أُحاول أن أهْتم بما لا يسْتأثِر باهتمام أحد، أنْ أُضيف لا أنْ أراكم، أنْ أبْحَث في حلَبة الحياة التي تضِيقُ كل يوم عن الخلاص بالضَّربة القاضية، لا أنْ أبْقى حبيس الزوايا الأربع المُسوَّرة بالحِبال مُجرَّد مُلاكم، لا أحِب أن أنْضبِط للإيقاع المُتكرِّر الذي لا يتجاوز حركة وَضْع الكيس على الكيس، كأنِّي بهذا الإيقاع الرَّتيب أصْنع أشباهي، كأنِّي أفْقِد صورتي الأصْلِيَّة، والأجدر أن أشوِّهها ولو اضْطَرَرْتُ أنْ أُفْزِع الآخرين، المُهِم أسْتعيد وجهي بدون قناع !
لا يُهمّني الكتاب الذي يتصدَّر دائماً الواجهة، يكاد بعنوانه المعْقُود الحاجبين يقْفز خارج الزجاج، والأدهى أنَّ هذا الكتاب مدسوسٌ في الأسفل بكمين، مهلا.. إنَّما أقصد بالدَّسيسة لافِتة تِجارية تحمل عبارة "أكثر الكُتُب مبيعا"، يَا لَجَهْلي، فاتني قراءة هذا المُنجز الورقي العظيم، لنْ أقَع في أحابيل الكمين وأدفع جيبي مُقابل شيء غير ثمين، غداً أو بعد شهرٍ على أقصى تقدير، سأجده زهيداً في جوطية الكُتب المُسْتعملة، وربما أجد معه كاتبه الغير معروف، زاهداً يُباع مع قِطع الغِيار !
لا أحْفَلُ بضيف الحلقة في التلفزيون، أعْلم أنَّه بِمُجرد انتهاء الحِوار ستنْطفئ كلُّ الأضْواء التي لمَّعَتْه، ولكن أُركِّز بصري وبصيرتي أكْثر على مَنْ يُجْري الحوار، أُركِّز على يده المُتوتِّرة وهي تَصْفَع الهواء، هلْ ما زالت تحْتفظ بالارْتعاشة الطَّبيعية للحياة والحياء أيضاً، أمْ مُتَصنِّعةً جامدةً مثل ذراع تمْثال على أُهْبة الانكِسار، والأفظع أن تُشْبه في تخشُّبها مِغْرَفةً تَصْلُح لقذف كُرات الغولف الصغيرة، قد يكونُ ضيف الحلقة إحدى هذه الكُرات التي يتحيَّن المُحاوِرُ ردْمَها في حُفرة، فما أكثر النُّجوم الذين فقدوا بجلْسة حوار الشُّهرة، أُفضِّل أنْ يَكُون المُحَاوِر أنثى، لا لِشيء إلا لِأركِّز على ابتسامتها من كل زوايا الشفتين، وأتبيَّن هلْ تَلُوح ساخرة أو تتناغم في العُذوبة مع نظْرة مُقْلتيها السَّاحرة !
لا أعْبأُ بمَنْ يحْتشِد بكثرة إشارات المرور وهو ضائع بين (جيم) زرقاء و(جادوغ) حمراء، إنَّما يعْنِيني أكثر ذلك الذي يكتب دون أن يسْتَند لأيِّ موقع رسمي، ولا أحد يُدعِّمُه بالأتباع والأطماع على أرض الواقع، يعْنيني ذلك المُحارب الأعْزل الذي لا يُجدِّف أيْنما جدَّف التِّيار، هو فقط يتكئ وحيداً على حائطه الفيسبوكي، وينتظر أن يصِله في أيِّ لحظةٍ ما أصاب العالم من انهِيار!
لا تُغْرِيني أثْمنة الألبسة وهل تحْمل توقيع علامةٍ كُبرى تؤشِّر لأشْهَر شركات الأزياء، بلْ يأْسرُ جوارحي كيف ينْعكس التفكير على الجسد وتُصْبح الرُّوح قميصاً أو تَنُّورة، وهلْ ثمَّة أقْبح من أنْ يتجوَّل بين الناس، أُسلوبٌ رخيصٌ في الذَّوْق ولو كان باهظ اللِّباس !
لا تسْتثيرُني المرأة التي تَسْتبْدل جسداً بجسدٍ كل يوم، وتَبْذُل قُصَارى غوايتها لتدْبير شهوة عابرة لِمنْ يدفع أقل أو أكثر، بل تفْتنُني المرأة التي تختار أسلوب قُطَّاع الطُّرق، تكْمن للقلب من بعيد، حتى إذا عَبَر كالظَّبْي في ساعة الحُبِّ غافلاً، تَنْقَضُّ عليه انْقِضاض الباشِق وتَسْلُبه القديم والجديد !
لا أحْزنُ على فائض الوقت الذي أساهم بقسطٍ وافرٍ في تضْييعه على الآخرين سُدى، ولكنَّني لا اُفرِّطُ في الوقت الذي أكون فيه لوحدي مُزْدحماً وأحْتاج لمزيدٍ من الوقت، أشْعُر أنِّي أقْرب أكْثر من أيِّ وقت مضى مِنْ نفسي في مُتَناول القصيدة!
لمْ أَكُن ممَّن يجْري مُقْعداً خلف الكراسي، رغم المفعول السِّحري لبعضها تحت قبة البرلمان أو الوزارة، تلك الكراسي التي تجعلكَ في أول القُعود هزيلا وفي آخره بعد أن تَرْكلكَ الأبواب كالكرة سميناً، يُهمُّني فقط كرسيين، واحدٌ للعمل وآخر في زاوية أقصى المقهى للكسل!
لا أمُدُّ يديَّ بالتَّصْفيق للبطل في كل الأفلام التي شاهدتُها أو شاهدتْنِي، فهو لا يتحرَّك مع الكاميرا إلا لِيُحرِّك في الأنفس المواجع، لذلك ربّما يُقَاس ارتفاع أسهم الفيلم بالمناديل التي ارتفعت لتجْفيف الدموع، إنَّما أحبُّ أن أكون في الفيلم أنا البطل، أدخل مُتأخِّراً لقاعة السينما لا أعرفُ يدي من رِجْلي في العَتَمة، وتأتي حسناءٌ تحْمِل مع المصباح خارطة الحريق لقلبي، أمّا الطَّريق إلى مقعدي فقد رأيْتُه في مُقلتيها وثير الرموش.. رأيْتُه منذُ سلَّطَت الضوء بمصباحها الصغير على وجهي وقالت: تفضَّل أنتَ البطل!
...................................................
افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 7 يوليوز 2022
لا يُهمّني الكتاب الذي يتصدَّر دائماً الواجهة، يكاد بعنوانه المعْقُود الحاجبين يقْفز خارج الزجاج، والأدهى أنَّ هذا الكتاب مدسوسٌ في الأسفل بكمين، مهلا.. إنَّما أقصد بالدَّسيسة لافِتة تِجارية تحمل عبارة "أكثر الكُتُب مبيعا"، يَا لَجَهْلي، فاتني قراءة هذا المُنجز الورقي العظيم، لنْ أقَع في أحابيل الكمين وأدفع جيبي مُقابل شيء غير ثمين، غداً أو بعد شهرٍ على أقصى تقدير، سأجده زهيداً في جوطية الكُتب المُسْتعملة، وربما أجد معه كاتبه الغير معروف، زاهداً يُباع مع قِطع الغِيار !
لا أحْفَلُ بضيف الحلقة في التلفزيون، أعْلم أنَّه بِمُجرد انتهاء الحِوار ستنْطفئ كلُّ الأضْواء التي لمَّعَتْه، ولكن أُركِّز بصري وبصيرتي أكْثر على مَنْ يُجْري الحوار، أُركِّز على يده المُتوتِّرة وهي تَصْفَع الهواء، هلْ ما زالت تحْتفظ بالارْتعاشة الطَّبيعية للحياة والحياء أيضاً، أمْ مُتَصنِّعةً جامدةً مثل ذراع تمْثال على أُهْبة الانكِسار، والأفظع أن تُشْبه في تخشُّبها مِغْرَفةً تَصْلُح لقذف كُرات الغولف الصغيرة، قد يكونُ ضيف الحلقة إحدى هذه الكُرات التي يتحيَّن المُحاوِرُ ردْمَها في حُفرة، فما أكثر النُّجوم الذين فقدوا بجلْسة حوار الشُّهرة، أُفضِّل أنْ يَكُون المُحَاوِر أنثى، لا لِشيء إلا لِأركِّز على ابتسامتها من كل زوايا الشفتين، وأتبيَّن هلْ تَلُوح ساخرة أو تتناغم في العُذوبة مع نظْرة مُقْلتيها السَّاحرة !
لا أعْبأُ بمَنْ يحْتشِد بكثرة إشارات المرور وهو ضائع بين (جيم) زرقاء و(جادوغ) حمراء، إنَّما يعْنِيني أكثر ذلك الذي يكتب دون أن يسْتَند لأيِّ موقع رسمي، ولا أحد يُدعِّمُه بالأتباع والأطماع على أرض الواقع، يعْنيني ذلك المُحارب الأعْزل الذي لا يُجدِّف أيْنما جدَّف التِّيار، هو فقط يتكئ وحيداً على حائطه الفيسبوكي، وينتظر أن يصِله في أيِّ لحظةٍ ما أصاب العالم من انهِيار!
لا تُغْرِيني أثْمنة الألبسة وهل تحْمل توقيع علامةٍ كُبرى تؤشِّر لأشْهَر شركات الأزياء، بلْ يأْسرُ جوارحي كيف ينْعكس التفكير على الجسد وتُصْبح الرُّوح قميصاً أو تَنُّورة، وهلْ ثمَّة أقْبح من أنْ يتجوَّل بين الناس، أُسلوبٌ رخيصٌ في الذَّوْق ولو كان باهظ اللِّباس !
لا تسْتثيرُني المرأة التي تَسْتبْدل جسداً بجسدٍ كل يوم، وتَبْذُل قُصَارى غوايتها لتدْبير شهوة عابرة لِمنْ يدفع أقل أو أكثر، بل تفْتنُني المرأة التي تختار أسلوب قُطَّاع الطُّرق، تكْمن للقلب من بعيد، حتى إذا عَبَر كالظَّبْي في ساعة الحُبِّ غافلاً، تَنْقَضُّ عليه انْقِضاض الباشِق وتَسْلُبه القديم والجديد !
لا أحْزنُ على فائض الوقت الذي أساهم بقسطٍ وافرٍ في تضْييعه على الآخرين سُدى، ولكنَّني لا اُفرِّطُ في الوقت الذي أكون فيه لوحدي مُزْدحماً وأحْتاج لمزيدٍ من الوقت، أشْعُر أنِّي أقْرب أكْثر من أيِّ وقت مضى مِنْ نفسي في مُتَناول القصيدة!
لمْ أَكُن ممَّن يجْري مُقْعداً خلف الكراسي، رغم المفعول السِّحري لبعضها تحت قبة البرلمان أو الوزارة، تلك الكراسي التي تجعلكَ في أول القُعود هزيلا وفي آخره بعد أن تَرْكلكَ الأبواب كالكرة سميناً، يُهمُّني فقط كرسيين، واحدٌ للعمل وآخر في زاوية أقصى المقهى للكسل!
لا أمُدُّ يديَّ بالتَّصْفيق للبطل في كل الأفلام التي شاهدتُها أو شاهدتْنِي، فهو لا يتحرَّك مع الكاميرا إلا لِيُحرِّك في الأنفس المواجع، لذلك ربّما يُقَاس ارتفاع أسهم الفيلم بالمناديل التي ارتفعت لتجْفيف الدموع، إنَّما أحبُّ أن أكون في الفيلم أنا البطل، أدخل مُتأخِّراً لقاعة السينما لا أعرفُ يدي من رِجْلي في العَتَمة، وتأتي حسناءٌ تحْمِل مع المصباح خارطة الحريق لقلبي، أمّا الطَّريق إلى مقعدي فقد رأيْتُه في مُقلتيها وثير الرموش.. رأيْتُه منذُ سلَّطَت الضوء بمصباحها الصغير على وجهي وقالت: تفضَّل أنتَ البطل!
...................................................
افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 7 يوليوز 2022