حسين عفيف - الذكرى

الذكرى
تبدّلَ قُربُها بالبعد عني
وقلبُ الصبّ يُضنيه التجنّي
أبيتُ ولست آمل في لقاها
فيُنسيني المنى لهوَ التمنّي
فأبكي ما تناثرَ من غرامي
وأرثي ضائعَ الآمال مني
ويغلبني الحنين إلى زمانٍ
يلوح كعهده الماضي لعيني
يجسّمه الخيال فأرتئيه
كأن عصوره لم تمضِ عني
فيملك حسنُه قلبي ولكن
لدى طلب اللقاء يخيب ظني
وأُدرك أن ما يبدو خيالٌ
مريب الحسن ممتنع التدنّي
كحلمٍ يهبط الأجفان حينًا
تَقرُّبه مشوبٌ بالتجنّي
هي الذكرى قُصارى ما تبقّى
من الأحلام في عهد التغنّي
وأقصى ما انجلت عنه الأماني
حنينٌ نحو أيام التمنّي
حياةُ المرء أوهامٌ وفي إثْـ
ـرِها تخطو المنيّةُ في تأنّ
سلامٌ يومَ أشعلني هواها
بنار البعد أو نار التدنّي
كذلك أرتضي ما ذقت فيه
وأستحلي الهوى من أي لون
فنارُ الحب في نوح البكاءِ
كنار الحب في شدو التغنّي
وهل أبغي خلافَ النار شيئًا
تثير نواحيَ الإلهام مني؟
إذا الولهانُ علّله التلاقي
وسار الحبّ يحبوه التمنّي
فسيّانَ التمتّعُ في التداني
وسيّان التعذّبُ في التجنّي
فإن قيل احتمال التيه وعرٌ
وأحوال الهوى للصبّ تُضني
فجُلُّ منايَ حبٌّ أفتديهِ
وأبذل في أساه دموعَ عيني
سلامٌ يا عهودَ الحب يهدي
ويا زمنَ التوجّع والتغنّي
سلامٌ يومَ بات الوصل فينا
وبتنا حوله الآمالَ نبني
أيُطفي اليأسُ ما أذكى التصابي
وتمضي شعلة الأحلام عني
وأمسى لا يؤرّقني اشتياقٌ
ولا جَورُ الحبيب ينال مني
سأذكر ما حييت قديمَ حبّي
وإن وهن الفؤادُ وكلَّ ذهني
وأذكر قصّتي يومَ التقينا
وأروي سرّ مأساتي وحزني
مررتُ بروضها يومًا وكانت
تراقب طائرًا يلهو بغصن
فلمّا أحسست قربي أطلّتْ
ولا قت عينُها في الحب عيني
ضرعتُ لها وقلت منايَ إني
هويت وقد تَشفّى الحسن مني
لحاظك أودعتْ قلبي سقامًا
وأوهى مهجتي الحبّ المعنّي
ألا تدري بأسرار التياعي
ألم ينبئْك طيرُ الروض عني
أما حمل النسيمُ شذا غرامي
وبلَّغَ روحك الأشواقَ منّي
وهل في الحيّ من يخفى عليه
حديثُ متيَّمٍ بَلْواه تُفني
كتمتُ هواك في قلبي إلى أن
ضنيتُ من الهوى والحبُّ يُضني
وخفت الجهرَ بالسّرّ ارتيابًا
وخشيةَ أن تسوميني التجنّي
وفضّلتُ احتمالَ البعد دهرًا
على الحرمان من قرب التمنّي
فعيشُ الصبّ في ظل الأماني
وإن حرم المنى ينسى التعنّي
فلما لم أطق صبرًا وحلّتْ
بيَ الأسقامُ من ضعفٍ ووهن
أتيت إليك في خوفٍ وذلٍّ
أبثّك لوعتي ودفين حزني
فقالت لي وقد أسجت جفونًا
وحار بعينها دمعٌ وعيني
كلانا شفّه الكتمانُ دهرًا
فبينك في الأسى شَبَهٌ وبيني
تعالَ نعيشُ في حبٍّ سويّاً
كما تحيا الحمائم فوق غصن
نهيم مع البلابل حيث هامت
ونشدو في النسيب بكل لحن
أبادلك الوفاءَ وترتضيني
شريكَ الروح في قُربٍ وظعن
ونفنى في تفاني القلب حبّاً
يضيء تولّهًا والجسمَ يُفني
وكان الوصل أنسانا جَوانا
وبدّلَ حزنَها فرحًا وحزني
وكان العيش، في ظل الأماني
وفي ظل التغزّل والتغنّي
تدلّ بحسنها وتتيه عُجبًا
ويحلو في تمايلها التثنّي
وترسل لحظَها فيطلّ منه
وجيبُ السحر مخلوطًا بوسن
فأركع ضارعًا وأبثّ وجدي
وأُفشي ما طوى الكتمان مني
فيأخذها الحنان فتفتديني
وتدرك مهجةً مُنيت بوهن
تُطوّقتني بأيدٍ عن سناها
وما يخفيه قلبي لا تسلني
فأُدنيها وأرشف من لماها
نقيَّ الخمر فاقت كلَّ حسن
ونمضي ساعةً يرتاد فيها
سماءَ الشعر والأحلام ذهني
ولكنّ الزمان وفيه غدرٌ
أبى إلا الحبيبَ يغيب عني
فلمّا أن طوى الدهر منها
وراحت نشوةُ اللذات مني
ذكرتُ سعادتي وذكرت حبي
وصورةُ ما مضى باتت بعيني
وعشت معذّبًا من حب «ليلى»
وكانت سرَّ أفراحي وحزني _
أعلى