يحكي بعض من حَضَر تشييع جثمان طه حسين، الذي خرج من جامعة القاهرة، في واقعة كانت الأولى من نوعها، كيف خيَّم الحزن على المثقَّفين المصريين والعرب، وكيف رثاه نزار قباني بقصيدة مؤثرة، وتحدَّث عبد العزيز المقالح عن ريادته للتنوير في الثقافة العربية، وذلك أثناء حفل تأبينه، الذي أقيم بجامعة الدول العربية.
ولعل التساؤل الذي يجب أن نطرحه: لماذا جسَّد طه حسين – للمثقَّفين المصريين والعرب – “المعلم الأول”؟ كما يُطلِق عليه أ. إيهاب الملاح، في كتابه المهم “طه حسين تجديد ذكرى عميد الأدب العربي”، لماذا مثَّلت مؤلَّفاته الصدمة التي أيقظت الأذهان في مقاربة الموروثات التاريخية؟
جاءت مؤلَّفات طه حسين لتخلْخِل المستقر المعرفي في الثقافة العربية، فبعيدًا عن النقل، وعمَّا توارثناه من نصوص وخطابات، انتقلت وتضخَّمت بالعنعنات، فتَح عميد الأدب العربي -منذ صدور كتابه في الشعر الجاهلي عام 1926- الأبواب متَّسِعةً لرؤى أخرى، أطروحات تبذر الأسئلة، وتُعيد التقييم، تعتمد على مناهج بحْثٍ علمية، تقرأ بها هذه الخطابات والنصوص الموروثة، لا أقصد هنا “قضية الانتحال في الشعر الجاهلي فقط”، بل أقصد كل الخطابات، حتى السِّيَرِيَّة والأدبية الموروثة بأنواعها المختلفة، تلك التي أدخلها تحت الأساطير والمبالغات غير الخاضعة لمنطق، حيث تنزع دائمًا لتمجيد الماضي، وإضفاء القداسة حول العقل الوضعي الإسلامي، وتاريخه.
نحو هذه المناطق سلَّط طه حسين أنوار العقل البشري ومستحدثاته الفكرية البحثية، أذكر إنه في إحدى مَرَّات انعقاد الصالون الثقافي لدكتور عبد المنعم تليمة، جَرَى نقاش بين د. عبد المنعم تليمة “أستاذ النقد الأدبي” ود. صلاح قنصوه “أستاذ عِلم الجمال وفلسفة العِلم”، حول كتابات طه حسين التاريخية الإسلامية، وكانت بالتحديد حول كتاب “على هامش السيرة”، وقال د. تليمة إن هذا المؤلَّف من أجمل ما كُتب عن السيرة النبوية، وأصدقها، ليرُدَّ د. صلاح قنصوة ويقول: إن المقدمة التي كتبها طه حسين لهذا المؤلَّف تنُصُّ صراحة على أن كتاب “على هامش السيرة” ليس سوى إبداع على موروثات السيرة الأسطورية في أغلبها، وأن طه حسين أراد كتابة أدبية تخيُّلية، لا تنضوي تحت التاريخ ولا العقلانية.
تذكَّرتُ هذا النقاش وأنا أكتب حول مستويات وأبعاد مشروع التنوير لدى طه حسين؛ فرجعت للمقدمة التي كتبها طه حسين لكتابه “على هامش السيرة”، يقول فيها: “هذه صحف لم تُكتب للعلماء ولا للمؤرخين؛ لأني لم أُرِدْ بها إلى العِلم، ولم أقصد بها إلى التاريخ،.. ولعلِّي رأيت في نشْرها الخير، .. ذلك إلى أن الأدب القديم لم ينشأ ليبقى كما هو ثابتًا مستقِرًّا، لا يتغير ولا يتبدل، ..، إنما الأدب الخصب حقًّا، هو الذي يلذُّك حين تقرؤه؛ لأنه يقدِّم إليك ما يُرضي عقلك وشعورك، ولأنه يوحي إليك ما ليس فيه، ويُلهمك ما لم تشتمل عليه النصوص.” يتحدَّث الكاتب هنا عن أدب، وليس أخبار تاريخية وسِيَرِيَّة، وكلنا يعلم أن الجزء المتخيَّل في الأدب هو الذي يهيمن على الخطاب الفني.
ثم يتحدَّث طه حسين عن إلياذة هوميروس، وأنها لم تَزَلْ تُلهِم الكتَّاب حتى عصْرِه، ويعقِّب بَعدها: إن قومًا سيضيقون بهذا الكتاب؛ لأنهم محدَثون يُكبِرون العقل، فيقول لهم: “وأحبُّ أن يعلم هؤلاء أن العقل ليس كل شيء، وأن للناس مَلَكاتٍ أخرى، ليست أقلَّ حاجة إلى الغذاء والرضا من العقل، وأن هذه الأخبار والأحاديث إذا لم يطمئن إليها العقل، ولم يَرْضَها المنطق، ولم تستقِمْ لها أساليب التفكير العلمي، فإن في قلوب الناس وشعورهم وعواطفهم وخيالهم وميلهم إلى السذاجة، واستراحتهم إليها من جهد الحياة وعنائها، ما يحبب إليهم هذه الأخبار ويرغِّبهم فيها، ويدفعهم إلى أن يلتمسوا عندها الترفيه على النفس حين تشق عليهم الحياة.”
تعامل طه حسين مع هذه الموروثات بمنطق الفن، مادة تستفز حالة من الجدل معها، ومن ثم الإلهام، والبناء عليها فنيًّا، الخيال الذي يستهدف المتعة، لكن لم يتعامل معها كحقائق تاريخية، أو أنها تخضع للبحث العلمي، كما أنه يقول: “لن يتعب الذين يريدون أن يرُدُّوا فصول هذا الكتاب القديم في جوهره وأصله، الجديد في صورته وشكله، إلى مصادره القديمة التي أُخِذ منها. فهذه المصادر قليلة جدًا، لا تكاد تتجاوز سيرة ابن هشام، وطبقات ابن سعد، وتاريخ الطبري، وليس في الكتاب فصل أو نبأ أو حديث إلا وهو يدور حول خبر وَرَدَ في كتاب من هذه الكتب. فإذا اتصل الخبر بشخص النبي؛ فإني أردُّه إلى مصدره؛ ليستطيع من شاء أن يرجع له، لا أحتمل في ذلك تَبِعَةً خاصة.”
فحين أعمَل طه حسين عقله فيما قرأه من الموروثات الخاصة بالسيرة؛ وَجَدَ أن أغلب الخطابات والمرويات لا يمكن إثباتها تاريخيًّا، كما أنها تتضمن مبالغاتٍ بلا حصر، وبها قدْر عالٍ من تمجيد المواقف، والنزوع بالأحداث نحو الأسطرة، ولذا ارتأى بدلًا من تقويضها من الجانب العقلاني والتاريخي، الذي ينزع نحو أن تكون هذه المواد الإنسانية علمية، أن يتفاعل معها فنيًّا وأدبيًّا، وأن يعيد إنتاجها كما يفعل الغرب مع موروثاتهم الأدبية، هذا هو ما يستشعره القارئ لمقدمة كتاب “على هامش السيرة”.
أراد طه حسين بهذا الصنيع أن يدفع بالعقل البشري ليناقش ويسائل كل الموروثات، حتى التي أكسبها الأقدمون بعض صفات القداسة، ليست لأنها مقدسة في ذاتها، بل لأنها كانت تدور حول سيرة الرسول، وأهله، والمكان الذي به ولد وعاش، والأحداث التي مَرَّت عليهم.
ربما أراد أن يقول إن كل ما وضَعه العقل العربي الإسلامي يمكننا أن نسائله، لا يتضمن قداسة لأنه من تأليف ومخيلة البشر، موروث يلهمنا لإنتاج خطابات أدبية أخرى تجادله وتتناص معه، لا بوصفه حقائق تخضع للعقل. وهذا الصنيع هو بعض ما يجعل الجميع يقول عن طه حسين إنه الرائد والمعلِّم الأول للتنوير، وعلى خطاه سار كبار الباحثين العرب يسائلون التراث كما يذكر الأستاذ: نبيل عبد الفتاح في مقاله “طه حسين: العقل النقدي والرؤى البصيرة”
يتجلَّى النزوع التنويري لدى طه حسين أيضًا في اتساق الرؤية في كل منتجه، اتساق شمَل مؤلَّفاتِه في الإبداع الفكري، وأيضًا الأدبي، ففي معظم القضايا – التي كتَب فيها، وناقشها في مؤلَّفاته الفكرية – عالَج تجلِّياتِها الاجتماعيةَ، وانعكاساتها على الإنسان في نصوصه الإبداعية؛ فأعلى قيمة العقل، وكشَف عن مظاهر الظُّلم الاجتماعي، والعادات والتقاليد القديمة البالية، ورفَضها، خاض في مناقشة موروثاتنا، وخلخلة أبعادها؛ لإعادة رؤيتها وفْق لحظتنا التاريخية، والسعي لتغيير حياتنا للأفضل. ففي رسائله السردية المعنونة بــ “خطبة الشيخ”، يجسِّد طه حسين بعض الأفكار التي يناهضها في مؤلَّفاته ومقالاته، من خلال شخوص تعاني رؤى اجتماعية رجعية، تناهض حقوق المرأة، وترسِّخ لقِيَم سطحية ادعائية، تتجسد عبْر الشخوص، وتصبح القضايا موضِعَ حوار وصراع.
في النَّص يجسد الطريقة التي تتزوج بها النساء في المجتمع المصري أول القرن العشرين، وهُنَّ لا يملكن حقَّ اختيار الزوج، ينتقد قرارات الحكومة بمنْع البنات من العمل لو تزوَّجن. يشير أيضا إلى اللغة اللزِجة، المحمَّلة بأثقالها الزخرفية البديعية دون صِدق وتلقائية، لغة مصنوعة، مصفوفة من الزخارف، بلا روح ولا موضوع، كما يشير إلى تلاعب العلماء بالفتاوى والأحكام، وتأويلهم للنصوص بحسب أهوائهم. طه حسين آمن برسالته التنويرية التي جعلته يبحث عن حلول جذرية، تعليمية، وإبداعية، ثقافة تبني وتعيد تشكيل وعي جمعي يصنع حاضِرَه وغَدَه، بعقله، وثقافة منفتحة على الحضارات كافة.
د. أماني فؤاد
ولعل التساؤل الذي يجب أن نطرحه: لماذا جسَّد طه حسين – للمثقَّفين المصريين والعرب – “المعلم الأول”؟ كما يُطلِق عليه أ. إيهاب الملاح، في كتابه المهم “طه حسين تجديد ذكرى عميد الأدب العربي”، لماذا مثَّلت مؤلَّفاته الصدمة التي أيقظت الأذهان في مقاربة الموروثات التاريخية؟
جاءت مؤلَّفات طه حسين لتخلْخِل المستقر المعرفي في الثقافة العربية، فبعيدًا عن النقل، وعمَّا توارثناه من نصوص وخطابات، انتقلت وتضخَّمت بالعنعنات، فتَح عميد الأدب العربي -منذ صدور كتابه في الشعر الجاهلي عام 1926- الأبواب متَّسِعةً لرؤى أخرى، أطروحات تبذر الأسئلة، وتُعيد التقييم، تعتمد على مناهج بحْثٍ علمية، تقرأ بها هذه الخطابات والنصوص الموروثة، لا أقصد هنا “قضية الانتحال في الشعر الجاهلي فقط”، بل أقصد كل الخطابات، حتى السِّيَرِيَّة والأدبية الموروثة بأنواعها المختلفة، تلك التي أدخلها تحت الأساطير والمبالغات غير الخاضعة لمنطق، حيث تنزع دائمًا لتمجيد الماضي، وإضفاء القداسة حول العقل الوضعي الإسلامي، وتاريخه.
نحو هذه المناطق سلَّط طه حسين أنوار العقل البشري ومستحدثاته الفكرية البحثية، أذكر إنه في إحدى مَرَّات انعقاد الصالون الثقافي لدكتور عبد المنعم تليمة، جَرَى نقاش بين د. عبد المنعم تليمة “أستاذ النقد الأدبي” ود. صلاح قنصوه “أستاذ عِلم الجمال وفلسفة العِلم”، حول كتابات طه حسين التاريخية الإسلامية، وكانت بالتحديد حول كتاب “على هامش السيرة”، وقال د. تليمة إن هذا المؤلَّف من أجمل ما كُتب عن السيرة النبوية، وأصدقها، ليرُدَّ د. صلاح قنصوة ويقول: إن المقدمة التي كتبها طه حسين لهذا المؤلَّف تنُصُّ صراحة على أن كتاب “على هامش السيرة” ليس سوى إبداع على موروثات السيرة الأسطورية في أغلبها، وأن طه حسين أراد كتابة أدبية تخيُّلية، لا تنضوي تحت التاريخ ولا العقلانية.
تذكَّرتُ هذا النقاش وأنا أكتب حول مستويات وأبعاد مشروع التنوير لدى طه حسين؛ فرجعت للمقدمة التي كتبها طه حسين لكتابه “على هامش السيرة”، يقول فيها: “هذه صحف لم تُكتب للعلماء ولا للمؤرخين؛ لأني لم أُرِدْ بها إلى العِلم، ولم أقصد بها إلى التاريخ،.. ولعلِّي رأيت في نشْرها الخير، .. ذلك إلى أن الأدب القديم لم ينشأ ليبقى كما هو ثابتًا مستقِرًّا، لا يتغير ولا يتبدل، ..، إنما الأدب الخصب حقًّا، هو الذي يلذُّك حين تقرؤه؛ لأنه يقدِّم إليك ما يُرضي عقلك وشعورك، ولأنه يوحي إليك ما ليس فيه، ويُلهمك ما لم تشتمل عليه النصوص.” يتحدَّث الكاتب هنا عن أدب، وليس أخبار تاريخية وسِيَرِيَّة، وكلنا يعلم أن الجزء المتخيَّل في الأدب هو الذي يهيمن على الخطاب الفني.
ثم يتحدَّث طه حسين عن إلياذة هوميروس، وأنها لم تَزَلْ تُلهِم الكتَّاب حتى عصْرِه، ويعقِّب بَعدها: إن قومًا سيضيقون بهذا الكتاب؛ لأنهم محدَثون يُكبِرون العقل، فيقول لهم: “وأحبُّ أن يعلم هؤلاء أن العقل ليس كل شيء، وأن للناس مَلَكاتٍ أخرى، ليست أقلَّ حاجة إلى الغذاء والرضا من العقل، وأن هذه الأخبار والأحاديث إذا لم يطمئن إليها العقل، ولم يَرْضَها المنطق، ولم تستقِمْ لها أساليب التفكير العلمي، فإن في قلوب الناس وشعورهم وعواطفهم وخيالهم وميلهم إلى السذاجة، واستراحتهم إليها من جهد الحياة وعنائها، ما يحبب إليهم هذه الأخبار ويرغِّبهم فيها، ويدفعهم إلى أن يلتمسوا عندها الترفيه على النفس حين تشق عليهم الحياة.”
تعامل طه حسين مع هذه الموروثات بمنطق الفن، مادة تستفز حالة من الجدل معها، ومن ثم الإلهام، والبناء عليها فنيًّا، الخيال الذي يستهدف المتعة، لكن لم يتعامل معها كحقائق تاريخية، أو أنها تخضع للبحث العلمي، كما أنه يقول: “لن يتعب الذين يريدون أن يرُدُّوا فصول هذا الكتاب القديم في جوهره وأصله، الجديد في صورته وشكله، إلى مصادره القديمة التي أُخِذ منها. فهذه المصادر قليلة جدًا، لا تكاد تتجاوز سيرة ابن هشام، وطبقات ابن سعد، وتاريخ الطبري، وليس في الكتاب فصل أو نبأ أو حديث إلا وهو يدور حول خبر وَرَدَ في كتاب من هذه الكتب. فإذا اتصل الخبر بشخص النبي؛ فإني أردُّه إلى مصدره؛ ليستطيع من شاء أن يرجع له، لا أحتمل في ذلك تَبِعَةً خاصة.”
فحين أعمَل طه حسين عقله فيما قرأه من الموروثات الخاصة بالسيرة؛ وَجَدَ أن أغلب الخطابات والمرويات لا يمكن إثباتها تاريخيًّا، كما أنها تتضمن مبالغاتٍ بلا حصر، وبها قدْر عالٍ من تمجيد المواقف، والنزوع بالأحداث نحو الأسطرة، ولذا ارتأى بدلًا من تقويضها من الجانب العقلاني والتاريخي، الذي ينزع نحو أن تكون هذه المواد الإنسانية علمية، أن يتفاعل معها فنيًّا وأدبيًّا، وأن يعيد إنتاجها كما يفعل الغرب مع موروثاتهم الأدبية، هذا هو ما يستشعره القارئ لمقدمة كتاب “على هامش السيرة”.
أراد طه حسين بهذا الصنيع أن يدفع بالعقل البشري ليناقش ويسائل كل الموروثات، حتى التي أكسبها الأقدمون بعض صفات القداسة، ليست لأنها مقدسة في ذاتها، بل لأنها كانت تدور حول سيرة الرسول، وأهله، والمكان الذي به ولد وعاش، والأحداث التي مَرَّت عليهم.
ربما أراد أن يقول إن كل ما وضَعه العقل العربي الإسلامي يمكننا أن نسائله، لا يتضمن قداسة لأنه من تأليف ومخيلة البشر، موروث يلهمنا لإنتاج خطابات أدبية أخرى تجادله وتتناص معه، لا بوصفه حقائق تخضع للعقل. وهذا الصنيع هو بعض ما يجعل الجميع يقول عن طه حسين إنه الرائد والمعلِّم الأول للتنوير، وعلى خطاه سار كبار الباحثين العرب يسائلون التراث كما يذكر الأستاذ: نبيل عبد الفتاح في مقاله “طه حسين: العقل النقدي والرؤى البصيرة”
يتجلَّى النزوع التنويري لدى طه حسين أيضًا في اتساق الرؤية في كل منتجه، اتساق شمَل مؤلَّفاتِه في الإبداع الفكري، وأيضًا الأدبي، ففي معظم القضايا – التي كتَب فيها، وناقشها في مؤلَّفاته الفكرية – عالَج تجلِّياتِها الاجتماعيةَ، وانعكاساتها على الإنسان في نصوصه الإبداعية؛ فأعلى قيمة العقل، وكشَف عن مظاهر الظُّلم الاجتماعي، والعادات والتقاليد القديمة البالية، ورفَضها، خاض في مناقشة موروثاتنا، وخلخلة أبعادها؛ لإعادة رؤيتها وفْق لحظتنا التاريخية، والسعي لتغيير حياتنا للأفضل. ففي رسائله السردية المعنونة بــ “خطبة الشيخ”، يجسِّد طه حسين بعض الأفكار التي يناهضها في مؤلَّفاته ومقالاته، من خلال شخوص تعاني رؤى اجتماعية رجعية، تناهض حقوق المرأة، وترسِّخ لقِيَم سطحية ادعائية، تتجسد عبْر الشخوص، وتصبح القضايا موضِعَ حوار وصراع.
في النَّص يجسد الطريقة التي تتزوج بها النساء في المجتمع المصري أول القرن العشرين، وهُنَّ لا يملكن حقَّ اختيار الزوج، ينتقد قرارات الحكومة بمنْع البنات من العمل لو تزوَّجن. يشير أيضا إلى اللغة اللزِجة، المحمَّلة بأثقالها الزخرفية البديعية دون صِدق وتلقائية، لغة مصنوعة، مصفوفة من الزخارف، بلا روح ولا موضوع، كما يشير إلى تلاعب العلماء بالفتاوى والأحكام، وتأويلهم للنصوص بحسب أهوائهم. طه حسين آمن برسالته التنويرية التي جعلته يبحث عن حلول جذرية، تعليمية، وإبداعية، ثقافة تبني وتعيد تشكيل وعي جمعي يصنع حاضِرَه وغَدَه، بعقله، وثقافة منفتحة على الحضارات كافة.
د. أماني فؤاد
طه حسين ورؤى تنويرية.. جدل التراث. بقلم: د. أماني فؤاد
يحكي بعض من حَضَر تشييع جثمان طه حسين، الذي خرج من جامعة القاهرة، في واقعة كانت الأولى من نوعها، كيف خيَّم الحزن على المثقَّفين المصريين والعرب، وكيف رثاه نزار قباني بقصيدة مؤثرة، وتحدَّث عبد العزي…
sadazakera.wordpress.com