الجميع ينتظر أن تُلْقي روسيا بإحدى رؤوسها النووية، ثمة من ينتظر انفجارها المُدوِّي الذي يُعيد الأرض لِنشْأتها الأولى، بلهفة من يترقَّبُ عرضاً يشبه حفلات الشهب النارية، وثمّة من يُداري بوازعٍ ديني يَقينَه باقتراب نهاية العالم، ولا يملك إلا أن يستعيذ بالله من الشيطان بوتين الرجيم !
أنا لا مع هؤلاء ولا مع أولئك.. ولكنّني أقفُ حائراً في الوسط ألْتمس سلامتي العقلية، أحاول أن أرْتكِن لأفكارٍ تُقوِّي في نفسي غريزة الحياة، غير أنِّي أجد بَدَل العُذْر عشراً لِمَنْ ينتظر بشوق قُنبلة تعْصِف بالعالم، لقد اتَّسعت رُقعة الاستبداد وأصبح القانون لُعْبةً في يد الأثرياء، كيف نُحقِّق التوازن الاقتصادي للبلد ومَنْ أفْقَرُوه طُلقاء دون مُحاسبة، بل كيف نُصْلح مَرَافِقَنا الصِّحية واللسان الذي فضح عيوبها قطعهُ الوزير، ولا أعجب إلا ممن يلُوم الوزير ويُعمِّق الجراح، هو فقط يَمْتثل لسياسة تقْطَع مع الأفكار الكاسدة للصحة العمومية، ما جدوى المرض إذا لم يُصْبح خصوصياً يُدِرُّ الأرباح، لِمَ كل هذه البلبلة نحن هنا نغلِّب المصلحة العامة للبلد، نرفع مُعدَّل النمو الاقتصادي، وقد نُضحِّي كل يوم بدزينة من المواطنين من أجل أنْ لا يحصل عجزٌ في خزينة الدولة، لا تُهِمُّنا صحة أحد، كيف إذاً لا يَصيح الجميع النَّووي الله يداوي، كيف لا ترقص الأغلبية التي تعتبر حياتها كعدمِها حين تُلقي روسيا القنبلة !
لسْتُ من ذوي النزعة الإنتحارية، وأكثر ما يشدُّني للحياة، مشاريع تافهة تُضيِّع العُمر لأنّها تشتغل على السَّراب، ولا تَنْفع من تعوَّد النظر للوقت في ساعة من ذهب، لكنَّني لا أنْكُر أنِّي وجدتُ بعض العزاء النَّفسي، في أحاديث الناس عن احتمالية انفجار نووي يُعيد الأرض إلى بدائيتها، ثمة مركزية عالمية تتحكَّم اليوم في المصير البشري، لا أقول فقط تخْتلِق الحروب وتَنْتِهك الحُرمات وتحتكر الثروات وتُضحِّل العُقول، ولكن الأفظع أنّها تُزوِّج الرجل للرجل والمرأة للمرأة في زفاف علني مُعْترفٍ بشرْعيّته في مجلس الشيوخ، ومَن اعترض على هذا الغرام يُسْجن ويُغَرَّم، الأخْطر أيضا في هذه المركزية العالمية أنّها تَصْنع بتأثير ميديا التكنولوجيا الجديدة، نُسْخة بشرية أُحادِية التَّفكير، يَسهُل توجيهها وِفْق مصلحة أقلِّية رأسمالية تَسْتجمِع القوة والنفوذ للسَّيطرة على العالم، أليْس مِمّا يبعث على اليأس، أنْ تمشي في الشارع كأنَّك تتجول على صفحة مرآة مَع ألْف شبيه لا يختلف ولا يأْتَلِف، الأمر أشْبه بِدمْج حصان أصيل مع أكثر من بغل لِيجُرَّ نفس العربة، يا لهذه التَّطابقية الوجودية التي انفلتت من ورق الفلاسفة لتَجري حقيقتُها المرّة على أرض الواقع، اختلط الخيْل بالبغْل وأصبح كلُّ شيء مُعدَّلا وراثيا من الحيوان إلى النبات إلى البشر، فقدْنا صِحَّتنا المتوارثة في أصولها المتينة من طريقة عيش أجدادنا، وأصْبَحنا مُجرّد ورق سريع التمزُّق والعطب، واهنين مرضى فاقدي الإرادة، حقّاً أجد المُبرِّر المُقْنِع لِمَنْ يُريد الخَلاص مِنْ زيْف هذه الحياة، أجدُ كلَّ العُذر لِمَن يَسْتعجل روسيا كي تُلقي القنبلة !
قد يُحالفني الحظُّ وأكون مع نِصف سكان الأرض نائماً حين يضغط بوتين على زرِّ صاروخ القيامة، ولأنِّي مع باقي فقراء العالم أخبِّىء بيْض سعادتي تحت وسادتي لِتفْقس بالأحلام، سوف أُكْمل نومي إلى الصباح، فنحن لا نملك من متاع الدنيا ما نخْشى خسارته ويَسْتدعي اليقظة والأرق، إمّا أستيقظ هنا أو هناك في الدار الآخرة تسبقُني طقوسي المعهودة في الحياة، أفْطر كعادتي سريعاً بالبيت، وأطلق ساقيَّ لأقرب مقهى أحْتسي فنجاني الإكسبريس ويحْتسيني مع أول سيجارة، سأكون ربّما آخر من يصله من التلفزيون، خبر اندلاع الحرب النّووية، ولكن ما بال الجميع ما زالوا أحياءً، ربما لأنّ روسيا بعيدة جغرافيا عن بلدنا، أو ربما اختارت دول النيتو وأمريكا فقط هدفاً دون سِواها من بلدان العالم، لكنّ المُذيع في التلفزيون سرعان ما صحّح بالقول، إن القِلَّة التي احتكرت الغَلّة، قد لاذت بالفرار من البلد بِكل ثرواتها إلى منتجعات ومخابىء جوفية لا يصلها الإشعاع النووي، ولمْ يَبْق هنا إلا المساكين هُمُ الأغْلبية في الحرب والسِّلم، وقدْ أثبتت أحْدث التّقارير الطبية، أنَّهم اكتسبوا من شظف العيش وقَرف الهُموم مَناعةً تُقاوم أفْتك السُّموم !
...............................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 12 ماي 2022.
أنا لا مع هؤلاء ولا مع أولئك.. ولكنّني أقفُ حائراً في الوسط ألْتمس سلامتي العقلية، أحاول أن أرْتكِن لأفكارٍ تُقوِّي في نفسي غريزة الحياة، غير أنِّي أجد بَدَل العُذْر عشراً لِمَنْ ينتظر بشوق قُنبلة تعْصِف بالعالم، لقد اتَّسعت رُقعة الاستبداد وأصبح القانون لُعْبةً في يد الأثرياء، كيف نُحقِّق التوازن الاقتصادي للبلد ومَنْ أفْقَرُوه طُلقاء دون مُحاسبة، بل كيف نُصْلح مَرَافِقَنا الصِّحية واللسان الذي فضح عيوبها قطعهُ الوزير، ولا أعجب إلا ممن يلُوم الوزير ويُعمِّق الجراح، هو فقط يَمْتثل لسياسة تقْطَع مع الأفكار الكاسدة للصحة العمومية، ما جدوى المرض إذا لم يُصْبح خصوصياً يُدِرُّ الأرباح، لِمَ كل هذه البلبلة نحن هنا نغلِّب المصلحة العامة للبلد، نرفع مُعدَّل النمو الاقتصادي، وقد نُضحِّي كل يوم بدزينة من المواطنين من أجل أنْ لا يحصل عجزٌ في خزينة الدولة، لا تُهِمُّنا صحة أحد، كيف إذاً لا يَصيح الجميع النَّووي الله يداوي، كيف لا ترقص الأغلبية التي تعتبر حياتها كعدمِها حين تُلقي روسيا القنبلة !
لسْتُ من ذوي النزعة الإنتحارية، وأكثر ما يشدُّني للحياة، مشاريع تافهة تُضيِّع العُمر لأنّها تشتغل على السَّراب، ولا تَنْفع من تعوَّد النظر للوقت في ساعة من ذهب، لكنَّني لا أنْكُر أنِّي وجدتُ بعض العزاء النَّفسي، في أحاديث الناس عن احتمالية انفجار نووي يُعيد الأرض إلى بدائيتها، ثمة مركزية عالمية تتحكَّم اليوم في المصير البشري، لا أقول فقط تخْتلِق الحروب وتَنْتِهك الحُرمات وتحتكر الثروات وتُضحِّل العُقول، ولكن الأفظع أنّها تُزوِّج الرجل للرجل والمرأة للمرأة في زفاف علني مُعْترفٍ بشرْعيّته في مجلس الشيوخ، ومَن اعترض على هذا الغرام يُسْجن ويُغَرَّم، الأخْطر أيضا في هذه المركزية العالمية أنّها تَصْنع بتأثير ميديا التكنولوجيا الجديدة، نُسْخة بشرية أُحادِية التَّفكير، يَسهُل توجيهها وِفْق مصلحة أقلِّية رأسمالية تَسْتجمِع القوة والنفوذ للسَّيطرة على العالم، أليْس مِمّا يبعث على اليأس، أنْ تمشي في الشارع كأنَّك تتجول على صفحة مرآة مَع ألْف شبيه لا يختلف ولا يأْتَلِف، الأمر أشْبه بِدمْج حصان أصيل مع أكثر من بغل لِيجُرَّ نفس العربة، يا لهذه التَّطابقية الوجودية التي انفلتت من ورق الفلاسفة لتَجري حقيقتُها المرّة على أرض الواقع، اختلط الخيْل بالبغْل وأصبح كلُّ شيء مُعدَّلا وراثيا من الحيوان إلى النبات إلى البشر، فقدْنا صِحَّتنا المتوارثة في أصولها المتينة من طريقة عيش أجدادنا، وأصْبَحنا مُجرّد ورق سريع التمزُّق والعطب، واهنين مرضى فاقدي الإرادة، حقّاً أجد المُبرِّر المُقْنِع لِمَنْ يُريد الخَلاص مِنْ زيْف هذه الحياة، أجدُ كلَّ العُذر لِمَن يَسْتعجل روسيا كي تُلقي القنبلة !
قد يُحالفني الحظُّ وأكون مع نِصف سكان الأرض نائماً حين يضغط بوتين على زرِّ صاروخ القيامة، ولأنِّي مع باقي فقراء العالم أخبِّىء بيْض سعادتي تحت وسادتي لِتفْقس بالأحلام، سوف أُكْمل نومي إلى الصباح، فنحن لا نملك من متاع الدنيا ما نخْشى خسارته ويَسْتدعي اليقظة والأرق، إمّا أستيقظ هنا أو هناك في الدار الآخرة تسبقُني طقوسي المعهودة في الحياة، أفْطر كعادتي سريعاً بالبيت، وأطلق ساقيَّ لأقرب مقهى أحْتسي فنجاني الإكسبريس ويحْتسيني مع أول سيجارة، سأكون ربّما آخر من يصله من التلفزيون، خبر اندلاع الحرب النّووية، ولكن ما بال الجميع ما زالوا أحياءً، ربما لأنّ روسيا بعيدة جغرافيا عن بلدنا، أو ربما اختارت دول النيتو وأمريكا فقط هدفاً دون سِواها من بلدان العالم، لكنّ المُذيع في التلفزيون سرعان ما صحّح بالقول، إن القِلَّة التي احتكرت الغَلّة، قد لاذت بالفرار من البلد بِكل ثرواتها إلى منتجعات ومخابىء جوفية لا يصلها الإشعاع النووي، ولمْ يَبْق هنا إلا المساكين هُمُ الأغْلبية في الحرب والسِّلم، وقدْ أثبتت أحْدث التّقارير الطبية، أنَّهم اكتسبوا من شظف العيش وقَرف الهُموم مَناعةً تُقاوم أفْتك السُّموم !
...............................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 12 ماي 2022.