الخارجي وركزه حول نفسِهِ، إذ تنصرفُ الأنا أثناء النومِ عن العالمِ إلي داخلِ ذاتِها في شكلِ عشقٍ ذاتيٍ نرجسيٍ.
ومن هنا جاءت تسميةُ -نرجسيةَ النومٍ- وفي الإشباعِ الهلاسي للرغباتِ الذي يُعدُّ وسيلةً خاصةً للتعاملِ مع الإثاراتِ الباطنيةِ اللاشعوريةِ التي تتميز بتفوِقِها علي الرقيبِ من حيث قوتها مما يجعلها مثارَ ألمٍ وضيقٍ إذا نجحت في الوصولِ إلي القبشعور أو الشعور. كما أن النومَ حالةٌ تنسحبُ فيها الشحناتِ المفرغةِ علي الموضوعاتِ وتعودُ إلي الأنا مرةً ثانيةً فيه. -النوم- تُعادُ الحالةُ الأولي لتوزيع الليبيدو، أي أن النومَ حالةُ انسحابِ طاقةِ الغريزةِ من موضوعاتِه الخارجيةِ وارتداده إلي منبعِهِ الأصلي؛ وهو الشخصُ نفسُه حيث يعودُ إلى عشقِ ذاتِه أي إلي النرجسيةِ. فالنومُ حالةٌ وسطي بين اليقظةِ والموتِ، وهو غير عضوي؛ لأن الأعضاءَ الحيويةَ تقومُ بأعمالهِا بحركةٍ منتظمةٍ وهي واقعيةٌ -علي الأكثر- تحت سلطةِ العضلاتِ اللاإرادية، وأنه يُعد حالةً يعمد إليها الإنسانَ لإشباعِ حاجتِه للراحةِ، إذ تنقطعُ رغبتُه في معرفةِ الواقعِ.
خالد عبد الغني يكتب: الدلالةُ النفسيةُ لعتباتِ النصِ في “أنامُ بين قَوْسَيْن” - الهيئة المصرية العامة للكتاب الموقع الإخباري الرسمي
ولكن من خلالِ توظيفِه نفسيًا، بل وتطبيقه على البناء النفسي للشاعرة نفسها وما تكابده من معاناةٍ أو آلامٍ خلال عمليةِ الإبداعِ لهذا النص الشعري.
ولقد اهتمت مناهجُ النقدِ الحديثةِ بعتباتِ النصِ أو النصُ الموازي، لما تمثله من أهميةِ كونها، هي الجسرُ الأولُ الذي يعبره القارئُ نحو العمل. فكان “جيرار جينيت” من السباقين في تبني قضيةَ العتباتِ عبر دراساتٍ معمَّقةٍ على مستوى التنظيرِ، والخلاصةُ أن العتباتُ هي كل ما يحيطُ النصَ من عنوانٍ وغلافٍ و إهداءِ أو كلمةُ ناشرٍ أو حتى من مقابلاتٍ مع الكاتبِ أو دراساتٍ حول النصِ.
ولعتباتِ النصِ وظيفتان:
وظيفةٌ جماليةٌ تتمثل في تزيينِ الكتابَ وتنميقَه، ووظيفةٌ تداوليةً تكمن في استقطابِ القارئَ واستغوائِه فتشجعه على تصفحِ الكتابِ في البدايةِ ثم الاقتناعُ بالكتابِ واقتنائِه. ويعتبرُ العنوانُ أولَ العتباتِ وأهمِها، حيثُ هو أولُ ما تقع عليه عين القارئِ، فإن شدّه العنوانَ أخذَ الكتابَ ليتصفحه و إن لم يشُدّ انتباهِهِ فإنه لن يمسك الكتابَ أصلاً.
و هكذا فإنه يقومُ بعملٍ (دعائيٍ) للكتابِ. وكما قال “محمد مفتاح” عن العنوان: ” العنوانُ معرفةٌ لضبطِ انسجامِ النصِ وفهمُ ما غمُض منه، إذ هو المحورُ الذي يتوالدُ ويتنامى ويعيدُ إنتاج نفسِهِ، وهو الذي يحددُ هويةَ العملِ. فهو إن صحت المشابهة -بمثابةِ الرأسِ للجسدِ-، والأساسُ الذي تُبْنى عليه،غير أنه إما أن يكونَ طويلًا فيساعد على توقعِ المضمونِ الذي يتلوه، وإما أن يكونَ قصيرًا.
والعنوانُ هنا “أنامُ بَيْنَ قَوْسَيْنِ” ولابد من معرفةِ دلالةِ النومِ ومعناه ووظائفه حتى نستطيعُ فهمَ المقصودَ منه؛ النومُ نكوصٌ بدنيٌ إلي مرحلةٍ مبكرةٍ وعودٌ قدرُ المستطاعِ إلي مرحلةِ ما قبل الميلادِ، -وهي المرحلةُ الجنينيةُ داخِل الرحمِ- ويعتبرُ النومُ سيكولوجيًا نكوصًا إلي مراحلٍ أوليةٍ، وبخاصة المرحلةُ التي يصِفُها بالنرجسيةِ البدائيةِ والإشباعِ الهلاسي للرغباتِ، أما من حيث أنه نكوصٌ إلي مرحلةِ النرجسيةِ البدائيةِ فإن النومَ يعني أن المرءَ قد صرف كل اهتماماتِه عن العالمِ الخارجي وركزه حول نفسِهِ، إذ تنصرفُ الأنا أثناء النومِ عن العالمِ إلي داخلِ ذاتِها في شكلِ عشقٍ ذاتيٍ نرجسيٍ.
ومن هنا جاءت تسميةُ -نرجسيةَ النومٍ- وفي الإشباعِ الهلاسي للرغباتِ الذي يُعدُّ وسيلةً خاصةً للتعاملِ مع الإثاراتِ الباطنيةِ اللاشعوريةِ التي تتميز بتفوِقِها علي الرقيبِ من حيث قوتها مما يجعلها مثارَ ألمٍ وضيقٍ إذا نجحت في الوصولِ إلي القبشعور أو الشعور. كما أن النومَ حالةٌ تنسحبُ فيها الشحناتِ المفرغةِ علي الموضوعاتِ وتعودُ إلي الأنا مرةً ثانيةً فيه. -النوم- تُعادُ الحالةُ الأولي لتوزيع الليبيدو، أي أن النومَ حالةُ انسحابِ طاقةِ الغريزةِ من موضوعاتِه الخارجيةِ وارتداده إلي منبعِهِ الأصلي؛ وهو الشخصُ نفسُه حيث يعودُ إلى عشقِ ذاتِه أي إلي النرجسيةِ. فالنومُ حالةٌ وسطي بين اليقظةِ والموتِ، وهو غير عضوي؛ لأن الأعضاءَ الحيويةَ تقومُ بأعمالهِا بحركةٍ منتظمةٍ وهي واقعيةٌ -علي الأكثر- تحت سلطةِ العضلاتِ اللاإرادية، وأنه يُعد حالةً يعمد إليها الإنسانَ لإشباعِ حاجتِه للراحةِ، إذ تنقطعُ رغبتُه في معرفةِ الواقعِ.
خالد عبد الغني يكتب: الدلالةُ النفسيةُ لعتباتِ النصِ في “أنامُ بين قَوْسَيْن” - الهيئة المصرية العامة للكتاب الموقع الإخباري الرسمي