تعتبر حاسة الشم أكثر غموضاً من الحواس البشرية الأخرى، كما أن المعلومات المتعلقة بها أقل بكثير عما هو معروف عن تلك الحواس، وتختص هذه الحاسة بالتعرف على مختلف الروائح التي تنبعث من عديد من الأشياء التي تحيط بنا في كل مكان وعلى التميز بينها.
وتعتمد هذه الحاسة على نوع خاص من الخلايا توجد داخل الأنف وتعرف "بالخلايا الشمية" وتتجمع النهايات العصبية المتصلة بهذه الخلايا ليتكون منها زوج من الأعصاب تسمى "الأعصاب الشمية" وتخترق هذه الأعصاب الحاجز الأنفي في الجمجمة العظمية لتصل إلى "المنطقة الشمية" في المخ.
دراسة : الأنف البشري يمكنه تمييز تريليون رائحة مختلفة
دحضت دراسة قام بها فريق علمي أمريكي في 20 مارس 2014 النظرية السائدة بأن أنف الإنسان لا يستطيع تمييز أكثر من عشرة آلاف رائحة مختلفة. ، وهو الرقم الذي ظل لفترة طويلة يشار إليه على أنه الحد الأقصى لقدراتنا على الشم. وتوصل الباحثون إلى أن الأنف يمكنه أن يميز بين عدد لا نهائي تقريباً من الروائح يصل إلى أكثر من تريليون رائحة، استناداً إلى قراءة لنتائج تجارب مختبرية شارك فيها متطوعون قاموا بشم مجموعة كبيرة من الروائح.
وتشير الدراسة التي نشرت في دورية ساينس العلمية الأمريكية، إلى أن الأنف يتفوق على العين والأذن، فيما يتعلق بقدرته عل التمييز بين المثيرات الحسية المختلفة.
ويقول فريق الباحثين بجامعة روكفلر الأمريكية، إن البشر يستخدمون قدرا ضئيلا من قدراتهم المتوفرة في حاسة الشم.
وتستخدم العين البشرية ثلاثة مستقبلات عصبية ضوئية، تعمل معا للتمييز بين نحو عشرة ملايين لون، بينما تستطيع الأذن التمييز بين نحو نصف مليون نغمة مختلفة.
وكان يعتقد أن الأنف يستخدم 400 مستقبل عصبي للتمييز بين نحو 10 ألاف رائحة مختلفة. وعمل الباحثون في جامعة روكفلر في نيويورك على التحقق من هذه الفكرة التي تعود إلى عام 1927، ولم يتم التحقق منها علميا قبل ذلك. وظلت أبعاد حاسة الشم لغزاً.
أجريت الدراسة على مدى واسع ومتنوع من الروائح
وأجرى الباحثون تجارب، لاكتشاف قدرة الأشخاص على التمييز بين أخلاط من نحو 128 من جزيئات الروائح المختلفة، التي تمثل مدى واسعا من الروائح ابتداء من العشب حتى الحمضيات.
وتم خلط الجزيئات بشكل عشوائي في مجموعات من 10 و 20 و 30 لخلق روائح غير مألوفة. وطلب الباحثون من الأشخاص ال 26 الذين خضعوا للتجربة التعرف على رائحة ثلاث عينات، منهم اثنتان متطابقتان والثالثة مختلفة.
واستنادا إلى تلك النتائج، استخدم الباحثون نظرية لكي يستدلوا على متوسط عدد الروائح التي يمكن للشخص العادي التمييز بينها، إذا تم تقديمها بكل الأخلاط التي يمكن عملها من ال 128 جزيئ.
وتوصل الباحثون إلى أن الشخص العادي بإمكانه التمييز بأنفه بين نحو تريليون رائحة مختلفة، وهو أكثر بكثير من عدد المثيرات التي يمكن للأذن أو العين تمييزها. ويقول الباحثون إن هذا العدد ربما يكون أقل من الحقيقة. لأن هناك جزيئات أخرى للروائح موجودة في العالم أكثر من تلك التي استخدمت في الدراسة.
"خرافات"
وتقول ليزلي فوشال، مديرة مختبر علم الأعصاب والسلوك بجامعة روكفلر في نيويورك: والتي شاركت في الدراسة إن معرفتنا التقليدية بشأن قدرتنا على الشم تعتمد عل ما يشبه الخرافات.
وتضيف : "إنه أول اختبار حقيقي للقدرات التي يتمتع بها البشر .. يفترض البشر أن الحيوانات يتمتعون بحاسة شم أقوى منهم، البشر لديهم حاسة شم قوية وواضحة".
وقالت : "أهم مساهمة يقدمها هذا البحث هو أنه يصحح الفكرة الحالية القائلة بأن تمييز الروائح عند البشر سيء جداً ... نحن نميز الروائح بشكل جيد للغاية".
تظل الحيوانات تتمتع بحاسة شم أقوى بكثير من البشر
وتقول فوشال : إن الحيوانات تظل تتمتع بحاسة شم أقوى بضعفين أو ثلاث أضعاف من البشر، لأنهم يخصصون جزءا أكبر من المخ لحاسة الشم. وبالرغم من ذلك فإن إمكانيات حاسة الشم لدى الإنسان لا يجب أن تبخس.
وتضيف فوشال : "بإمكانك أن تجعل حاسة الشم لديك أقوى، يمكنك استخدام عطورأكثر جرأة وتركيزا، نحن نستخدم جزءً بسيطا من قدراتنا على الشم".
ووفقا للبروفيسور تشارلز سبينس المتخصص في علم الأحياء التجريبي بجامعة أوكسفورد، فإنه من الجيد أن ترفع حاسة الشم مرتبة الحواس البشرية، ولكن رغم ذلك فإن الأمر بحاجة إلى معرفة المزيد عنه.
ويقول البروفيسور ستيفن ليبرليس في قسم بيولوجيا الخلايا بكلية الطب في هارفارد، إن الأنف البشرية لديها عدد كبير من المسقبلات العصبية للشم، مما يشير إلى أن حاسة الشم ربما تكون حتى أقوى من التقدير الذي كشفت عنه الدراسة الأخيرة.
وتعليقا على الدراسة يقول ليبرليس : "الدراسة نجحت في مناقشة قدرات حاسة الشم لدى البشر، لكن لا يزال هناك أسئلة بعينها في حاجة إلى إجابة، مثل ما هو بالضبط عدد العناصر الكيميائية المستقلة التي يمكن للشخص تمييزها".
آلية الشم
تذوب جزئيات الروائح التي تدخل الأنف في المخاط الأنفي، وتنبه النهايات العصبية الشَّعرية في الخلايا المستقبِلة مُولِّدة دَفعةً عصبيةً، وتسير هذه الدفعة على طول ألياف الخلايا التي تخترقُ الصفيحة الغربالية، وهي (عظمة غربالية) لتصل إلى البصيلة الشمِّيَّة؛ حيث تتشابك مع الأعصاب الشمِّية، لتصل إلى المنطقة الشمية في المخ.
وفي حقيقة الأمر ما زال موضوع آلية الشم سرًّا يكتنِفُه الغموض حتى الآن!
ومِن النظريات التي وُضِعت لتُفسِّر هذه الظاهرة أن المواد النفَّاذة تقوم بتثبيت أنزيمات مُعيَّنة في الغشاء المخاطي الأنفي، ونظرية أخرى تفترض أن المواد الطيارة تُغيِّر النشاط الكهربائي لمُستقبلات الشمِّ؛ حيث يوجد في الأنف 100 مليون خلية عصبية شمية، وكل خلية لها سبعةُ أهداب، عليها مادة دهنية مُذيبة، تتفاعل مع الروائح تفاعلًا كيماويًّا، فينشأ من هذا التفاعل شكل هندسي يرسل إلى مركز الشمِّ في المخ على شكل إشارة، ويستعرض مركز الشم في المخ هذه الرائحة فيُدرِكها أولًا، ثم يتعرف عليها ثانيًا، وهناك نظريات أخرى كثيرة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
والواقع أن الروائح التي تصل إلى الأنف تكونُ على شكل أبخرة أو غازات، تتصاعد مِن مختلف الأشياء المحيطة بنا، أو التي نتداولها بين أيدينا، فلا تستطيع الخلايا الشمِّية إدراكَ هذه الغازات والتعرُّف عليها إلا بعد ذوبانِها في الغشاء المخاطي؛ ذلك لأن حاسَّة الشمِّ هي حاسَّةٌ كيميائية، وهذا هو السبب في أننا قد نفقِدُ حاسَّة الشمِّ تمامًا عندما نُصاب بالبرد؛ إذ ينتفخ الغشاء المخاطي، فيمنع الروائح الغازية من الوصول إلى الخلايا الشمية الموجودة داخل الأنف.
إن أنف الإنسان مليئة بالعجائب والقدرات، وهذه إعجازات أخرى للأنف تبين عظمة الخالق ..
* الأنف يرطب الهواء الذي تتنفسه.
لا تسمح الرئتان أو الحلق بدخول الهواء الجاف، لذا يقوم المخاط في الأنف بترطيب الهواء، حتى يكون ملائما للدخول إلى الجهاز التنفسي.
* الأنف يدفئ الهواء
لا تحب الرئتان الهواء البارد، فيقوم الأنف بتدفئة الهواء.
* الأنف يحمي من التلوث والميكروبات ومسببات الحساسية
التجاويف العظمية داخل أنفك مغطاة بخلايا ينبت فيها شعر يقوم بتنقية الهواء من الملوثات الضارة، والمواد المسببة للحساسية، والميكروبات الموجودة في الهواء الذي نستنشقه، لأن الرئتان حساستان جدا، للميكروبات والأجسام الغريبة، أما الميكروبات والملوثات فتلتصق بالمخاط وتنزلق إلى المعدة، حيث يتم تدميرها بواسطة الأحماض القوية، أيضا المخاط يحتوي على خلايا الدم البيضاء والانزيمات التي تكافح الأمراض.
* لا يمكن تذوق الطعام بدون حاسة الشم
نعم هذا صحيح. فالرائحة جزء لا يتجزأ من تذوق النكهات. هذا هو السبب في أن مرضى الانفلونزا لا يستطيعون تذوق ما يأكلون، بسبب تأثير المرض الذي يغلق مجرى التنفس في الأنف ويصيبه بالالتهاب!
* حاسة الشم تحمي من التسمم
بخلاف السماح للإنسان بتذوق الطعام الذي يتناوله، فإن المستقبلات الشمية في الأنف تسمح بشم رائحة الدخان والأبخرة السامة والمواد الغذائية الفاسدة، وبالتالي تحمي من المرض والموت.
* شكل الأنف مسؤول عن صوت الإنسان عند الكلام
تلعب ثلاثة أجهزة في الجسم دورها في التكلم عندما ينطق الإنسان، وهي؛ الأنف، والجيوب الهوائية في الجمجمة، والحنجرة، فالحنجرة تحتوي على الحبال الصوتية التي تهتز عند التحدث، ثم يحدث صدى الصوت من خلال الأنف والجيوب الأنفية لمنح كل إنسان صوتا مميزا، ولهذا السبب يصبح الصوت عاليا ومكتوما وغير مفهوم عند ضغط الإنسان على أنفه بإصبعيه، وهو ما يتكرر مع الإصابة بالبرد أو التهاب الجيوب الأنفية.
* الأنف أول سبل الإعجاب بالآخرين
يعرف الطفل أمه برائحتها، وتلعب الأنف وشم الرائحة دورا هاما في قبول أو رفض شخص آخر، فنحن نحب رائحة هذا الشخص، ولا نحب رائحة ذاك.
* الذكريات ترتبط بالرائحة أحيانا
وثبت أن حاسة الشم من أكثر الحواس اتصالا بالذاكرة، وهذا سبب ارتباط بعض الروائح ببعض الذكريات التي يمكن استرجاعها بشم رائحة ولو بعد نصف قرن!
لذلك هل تساءلت يوما لماذا تذكرك رائحة طعام معين بطفولتك، أو لماذا يذكرك عطر أو رائحة معينة بشخص معين سواء تحب أو تكره هذا الشخص أو تلك الرائحة.
* بعض الروائح تبعث الهدوء وأخرى تثير النشاط
يحوي أنف الإنسان أكثر من 400 من مستقبلات الرائحة، وهو ما يسمح لنا بالتعرف على الروائح بأكثر مما نعتقد، وعندما تصل هذه الروائح إلى المخ من خلال أعصابنا الشمية، تحدث ردود أفعال على أساس نوع رائحة، مثلا روائح الزيوت العطرية والزهور تؤدي إلى الشعور بالهدوء، الصفاء، وزيادة التركيز، فيما تتسبب الروائح النفاذة والقوية ببعث النشاط.
ولعل أكثر الأنوف التي تلفت الانتباه هي أنوف خبراء الروائح والعطور حيث اكتسب بعض هؤلاء الخبراء القدرة على تمييز حوالي عشرة آلاف رائحة. وقد أوضحت الدراسات التشريحية المقارنة أن المساحة الشمية في التجويف الأنفي في الإنسان تبلغ حوالي 2 سم على كل من الجانبين. كل جانب من تجويفي الأنف يحتوي على 5 مليون خلية حسية شمية .
* وقد وهب الله تعالى فاقدي البصر بعض العوض بالاعتماد على الروائح في تمييز البيئة المحيطة لكي يدرؤوا عن أنفسهم الخطر وذلك باكتشاف الروائح التي تهدده بالخطر مثل رائحة احتراق محول كهربائي.
وعند الموازنة بين الشم والبصر يتبيَّن لنا أن العين لا ترى إلا بوسيطٍ وهو الضوء، ولكن الشم لا يحتاج إلى وسيط، فالإنسان يشمُّ ليلًا ونهارًا، في ضوء شديد وفي ظلمة شديدة، فهذه الحاسة تُعطي دائرةَ أمانٍ واسعةً جدًّا، فمثلًا وأنت نائمٌ قد تشم رائحة الغاز في البيت بلا صوت ولا ضوء ولا قرب مباشر.
* كذلك تلعب حاسة الشم دوراً هاماً في العلوم الطبية فالطبيب الجيد يمكنه أن يشخص أنواعاً عديدة من الأمراض بداية من الحمى الصفراء ومرض السكر حتى الفشل الكبدي بواسطة رائحة المريض.
* الجدير بالذكر أن حاسة الشم تضعف بسرعة وهذا مفيد من وجهة ويدعو إلى الحرص من جهة أخرى فعندما يتعرض الإنسان لرائحة ما فإن قدراته على تمييزها تختفي بعد برهة وذلك ضروري لكي تفسح المجال للإحساس بنوع آخر من الروائح.
** فقد أراد الله تعالى شأنه وجلت حكمته أن يلفت أنظارنا لفتة بسيطة إلى هذه الحاسة الدقيقة التي تحتوي على كثير من العجائب والمعجزات والتي تضم الآلاف من التركيبات الدقيقة والجسيمات العجيبة يؤدي كلاً منها عمله في تناسق وانسجام مما لا يترك مجالاً للشك في أنها صممت على أحسن صورة وأدق تركيب. ولاشك أن هذه الدقة الفائقة في التصميم والإنتاج أدلة واضحة على عظمة الخالق وجمال الخلق. وصدق الله القائل في محكم التنزيل ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات : 21].
ونحن بحقٍّ مَدِينون لله سبحانه وتعالى في وجود هذه النِّعَمة الذي خلقها وسخَّرها لنا، فنِعَمُه كثيرةٌ لا تُعَد ولا تحصى، وصدق رب العزة إذ يقول : ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل : 18].
* من كتاب "الإعجاز الطبِّى في القرآن" تأليف أبى سماحة العالم الموسوعى الجليل الدكتور السيد الجميلى الرائد والمؤسس الأول فى هذا المجال
رحمه الله رحمة واسعة
اللهم تقبل من أبى
صلاته ، وصيامه لك ، وسائر طاعاته ، وصالح أعماله ، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة ، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام ، واجعله من الفائزين ، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ .. يا رب العالمين
وتعتمد هذه الحاسة على نوع خاص من الخلايا توجد داخل الأنف وتعرف "بالخلايا الشمية" وتتجمع النهايات العصبية المتصلة بهذه الخلايا ليتكون منها زوج من الأعصاب تسمى "الأعصاب الشمية" وتخترق هذه الأعصاب الحاجز الأنفي في الجمجمة العظمية لتصل إلى "المنطقة الشمية" في المخ.
دراسة : الأنف البشري يمكنه تمييز تريليون رائحة مختلفة
دحضت دراسة قام بها فريق علمي أمريكي في 20 مارس 2014 النظرية السائدة بأن أنف الإنسان لا يستطيع تمييز أكثر من عشرة آلاف رائحة مختلفة. ، وهو الرقم الذي ظل لفترة طويلة يشار إليه على أنه الحد الأقصى لقدراتنا على الشم. وتوصل الباحثون إلى أن الأنف يمكنه أن يميز بين عدد لا نهائي تقريباً من الروائح يصل إلى أكثر من تريليون رائحة، استناداً إلى قراءة لنتائج تجارب مختبرية شارك فيها متطوعون قاموا بشم مجموعة كبيرة من الروائح.
وتشير الدراسة التي نشرت في دورية ساينس العلمية الأمريكية، إلى أن الأنف يتفوق على العين والأذن، فيما يتعلق بقدرته عل التمييز بين المثيرات الحسية المختلفة.
ويقول فريق الباحثين بجامعة روكفلر الأمريكية، إن البشر يستخدمون قدرا ضئيلا من قدراتهم المتوفرة في حاسة الشم.
وتستخدم العين البشرية ثلاثة مستقبلات عصبية ضوئية، تعمل معا للتمييز بين نحو عشرة ملايين لون، بينما تستطيع الأذن التمييز بين نحو نصف مليون نغمة مختلفة.
وكان يعتقد أن الأنف يستخدم 400 مستقبل عصبي للتمييز بين نحو 10 ألاف رائحة مختلفة. وعمل الباحثون في جامعة روكفلر في نيويورك على التحقق من هذه الفكرة التي تعود إلى عام 1927، ولم يتم التحقق منها علميا قبل ذلك. وظلت أبعاد حاسة الشم لغزاً.
أجريت الدراسة على مدى واسع ومتنوع من الروائح
وأجرى الباحثون تجارب، لاكتشاف قدرة الأشخاص على التمييز بين أخلاط من نحو 128 من جزيئات الروائح المختلفة، التي تمثل مدى واسعا من الروائح ابتداء من العشب حتى الحمضيات.
وتم خلط الجزيئات بشكل عشوائي في مجموعات من 10 و 20 و 30 لخلق روائح غير مألوفة. وطلب الباحثون من الأشخاص ال 26 الذين خضعوا للتجربة التعرف على رائحة ثلاث عينات، منهم اثنتان متطابقتان والثالثة مختلفة.
واستنادا إلى تلك النتائج، استخدم الباحثون نظرية لكي يستدلوا على متوسط عدد الروائح التي يمكن للشخص العادي التمييز بينها، إذا تم تقديمها بكل الأخلاط التي يمكن عملها من ال 128 جزيئ.
وتوصل الباحثون إلى أن الشخص العادي بإمكانه التمييز بأنفه بين نحو تريليون رائحة مختلفة، وهو أكثر بكثير من عدد المثيرات التي يمكن للأذن أو العين تمييزها. ويقول الباحثون إن هذا العدد ربما يكون أقل من الحقيقة. لأن هناك جزيئات أخرى للروائح موجودة في العالم أكثر من تلك التي استخدمت في الدراسة.
"خرافات"
وتقول ليزلي فوشال، مديرة مختبر علم الأعصاب والسلوك بجامعة روكفلر في نيويورك: والتي شاركت في الدراسة إن معرفتنا التقليدية بشأن قدرتنا على الشم تعتمد عل ما يشبه الخرافات.
وتضيف : "إنه أول اختبار حقيقي للقدرات التي يتمتع بها البشر .. يفترض البشر أن الحيوانات يتمتعون بحاسة شم أقوى منهم، البشر لديهم حاسة شم قوية وواضحة".
وقالت : "أهم مساهمة يقدمها هذا البحث هو أنه يصحح الفكرة الحالية القائلة بأن تمييز الروائح عند البشر سيء جداً ... نحن نميز الروائح بشكل جيد للغاية".
تظل الحيوانات تتمتع بحاسة شم أقوى بكثير من البشر
وتقول فوشال : إن الحيوانات تظل تتمتع بحاسة شم أقوى بضعفين أو ثلاث أضعاف من البشر، لأنهم يخصصون جزءا أكبر من المخ لحاسة الشم. وبالرغم من ذلك فإن إمكانيات حاسة الشم لدى الإنسان لا يجب أن تبخس.
وتضيف فوشال : "بإمكانك أن تجعل حاسة الشم لديك أقوى، يمكنك استخدام عطورأكثر جرأة وتركيزا، نحن نستخدم جزءً بسيطا من قدراتنا على الشم".
ووفقا للبروفيسور تشارلز سبينس المتخصص في علم الأحياء التجريبي بجامعة أوكسفورد، فإنه من الجيد أن ترفع حاسة الشم مرتبة الحواس البشرية، ولكن رغم ذلك فإن الأمر بحاجة إلى معرفة المزيد عنه.
ويقول البروفيسور ستيفن ليبرليس في قسم بيولوجيا الخلايا بكلية الطب في هارفارد، إن الأنف البشرية لديها عدد كبير من المسقبلات العصبية للشم، مما يشير إلى أن حاسة الشم ربما تكون حتى أقوى من التقدير الذي كشفت عنه الدراسة الأخيرة.
وتعليقا على الدراسة يقول ليبرليس : "الدراسة نجحت في مناقشة قدرات حاسة الشم لدى البشر، لكن لا يزال هناك أسئلة بعينها في حاجة إلى إجابة، مثل ما هو بالضبط عدد العناصر الكيميائية المستقلة التي يمكن للشخص تمييزها".
آلية الشم
تذوب جزئيات الروائح التي تدخل الأنف في المخاط الأنفي، وتنبه النهايات العصبية الشَّعرية في الخلايا المستقبِلة مُولِّدة دَفعةً عصبيةً، وتسير هذه الدفعة على طول ألياف الخلايا التي تخترقُ الصفيحة الغربالية، وهي (عظمة غربالية) لتصل إلى البصيلة الشمِّيَّة؛ حيث تتشابك مع الأعصاب الشمِّية، لتصل إلى المنطقة الشمية في المخ.
وفي حقيقة الأمر ما زال موضوع آلية الشم سرًّا يكتنِفُه الغموض حتى الآن!
ومِن النظريات التي وُضِعت لتُفسِّر هذه الظاهرة أن المواد النفَّاذة تقوم بتثبيت أنزيمات مُعيَّنة في الغشاء المخاطي الأنفي، ونظرية أخرى تفترض أن المواد الطيارة تُغيِّر النشاط الكهربائي لمُستقبلات الشمِّ؛ حيث يوجد في الأنف 100 مليون خلية عصبية شمية، وكل خلية لها سبعةُ أهداب، عليها مادة دهنية مُذيبة، تتفاعل مع الروائح تفاعلًا كيماويًّا، فينشأ من هذا التفاعل شكل هندسي يرسل إلى مركز الشمِّ في المخ على شكل إشارة، ويستعرض مركز الشم في المخ هذه الرائحة فيُدرِكها أولًا، ثم يتعرف عليها ثانيًا، وهناك نظريات أخرى كثيرة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
والواقع أن الروائح التي تصل إلى الأنف تكونُ على شكل أبخرة أو غازات، تتصاعد مِن مختلف الأشياء المحيطة بنا، أو التي نتداولها بين أيدينا، فلا تستطيع الخلايا الشمِّية إدراكَ هذه الغازات والتعرُّف عليها إلا بعد ذوبانِها في الغشاء المخاطي؛ ذلك لأن حاسَّة الشمِّ هي حاسَّةٌ كيميائية، وهذا هو السبب في أننا قد نفقِدُ حاسَّة الشمِّ تمامًا عندما نُصاب بالبرد؛ إذ ينتفخ الغشاء المخاطي، فيمنع الروائح الغازية من الوصول إلى الخلايا الشمية الموجودة داخل الأنف.
إن أنف الإنسان مليئة بالعجائب والقدرات، وهذه إعجازات أخرى للأنف تبين عظمة الخالق ..
* الأنف يرطب الهواء الذي تتنفسه.
لا تسمح الرئتان أو الحلق بدخول الهواء الجاف، لذا يقوم المخاط في الأنف بترطيب الهواء، حتى يكون ملائما للدخول إلى الجهاز التنفسي.
* الأنف يدفئ الهواء
لا تحب الرئتان الهواء البارد، فيقوم الأنف بتدفئة الهواء.
* الأنف يحمي من التلوث والميكروبات ومسببات الحساسية
التجاويف العظمية داخل أنفك مغطاة بخلايا ينبت فيها شعر يقوم بتنقية الهواء من الملوثات الضارة، والمواد المسببة للحساسية، والميكروبات الموجودة في الهواء الذي نستنشقه، لأن الرئتان حساستان جدا، للميكروبات والأجسام الغريبة، أما الميكروبات والملوثات فتلتصق بالمخاط وتنزلق إلى المعدة، حيث يتم تدميرها بواسطة الأحماض القوية، أيضا المخاط يحتوي على خلايا الدم البيضاء والانزيمات التي تكافح الأمراض.
* لا يمكن تذوق الطعام بدون حاسة الشم
نعم هذا صحيح. فالرائحة جزء لا يتجزأ من تذوق النكهات. هذا هو السبب في أن مرضى الانفلونزا لا يستطيعون تذوق ما يأكلون، بسبب تأثير المرض الذي يغلق مجرى التنفس في الأنف ويصيبه بالالتهاب!
* حاسة الشم تحمي من التسمم
بخلاف السماح للإنسان بتذوق الطعام الذي يتناوله، فإن المستقبلات الشمية في الأنف تسمح بشم رائحة الدخان والأبخرة السامة والمواد الغذائية الفاسدة، وبالتالي تحمي من المرض والموت.
* شكل الأنف مسؤول عن صوت الإنسان عند الكلام
تلعب ثلاثة أجهزة في الجسم دورها في التكلم عندما ينطق الإنسان، وهي؛ الأنف، والجيوب الهوائية في الجمجمة، والحنجرة، فالحنجرة تحتوي على الحبال الصوتية التي تهتز عند التحدث، ثم يحدث صدى الصوت من خلال الأنف والجيوب الأنفية لمنح كل إنسان صوتا مميزا، ولهذا السبب يصبح الصوت عاليا ومكتوما وغير مفهوم عند ضغط الإنسان على أنفه بإصبعيه، وهو ما يتكرر مع الإصابة بالبرد أو التهاب الجيوب الأنفية.
* الأنف أول سبل الإعجاب بالآخرين
يعرف الطفل أمه برائحتها، وتلعب الأنف وشم الرائحة دورا هاما في قبول أو رفض شخص آخر، فنحن نحب رائحة هذا الشخص، ولا نحب رائحة ذاك.
* الذكريات ترتبط بالرائحة أحيانا
وثبت أن حاسة الشم من أكثر الحواس اتصالا بالذاكرة، وهذا سبب ارتباط بعض الروائح ببعض الذكريات التي يمكن استرجاعها بشم رائحة ولو بعد نصف قرن!
لذلك هل تساءلت يوما لماذا تذكرك رائحة طعام معين بطفولتك، أو لماذا يذكرك عطر أو رائحة معينة بشخص معين سواء تحب أو تكره هذا الشخص أو تلك الرائحة.
* بعض الروائح تبعث الهدوء وأخرى تثير النشاط
يحوي أنف الإنسان أكثر من 400 من مستقبلات الرائحة، وهو ما يسمح لنا بالتعرف على الروائح بأكثر مما نعتقد، وعندما تصل هذه الروائح إلى المخ من خلال أعصابنا الشمية، تحدث ردود أفعال على أساس نوع رائحة، مثلا روائح الزيوت العطرية والزهور تؤدي إلى الشعور بالهدوء، الصفاء، وزيادة التركيز، فيما تتسبب الروائح النفاذة والقوية ببعث النشاط.
ولعل أكثر الأنوف التي تلفت الانتباه هي أنوف خبراء الروائح والعطور حيث اكتسب بعض هؤلاء الخبراء القدرة على تمييز حوالي عشرة آلاف رائحة. وقد أوضحت الدراسات التشريحية المقارنة أن المساحة الشمية في التجويف الأنفي في الإنسان تبلغ حوالي 2 سم على كل من الجانبين. كل جانب من تجويفي الأنف يحتوي على 5 مليون خلية حسية شمية .
* وقد وهب الله تعالى فاقدي البصر بعض العوض بالاعتماد على الروائح في تمييز البيئة المحيطة لكي يدرؤوا عن أنفسهم الخطر وذلك باكتشاف الروائح التي تهدده بالخطر مثل رائحة احتراق محول كهربائي.
وعند الموازنة بين الشم والبصر يتبيَّن لنا أن العين لا ترى إلا بوسيطٍ وهو الضوء، ولكن الشم لا يحتاج إلى وسيط، فالإنسان يشمُّ ليلًا ونهارًا، في ضوء شديد وفي ظلمة شديدة، فهذه الحاسة تُعطي دائرةَ أمانٍ واسعةً جدًّا، فمثلًا وأنت نائمٌ قد تشم رائحة الغاز في البيت بلا صوت ولا ضوء ولا قرب مباشر.
* كذلك تلعب حاسة الشم دوراً هاماً في العلوم الطبية فالطبيب الجيد يمكنه أن يشخص أنواعاً عديدة من الأمراض بداية من الحمى الصفراء ومرض السكر حتى الفشل الكبدي بواسطة رائحة المريض.
* الجدير بالذكر أن حاسة الشم تضعف بسرعة وهذا مفيد من وجهة ويدعو إلى الحرص من جهة أخرى فعندما يتعرض الإنسان لرائحة ما فإن قدراته على تمييزها تختفي بعد برهة وذلك ضروري لكي تفسح المجال للإحساس بنوع آخر من الروائح.
** فقد أراد الله تعالى شأنه وجلت حكمته أن يلفت أنظارنا لفتة بسيطة إلى هذه الحاسة الدقيقة التي تحتوي على كثير من العجائب والمعجزات والتي تضم الآلاف من التركيبات الدقيقة والجسيمات العجيبة يؤدي كلاً منها عمله في تناسق وانسجام مما لا يترك مجالاً للشك في أنها صممت على أحسن صورة وأدق تركيب. ولاشك أن هذه الدقة الفائقة في التصميم والإنتاج أدلة واضحة على عظمة الخالق وجمال الخلق. وصدق الله القائل في محكم التنزيل ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات : 21].
ونحن بحقٍّ مَدِينون لله سبحانه وتعالى في وجود هذه النِّعَمة الذي خلقها وسخَّرها لنا، فنِعَمُه كثيرةٌ لا تُعَد ولا تحصى، وصدق رب العزة إذ يقول : ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل : 18].
* من كتاب "الإعجاز الطبِّى في القرآن" تأليف أبى سماحة العالم الموسوعى الجليل الدكتور السيد الجميلى الرائد والمؤسس الأول فى هذا المجال
اللهم تقبل من أبى