د. سيد شعبان - جحا!

هل تدرون أن السرداب الواصل بين سنهور المدينة وبين صان الحجر يمر من تحت كفرنا والذي توجد به أعاجيب لم يرها أحد؟
أسماك تطير بجناحين من ريش النعام، يعلوان فيحدثان دوامة هواء تسحر كل من يتنفسه، صوت ينبعث من داخل السرداب عند منتصف الليل فيغري القادمين من بعيد؛ هدهدة طفل في المغارة، جنية البحر تخرج عارية عند ضفة النيل قبالة كفرنا.
تبدو ديوك الرومي كالطواويس الزاهية بألوانها، نساء شعورهن منسدلات كما أغصان الصفصاف وقد ضربتها الرياح
يتعارك الرجال أيهم يرمي لواحدة منهن بحبة جميز بريم!
حاول جدي أن يدخل السرداب وحده فثقل خطوه عند أول درجة منه فأشجار التوت تسكنها جنيات يصدرن عويلا حين تموء القطط السوداء متى غاب القمر.
رجل يركب حمارا غريبا لا يكف عن النهيق كلما مر بحجر أو اقترب من بركة ماء؛ تحدث حركة غريبة تخرج عناكب وضفادع وأفاع الواحدة منها تقارب جمل الهنادوة، قال جدي: إن هذا لا يمكن إلا أن يكون جحا المغربي؛ قيل إنه يأتي كل مائة عام يطوف بالقرى وبالنواحي، يوزع حلوى شعر البنات ونعناع؛ لم أسمع بغير الخوجه جحا والذي يقطن بلاد العثمانلي- له مسمار في كل جدار، يضحك منه الصغار ويتسلى بحيله الكبار؛ دائما نقول عنه أنه رجل غريب الأطوار.
أما هذا الجحا فماكر لا يترك حجرا إلا قلبه أو قطعة من معدن إلا أمعن النظر فيها، تروى عنه حكاية عجيبة: امرأة بهلول وكان رجلا نحيلا محني الظهر تعلوه حدبة وبأذنه اليمنى خيط يتدلى؛ يضعون في رقبته تميمة من ودع، يسكن الذباب أنفه ويبيض غير آبه في عينيه، يغامزها الزغبي في الزاوية ويغازلها أرنوب الفقي في الغداة والعشي، يقهقه بهلول لما يشعر به من زهو.
لا يكف عمنا جحا المغربي عن الحركة، تنتابه حالة من ذهول حين يقترب من بيت بهلول؛ تبادر إلى سمعه جمالها، ملهوف أين ذهب بالتحري عن غامض الحجر، ترك حرفته وأخذ يتصنع الوجع، مريض وشفاؤه عند بهلول!
في كفرنا يقال إن كنزا في داره؛ الزئبق الأحمر؛ يعيد سر الحياة، صار البهلول حديث المساء ساعة يلتف الدراويش بمقام سيدنا.
يقسمون أنه ولي من أولياء الله الصالحين؛ جاء بالفرج، يحلمون بأنه سيزرع الأرض الخراب؛ حبة القمح يحملها جمل السنباطي الأحمر ويئن، كل البهائم ستحلب في " طشت الغسيل" حنفية فراج ينزل منها ماء كالعسل.
يتراقص حمار جحا المغربي ويتهادى على سكة الزراعية، يرفع أذنيه ويناغم بنهيقه، في كفرنا يقص الدراويش حكاياتهم جوار الماشية، يدب الصغار كما النمل، تنصت النسوة لما يسلب لبهن من حديث الليالي التي يعود فيها الرجال فحولا كما ثور الوسية؛ ربما شفي الواحد منهم من داء العجز؛ ففقر الزاد يميت الولد في ظهر أبيه- تلك مقولة جحا المغربي والتي يدندن بها كلما اشترى بيضا أو لبنا من نسوة كفرنا، أتان البهلول أغرت حمار المغربي، تقف النسوة مشدوهات في عجب.
تسلل جحا المغربي إلى فم السرداب؛ تلمع حجرة مضيئة، مفتاح كبير وضعه في قفل خشبي، ينزل درجة وراء أخرى، بركة ماء تسبح فيها أسماك حجرية، سيوف مدلاة ودماء تقطر، بهلول في قرارة السرداب يتماوج عصفورا.
يقترب سياف تتوج عيناه نارا، حمار جحا المغربي يقف عند فوهة السرداب، يملأ أوعية، تشخشخ الآنية.
بهلولة تختال في مشيتها، تتلقف أساور من ذهب، حلقان عليها رسوم فرعونية، أغرب ما وجدت مكحلة قيل إن نفرتيتي كانت تضعها فوق رموشها، صارت ملكة توجت بغير عرش إلا أن يردفها جحا الماكر بحيله، كل النسوة في كفرنا يحسدنها لما أوتيت من كنوز وخلاخيل، انطلق حماره تعدو خلفه أتان البهلولة اجتازا سكة المقطع، أغمي عليها، ومن يومها وشجرة الجميز يربض تحتها تمثال تسكنه الغربان!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى