مرة قال محمود درويش إن شعراء الأرض المحتلة ، وهو منهم ، كتبوا حتى 1970 تقريبا قصيدة واحدة ، ويقصد بهذا أن القصائد التي كتبها الشعراء كانت تتقارب . تشابهت التجربة وتشابه الانتماء وتأثر الشعراء بالفكر الماركسي وكتبوا بوحي من مفهوم الواقعية الاشتراكية كما فهموها : الالتزام ومخاطبة الجماهير والوضوح والبساطة والتعبير عن الهم العام . هل يمكن تعميم ما كتبه على شعراء المنفى .
توقفت سلمى الخضراء الجيوسي في مقدمتها لموسوعتها " موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر " أمام اختلاف توفيق صايغ عن بقية شعراء عصره الذين تشابهوا في الكتابة والأسلوب وتمجيد الذات . ويمكن القول أيضا إن فدوى طوقان ، بسبب تجربتها الخاصة ، كانت صوتا مختلفا عن بقية الأصوات ، فهي كتبت عن الوحدة والحزن والحب والضياع والشعور بالغربة ، ولم تتشابه مع بقية الأصوات الشعرية في التعبير عن الهم الوطني إلا بعد هزيمة حزيران ، حيث غدت شاعرة مقاومة وقاربت موضوعات مختلفة لتلك التي قاربتها في مجموعاتها الشعرية الأربعة الأولى .
هل اختلف شعراء المنفى مع صعود المقاومة الفلسطينية بعد هزيمة حزيران عن بعضهم البعض ؟ ومع أن الإجابة تتطلب مسحا شاملا ، إلا أن أغلب الشعراء تقاربت موضوعات قصائدهم ، فقد كتبوا عن الفدائي وتغنوا به وعبروا عن الأحداث التي مرت بها الثورة : سقوط مخيم تل الزعتر مثلا ، ومن قبل أيلول 1970 ، ومن بعد معارك بيروت في العام 1982 ، ولما اندلعت انتفاضة 1987 لم يبق شاعر ، ربما إلا القليل ، إلا كتب قصائد يتغنى فيها في الانتفاضة .
في أثناء قراءتي لأشعار أحمد دحبور وموازنتها بأشعار محمود درويش ، يمكن القول إن هناك تقاطعات عديدة بينهما ، وكثرت هذه التقاطعات في الأشعار التي كتبها الاثنان بعد مرحلة بيروت ، وفي أثناء الإقامة في تونس ، ومن ثم في الجزء المتاح لهما من الوطن .
استرجع درويش في " لماذا تركت الحصان وحيدا ؟ " ماضيه ، وكتب عن أمه ، وكان في " أرى ما أريد " 1990 رثى أباه . واللافت هو إهداء ديوان " لماذا تركت الحصان وحيدا ؟ " : إلى ذكرى الغائبين :
جدي : حسين
جدتي : آمنة
وأبي : سليم
وإلى الحاضرة :
حورية ، أمي " .
وكنا لاحظنا إهداء أحمد دحبور ديوانه " جيل الذبيحة " ، ولعل الأهم هو كتابة قصائد عن العائلة : الأب والأم والأخت .
خص كلا الشاعرين انتفاضة 1987 بغير قصيدة ، ذاعت قصيدة درويش ولم تذع قصيدة دحبور ذيوع قصيدة درويش ، وكتب كلا الشاعرين قصائد عن العودة ، قصائد لفتت الانتباه : الجزء الأخير من " لماذا تركت الحصان وحيدا ؟ " وقسم من " هنا .. هناك " ديوان دحبور ، ولم تغب حيفا عن قصائدهما ، فلكل منها نصيب لهما ، وإن اختلفت التجربة والعلاقة مع المدينة ، في المنفى وفي أثناء العودة .
تجربة الموت :
كل ما أسلفت هو مقدمة للموازنة بين قصيدتين كتبهما الشاعران حول تجربة الموت . مطولة " جدارية " 1999 لدرويش و " في حضرة الذئب " 2000 لدحبور .
شاعت " جدارية " واستقبلت نقديا و أنجزت عنها دراسات وكتب ، فيما لا أعرف دراسات أو مراجعات نقدية ل " في حضرة الذئب " التي ظهرت في ديوانه " كشيء لا لزوم له " . وكان دحبور كتب قصيدته في العام 2000 ، العام الذي نشرت فيه " جدارية " التي كتبت في العام 1999.
ثمة رأي مهم للشاعر الألماني ( غوتة ) عن الأدباء الكبار هو : " إن الأدباء الكبار ليسوا أدباء كبارا لأنهم أتوا بأشياء جديدة ، وإنما هم أدباء كبار لأنهم أظهروا الأشياء كما لو أنها تظهر لأول مرة " . ولم يكن الشاعران أول من كتب عن الموت ، فقد سبقهما مئات الشعراء ، فهل تجاوزت قصيدة دحبور قصيدة درويش فنيا ؟ وإذا كانت الإجابة نعم فلم لم تشع ؟ ولم لم يكتب عنها ؟ .وثمة سؤال آخر هو : هل تأثر الشاعر بصاحب " جدارية " ؟ هل تأثر به حقا ؟
كلا الشاعرين مر بتجربة الموت وكتب عن تجربته الخاصة وهو على سرير الشفاء . ماذا رأى حين فقد الوعي بسبب البنج ؟ من رأى ؟ كيف بدا له الموت ؟ بم أراد الانتصار على الموت ؟ أسئلة الإجابة عنها تتطلب كتابة مطولة .
" هزمتك يا موت الفنون جميعها " كتب درويش ، ومازال ، على الرغم من رحيله ، حاضرا . خلدته قصائده . ولم يخف أحمد دحبور من الموت ، وهو ما سنراه لاحقا لدى سميح القاسم ومقطعه الشهير ، وبدا الموت لأحمد ذئبا وكان هو في حضرته. وكما تحفل " جدارية " بأعلام قديمة وحديثة ؛ عربية وعالمية ، فإن " في حضرة الذئب " تحفل برموز ثقافية أيضا : الأم كمعلمة أولى للشاعر في حب حيفا ، وموريس قبق الذي ترك أثرا كبيرا في الشاعر ، وتيسير سبول الكاتب الأردني الذي انتحر . :
" وأريد الحياة سطرا فسطرا
فانتظرني يا ذئب اختم كتابي ".
هل طلب درويش أيضا مهلة من الموت لينهي ما تبقى له من أعمال ؟
في كتابتي عن " جيل الذبيحة " وازنت بين أشعار درويش وأشعار دحبور وتوقفت أمام ما جعل قصائد درويش تشيع أكثر : الغنائية .
بقلم : عادل الاسطة
9 / 6 / 2017
توقفت سلمى الخضراء الجيوسي في مقدمتها لموسوعتها " موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر " أمام اختلاف توفيق صايغ عن بقية شعراء عصره الذين تشابهوا في الكتابة والأسلوب وتمجيد الذات . ويمكن القول أيضا إن فدوى طوقان ، بسبب تجربتها الخاصة ، كانت صوتا مختلفا عن بقية الأصوات ، فهي كتبت عن الوحدة والحزن والحب والضياع والشعور بالغربة ، ولم تتشابه مع بقية الأصوات الشعرية في التعبير عن الهم الوطني إلا بعد هزيمة حزيران ، حيث غدت شاعرة مقاومة وقاربت موضوعات مختلفة لتلك التي قاربتها في مجموعاتها الشعرية الأربعة الأولى .
هل اختلف شعراء المنفى مع صعود المقاومة الفلسطينية بعد هزيمة حزيران عن بعضهم البعض ؟ ومع أن الإجابة تتطلب مسحا شاملا ، إلا أن أغلب الشعراء تقاربت موضوعات قصائدهم ، فقد كتبوا عن الفدائي وتغنوا به وعبروا عن الأحداث التي مرت بها الثورة : سقوط مخيم تل الزعتر مثلا ، ومن قبل أيلول 1970 ، ومن بعد معارك بيروت في العام 1982 ، ولما اندلعت انتفاضة 1987 لم يبق شاعر ، ربما إلا القليل ، إلا كتب قصائد يتغنى فيها في الانتفاضة .
في أثناء قراءتي لأشعار أحمد دحبور وموازنتها بأشعار محمود درويش ، يمكن القول إن هناك تقاطعات عديدة بينهما ، وكثرت هذه التقاطعات في الأشعار التي كتبها الاثنان بعد مرحلة بيروت ، وفي أثناء الإقامة في تونس ، ومن ثم في الجزء المتاح لهما من الوطن .
استرجع درويش في " لماذا تركت الحصان وحيدا ؟ " ماضيه ، وكتب عن أمه ، وكان في " أرى ما أريد " 1990 رثى أباه . واللافت هو إهداء ديوان " لماذا تركت الحصان وحيدا ؟ " : إلى ذكرى الغائبين :
جدي : حسين
جدتي : آمنة
وأبي : سليم
وإلى الحاضرة :
حورية ، أمي " .
وكنا لاحظنا إهداء أحمد دحبور ديوانه " جيل الذبيحة " ، ولعل الأهم هو كتابة قصائد عن العائلة : الأب والأم والأخت .
خص كلا الشاعرين انتفاضة 1987 بغير قصيدة ، ذاعت قصيدة درويش ولم تذع قصيدة دحبور ذيوع قصيدة درويش ، وكتب كلا الشاعرين قصائد عن العودة ، قصائد لفتت الانتباه : الجزء الأخير من " لماذا تركت الحصان وحيدا ؟ " وقسم من " هنا .. هناك " ديوان دحبور ، ولم تغب حيفا عن قصائدهما ، فلكل منها نصيب لهما ، وإن اختلفت التجربة والعلاقة مع المدينة ، في المنفى وفي أثناء العودة .
تجربة الموت :
كل ما أسلفت هو مقدمة للموازنة بين قصيدتين كتبهما الشاعران حول تجربة الموت . مطولة " جدارية " 1999 لدرويش و " في حضرة الذئب " 2000 لدحبور .
شاعت " جدارية " واستقبلت نقديا و أنجزت عنها دراسات وكتب ، فيما لا أعرف دراسات أو مراجعات نقدية ل " في حضرة الذئب " التي ظهرت في ديوانه " كشيء لا لزوم له " . وكان دحبور كتب قصيدته في العام 2000 ، العام الذي نشرت فيه " جدارية " التي كتبت في العام 1999.
ثمة رأي مهم للشاعر الألماني ( غوتة ) عن الأدباء الكبار هو : " إن الأدباء الكبار ليسوا أدباء كبارا لأنهم أتوا بأشياء جديدة ، وإنما هم أدباء كبار لأنهم أظهروا الأشياء كما لو أنها تظهر لأول مرة " . ولم يكن الشاعران أول من كتب عن الموت ، فقد سبقهما مئات الشعراء ، فهل تجاوزت قصيدة دحبور قصيدة درويش فنيا ؟ وإذا كانت الإجابة نعم فلم لم تشع ؟ ولم لم يكتب عنها ؟ .وثمة سؤال آخر هو : هل تأثر الشاعر بصاحب " جدارية " ؟ هل تأثر به حقا ؟
كلا الشاعرين مر بتجربة الموت وكتب عن تجربته الخاصة وهو على سرير الشفاء . ماذا رأى حين فقد الوعي بسبب البنج ؟ من رأى ؟ كيف بدا له الموت ؟ بم أراد الانتصار على الموت ؟ أسئلة الإجابة عنها تتطلب كتابة مطولة .
" هزمتك يا موت الفنون جميعها " كتب درويش ، ومازال ، على الرغم من رحيله ، حاضرا . خلدته قصائده . ولم يخف أحمد دحبور من الموت ، وهو ما سنراه لاحقا لدى سميح القاسم ومقطعه الشهير ، وبدا الموت لأحمد ذئبا وكان هو في حضرته. وكما تحفل " جدارية " بأعلام قديمة وحديثة ؛ عربية وعالمية ، فإن " في حضرة الذئب " تحفل برموز ثقافية أيضا : الأم كمعلمة أولى للشاعر في حب حيفا ، وموريس قبق الذي ترك أثرا كبيرا في الشاعر ، وتيسير سبول الكاتب الأردني الذي انتحر . :
" وأريد الحياة سطرا فسطرا
فانتظرني يا ذئب اختم كتابي ".
هل طلب درويش أيضا مهلة من الموت لينهي ما تبقى له من أعمال ؟
في كتابتي عن " جيل الذبيحة " وازنت بين أشعار درويش وأشعار دحبور وتوقفت أمام ما جعل قصائد درويش تشيع أكثر : الغنائية .
بقلم : عادل الاسطة
9 / 6 / 2017