• • • قوله تعالى : {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًۢا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} البـقـرة (۹۵/۲).
• قيل : لم قال هنا (لن) وفي الجمعة (لا)، حيث قال : {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا}.
• • ونقول : لأن (لن) أبلغ في النقى من (لا) حتى إن النحاة قالوا : إن (لن) لتأييد النفي ((أي النفي على التأبيد)) ولما كانت دعواهم في البقرة بالغة قاطعة، حيث ان الجنة خالصة لهم في زعمهم - فكان الأنسب لنفي هذا على التأبيد يستوجب (لن) حتى يكون الرد نقياً أبدياً، ليهدم دعواهم ويكشف بطلانها وانظر القرطبي (۳۵/۲).
أما دعواهم في ((الجمعة)) فهي قاصرة مبتسرة مردودة، إذ زعموا أنهم أولياء الله، فناسب لذلك ذكر (لا) فيها راجع الدر المنثور(٨٦/١) والرازي في الكبير (۲۰۷/۳) والنووي في المنشورة ص (۱۸۳) رقم (۳۹) وذكر الشيخ الصاوي في حاشيته على الجلالين (٤٩/١) : إن الحكمة في الإتيان بـ (لن) في البقرة وبـ (لا) في الجمعة أن ادعاءهم هنا أعظم من ادعائهم هناك، فإنهم ادعوا هنا (في البقرة) اختصاصهم بالجنة، وهناك كونهم أولياء الله من دون الناس، فناسب هنا التـوكـيـد بـ (لن) المقيدة للنفي في الحاضر والمستقبل، وأما هناك فاكتفى بالنفى أهـ بتصرف.
قال الألوسي وهذا القول : (ولن يتمنوه) خاص بالمعاصرين له صلى الله عليه وسلم، لقوله : ((لو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما يقى على وجه الأرض يهودي إلا مات)) .
وهذا دليل على نبوته صلى الله عليه وسلم ومعجزته، فإنهم لو لم يتيقنوا ذلك ما امتنعوا عن التمني. اهـ يتصرف من روح المعانی (۳۲۸/۱).
------٠٠٠-----------٠٠٠---------
• • • قوله تعالى : {وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ} البقرة (١٠٢/٢) أي من السحر، فهو معطوف على السحر قبله، وسوغ عليه تغايرهما لفظا . ثم إن الملكين أنزلهما الله تعالى لتعليم السحر، ابتلاء منه الناس.
• قيل هذا دليل على جواز تعليم السـحـر، من ثم فلا يكونوا حراماً. فما بال قول القائلين من العلماء بتحريم تعليم السحر؟
• • ونقول إن الحرام مقصور على العمل به، أما التعليم فلا حرمة فيه، فالتحريم مقصور على التعليم للعمل به، أما تعليمه لأجل تجنبه وتحاشيه فهو الجائز المقبول الذي لا حرج فيه.
قال الشاعر : عرفت الشر لا للشر لكن لتوفيه ومن لايعرف الخير من الشر يقع فيه
راجع ما ذكر ابن الجوزي في زاد المسير (١٢۰/۱) والقرطبي (٤٣/٢) والزمخشري في الكشاف (۱۳۱/۱) وروح المعاني (۳۳۸/۱) والرازی (۲۱۹/۳) والطبری (٥۱۱/۲).
وقال الفخر الرازي : إن العلم بالسحر غير قبيح ولا محظور إذا اتفق المحققون على ذلك، لأن العلم لذاته شريف.
لقـولـه تعـالى : {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} التفسير الكبير(٢٣١/٣) وقد نقل الألوسي كلام الرازي بلفظه في روح المعانی (۳۳۹/۱)
• • • قوله تعالى : {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} البقرة (۱۰۲/۲).
• قيل كيف أثبت لهم العلم أولا، مؤكدا بلام القسم (ولقـد علمـوا) ثم نفـاه عنهم مؤخرا بقوله : ( لو كانوا يعلمون) حيث (لو)حرف امتناع لامتناع؟؟
• • ونقول : إن المثبت لهم علمهم بأن من اختار السحر ماله في الآخرة من خلاق ولا نصيب، البحر المحيط (٣٢٥/١) والكشاف (۱۰۳/۱) وزاد المسير (۱۲۲/۸) والرازي في الكبير (۲۳۲/۳).
أما المنفى عنهم، فهـو علمهم بحقيقة ما يصيرون إليه فيها .. وهناك وجه آخر مقبول يتسع له مجال التأويل، وهو أن المثبت لهم العلم مطلقاً، والمنفى عنهم العقل والفهم، فـان الـعـقل هو أصل العلم ، فإذا انتفى العقل معه العلم بطريق اللزوم وانظر الألوسي (٣٤٥/١) قال الألوسي المثبت لهم هو العقل الغريزي والمنفى عنهم هو الكسب الذي هو من جملة التكليف، اهـ من روح المعاني (١/ ٣٤٦) والبـحـر المحيط (٣٢٩/۱) والقرطبي (٤٣/٢) .
ومن لطيف البلاغة القرآنية قوله تعالى : {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} وهذا جار على أن العالم بالشيء إذا لم يجر بموجب علمه قد ينزل منزلة الجاهل به، ويصير العلم منفيا عنه تماما كما هو منفى عن الجاهلية، وانظر ما ذكره الزمخشري في الكشاف (۱۰۳/۱).
• • • قوله تعالى : {لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ} البقرة (۱۰۳/۲).
المعنى : أي خير من السحر، وهو خبر لـ (المثوبة).
• قيل : (خير) أفعل تفضيل، ولا خير في السحر. فكيف ذلك؟
• • ونقول : إن (خير) هنا ليس أفعل تفضيل، إنما هي لبيان أن المثوبة فاضلة وهي هنا صفة لمثوية.
يقول الألوسي المقصود بـ (خير) "دوامها وثباتها روح المعاني (٣٧٤/١).
والدليل على ذلك قوله تعالى : {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ} فصلت (٤٠/٤١).
وقال بعض العلماء : ربما كان أفعل تفضيل، وإنما خوطبوا من الله تعالى على اعـتـقـادهم بأن تعلم السـحـر خـيـر، نظراً إلى حصول مقصودهم الدنيوي به، كذا قولهم : الرجوع إلى الحق خير من التمادي : في الباطل.
وفي قوله تعالى : {لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ} جيء فـيـهـا بالجملة الاسمية عوضا عن الفعلية للدلالة على الثبات وعلى الاستقرار كذا ذكر الرازي في التفسير الكبير (٢٤١/٣) وسواء كان هذا التفسير أو ذاك، فلا تثريب ولا ملامة على اساغة أي منها.
والله أعلم
------٠٠٠-----------٠
• • • قوله تعالى : {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} البقرة (۱۲۰/۲) قال هذا هنا، وقال في آل عمران {إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ} (۷۳/۳).
• قيل : إذا كان الهدى واحـداً في الايتين، فلماذا جـاء نكرة في البقرة، ومعرفة في آل عمران؟
• • نقول : ليس المراد ب (هدي) البقرة، نفس المراد من الهـدي معرفا في آل عمران حيث إن معنى الهدي في البقرة مصروف إلى القبلة، لأن الآية نزلت في تحويل القبلة، وتقديره : إن قبلة الله هي الكعبة، وانظر أقوال المفسرين في القرطبي (۸٧/٢) وأبو السـعـود (۱۱۷/۱) والرازي (٣٤/٤). لكن المعنى ثم في آل عمران : "الدين" لقوله تعالى قبل : {وَلَا تُؤْمِنُوٓاْ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} (۷۳/۳).
وقـوله : {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (۱۹/۳) وانظر أسباب النزول للواحدي بتحقيق الجميلي ص(۱۱۰).
قال المفسرون : يصلح أن يكون ذلك لإقناطهم عـمـا يتمنونه ويطمعون فيه، روح المعانی (٣٧٢/۱) ومن روائع البلاغة القرآنية في قوله تعـالي، إيراد (الهـدى) مـعـرفـا بـ (ال) في قوله (هو الهدى) مقترنا بضمير الفصل (هو) ومفاده : قصر الهداية على دين الله، وهذا ما يسميه البـلاغـيـون قـصـر الصـفـة على الموصوف بما مؤداه ومفاده أن الإسلام هو الهدي كله، وما عداد فهو هوى، وعمى وضلال.
------٠٠٠-----------٠٠٠----
• • • قوله تعال : {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} البقرة (۱۲۰/۲).
• قيل : ما الحكمة في ذكر (الذي) هنا، وذكر (ما) في قوله بعد {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (١٤٥/٢) و (٦١/٢) وفي الرعـد {بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} الرعد (۳۷/۱۳).
• • نقول : المراد بالعلم في الآية الأولى ((العلم الكامل)) وهو العلم بالله تعالى، وصـفـاته، وبأن الـهـدي هـو هدى الله من ثم كان الأنسب ذكر ((الذي)) لكونه في التعريف أبلغ من (ما).
والمراد بالعلم في الآية الثانية والثالثة ((العلم بنوع)) والمراد بالعلم في الآية الثانية بأن قبلة الله هي الكعبة•
فكان الانسب ذكر (ما) ولقلة النوع في الثانية / 11 بالنسبة إليه في الثالثة زيد قبل (ما) في الثانية (من ) الدالة على التبعيض.
قال الامام الرازي : ( بعد الذي جاءك من العلم) : يدل على أنه لا يجوز الوعيد إلا بعد القدرة أولى ، فبطل الاحتجاج به في قول من يجوز تكليف ما لا يطاق أهـ من التفسير الكبير (٣٤/٤) بتصرف.
وقال الشيخ الألوسي : أي العلم المعلوم، وهو الوحي أو الدين، لأنه الذي يتصف بالمجيء دون العلم نفسه اهـ من روح المعاني (۳۷۲/۱).
------٠٠٠-----------٠٠٠------
• • • قوله تعالى : {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (۱۳۲/۲).
• قيل : إن الموت ليس اختياريا أو في قدرة الإنسان حتى ينهى عنه؟
• • ونقول : إن النهي في الحقيقة إنما هو عن عدم اسلامهم حال موتهم، ومثالنا على ذلك قولهم : لا تصل إلا وأنت خاشع.
فالنهي هنا إنما هو عن ترك الخشوع في الصلاة، وليس نهيا عن الصلاة في حد ذاتها الطبري (٢٦١/١) البـحـر المحيط (١\٤٠١) الكشاف (١٤٥/١) والقرطبی (۱۲۷/۲).
وفي هذا المقام نكتـه لـطيـفـة، فـإن إظهار أن مـوتهم لا على الإسلام إنما هو موت لا خير فيه، وأن الصلاة بلا خشوع كـ (لاصلاة)
قال العلماء : إن هذا كناية بنفي الذات عن نفي الحال أهـ .
وقـال المفسرون : النهي عن الموت إلا على هذه الحالة من الإسلام، والمقصود : الأمر بالثبات على الإسلام إلى حين الموت. روح المعانی (۳۹۰/۱).
وقال الرازي : المراد بعثهم على الاسلام وذلك لأن الرجل إذا لم يأمن الموت في كل طرفة عين، ثم انه أمر بأن يأتي بالشي، قبل الموت صار مأمورا به في كل حال، لأنه يخشى إن لم يبادر إليه ان تعاجله المنية، فيفوته الظفر بالنجاة، ويخاف الهلاك، فيصير
مدخلا نفسه في الخطر والضرر التفسير الكبير (٨٠/٤).
والحمد لله رب العالمين
======================
لتأملات أبى -رحمه الله تعالى- فى كتاب الله «باع طويل» .. تابعونا
من كتاب " تَأَمُّلاَتْ قُرْآنِيَة" تأليف أبى سماحة العالم الموسوعى الجليل الدكتور السيد الجميلى رحمه الله رحمة واسعة
اللهم تقبل من أبى صلاته ، وصيامه لك ، وسائر طاعاته ، وصالح أعماله ، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة ، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام ، واجعله من الفائزين ، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ .. يا رب العالمين
د. دينا الجميلي
• قيل : لم قال هنا (لن) وفي الجمعة (لا)، حيث قال : {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا}.
• • ونقول : لأن (لن) أبلغ في النقى من (لا) حتى إن النحاة قالوا : إن (لن) لتأييد النفي ((أي النفي على التأبيد)) ولما كانت دعواهم في البقرة بالغة قاطعة، حيث ان الجنة خالصة لهم في زعمهم - فكان الأنسب لنفي هذا على التأبيد يستوجب (لن) حتى يكون الرد نقياً أبدياً، ليهدم دعواهم ويكشف بطلانها وانظر القرطبي (۳۵/۲).
أما دعواهم في ((الجمعة)) فهي قاصرة مبتسرة مردودة، إذ زعموا أنهم أولياء الله، فناسب لذلك ذكر (لا) فيها راجع الدر المنثور(٨٦/١) والرازي في الكبير (۲۰۷/۳) والنووي في المنشورة ص (۱۸۳) رقم (۳۹) وذكر الشيخ الصاوي في حاشيته على الجلالين (٤٩/١) : إن الحكمة في الإتيان بـ (لن) في البقرة وبـ (لا) في الجمعة أن ادعاءهم هنا أعظم من ادعائهم هناك، فإنهم ادعوا هنا (في البقرة) اختصاصهم بالجنة، وهناك كونهم أولياء الله من دون الناس، فناسب هنا التـوكـيـد بـ (لن) المقيدة للنفي في الحاضر والمستقبل، وأما هناك فاكتفى بالنفى أهـ بتصرف.
قال الألوسي وهذا القول : (ولن يتمنوه) خاص بالمعاصرين له صلى الله عليه وسلم، لقوله : ((لو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما يقى على وجه الأرض يهودي إلا مات)) .
وهذا دليل على نبوته صلى الله عليه وسلم ومعجزته، فإنهم لو لم يتيقنوا ذلك ما امتنعوا عن التمني. اهـ يتصرف من روح المعانی (۳۲۸/۱).
------٠٠٠-----------٠٠٠---------
• • • قوله تعالى : {وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ} البقرة (١٠٢/٢) أي من السحر، فهو معطوف على السحر قبله، وسوغ عليه تغايرهما لفظا . ثم إن الملكين أنزلهما الله تعالى لتعليم السحر، ابتلاء منه الناس.
• قيل هذا دليل على جواز تعليم السـحـر، من ثم فلا يكونوا حراماً. فما بال قول القائلين من العلماء بتحريم تعليم السحر؟
• • ونقول إن الحرام مقصور على العمل به، أما التعليم فلا حرمة فيه، فالتحريم مقصور على التعليم للعمل به، أما تعليمه لأجل تجنبه وتحاشيه فهو الجائز المقبول الذي لا حرج فيه.
قال الشاعر : عرفت الشر لا للشر لكن لتوفيه ومن لايعرف الخير من الشر يقع فيه
راجع ما ذكر ابن الجوزي في زاد المسير (١٢۰/۱) والقرطبي (٤٣/٢) والزمخشري في الكشاف (۱۳۱/۱) وروح المعاني (۳۳۸/۱) والرازی (۲۱۹/۳) والطبری (٥۱۱/۲).
وقال الفخر الرازي : إن العلم بالسحر غير قبيح ولا محظور إذا اتفق المحققون على ذلك، لأن العلم لذاته شريف.
لقـولـه تعـالى : {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} التفسير الكبير(٢٣١/٣) وقد نقل الألوسي كلام الرازي بلفظه في روح المعانی (۳۳۹/۱)
• • • قوله تعالى : {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} البقرة (۱۰۲/۲).
• قيل كيف أثبت لهم العلم أولا، مؤكدا بلام القسم (ولقـد علمـوا) ثم نفـاه عنهم مؤخرا بقوله : ( لو كانوا يعلمون) حيث (لو)حرف امتناع لامتناع؟؟
• • ونقول : إن المثبت لهم علمهم بأن من اختار السحر ماله في الآخرة من خلاق ولا نصيب، البحر المحيط (٣٢٥/١) والكشاف (۱۰۳/۱) وزاد المسير (۱۲۲/۸) والرازي في الكبير (۲۳۲/۳).
أما المنفى عنهم، فهـو علمهم بحقيقة ما يصيرون إليه فيها .. وهناك وجه آخر مقبول يتسع له مجال التأويل، وهو أن المثبت لهم العلم مطلقاً، والمنفى عنهم العقل والفهم، فـان الـعـقل هو أصل العلم ، فإذا انتفى العقل معه العلم بطريق اللزوم وانظر الألوسي (٣٤٥/١) قال الألوسي المثبت لهم هو العقل الغريزي والمنفى عنهم هو الكسب الذي هو من جملة التكليف، اهـ من روح المعاني (١/ ٣٤٦) والبـحـر المحيط (٣٢٩/۱) والقرطبي (٤٣/٢) .
ومن لطيف البلاغة القرآنية قوله تعالى : {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} وهذا جار على أن العالم بالشيء إذا لم يجر بموجب علمه قد ينزل منزلة الجاهل به، ويصير العلم منفيا عنه تماما كما هو منفى عن الجاهلية، وانظر ما ذكره الزمخشري في الكشاف (۱۰۳/۱).
• • • قوله تعالى : {لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ} البقرة (۱۰۳/۲).
المعنى : أي خير من السحر، وهو خبر لـ (المثوبة).
• قيل : (خير) أفعل تفضيل، ولا خير في السحر. فكيف ذلك؟
• • ونقول : إن (خير) هنا ليس أفعل تفضيل، إنما هي لبيان أن المثوبة فاضلة وهي هنا صفة لمثوية.
يقول الألوسي المقصود بـ (خير) "دوامها وثباتها روح المعاني (٣٧٤/١).
والدليل على ذلك قوله تعالى : {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ} فصلت (٤٠/٤١).
وقال بعض العلماء : ربما كان أفعل تفضيل، وإنما خوطبوا من الله تعالى على اعـتـقـادهم بأن تعلم السـحـر خـيـر، نظراً إلى حصول مقصودهم الدنيوي به، كذا قولهم : الرجوع إلى الحق خير من التمادي : في الباطل.
وفي قوله تعالى : {لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ} جيء فـيـهـا بالجملة الاسمية عوضا عن الفعلية للدلالة على الثبات وعلى الاستقرار كذا ذكر الرازي في التفسير الكبير (٢٤١/٣) وسواء كان هذا التفسير أو ذاك، فلا تثريب ولا ملامة على اساغة أي منها.
والله أعلم
------٠٠٠-----------٠
• • • قوله تعالى : {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} البقرة (۱۲۰/۲) قال هذا هنا، وقال في آل عمران {إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ} (۷۳/۳).
• قيل : إذا كان الهدى واحـداً في الايتين، فلماذا جـاء نكرة في البقرة، ومعرفة في آل عمران؟
• • نقول : ليس المراد ب (هدي) البقرة، نفس المراد من الهـدي معرفا في آل عمران حيث إن معنى الهدي في البقرة مصروف إلى القبلة، لأن الآية نزلت في تحويل القبلة، وتقديره : إن قبلة الله هي الكعبة، وانظر أقوال المفسرين في القرطبي (۸٧/٢) وأبو السـعـود (۱۱۷/۱) والرازي (٣٤/٤). لكن المعنى ثم في آل عمران : "الدين" لقوله تعالى قبل : {وَلَا تُؤْمِنُوٓاْ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} (۷۳/۳).
وقـوله : {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (۱۹/۳) وانظر أسباب النزول للواحدي بتحقيق الجميلي ص(۱۱۰).
قال المفسرون : يصلح أن يكون ذلك لإقناطهم عـمـا يتمنونه ويطمعون فيه، روح المعانی (٣٧٢/۱) ومن روائع البلاغة القرآنية في قوله تعـالي، إيراد (الهـدى) مـعـرفـا بـ (ال) في قوله (هو الهدى) مقترنا بضمير الفصل (هو) ومفاده : قصر الهداية على دين الله، وهذا ما يسميه البـلاغـيـون قـصـر الصـفـة على الموصوف بما مؤداه ومفاده أن الإسلام هو الهدي كله، وما عداد فهو هوى، وعمى وضلال.
------٠٠٠-----------٠٠٠----
• • • قوله تعال : {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} البقرة (۱۲۰/۲).
• قيل : ما الحكمة في ذكر (الذي) هنا، وذكر (ما) في قوله بعد {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (١٤٥/٢) و (٦١/٢) وفي الرعـد {بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} الرعد (۳۷/۱۳).
• • نقول : المراد بالعلم في الآية الأولى ((العلم الكامل)) وهو العلم بالله تعالى، وصـفـاته، وبأن الـهـدي هـو هدى الله من ثم كان الأنسب ذكر ((الذي)) لكونه في التعريف أبلغ من (ما).
والمراد بالعلم في الآية الثانية والثالثة ((العلم بنوع)) والمراد بالعلم في الآية الثانية بأن قبلة الله هي الكعبة•
فكان الانسب ذكر (ما) ولقلة النوع في الثانية / 11 بالنسبة إليه في الثالثة زيد قبل (ما) في الثانية (من ) الدالة على التبعيض.
قال الامام الرازي : ( بعد الذي جاءك من العلم) : يدل على أنه لا يجوز الوعيد إلا بعد القدرة أولى ، فبطل الاحتجاج به في قول من يجوز تكليف ما لا يطاق أهـ من التفسير الكبير (٣٤/٤) بتصرف.
وقال الشيخ الألوسي : أي العلم المعلوم، وهو الوحي أو الدين، لأنه الذي يتصف بالمجيء دون العلم نفسه اهـ من روح المعاني (۳۷۲/۱).
------٠٠٠-----------٠٠٠------
• • • قوله تعالى : {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (۱۳۲/۲).
• قيل : إن الموت ليس اختياريا أو في قدرة الإنسان حتى ينهى عنه؟
• • ونقول : إن النهي في الحقيقة إنما هو عن عدم اسلامهم حال موتهم، ومثالنا على ذلك قولهم : لا تصل إلا وأنت خاشع.
فالنهي هنا إنما هو عن ترك الخشوع في الصلاة، وليس نهيا عن الصلاة في حد ذاتها الطبري (٢٦١/١) البـحـر المحيط (١\٤٠١) الكشاف (١٤٥/١) والقرطبی (۱۲۷/۲).
وفي هذا المقام نكتـه لـطيـفـة، فـإن إظهار أن مـوتهم لا على الإسلام إنما هو موت لا خير فيه، وأن الصلاة بلا خشوع كـ (لاصلاة)
قال العلماء : إن هذا كناية بنفي الذات عن نفي الحال أهـ .
وقـال المفسرون : النهي عن الموت إلا على هذه الحالة من الإسلام، والمقصود : الأمر بالثبات على الإسلام إلى حين الموت. روح المعانی (۳۹۰/۱).
وقال الرازي : المراد بعثهم على الاسلام وذلك لأن الرجل إذا لم يأمن الموت في كل طرفة عين، ثم انه أمر بأن يأتي بالشي، قبل الموت صار مأمورا به في كل حال، لأنه يخشى إن لم يبادر إليه ان تعاجله المنية، فيفوته الظفر بالنجاة، ويخاف الهلاك، فيصير
مدخلا نفسه في الخطر والضرر التفسير الكبير (٨٠/٤).
والحمد لله رب العالمين
======================
لتأملات أبى -رحمه الله تعالى- فى كتاب الله «باع طويل» .. تابعونا
من كتاب " تَأَمُّلاَتْ قُرْآنِيَة" تأليف أبى سماحة العالم الموسوعى الجليل الدكتور السيد الجميلى رحمه الله رحمة واسعة
اللهم تقبل من أبى صلاته ، وصيامه لك ، وسائر طاعاته ، وصالح أعماله ، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة ، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام ، واجعله من الفائزين ، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ .. يا رب العالمين
د. دينا الجميلي