د. أيمن دراوشة - قراءة اجتماعية أسلوبية في ومضة الكاتب عبد الهادي موسى "وصول"

أولا: العنوان

العنوان " وصول " والوصول هنا تأخذ منحى بعيدًا عن معناها الأصلي، وهو الوصول إلى الوجهة لتحقيق الهدف وليس الوصول فقط بدون هدف؛ لهذا فالعنوان يأخذ اتجاهًا آخر يختلف عن مفهومنا للوصول، والأكثر في استخدام اللفظة بهذا الاستعمال هم الشعراء ثم يتبعهم بقية الأدباء.

وقد استخدمها المؤلف عامة وليس معرَّفة، وأيضًا هو عنوان يتكون من كلمة واحدة، مما يميز الومضة ويعطيها دقة ومغزًى لا يكتشفه سوى ذوي الاختصاص في اللغة.

إذن لسنا بحاجة للرجوع إلى معاجم اللغة طالما الومضة تكشف لنا المقصود أو الزيادة على المعنى المقصود الذي نعرفه.

وتنكير الكلمة هنا يدل على عموم، وهذا دليل حنكة الكاتب، ويتكشف لنا من خلال الومضة في الجزئين أن المتحدَّث عنه امرأة وليس رجلًا بدليل تأنيث الفعلين "أبرزت وتعبد"

ثانيًا: المتن والخاتمة

تتكون الومضة من جملتين فعليتين "أبرزت– تعبد" حيث يُعد الشطر الثاني نتيجة للشطر الأول الذي بدأ بالفعل الماضي "أبرزت" وأبرزت هنا فعل متعدٍ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي، ومدلول الفعل هنا يوحي إلى سياسة الإغراء التي قد تتبعها الأنثى للوصول إلى مرادها سواء لوظيفة، أو شهرة، أو سفر، أو مال...

فالقضية مشكلة اجتماعية بحتة ... فاستخدام المرأة لمفاتنها لإغراء أرباب العمل لتوظيفها يأت بمفعوله في كثير من المؤسسات الخاصة التي تدعي النزاهة وتوظيف من هو جدير للوظيفة، مما يكشف لنا عن داء يسري في مجتمعاتنا الغارق أصلا بالكثير من المشكلات والأوبئة.. وأيضًا يكشف لنا عن مرضى لجان المقابلات للوظائف، وإلى ماذا ينظرون؟! وكان بإمكان الكاتب أن يقول نالت بدلا من تعبَّد، لكنه نجح باستعارة لفظة تعبَّد بدلا من غيرها، فهي أقوى فنيًا وتعطي لنا صورة في غاية الجمال من خلال النطق بالتضعيف.


النتيجة بالفعل الماضي "تعبَّد" ... أي أنَّ الإغراء قد سهَّل الأمر كثيرًا لتلك الفتاة للفوز بالوظيفة دون حق، فكانت الوظيفة من نصيبها والفعل "تعبَّد" هنا يوحي لنا أنَّ الأمر تم دون معيقات... وهذه القفلة جاءت بالمختصر المفيد دون تفصيل.

ثانيًا: المفارقة والدهشة

المفارقة هنا بين الفعلين "أبرزت وبين تعبّد" ففي الفعلين مفارقة مفاجئة وفيها نوع من السؤال، فكيف تعبدت الطريق؟ ومن ساهم في ذلك؟

لا شك أن توظيف غير المستحقين للوظائف من الجنسين، سيزيد من تفاقم المشكلات، ويزيد من الفساد أيضًا، فالتوظيف بهذه الطريقة له مآرب مريضة في المستقبل، وإلى تدني الإنتاج لانعدام الكفاءة، وما تزال ظاهرة الإغراء والواسطة موجودة، وبازدياد غريب.

إذن نحن أمام ومضة اجتماعية ومشكلة تمس مجتمعاتنا في الصميم؛ لذا كانت جديرة بالقراءة والتحليل، وكما استطاعت المرأة أن تبرز مفاتنها؛ كي تحصل على الوظيفة، استطاع الكاتب أن يوصل لنا فكرته وبكل وضوح دون غموض يذكر.

خامسًا: الأسلوب
استخدم كاتب الومضة أسلوب الاختزال في عرض فكرته، وهي من قواعد الومضة، فكلما كانت بألفاظ أقل، كلما كانت أكثر دهشة ونجاحًا، فيما لو تجاوزت ست كلمات، وهذا ما التزم به الكاتب، الذي التزم أيضا بعلامات الترقيم في المكان المناسب وقصدت الفاصلة المنقوطة والنقطة.
مأخذي الوحيد على الكاتب هو عدم تشكيل الكلمات، فربما كانت سهلة بالنسبة له، لكن لغيره ربما تُحدث التباسًا، وحبذا لو كان التشكيل كاملًا، فالألفاظ قليلة، وتشكيلها لن يستهلك منا وقتًا طويلا، والتشكيل دليل الحرص والدقة لصنع ومضة كاملة الأركان، دون أي هفوات، حتى لو بسيطة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى