المبدع من يلتفت إلى الأشياء البسيطة فيسردها في قالب فني؛ كان نجيب محفوظ يفعل هذا؛ زقاق المدق امتلأ بأحداث صغيرة تمضى بها الحياة؛ شخصيات مهمشة لكنه أحالها إلى كائنات عليها بصمته؛ ذلكم هو الفن؛ أحول وجهتي ناحية عالمي، لست ماركيز في واقعيته السحرية لكنني أعايش اللحظة ومن ثم أدونها؛ من أحب ساعات السفر إلي أن أركب قطار الدرجة الثالثة، يمثل المحروسة في كل شيء، صورة من واقع، تجد اللوحة توشك أن تكتمل، أنسى نفسي ومن ثم أغوص في ثنايا الحدث.
بائع العسلية حين ينادي عليها، محصل التذاكر وهو يتهادى بين المقاعد، الفتيات وهن يتلفتن خشية الرقيب؛ أعود إلى الزمن بكل تنوعاته.
عيون المندسين بين الركاب؛ يترقبون صيدا؛ قد يكون انثى فاتنة أو حافظة نقود ممتلئة، صافرة القطار توقع في سجل المغادرة.
أو حاملا بين الظلام نور الفجر.
الأيام حبلى وقريبا تلد؛ أخشى أن يسكن زقاق المدق أمثال زيطة وحميدة والدكتور بوشى!
حين أمسك بالقلم تستبد بي حالة اليأس؛ أمحو ما أكتب؛ عبثا ما أسرد؛ تائه يضل غيره في سبل الحياة؛ ثم يعتاد القلم السير، حرف من هنا وكلمة من هناك تتكون جملة ويتوالى البوح؛ تتعارك عرائس القلم؛ قصة قصيرة موشاة ببعض نزف؛ تحمل رمزا يخاطب القادمين بعد مائة عام من تلك العزلة القسرية؛ لا تتوقف عقارب الساعة عن الدوران لكنها بلهاء لا تتقاضى ثمنا لما تفعل، أما هذا العمر فقد صار عبئا على جسدي، يضرب بعجزه في كل ناحية؛ إرتعاشة أصابعي، صمم يدب في أذني، بدأ القطار يتحرك بعيدا؛ أجري خلفه فيهزأ بي الواقفون في نوافذه، تمد واحدة يدها، كم هي رحيمة إذ دفعت بي بعيدا، أوشك الممر الفاصل بين الرصيف وجسد القطار الغبي أن يفترسني.
هل ستعود إلي؟
هذا جنون؛ فالمرأة تكره الرجل الذي لم يدرك قطارها، يمتد الأفق من حولي، أشكال غريبة تتراقص أعلى العمارات المواجهة، تشير إلي، بعضها يشبه رغيف الخبز المحشو، ثوب يستر جسدي النحيل والذي تتراقص فوقه تلال من ذباب المدينة التي امتلأت بكل ذلك الركام من أجساد الكسالى، حاولت مجددا أن أغير وجهتي صوب البيت الدائري لكن العربات والكلاب المفترسة تقف حاجزا قويا، أن أحلم ويمتد بي الخيال إلى أن أنادى باسمي الذي وهبه الله لي؛ يبدو أن هذا محال، فكل الذين يسيرون في شوارع وحارات المدينة بلا اسم،كلهم يحمل رقما في زمن القيد الآلي، كتل بشرية أشبه بقوالب الطوب وقد صفت داخل فرن الغاز لتخرج حمراء من سحن متشابهة.
أستعيد خطواتي الأولى؛ كانت الأحلام وكان العمر يمتد مائة عام؛ امتلأ صدري بقلب يشرع أجنحته على الكون، أمسك بكتبي وبأقلامي؛ يداعب الأمل ذلك الأب المشمر عن ساعديه: لديه ولد سيكون زاد السنين.
يدور بي صفير القطار مجددا؛
يحاول أن يفترسني إنه يتابع زحفه باتجاهي، كل خطوط السكة الحديدية تنتهي به إلي؛ أحاول أن أتوازى معها غير معقول أن أتقاطع في مسيرة تنتهي حتما بالموت؛ يقهقه عامل التحويلة؛ لا مفر من أن تصطادني تلك الزوائد الهاربة من معدة قطار هائج، أسرع مجددا محاولا الهروب جهة زاوية معتمة فتفضحني شارات القطار القادم، إنه كابوس لا يتصور، يمد أبي يده فينتشلني من بين تحت عجلات الفطار.
يتخرك شرطي عجوز يتمايل كأنه مثقل بأعباء الزمن؛ يتثاءب فليست هناك جدوى من متشرد يسكن الأرصفة الباهتة؛ يعرفني بذلك الوسخ الذي يغطي وجهي، لا يهتم رجال السلطة إلا بمن يمتلكون أجنحة العصافير؛ يوما سيغردون خارج السرب؛ أنا لست غير مخلفات زمن والآن بت جزءا من ذلك الركام الذي تزدحم به محطة القطارات؛ مثيرة لدرجة أن القادمين من القرى والعزب والنجوع ينظرونها في بلاهة؛ لا يدرون أنني يوما كنت أحدهم.
لدي ما يثير شهية أحدهم أن يقرأ من بئر الحكايات، أدليت بالوعاء ليمتلأ بذلك الحكي؛ خرجت ثعابين وثعالب الليل؛ بدا أن اللون الأبيض في تلك البلاد محاصر بالغتمة، تحاصر القمر هالات تمتد عبر أفق ملبد بالغيوم، ينتهي الفقر يوم أن نتقاسم أرغفة الخبز ونتشارك في سمر يأتي عفوا دون انتظار.
أما العابرون في حياتنا فهم أوراق الشجر يدهمها الخريف، ألملم بقاياهم عطرا للزمن القادم، تزداد تماسيح النهر توحشا، تطرق الجنيات أبوابنا في ليالي الشتاء، أغوص في الفراش؛ أتحسس الأبواب خشية أن ينفد منها الغول فيلتهمني وإخوتي الصغار، ألف محجوب عبد الدايم يعتاش على عرق جبين محمد أبو سويلم؛ تجري خيول الدهاشنة متوعدة بشيء من الخوف في كفر مليم الأكبر الذي يسكن دوار الهنادوة!
بائع العسلية حين ينادي عليها، محصل التذاكر وهو يتهادى بين المقاعد، الفتيات وهن يتلفتن خشية الرقيب؛ أعود إلى الزمن بكل تنوعاته.
عيون المندسين بين الركاب؛ يترقبون صيدا؛ قد يكون انثى فاتنة أو حافظة نقود ممتلئة، صافرة القطار توقع في سجل المغادرة.
أو حاملا بين الظلام نور الفجر.
الأيام حبلى وقريبا تلد؛ أخشى أن يسكن زقاق المدق أمثال زيطة وحميدة والدكتور بوشى!
حين أمسك بالقلم تستبد بي حالة اليأس؛ أمحو ما أكتب؛ عبثا ما أسرد؛ تائه يضل غيره في سبل الحياة؛ ثم يعتاد القلم السير، حرف من هنا وكلمة من هناك تتكون جملة ويتوالى البوح؛ تتعارك عرائس القلم؛ قصة قصيرة موشاة ببعض نزف؛ تحمل رمزا يخاطب القادمين بعد مائة عام من تلك العزلة القسرية؛ لا تتوقف عقارب الساعة عن الدوران لكنها بلهاء لا تتقاضى ثمنا لما تفعل، أما هذا العمر فقد صار عبئا على جسدي، يضرب بعجزه في كل ناحية؛ إرتعاشة أصابعي، صمم يدب في أذني، بدأ القطار يتحرك بعيدا؛ أجري خلفه فيهزأ بي الواقفون في نوافذه، تمد واحدة يدها، كم هي رحيمة إذ دفعت بي بعيدا، أوشك الممر الفاصل بين الرصيف وجسد القطار الغبي أن يفترسني.
هل ستعود إلي؟
هذا جنون؛ فالمرأة تكره الرجل الذي لم يدرك قطارها، يمتد الأفق من حولي، أشكال غريبة تتراقص أعلى العمارات المواجهة، تشير إلي، بعضها يشبه رغيف الخبز المحشو، ثوب يستر جسدي النحيل والذي تتراقص فوقه تلال من ذباب المدينة التي امتلأت بكل ذلك الركام من أجساد الكسالى، حاولت مجددا أن أغير وجهتي صوب البيت الدائري لكن العربات والكلاب المفترسة تقف حاجزا قويا، أن أحلم ويمتد بي الخيال إلى أن أنادى باسمي الذي وهبه الله لي؛ يبدو أن هذا محال، فكل الذين يسيرون في شوارع وحارات المدينة بلا اسم،كلهم يحمل رقما في زمن القيد الآلي، كتل بشرية أشبه بقوالب الطوب وقد صفت داخل فرن الغاز لتخرج حمراء من سحن متشابهة.
أستعيد خطواتي الأولى؛ كانت الأحلام وكان العمر يمتد مائة عام؛ امتلأ صدري بقلب يشرع أجنحته على الكون، أمسك بكتبي وبأقلامي؛ يداعب الأمل ذلك الأب المشمر عن ساعديه: لديه ولد سيكون زاد السنين.
يدور بي صفير القطار مجددا؛
يحاول أن يفترسني إنه يتابع زحفه باتجاهي، كل خطوط السكة الحديدية تنتهي به إلي؛ أحاول أن أتوازى معها غير معقول أن أتقاطع في مسيرة تنتهي حتما بالموت؛ يقهقه عامل التحويلة؛ لا مفر من أن تصطادني تلك الزوائد الهاربة من معدة قطار هائج، أسرع مجددا محاولا الهروب جهة زاوية معتمة فتفضحني شارات القطار القادم، إنه كابوس لا يتصور، يمد أبي يده فينتشلني من بين تحت عجلات الفطار.
يتخرك شرطي عجوز يتمايل كأنه مثقل بأعباء الزمن؛ يتثاءب فليست هناك جدوى من متشرد يسكن الأرصفة الباهتة؛ يعرفني بذلك الوسخ الذي يغطي وجهي، لا يهتم رجال السلطة إلا بمن يمتلكون أجنحة العصافير؛ يوما سيغردون خارج السرب؛ أنا لست غير مخلفات زمن والآن بت جزءا من ذلك الركام الذي تزدحم به محطة القطارات؛ مثيرة لدرجة أن القادمين من القرى والعزب والنجوع ينظرونها في بلاهة؛ لا يدرون أنني يوما كنت أحدهم.
لدي ما يثير شهية أحدهم أن يقرأ من بئر الحكايات، أدليت بالوعاء ليمتلأ بذلك الحكي؛ خرجت ثعابين وثعالب الليل؛ بدا أن اللون الأبيض في تلك البلاد محاصر بالغتمة، تحاصر القمر هالات تمتد عبر أفق ملبد بالغيوم، ينتهي الفقر يوم أن نتقاسم أرغفة الخبز ونتشارك في سمر يأتي عفوا دون انتظار.
أما العابرون في حياتنا فهم أوراق الشجر يدهمها الخريف، ألملم بقاياهم عطرا للزمن القادم، تزداد تماسيح النهر توحشا، تطرق الجنيات أبوابنا في ليالي الشتاء، أغوص في الفراش؛ أتحسس الأبواب خشية أن ينفد منها الغول فيلتهمني وإخوتي الصغار، ألف محجوب عبد الدايم يعتاش على عرق جبين محمد أبو سويلم؛ تجري خيول الدهاشنة متوعدة بشيء من الخوف في كفر مليم الأكبر الذي يسكن دوار الهنادوة!