وأنا أكتب عن «المرأة اليهودية عاشقة للفلسطيني» أثرت السؤال الآتي:
- هل سيُحل الصراع من خلال العلاقات الإنسانية بين الشعبين؟ أي من خلال اللقاء اليومي في مجالات العمل معاً والتعليم والانفتاح على الآخر، لا من خلال الانغلاق والعنصرية؟
قبل قرون، عندما غزا الإسكندر المكدوني الشرق، حث جنوده على الزواج من فتيات البلاد، قاصداً مزج الثقافات الشرقية والغربية لتوحيد الجنس البشري، وصار ما دعا إليه يتجسد، في العقود الأخيرة، في كثير من الدول الغربية. هنا أشير إلى أن كثيراً من الدول الغربية التي كانت تقدم البعثات لأبناء العالم الثالث رمت إلى إجراء لقاءات بين ثقافات مختلفة. ومن قرأ رواية علاء الأسواني «شيكاجو» يتوقف أمام العلاقة بين المصري ناجي واليهودية (ويندي) ومخاطبتها بأن الصراع بين العرب واليهود ليس دينياً بل هو سياسي، ويذهب ناجي إلى ما هو أبعد من ذلك فيقول لها إنهما قد يكونان حفيدين لمسلم ويهودية أحبا بعضهما في الأندلس (ص ٢٧٩)، والشيء نفسه يتكرر في رواية صنع الله إبراهيم «أمريكانللي: أمري كان لي» إذ تتعمد إدارة الجامعة أن تضع الأستاذ المصري الزائر في مكتب واحد مع (استير) اليهودية، وفي الرواية نقرأ عن يهودي من أصل عربي متزوج من فلسطينية، وكنت سئلت إن كانت الرواية الفلسطينية أتت على علاقة حب بين فلسطينية ويهودي، وهذا غالباً ما كان نادراً، ولكني أشرت إلى رواية محمود شاهين «الهجرة إلى الجحيم» ولم أنس رواية اليمني علي المقري «اليهودي الحالي» التي صورت علاقة حب بين مسلمة ويهودي.
في «حالة حصار» (٢٠٠٢) عبر محمود درويش عن إصرار الفلسطيني على الصمود حتى يصاب العدو بالضجر، فلعله في النهاية يدرك أن لا بديل سوى العيش المشترك، ودعا العدو إلى شرب القهوة مع الفلسطيني فلعله - أي العدو - يدرك أننا مثل جميع البشر. (أيها الواقفون على العتبات ادخلوا/ واشربوا معنا القهوة العربية/ {قد تشعرون بأنكم بشر مثلنا}» و «سيمتد هذا الحصار إلى أن/ يحس المحاصِر، مثل المحاصَر/ أن الضجر/ صفة من صفات البشر».
ربما تبدو فكرة حل الصراع عبر الزواج المختلط أو من خلال المراهنة على الزمن والضجر من الحروب فكرة رومانسية جداً وحالمة، بخاصة أن المجتمعين اليهودي والفلسطيني يشهدان نزوعاً جارفاً نحو التديّن ويتمسكان بالماضي ويعيشان فيه! فهما، بخلاف ما تشهده المجتمعات الأوروبية، في العقود الأخيرة، من انفتاح وتقبّل الآخر والزواج المختلط، يميلان إلى العزلة، ويرفع حكام إسرائيل شعار «يهودية الدولة» ويرسخون فكرة الدم اليهودي. هذا عدا حالة العداء التي بدأت منذ قرن ويزيد، وترسخت بعد أن ألمَّ بالفلسطينيين ما ألمَّ من نفي وشتات وتشريد وطرد و... و....
هل سيشعر العدو حقاً بالضجر؟
غير بعيد عن فكرة الإسكندر المكدوني نقرأ أن ريتشارد قلب الأسد فكر في أن يزوج أخته أرملة أمير صقلية من الملك العادل أخ صلاح الدين الأيوبي حلاً للصراع، وقد قرأت هذا في كتاب أمين معلوف «الحروب الصليبية كما رآها العرب»، فبعد أن وصلت الحروب إلى طريق مسدود وكثرت خسائر الجانبين، خطرت الفكرة في ذهن ريتشارد:
« وكان الاتفاق المرتجى يقضي بأن يتزوج العادل أخت ملك انكلترا.... ويعطي الملك الأراضي التي يحكمها من عكا إلى عسقلان إلى أخته فتصبح ملكة الساحل، ويتنازل السلطان عما يملكه من الساحل لأخيه فيصبح ملك الساحل، ويُعهد إليهما بالصليب ويُطلق سراح الأسرى من الفريقين، وعندما يبرم الصلح يعود ملك إنكلترا إلى بلاده وراء البحار» (ف ١١ص ٢٦٦ ط ١٩٩٧)، فإن أنجب هذا الزواج طفلاً يغدو ملكاً على البلاد وتنتهي الحرب. وبغض النظر عما قيل عن صدق ريتشارد أو مراوغته، فإن الفكرة خطرت بباله وفكر فيها صلاح الدين، ولم يتم الزواج لأن المرأة رفضت الاقتران بالأمير الكردي إلا إذا تنصّر. هل كانت القصة حاضرة في ذهن محمود درويش؟
لا أعرف إن كان الشاعر قرأ كتاب معلوف أو بعض المصادر التاريخية التي روت القصة.
إن فكرة ارتباط الفلسطيني بيهودية من الأفكار التي تحفر عميقاً في لاوعي الشاعر، مع أنه رأى في «شتاء ريتا الطويل»؟ أن الحلمين يتقاطعان «فواحد يستلّ سكيناً وآخر يودع الناي الوصايا».
ترد فكرة زواج الفلسطيني من يهودية وإنجابه منها حلاً للصراع في قصيدة من «حالة حصار» (٢٠٠٢) نصها:
(إلى قاتل آخر): لو تركت الجنين
ثلاثين يوماً، إذاً لتغيّرت الاحتمالات:
قد ينتهي الاحتلال، ولا يتذكر ذاك
الرضيع زمان الحصار،
فيكبر طفلاً معافى، ويصبح شاباً
ويدرس في معهد واحد مع إحدى بناتك
تاريخ آسيا القديم
وقد يقعان معاً في شباك الغرام
وقد ينجبان ابنة (وتكون يهودية بالولادة)
ماذا فعلت إذاً؟
صارت ابنتك الآن أرملة
والحفيدة صارت يتيمة؟
فماذا فعلت بأسرتك الشاردة
وكيف أصبت ثلاث حمائم بالطلقة الواحدة؟».
هنا تجدر الإشارة إلى رواية راوية بربارة «على شواطئ الترحال» ( ٢٠١٥) ولعلها تستحق وقفة، فقد روتها راوية على لسان سارة اليهودية التي أنجبت من إبراهيم العربي المسلم طفلين هما لنا وفؤاد.
الأفكار كثيرة والحلول قليلة، وصعب تحققها، وكثيرون يحلمون.
أ. د. عادل الأسطة
2022-06-26
- هل سيُحل الصراع من خلال العلاقات الإنسانية بين الشعبين؟ أي من خلال اللقاء اليومي في مجالات العمل معاً والتعليم والانفتاح على الآخر، لا من خلال الانغلاق والعنصرية؟
قبل قرون، عندما غزا الإسكندر المكدوني الشرق، حث جنوده على الزواج من فتيات البلاد، قاصداً مزج الثقافات الشرقية والغربية لتوحيد الجنس البشري، وصار ما دعا إليه يتجسد، في العقود الأخيرة، في كثير من الدول الغربية. هنا أشير إلى أن كثيراً من الدول الغربية التي كانت تقدم البعثات لأبناء العالم الثالث رمت إلى إجراء لقاءات بين ثقافات مختلفة. ومن قرأ رواية علاء الأسواني «شيكاجو» يتوقف أمام العلاقة بين المصري ناجي واليهودية (ويندي) ومخاطبتها بأن الصراع بين العرب واليهود ليس دينياً بل هو سياسي، ويذهب ناجي إلى ما هو أبعد من ذلك فيقول لها إنهما قد يكونان حفيدين لمسلم ويهودية أحبا بعضهما في الأندلس (ص ٢٧٩)، والشيء نفسه يتكرر في رواية صنع الله إبراهيم «أمريكانللي: أمري كان لي» إذ تتعمد إدارة الجامعة أن تضع الأستاذ المصري الزائر في مكتب واحد مع (استير) اليهودية، وفي الرواية نقرأ عن يهودي من أصل عربي متزوج من فلسطينية، وكنت سئلت إن كانت الرواية الفلسطينية أتت على علاقة حب بين فلسطينية ويهودي، وهذا غالباً ما كان نادراً، ولكني أشرت إلى رواية محمود شاهين «الهجرة إلى الجحيم» ولم أنس رواية اليمني علي المقري «اليهودي الحالي» التي صورت علاقة حب بين مسلمة ويهودي.
في «حالة حصار» (٢٠٠٢) عبر محمود درويش عن إصرار الفلسطيني على الصمود حتى يصاب العدو بالضجر، فلعله في النهاية يدرك أن لا بديل سوى العيش المشترك، ودعا العدو إلى شرب القهوة مع الفلسطيني فلعله - أي العدو - يدرك أننا مثل جميع البشر. (أيها الواقفون على العتبات ادخلوا/ واشربوا معنا القهوة العربية/ {قد تشعرون بأنكم بشر مثلنا}» و «سيمتد هذا الحصار إلى أن/ يحس المحاصِر، مثل المحاصَر/ أن الضجر/ صفة من صفات البشر».
ربما تبدو فكرة حل الصراع عبر الزواج المختلط أو من خلال المراهنة على الزمن والضجر من الحروب فكرة رومانسية جداً وحالمة، بخاصة أن المجتمعين اليهودي والفلسطيني يشهدان نزوعاً جارفاً نحو التديّن ويتمسكان بالماضي ويعيشان فيه! فهما، بخلاف ما تشهده المجتمعات الأوروبية، في العقود الأخيرة، من انفتاح وتقبّل الآخر والزواج المختلط، يميلان إلى العزلة، ويرفع حكام إسرائيل شعار «يهودية الدولة» ويرسخون فكرة الدم اليهودي. هذا عدا حالة العداء التي بدأت منذ قرن ويزيد، وترسخت بعد أن ألمَّ بالفلسطينيين ما ألمَّ من نفي وشتات وتشريد وطرد و... و....
هل سيشعر العدو حقاً بالضجر؟
غير بعيد عن فكرة الإسكندر المكدوني نقرأ أن ريتشارد قلب الأسد فكر في أن يزوج أخته أرملة أمير صقلية من الملك العادل أخ صلاح الدين الأيوبي حلاً للصراع، وقد قرأت هذا في كتاب أمين معلوف «الحروب الصليبية كما رآها العرب»، فبعد أن وصلت الحروب إلى طريق مسدود وكثرت خسائر الجانبين، خطرت الفكرة في ذهن ريتشارد:
« وكان الاتفاق المرتجى يقضي بأن يتزوج العادل أخت ملك انكلترا.... ويعطي الملك الأراضي التي يحكمها من عكا إلى عسقلان إلى أخته فتصبح ملكة الساحل، ويتنازل السلطان عما يملكه من الساحل لأخيه فيصبح ملك الساحل، ويُعهد إليهما بالصليب ويُطلق سراح الأسرى من الفريقين، وعندما يبرم الصلح يعود ملك إنكلترا إلى بلاده وراء البحار» (ف ١١ص ٢٦٦ ط ١٩٩٧)، فإن أنجب هذا الزواج طفلاً يغدو ملكاً على البلاد وتنتهي الحرب. وبغض النظر عما قيل عن صدق ريتشارد أو مراوغته، فإن الفكرة خطرت بباله وفكر فيها صلاح الدين، ولم يتم الزواج لأن المرأة رفضت الاقتران بالأمير الكردي إلا إذا تنصّر. هل كانت القصة حاضرة في ذهن محمود درويش؟
لا أعرف إن كان الشاعر قرأ كتاب معلوف أو بعض المصادر التاريخية التي روت القصة.
إن فكرة ارتباط الفلسطيني بيهودية من الأفكار التي تحفر عميقاً في لاوعي الشاعر، مع أنه رأى في «شتاء ريتا الطويل»؟ أن الحلمين يتقاطعان «فواحد يستلّ سكيناً وآخر يودع الناي الوصايا».
ترد فكرة زواج الفلسطيني من يهودية وإنجابه منها حلاً للصراع في قصيدة من «حالة حصار» (٢٠٠٢) نصها:
(إلى قاتل آخر): لو تركت الجنين
ثلاثين يوماً، إذاً لتغيّرت الاحتمالات:
قد ينتهي الاحتلال، ولا يتذكر ذاك
الرضيع زمان الحصار،
فيكبر طفلاً معافى، ويصبح شاباً
ويدرس في معهد واحد مع إحدى بناتك
تاريخ آسيا القديم
وقد يقعان معاً في شباك الغرام
وقد ينجبان ابنة (وتكون يهودية بالولادة)
ماذا فعلت إذاً؟
صارت ابنتك الآن أرملة
والحفيدة صارت يتيمة؟
فماذا فعلت بأسرتك الشاردة
وكيف أصبت ثلاث حمائم بالطلقة الواحدة؟».
هنا تجدر الإشارة إلى رواية راوية بربارة «على شواطئ الترحال» ( ٢٠١٥) ولعلها تستحق وقفة، فقد روتها راوية على لسان سارة اليهودية التي أنجبت من إبراهيم العربي المسلم طفلين هما لنا وفؤاد.
الأفكار كثيرة والحلول قليلة، وصعب تحققها، وكثيرون يحلمون.
أ. د. عادل الأسطة
2022-06-26