نحنُ نكتبُ،
والكتابةُ استنزافٌ، ومتابعة، وعدم ركود، قلقٌ مستمرٌّ، إنها تمرّدٌ وتجاوزٌ ومحاولة للتغيير.
والكتابة بالنسبة إلينا نحنُ الكتاب هي في كلِّ وقتٍ عمل مجنون ومثير، ورحلة في مركبٍ صغيرٍ بعرض البحر.." كما قال هرمان هسه
بشكلٍ عام نحنُ نقاتلُ، فالكاتب كالمحارب، وإن اختلفت أداة القتال ؛ ومع ذلك لو نظرنا إلى القلم والسيف نجدهما متشابهين إلى حدٍّ كبير.
فبالقلم يعبرُ المبدع عما يجول في رأسه من أفكار ورؤى، يجسدها على الورق الذي يشبه الترس، وما يكتبه مهمته تناول القضايا التي تؤرقُ الناس ، وتمنحهم أفقاً من جمال وحق، والمحارب قضيته الذود عن أرضه، ونصرة شعبه وناسه .
كلاهما ؛ الكاتبُ والمحاربُ ينزلان ساحة القتال ، ويعودان بنصرٍ أو هزيمة، بيد أنَّ الكاتب في كلِّ أحواله يكون منتصراً، وحصاده يستدعي الاحتفاء.
لهذا يحضرني سؤالٌ: لماذا تُفرشُ السجادةُ الحمراء للمحارب في القديم من العهود، ولم تبسط لهيرودوت، ولن أقول لهوميروس لأنه أقدم وجوداً من فكرة السجادة التي ابتكرتها كلتمنسترا لزوجها أجاممنون، الملك العائد منتصراً من حرب طروادة، ويذكر أن إسخيلوس الكاتب اليوناني هو من أشار إليها في قصة " أجاممنون" التي يعود تاريخها إلى 458 قبل الميلاد، فالزوجة المنتظرة أمرت وصيفاتها ليفرشن سجادة أرجوانية ليمرَّ عليها احتفاء به.
لماذا لم تفرشْ مثلاً لأبقراط أو أفلاطون وأرسطو ، للمتنبي أو شكسبير، أو المنفلوطي، وجبران وأبي ريشة، ودرويش ونزار وجبرا إبراهيم جبرا، وغادة السمان و....
هذا الممشى الأحمر الأنيق، الذي لا يليقُ إلاَّ بالأفذاذ والمتميزين، والمنتصرين، ربما أحد ما يقول: لا يحتاج النصر إلى هذا الطقس الاستعراضي.
وهذا ما قاله أجاممنون حين رفض المشي عليه، وأراد أن يحمل تاج المجد في خشوع. فهل معنى ذلك أنَّ الأدباء يحملون تاج مجدهم بخشوع أيضاً؟
في عصرنا هذا نراهم يفرشونها للرؤساء والساسة والمشاهير من الفنانين ، حيث ظهرت عام 1922 حين تمت مشاهدة فيلم "روبن هود" في هوليود، واصطف الجمهور لمشاهدة أبطال الفيلم أثناء مرورهم عليها.
فالسجادة الحمراء وُجدت ليمشي عليها المبدعون ، اللافتون من الأشخاص، والمحتفى بهم أو المكرمون.
لكن لم يخطر ببال من استمرأ هذا الطقس الجميل أن الكتّاب والأدباء والشعراء يليقُ بهم هذا الممر القرمزي، على الرّغم من أنهم يحصلون على تكريمات، واحتفاءات بمنجزاتهم.
فكم من أديب كُرّم ولم تفرشْ له؟
وكم من شاعرٍ فازَ وتألقَ ولم يمرْ عليها، وإنما مشى من كرسيه بين الجمهور إلى المنصة.
فلم يحظ باللون الأرجواني يتماوجُ تحتَ قدميه، هذا اللون الذي يدلُّ على رفعةٍ وفخامة، ولا تسربل بالأبهة الملكية،علماً بأنه أجدر من يمشي ويتقلد بهاء هذه اللحظات لأنَّ ما يتركه من أثر باق.
وعلى حدِّ علمي أنَّ الدودة القرمزية المعروفة لم تحدّد لمن تقدّم مسحوقها الأحمر ليدخل في النسيج والأصباغ؛ المسحوق الذي يسمى صبغة كارمين، لم تكن للفنانين والرؤساء، ولا للملوك فحسب ، هي لكلِّ مبدع يليقُ به فخامة اللون.
والسؤال أيضاً: لماذا الحكومات لم تلتفت إلى هذا الطقس، فتكرم مبدعيها بطريقة ملكية؟
لماذا المجتمعات لم تقتنص فكرة زوجة أجاممنون وتطبقها؟
أتخيلُ نجيب محفوظ وهو يمشي فوق السجادة، بينما يصفّق القراء له بشدّة، لن أتخيل البتة ذلك الشاب الذي دُفع لأن يقتله دون أن يقرأ له حرفاً أو حتى يسمع به.
أتخيلُ السيّاب، المبدع، الفقير وهو يعبر بجسد نحيل ومهتز. كم ستليق بخطواته الخجولة!
أتخيل فارس زرزور، يخلعُ للمرّة الأولى معطفه العسكري، ويغادر حراسة البئر في مدى فارغ، يمشي فتعلو ابتسامته مثل شمس وضيئة.
أتخيلُ الروائي حسين ورور يمشي رافعاً ذراعيه إلى الأعلى، بينما ماكينة الخياطة التي عافها تخيط له فرحاً كبيراً.
أتخيلُ ، وأتخيلُ... عدداً كبيراً من المبدعين وهم يفوزون بجوائز عالمية، يبصمون بخطواتهم فوقها، بينما يندحرُ وراء المقاعد كلُّ حاسدٍ ومقهور .
الرُّوائي المغربي عبد الكريم الجويطي يقول: الناس تنظرُ بريبة إلى كلِّ من يحمل بذرة تجاوز، وكلّ من يحرض على استشراف آفاق جديدة، ولذلك فهي تنظر إلى الإبداع كشيء مربك لراحة الموتى.."
وأنا أقول : تعالوا نهتف بأسماء المبدعين، وندعو إلى الاحتفاء بهم بطريقة مائزة، فكلُّ شيءٍ زائل إلاّ الإبداع، فهو باقٍ ما بقي الأزل.
والكتابةُ استنزافٌ، ومتابعة، وعدم ركود، قلقٌ مستمرٌّ، إنها تمرّدٌ وتجاوزٌ ومحاولة للتغيير.
والكتابة بالنسبة إلينا نحنُ الكتاب هي في كلِّ وقتٍ عمل مجنون ومثير، ورحلة في مركبٍ صغيرٍ بعرض البحر.." كما قال هرمان هسه
بشكلٍ عام نحنُ نقاتلُ، فالكاتب كالمحارب، وإن اختلفت أداة القتال ؛ ومع ذلك لو نظرنا إلى القلم والسيف نجدهما متشابهين إلى حدٍّ كبير.
فبالقلم يعبرُ المبدع عما يجول في رأسه من أفكار ورؤى، يجسدها على الورق الذي يشبه الترس، وما يكتبه مهمته تناول القضايا التي تؤرقُ الناس ، وتمنحهم أفقاً من جمال وحق، والمحارب قضيته الذود عن أرضه، ونصرة شعبه وناسه .
كلاهما ؛ الكاتبُ والمحاربُ ينزلان ساحة القتال ، ويعودان بنصرٍ أو هزيمة، بيد أنَّ الكاتب في كلِّ أحواله يكون منتصراً، وحصاده يستدعي الاحتفاء.
لهذا يحضرني سؤالٌ: لماذا تُفرشُ السجادةُ الحمراء للمحارب في القديم من العهود، ولم تبسط لهيرودوت، ولن أقول لهوميروس لأنه أقدم وجوداً من فكرة السجادة التي ابتكرتها كلتمنسترا لزوجها أجاممنون، الملك العائد منتصراً من حرب طروادة، ويذكر أن إسخيلوس الكاتب اليوناني هو من أشار إليها في قصة " أجاممنون" التي يعود تاريخها إلى 458 قبل الميلاد، فالزوجة المنتظرة أمرت وصيفاتها ليفرشن سجادة أرجوانية ليمرَّ عليها احتفاء به.
لماذا لم تفرشْ مثلاً لأبقراط أو أفلاطون وأرسطو ، للمتنبي أو شكسبير، أو المنفلوطي، وجبران وأبي ريشة، ودرويش ونزار وجبرا إبراهيم جبرا، وغادة السمان و....
هذا الممشى الأحمر الأنيق، الذي لا يليقُ إلاَّ بالأفذاذ والمتميزين، والمنتصرين، ربما أحد ما يقول: لا يحتاج النصر إلى هذا الطقس الاستعراضي.
وهذا ما قاله أجاممنون حين رفض المشي عليه، وأراد أن يحمل تاج المجد في خشوع. فهل معنى ذلك أنَّ الأدباء يحملون تاج مجدهم بخشوع أيضاً؟
في عصرنا هذا نراهم يفرشونها للرؤساء والساسة والمشاهير من الفنانين ، حيث ظهرت عام 1922 حين تمت مشاهدة فيلم "روبن هود" في هوليود، واصطف الجمهور لمشاهدة أبطال الفيلم أثناء مرورهم عليها.
فالسجادة الحمراء وُجدت ليمشي عليها المبدعون ، اللافتون من الأشخاص، والمحتفى بهم أو المكرمون.
لكن لم يخطر ببال من استمرأ هذا الطقس الجميل أن الكتّاب والأدباء والشعراء يليقُ بهم هذا الممر القرمزي، على الرّغم من أنهم يحصلون على تكريمات، واحتفاءات بمنجزاتهم.
فكم من أديب كُرّم ولم تفرشْ له؟
وكم من شاعرٍ فازَ وتألقَ ولم يمرْ عليها، وإنما مشى من كرسيه بين الجمهور إلى المنصة.
فلم يحظ باللون الأرجواني يتماوجُ تحتَ قدميه، هذا اللون الذي يدلُّ على رفعةٍ وفخامة، ولا تسربل بالأبهة الملكية،علماً بأنه أجدر من يمشي ويتقلد بهاء هذه اللحظات لأنَّ ما يتركه من أثر باق.
وعلى حدِّ علمي أنَّ الدودة القرمزية المعروفة لم تحدّد لمن تقدّم مسحوقها الأحمر ليدخل في النسيج والأصباغ؛ المسحوق الذي يسمى صبغة كارمين، لم تكن للفنانين والرؤساء، ولا للملوك فحسب ، هي لكلِّ مبدع يليقُ به فخامة اللون.
والسؤال أيضاً: لماذا الحكومات لم تلتفت إلى هذا الطقس، فتكرم مبدعيها بطريقة ملكية؟
لماذا المجتمعات لم تقتنص فكرة زوجة أجاممنون وتطبقها؟
أتخيلُ نجيب محفوظ وهو يمشي فوق السجادة، بينما يصفّق القراء له بشدّة، لن أتخيل البتة ذلك الشاب الذي دُفع لأن يقتله دون أن يقرأ له حرفاً أو حتى يسمع به.
أتخيلُ السيّاب، المبدع، الفقير وهو يعبر بجسد نحيل ومهتز. كم ستليق بخطواته الخجولة!
أتخيل فارس زرزور، يخلعُ للمرّة الأولى معطفه العسكري، ويغادر حراسة البئر في مدى فارغ، يمشي فتعلو ابتسامته مثل شمس وضيئة.
أتخيلُ الروائي حسين ورور يمشي رافعاً ذراعيه إلى الأعلى، بينما ماكينة الخياطة التي عافها تخيط له فرحاً كبيراً.
أتخيلُ ، وأتخيلُ... عدداً كبيراً من المبدعين وهم يفوزون بجوائز عالمية، يبصمون بخطواتهم فوقها، بينما يندحرُ وراء المقاعد كلُّ حاسدٍ ومقهور .
الرُّوائي المغربي عبد الكريم الجويطي يقول: الناس تنظرُ بريبة إلى كلِّ من يحمل بذرة تجاوز، وكلّ من يحرض على استشراف آفاق جديدة، ولذلك فهي تنظر إلى الإبداع كشيء مربك لراحة الموتى.."
وأنا أقول : تعالوا نهتف بأسماء المبدعين، وندعو إلى الاحتفاء بهم بطريقة مائزة، فكلُّ شيءٍ زائل إلاّ الإبداع، فهو باقٍ ما بقي الأزل.