بهاء الصالحي - رواية "زمن نجوى وهدان" لمجدي جعفر.. دراسة


عندما نقرأ رواية لناقد فإننا مضطرون لمناقشة عمله من باب الإبستمولوجيا ، أي ماذا أضافت معارفه الخاصة إلى شكل العمل وعقدته الرئيسية وكذلك باقي أدوات ذلك الفن القصصي المتعارف عليها سلفا من خلال عدة مؤشرات :

- جدة الموضوع.

- تناوب فكرة الصراع.

- السياق النفسي للنص.

- اللغة.

- شكل الحوار.

بالنسبة للمؤشر الأول جاء الموضوع مابين ناقد أدبي يمثل شريحة حية لمن يرتزقون بالأدب وكذلك مدعيي الأدب والذين يشترون بأموالهم فرص التحقق الزائف على حساب فقراء الأدباء ، هنا تتجلى جدة الموضوع في واقعيته من حيث توافر تلك النماذج في الواقع الإجتماعي ، حيث استغلال الاحترام الفطري للأدب كنوع من الحكمة التي تعبر عن ثقافة تلك الشعوب ، جدة الموضوع أن كثيرون لم يطرقوه ، كذلك التعامل الواقعي بحكم تحول هذان النموذجان لفئة مصنوعة على هامش ذلك الانتشار المخلوق بهامش معرفي محدود من خلال شبكة التواصل الاجتماعي ، خاصة مع امكانية تقنية لخلق فكرة الإتنتشار الوهمي خاصة مع استغلال فكرة الفيس بوك كنوع من التعويض الوهمي عن حالة التشرذم والوحدة التي يحياها المواطن العربي في ظل تشيئه المزمن .

أما السياق النفسي : فجاءت رغبة الكاتب في إدانة العلاقة وذلك الحلف غير المقدس ، والتي عانى منها هو شخصيا ، وهنا فكرة الإضافة المعرفية حيث نؤسس على مقولة جارودي أن العمل الإبداعي في النهاية عبارة عن عدة إجابات لأسئلة قلقة تعترك مفرداتها داخل المبدع وبالتالي يبحث عن إجابات منطقية لها من خلال الأطر التي تحكم واقعه الإجتماعي ، وبالتالي جاءت التيمة القصصية من خلال إقتصار الرواية على شخصين فقط مع تبادل البطولة عبر فصول الرواية وذلك للقضاء على فخ السردية وذلك قائم على تباين العوالم الخلفية لبطلي الرواية حيث جاءا من سياق الهزيمة النفسية وعدم قدرتهما على تحقيق السلام الداخلي ليتحقق التوافق مع الأحداث .

بطلي النص عانيا القهر بوجهيه ليعكس كم القهر النفسي الذي عاناه الأبطال القابعين تحت ظلال الفقر وثبات معالمه ومحتوياته ، والموت ذلك القدر الذي استدعي معادلات موضوعية له من خلال " القبر وخدمته - الكلاف وعلاقته بأسياد القبيلة ، وهنا تنويعة على فكرة الصراع الطبقي التي ألقت ظلالها على أحداث الرواية ، وذلك الواقع في رأي شيخ القبيلة حيث يري أن وأد تلك المحاولة في مهدها ردعا لتفكير أي شخص في مجرد إعادة تلك المحاولة .

ولازلنا في ظل السياق النفسي للرواية حيث يعاني الابطال نوع من أقسي أنواع الأزمات النفسية ، وهي حالة التوحد مع القاهر ، وهي تعكس عدة مآسي يعانيها الواقع حيث يفقد الفرد القدرة على مراجعة الذات ، لأن الذات تم تدميرها من قسوة الفعل غير الحضاري الذي يؤتيه القاهر حتى يعجز الجسد عن تحمله فيقر التوافق مع ذلك كرد فعل له مسوغه الطبيعي ، وبالتالي يصبح القاهر كائن شرعي وكذلك فقدان الكون لفكرة التعادل أمر طبيعي مما يؤدي الميل فنميل ، فيصبح السقوط محتما .

السياق الزمني : هو ذلك الزمن الموازي دوما لمفهوم السقوط الدرامي في حياة الامة المصرية وهي فترة الإنفتاح ومن هنا يتم توظيف الدلالات الزمنية والبقاءالخاص للعمل حيث تأتي دلالة الزمن ، وقيمته هنا مزدوجة ، حيث يأتي الجيل القادم بعدنا ليجيب على سؤال مهم : كيف عبر ذلك الجيل عن تلك الفترة في سياق مقارن مع غيره من الأعمال ، وكذلك نوعا من التقييم الوقتي كمقياس للصدق من خلال معاصرة جيل من القراء لتلك الفترة وبالتالي يصبح المؤشر الزمني دالة للحكم بالصدق من عدمه على ذلك العمل .

ولعل الاقرار كنص للإعتراف والذي تم تأريخه بعام 1974 ، كنوع من المهارة التقنية إستمدها الكاتب من طبيعة رؤاه الخاصة والمهنية .والرواية في إجمالها إعادة إنتاج للواقع الأدبي كسؤال معرفي يلح على الكاتب ويعطي العمل تميزه النوعي ، من حيث تركيزه الرائع على مفهوم الزمن المشوه لدي بطلي القصة ومن هنا جاء مفهوم التوظيف الجيد لفكرة استدعاء تلك المرحلة التاريخية كمعادل موضوعي اتفق العقل الجمعي على إدانته وبالتالي ضمان التوافق الذهني مع القارئ وبالتالي ضمان التركيز على القيم الرئيسية التي يريد ابرازها من خلال الرسالة المعرفية التي أراد تقديمها ، ونظرا للطبيعة النوعية للكاتب حيث يصبح التماهي بين الفكرة والبناء القصصي .

محاور الصراع الرئيسية في الرواية :

1- الصراع بين فكرة التسلع اللاإنساني والقيمة الانسانية المضمرة والتي يبحث عنها البطل من خلال سعية لتطهير ذاته من خلال استدعاء أسرار الغرفة السوداء في ثنايا نفسه .، مما إنعكس على فقدان الإحساس بالقيمة وتلك الأزمة هي المسئولة عن غياب الإبداع الحقيقي ، حيث أن المبدع هو شخص أعاد تقييم ذاته وبذلك إمتلك قدرته على الفعل ، وبذلك أصبح كل شئ قابل للتقييم المادي بعيدا عن الإضافة النوعية الغير مادية .

2- غياب الأجواء الإجتماعية القادرة على استيعاب المبدع الحقيقي فيسقط في وهدة الكيانات الوهمية ، وذلك يتبدي من خلال نقده لأندية الأدب تلك الحاضنة والتي أصبحت طاردة للإبداع الحقيقي ، هنا درامية السقوط التي يعانيه المبدع الحقيقي ، وذلك تأسيسا على أن المجرم في النهاية شخص فشل في تحقيق ذاته .

محورية الافكار وتعدد الوجوه نوع من المهارة في بناء الهيكل الهندسى للرواية وذلك يتبدي في المشترك النفسي للأبطال من خلال :

1-الاشتراك في الحرمان كصفة نفسية لها جذر إجتماعي ، من خلال هند أخت البطل وكذلك الذين تحرشوا بنجوي وهدان ، وبذلك يكون التشوه متأرجح مابين الفعل ورد الفعل .

2- ظاهرة إنتحال الأسماء تمشيا مع السياق النفسي العام وكذلك السياق الزمني لأحداث الرواية ، حيث توحد الفعل وتعددت الوجوه ، ولعل عنوان رواية إحسان عبد القدوس " ياعزيزي كلنا لصوص " قرينة

3- مسألة الصدق في رسم الشخصيات حيث جاءت الشخصيات ملاءمة لواقعها التاريخي وواقعها الطبقي المزيف .

عتبات النص الرئيسية

العبارات التقريرية والتي تقوم بدور العصف الذهني كبوابات لقراء القصة أو الرسالة المعرفية التي يراد إيصالها للقارئ :

صفحة 43 : على لسان نجوي : ميلادي الحقيقي مع قرار الإنفتاح الذي إتخذه الرئيس السادات .

صفحة 95 : حاولنا أن نصنع ماضينا على هوانا .

صفحة 81 : من فضلك تلك الغرفة غرفتي ، إنها تعيدني إلى .

السياق الخاص بتلك العبارات ، حيث يفرض الماضي نفسه بمجرد تحققه المادي وعجز الذات عن إيجاد مكان حقيقي لها بما يعكس معضلة الزمن داخل الرواية ، حيث ينقسم الى زمن خاص متعلق بالانتكاسات الداخلية ، وكذلك الزمن العام الذي يقتضي مهارة خاصة في التكيف قد تتلاشي مع قسوة ايقاع الواقع المعاش وتنامي مهارات الزيف التي تثقل الروح فتخلق معها مفهوم المسخ .

محاور الصراع :

فكرة الصراع الرئيسية عبر الرواية : الإنسان في مواجهة التقاليد الموروثة مع قهر عدم التحقق لوحشية الواقع ، مما أدى لمسخ الشخصية ، ولكن مع جدة الموضوع جاءت جدة الصور المعبرة عن عدة محاور فرعية مثل : تديين العادات ، صفحة 60 : الوجهاء ...الوجهاء ...الوجهاء يسكنون ... الوجهاء يأكلون ...الوجهاء ...الوجهاء في الصفوف الأولى في المساجد ، وكأنها محجوزة لهم وعلى مقاعد الصدارة في سرادقات الأفراح ، يفسحون لهم الطريق إذا ساروا ويميطون من أمامهم الأذي ، حتي لاتقع عينهم علي قبيح .

سرابية العلاقة مع الماضي حيث النوستالجيا كنوع من الهروب من ثقل الحاضر وأن نرسم لأرواحنا خريطة عنوانها الماضي الجميل من خلال مقاومة الموت برموزه الواردة عبر الرواية القبر والقصر ،وكأن النفس قد عجزت عن تحمل قبح الحاضر فقررت اللجوء للماضي عساها تجد ذريعة غائبة تستند اليها في ذلك الصراع .

مهارة القاص على الإيجاز من خلال مهارة اللغة وإستخدام النقاط كعلامة تعين القارئ علي ربط أوائل الفراغات وفق مخزون القارئ الروحي والإنساني وتجربته الشخصية في ذلك السياق ، وذلك من خلال سرد الإفضاءات الخاصة بتجربتها .

دلالة العنوان ، زمن نجوي وهدان مستخدما كلمة الزمن كدالة معرفية ليصبح زمن نجوى وهدان تجاوزا للزمن الكرونولجي الذي جاء هنا من خلال كلمة الإنفتاح ،وبالتالي أعطى القارئ فرصة المواءمة من خلال المعايشة المشتركة لتلك الفترة من الزمن أن يبحث عن نجوى وهدان بين كل النجاوي التي غردت في سماء الواقع وقتذاك ، وهو أمر تعكسه عبارة دالة وردت بالرواية " نحن نصنع ماضينا " هنا زمن دلالة على القدرة على الخروج عن السياق العام للزمن لتصبح نجوى وهدان مثال لمن أراد صنع زمنه الخاص وبذلك تتصارع الذوات ليصبح الأمر في النهاية مأله للسقوط ، وهنا تصبح هذه الشخصيات تعاني من الإغتراب بحكم عدم قدرتها على التحقق في أرض الواقع ، ولعل نجاح القاص في ذلك بحكم تمرسه وثقافته البحثية عبر إقتفاء أثر ذلك في كافة أنواع الروايات التي بحثها وإستمتعنا بقراءته لها .

إلا أن هنك بعض التحفظات :

#التضمين غير الموظف دراميا في صفحة 63 عندما أشار لقصة هند الأعرابية الحرة التي وطأها الحجاج على كره منها ، ثم تزوجها الخليفة بعد ذلك ، ولكن القاص لم يطور شخصية هند أخت الدكتور / البطل كخط درامي ربما خلق نوعا من التوازن مع شخصية نجوى ، وبذلك يصبح ذلك النوع من التضمين نوعا من الإستسلام لثقافة السرد التي يملكها القاص / الباحث ، وذلك استمرارا للمنهج الإبستمولوجي الذي تناولنا على أساسه النص وذلك تأسيسا على البعد التنويري الذي يسعى إليه القاص .

# تجريد إسم الدكتور لنقد ظاهرة إمتهان اللقب وإفتقاده للوقار الذي عهدناه ولازلنا ، كصدى للتزييف المعرفي الذي يسعي كثيرون لفرضه كنوع من حروب الوعي ، وبذلك تأتي لمحة من لمحات الرواية الذهنية عبر الرواية ، عدم قدرة العقول التنويرية الحقيقية عن التكيف مع الواقع فجاء إنتحار أروي صالح والموت يأسا لدرية شفيق وخليل حاوي وجميع تلك الإنسحابات قد جاء في زمن نجوي وهدان .

ولعل استخدام الضمائر بكثافة في الحوار عبر الصفحات ، هو نوع من الذكاء في إستخدام اللغة لخلق حالة تجريدية هي الأنسب لتلك الروايات الإجتماعية من باب النقد الإجتماعي التي تنتمي إليها تلك الرواية

# المهارة الوصفية التي يمتلكها القاص كانت جديرة بتوسيع عقدة الرواية فبدلا من حصرها في ذلك الصراع الذي انتهي بتحالف غير مقدس مابين قلم فقير ومال وفير وبين مال وفير وعقم في التفكير .

فالبعد النوعي قائم بفعل عينة البطل والبطلة وكذلك جدة السياق من خلال تضاد فكرة المال والثقافة وكذلك الثروة القوية والتاريخ العاجز ، وهنا مهارة القاص في التجريد من خلال التحكم في دلالات الكلمات من خلال تنوع السياقات التي وردت عبر الرواية .

ولكننا لايسعنا إلا التسليم بأن الرواية قد أضافت للموضوع المتداول والحقيقي للأسف في واقعنا الأدبي الحالى بعدا إثرائيا جديدا ،

ويبقي مجدي جعفر قيمة يسترشد بها أجيال الرواية ، حتي وإن كان بعيدا عن أحضان القاهرة .

المجد للمبدعين

بهاء الصالحي

القنايات – الشرقية – مصر

سبتمبر 2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى