سافر الفتي السكندري إلى باريس ليتم دراسته للفرنسية في السوربون ثم يقفل عائدا في دورة تعليمية سريعة، غير أن أستاذه الفرنسي كلَّفه بكتابة بحث باللغة العربية ما لبث أن عاد إليه الفتى بالبحث في اليوم التالي، أصابت الدهشة البروفيسور الفرنسي من كم الأخطاء التي وردت باللغة الأصلية للفتى؛ فنظر إليه في أسى: (اللغة العربية مظلومة بين أهلها)، وكان على الفتى أن يعاود دراسة العربية في قلب العاصمة الفرنسية، وهو ما جعله يتنقل مدرسا لأبناء الجاليات العربية ثم ينتهي به المطاف مترجما بالسفارة المصرية في فرنسا، وفي أثناء زيارة وزير الخارجية المصري دكتور عصمت عبد المجيد تم الموافقة على تعيينه بالسفارة.
لم تكن الإقامة في فرنسا أقصى طموحاته، غير أنها كانت الموطن الذي يحب أن يعيش فيه كما عاش محبوبه وقدوته في مجال الأدب والفكر الدكتور طه حسين، ولهذا عاوده الحنين مجددا لأن يدلو بدلوه في هذا المجال خاصة ما يرتبط بدينه الإسلامي ولغته العربية وحضارته الإسلامية، وحاول خلق وسيط موضوعي بين الثقافتين العربية ـ الغربية دون صدام أو انحياز، ولهذا وجد أنه من المناسب أن يؤسس كيان ثقافي يجمع عقول العرب من أصحاب القامات العلمية والفكرية والأدبية فيه، وقد نجح في تأسيس "اتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب" سجلها في العاصمة البريطانية لتكون مؤسسة غير هادفة للربح، ومن خلالها انطلق ليؤسس روافد ثقافية جديدة، منها: "مدرسة العصف الذهني" في محاولة منه لشد الفكر العربي المعاصر نحو رؤى جديدة ومناطق بكر لم يتناولها العقل العربي الذي ظل محاصرا في العديد من القضايا والنقاشات التي لم تفارق مكانها.
كان للرجل مساهماته العديدة منذ أن درس الأدب المقارن والفرنسية والعربية في جامعة السوربون في باريس حتى صار أستاذا للأدب العربي في المدرسة الدولية في باريس، ومن خلال عمله أمينا للقنصلية المصرية في باريس الذي غادره بإرادته في عام 1996م حيث رفض العمل في سفارة إحدى الدول الأفريقية، على الرغم من اختياره ليرأس جمعية "تحيا أفريقيا" في فرنسا، واختياره كذلك سفيرًا للسلام في اتحاد السلام العالمي في الأمم المتحدة، غير أنه لم يكن يرضى بالبعد عن معشوقته باريس أبدا، واستكمالا لمنهجه العلمي العربي الغربي عمل على تأسيس النسبة الذهبية في نصوص القرآن، بل كان هو أول من استخدم علم المثلثات في تفسير القرآن الكريم في العالم، مثلما كان هو أول من أثبت واقع الرقم الذهبي في العالم للقرآن الكريم، وأول من استخدم واكتشف نظرية فيثاغورس للرياضة العلمية في العالم عام 2010م، وكتب فيه مقالته الشهيرة: "مثلث فيثاغورس في القرآن الكريم بين الجانبين من التوحيد ووتر الوحي"، فتم اختياره عضوا في مجلس إدارة الجمعية المصرية والعالمية للإعجاز العلمي فى القران الكريم والسنة،كما عمل أستاذا بارزا في الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب.
كان البروفيسور محمد حسن كامل المفكر الموسوعي العالمي من أشد المؤمنين بقيمة الحوار ومكانته وأهميته ودوره في التلاقح الفكري، والتلقيح الثقافي، ولهذا فقد أولاه اهتمامه الكبير وكان دائما ما يسعى لأصحاب العقول النابهة، والفكر الجديد الرشيد، يستنهضهم لكي يحاوروه من خلال توجهاتهم الفكرية والعلمية، وقد كان رحمه الله شديد الإعجاب بحواره مع معالي الدكتورة رانيا الوردي التي أدارته ببراعة وحرفية وتخطيط مع سبق الإصرار والترصد العلمي أحاطت فيه بالخلفية الفكرية الموسوعية للمتحاور معه، وتطرقت فيه إلى موضوعات لم يكن يطرقها دكتور كامل إلا في الأحاديث الشفاهية، ولم يتطرق إليها في حواراته السابقة، وهو ما يحسب للدكتورة رانيا، ومنها: "حسن البنا فى عصر العولمة – داعما أم معرقلا أم مفجرا"، و"سيد قطب فى عصر العولمة – بين الدعوة والتفجير".
وحسنا فعلت المحاورة حين تناولت فى الجزء السادس من الحوار "الفكر الإخوانى" لأنها ترى أنه لا يمكن الحديث عن ثورة ثقافية ودعم إعادة بناء العقلية الثقافية فى مصر والمنطقة العربية دون التعرض إلى الفكر الإخواني ووضعه في ميزان العدل لمعرفة ما له وما عليه، وإلى أى حد يقف كداعم أو كعقبة للدخول في مجتمعات الحداثة بل وما بعد الحداثة، واتفقت في رؤيتها مع مفكرنا الراحل في استحالة اعتبار جماعة الإخوان نواة لحزب سياسي له مرجعية دينية، وجاء الرفض مبنيا على قواعد عقلية وموضوعية وسياسية دون الرفض العاطفي أو المتحيز.
وقد جاء الجزء العاشر من الحوار ليتناول إشكالية الحلم الديمقراطي في ظل الأنظمة العسكرية ولا سيما بعد الثورات في المنطقة العربية وكيفية دعم الحلم الديمقراطي، غير أن الأسئلة والإجابات لم تناقِش بشكل أكثر اتساعا العلاقة بين الديمقراطية والنظام العسكري وكيفية فض تشابكات هذه الإشكالية الجدلية، غير أن سؤالا خفيا لامس هذا الموضوع، أجاب عنه الراحل دكتور كامل بطريقة رمزية تكفي فيها الإشارة والتلميح دون التصريح حيث قال: (الديمقراطية في الأسرة لابد أن تتخلص من "سطوة فرض رأي الآباء على الأبناء".... "لابد من الحوار والرعاية والعناية دون القهر" ... "نحن نفتقد للنماذج المبدعة بسبب التسلط الأسري ... "لقد فشل القهر في أن يفرض سطوته على الحياة المعاصرة").
لقد كان من الحق أن أقول أن الدكتورة رانيا الوردي في إعدادها لهذا الحوار المتكامل الأركان قد طالعت مشروع المفكر محمد حسن كامل التنويري وكذلك أعماله الأدبية وكونت نظرة جيدة ثاقبة ناقدة، كما لم يأتِ اهتمامها بمشروع التنوير إلا لارتباطه بمشروعها حول بناء العقلية الثقافية المصرية والعربية والمنهج الثوري للشباب حيث اختارت شخصية الكاتب الشاب الثائر الألماني "يورا صويفر" أنموذجا، وسر اختيارها له أن ثورته لم تتوجه نحو إزالة النظام الديكتاتوري المتمثل في "هتلر" بل لأن ثورته في الأساس كانت ضد ما هو أهم ألا وهي العقلية الثقافية السائدة في هذه الحقبة التاريخية التي تشمل الحاكم والمحكوم.
ولعل من سيطالع أسئلة المحاورة رانيا الوردي خلال هذا الحوار القيم سيجد أن عنوان الحوار: "اللهم ثورة ثقافية" نابع من تكوينها الفكري والمهني الأكاديمي، وأمنية تتردد في قلبها عبر اهتمامها بثورات الإصلاح التي رسمت الخطوط الرئيسة لمشروعها النهضوي الثقافي والتنموي الكبير، والذي ترجمته سؤالا كبيرا في نهاية حوارها:
(هل سيكون هذا الكتاب باعثًا لقيام ثورة ثقافية في مصر والوطن العربى تدعم ظهور الإنسان العربى المعاصر والمجتمعات العربية المعاصرة؟ سيظل الزمن وحده كفيل بإعطاء إجابة شافية على هذا السؤال)...
وأشهد أنني استمتعتُ بقراءة الحوار الذي يضمه الكتاب المعنون: "اللهم ثورة ثقافية في الوطن العربي" وهو من إصدارات مؤسسة الحسيني الثقافية بالقاهرة، والكتاب قيم في مضمونه، وبنائه، وإعداده، وتسلسل موضوعاته، وعمق إجاباته، وأبعاد الأسئلة الموضوعة بعناية ووعي وعلم.
لم تكن الإقامة في فرنسا أقصى طموحاته، غير أنها كانت الموطن الذي يحب أن يعيش فيه كما عاش محبوبه وقدوته في مجال الأدب والفكر الدكتور طه حسين، ولهذا عاوده الحنين مجددا لأن يدلو بدلوه في هذا المجال خاصة ما يرتبط بدينه الإسلامي ولغته العربية وحضارته الإسلامية، وحاول خلق وسيط موضوعي بين الثقافتين العربية ـ الغربية دون صدام أو انحياز، ولهذا وجد أنه من المناسب أن يؤسس كيان ثقافي يجمع عقول العرب من أصحاب القامات العلمية والفكرية والأدبية فيه، وقد نجح في تأسيس "اتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب" سجلها في العاصمة البريطانية لتكون مؤسسة غير هادفة للربح، ومن خلالها انطلق ليؤسس روافد ثقافية جديدة، منها: "مدرسة العصف الذهني" في محاولة منه لشد الفكر العربي المعاصر نحو رؤى جديدة ومناطق بكر لم يتناولها العقل العربي الذي ظل محاصرا في العديد من القضايا والنقاشات التي لم تفارق مكانها.
كان للرجل مساهماته العديدة منذ أن درس الأدب المقارن والفرنسية والعربية في جامعة السوربون في باريس حتى صار أستاذا للأدب العربي في المدرسة الدولية في باريس، ومن خلال عمله أمينا للقنصلية المصرية في باريس الذي غادره بإرادته في عام 1996م حيث رفض العمل في سفارة إحدى الدول الأفريقية، على الرغم من اختياره ليرأس جمعية "تحيا أفريقيا" في فرنسا، واختياره كذلك سفيرًا للسلام في اتحاد السلام العالمي في الأمم المتحدة، غير أنه لم يكن يرضى بالبعد عن معشوقته باريس أبدا، واستكمالا لمنهجه العلمي العربي الغربي عمل على تأسيس النسبة الذهبية في نصوص القرآن، بل كان هو أول من استخدم علم المثلثات في تفسير القرآن الكريم في العالم، مثلما كان هو أول من أثبت واقع الرقم الذهبي في العالم للقرآن الكريم، وأول من استخدم واكتشف نظرية فيثاغورس للرياضة العلمية في العالم عام 2010م، وكتب فيه مقالته الشهيرة: "مثلث فيثاغورس في القرآن الكريم بين الجانبين من التوحيد ووتر الوحي"، فتم اختياره عضوا في مجلس إدارة الجمعية المصرية والعالمية للإعجاز العلمي فى القران الكريم والسنة،كما عمل أستاذا بارزا في الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب.
كان البروفيسور محمد حسن كامل المفكر الموسوعي العالمي من أشد المؤمنين بقيمة الحوار ومكانته وأهميته ودوره في التلاقح الفكري، والتلقيح الثقافي، ولهذا فقد أولاه اهتمامه الكبير وكان دائما ما يسعى لأصحاب العقول النابهة، والفكر الجديد الرشيد، يستنهضهم لكي يحاوروه من خلال توجهاتهم الفكرية والعلمية، وقد كان رحمه الله شديد الإعجاب بحواره مع معالي الدكتورة رانيا الوردي التي أدارته ببراعة وحرفية وتخطيط مع سبق الإصرار والترصد العلمي أحاطت فيه بالخلفية الفكرية الموسوعية للمتحاور معه، وتطرقت فيه إلى موضوعات لم يكن يطرقها دكتور كامل إلا في الأحاديث الشفاهية، ولم يتطرق إليها في حواراته السابقة، وهو ما يحسب للدكتورة رانيا، ومنها: "حسن البنا فى عصر العولمة – داعما أم معرقلا أم مفجرا"، و"سيد قطب فى عصر العولمة – بين الدعوة والتفجير".
وحسنا فعلت المحاورة حين تناولت فى الجزء السادس من الحوار "الفكر الإخوانى" لأنها ترى أنه لا يمكن الحديث عن ثورة ثقافية ودعم إعادة بناء العقلية الثقافية فى مصر والمنطقة العربية دون التعرض إلى الفكر الإخواني ووضعه في ميزان العدل لمعرفة ما له وما عليه، وإلى أى حد يقف كداعم أو كعقبة للدخول في مجتمعات الحداثة بل وما بعد الحداثة، واتفقت في رؤيتها مع مفكرنا الراحل في استحالة اعتبار جماعة الإخوان نواة لحزب سياسي له مرجعية دينية، وجاء الرفض مبنيا على قواعد عقلية وموضوعية وسياسية دون الرفض العاطفي أو المتحيز.
وقد جاء الجزء العاشر من الحوار ليتناول إشكالية الحلم الديمقراطي في ظل الأنظمة العسكرية ولا سيما بعد الثورات في المنطقة العربية وكيفية دعم الحلم الديمقراطي، غير أن الأسئلة والإجابات لم تناقِش بشكل أكثر اتساعا العلاقة بين الديمقراطية والنظام العسكري وكيفية فض تشابكات هذه الإشكالية الجدلية، غير أن سؤالا خفيا لامس هذا الموضوع، أجاب عنه الراحل دكتور كامل بطريقة رمزية تكفي فيها الإشارة والتلميح دون التصريح حيث قال: (الديمقراطية في الأسرة لابد أن تتخلص من "سطوة فرض رأي الآباء على الأبناء".... "لابد من الحوار والرعاية والعناية دون القهر" ... "نحن نفتقد للنماذج المبدعة بسبب التسلط الأسري ... "لقد فشل القهر في أن يفرض سطوته على الحياة المعاصرة").
لقد كان من الحق أن أقول أن الدكتورة رانيا الوردي في إعدادها لهذا الحوار المتكامل الأركان قد طالعت مشروع المفكر محمد حسن كامل التنويري وكذلك أعماله الأدبية وكونت نظرة جيدة ثاقبة ناقدة، كما لم يأتِ اهتمامها بمشروع التنوير إلا لارتباطه بمشروعها حول بناء العقلية الثقافية المصرية والعربية والمنهج الثوري للشباب حيث اختارت شخصية الكاتب الشاب الثائر الألماني "يورا صويفر" أنموذجا، وسر اختيارها له أن ثورته لم تتوجه نحو إزالة النظام الديكتاتوري المتمثل في "هتلر" بل لأن ثورته في الأساس كانت ضد ما هو أهم ألا وهي العقلية الثقافية السائدة في هذه الحقبة التاريخية التي تشمل الحاكم والمحكوم.
ولعل من سيطالع أسئلة المحاورة رانيا الوردي خلال هذا الحوار القيم سيجد أن عنوان الحوار: "اللهم ثورة ثقافية" نابع من تكوينها الفكري والمهني الأكاديمي، وأمنية تتردد في قلبها عبر اهتمامها بثورات الإصلاح التي رسمت الخطوط الرئيسة لمشروعها النهضوي الثقافي والتنموي الكبير، والذي ترجمته سؤالا كبيرا في نهاية حوارها:
(هل سيكون هذا الكتاب باعثًا لقيام ثورة ثقافية في مصر والوطن العربى تدعم ظهور الإنسان العربى المعاصر والمجتمعات العربية المعاصرة؟ سيظل الزمن وحده كفيل بإعطاء إجابة شافية على هذا السؤال)...
وأشهد أنني استمتعتُ بقراءة الحوار الذي يضمه الكتاب المعنون: "اللهم ثورة ثقافية في الوطن العربي" وهو من إصدارات مؤسسة الحسيني الثقافية بالقاهرة، والكتاب قيم في مضمونه، وبنائه، وإعداده، وتسلسل موضوعاته، وعمق إجاباته، وأبعاد الأسئلة الموضوعة بعناية ووعي وعلم.