د. زياد العوف - من أمثال العرب..

تهتمّ الأمم والشعوب بالتأريخ لثقافتها بوصفها إرثاً مشتركاً لأبنائها، وجامعاً موحِّداً لنظرتهم إلى الكون والحياة . وهذا ما يتجلّى في الموروث الثقافي لهذه الأمم والشعوب . لقد عُرِف العرب بعنايتهم بنتاجهم الثقافي المتمثّل أساساً في الشعر؛ فاختاروا الجيّد منه وحفظوه لأبنائهم بما تيسّر لهم في حينه، لذلك قيل:" الشعر ديوان العرب"؛ أي أنّه بمثابة السّجل الذي يدونون فيه أخلاقهم وأفكارهم وعاداتهم وتقاليدهم، ناهيك عمّا حفلت به حياتهم من أحداث جِسام، كالحروب والمعاهدات ، كلُّ ذلك طبعاً من خلال رؤية الشاعر وملكاته العقلية والشعورية والفنية . إلا أنّ اهتمام العرب بتراثهم الثقافي لم يقتصر على الشعر وحدَه، بل تعدّاه إلى الأنواع الأدبية الأخرى، وفي مقدّمتها ( الأمثال)، وإن كان بدرجة أقلّ . لقد نهض عدد من علماء اللغة بجمع ما وصل إلى أيديهم من هذه الأمثال، ودوّنوها في مصنّفات خاصة بها، عاكفين على شرح وتفسير كلّ ما يتعلّق بها من أصل ولغة ودلالة ومورِد ومضرِب، وغير ذلك ممّا يمتّ إلى هذه الأمثال بصلة .
ولعلّ من أهم المؤلّفات المخصّصة للأمثال كتاب( مجمع الأمثال) للعالم اللغويّ ( أحمد بن محمّد، أبي الفضل، المعروف بالميدانيّ، نسبةّ إلى مَحِلّة من مَحالِّ نيسابور - ت ٥١٨ للهجرة ) .
نسّق الميدانّي مؤلفه هذا في ثمانية وعشرين باباً وَفْقَ حروف المعجم؛ مبتدئاً بما أوّله همزة، وخاتماً إيّاه بما أوّله ياء، كما أضاف بابين في آخر الكتاب، خصّص الأول منهما للحديث عن( أيام العرب)، في حين جمع في الباب الأخير- وهو الباب الثلاثون- مقتطفات من أقوال الرسول( صلّى الله عليه وسلّم)
والخلفاء الراشدين .
أودّ قبل ذكر أحد الأمثال المختارة من هذا الكتاب توضيح المقصود ممّا يُعرَف بكل من: مورد المَثَل ومضرِبهِ؛ فأقول : يُراد بمورد المثل المناسبة الأولى التي قيل فيها المثل، أمّا مضرب المثل فهو السياق المناسب لاستعمال هذا المثل مرّة أخرى.
جاء في باب ما أوله همزة من كتاب( مجمع الأمثال) للميدانيّ:
" إنّما أُكِلتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيضُ"
يُروى أنّ أمير المؤمنين عليّاً رضي الله عنه قال: إنما مَثَلي ومَثَلُ عثمان كمثل أثوار ثلاثة كُنَّ في أجَمَة : أبيضَ وأسودَ وأحمرَ ، ومعهنَّ فيها أسد ، فكان لا يقدر منهنّ على شيء لاجتماعهنّ عليه، فقال للثور الأسود والثور الأحمر : لا يدلّ علينا في أجَمَتِنا إلّا الثور الأبيض فإنّ لونه مشهور ولوني على لونكما ، فلو تركتماني آكلهُ صفتْ لنا الأجمة، فقالا: دونكَ فكلهُ، فأكله، ثمّ قال للأحمر: لوني على لونك، فدعني آكل الأسود لتصفو لنا الأجمة، فقال: دونكَ فكلهُ، فأكلهُ، ثمّ قال للأحمر: إنّي آكلكَ لا محالة، فقال: دعني أنادي ثلاثاً، فقال: افعلْ،، فنادى ألا إنّي أُكلتُ يومَ أُكلَ الثورُ الأبيض، ثمّ قال عليّ- رضي الله عنه- : ألا إنّي هُنتُ يوم قُتِلَ عثمانُ، يرفع بها صوتهُ.
يضربهُ الرجل يُرزأ بأخيه".
ألسنا- نحن العربَ- اليومَ في موقف يصحُّ فيه أنْ نجأر بملء أفواهنا: إنما أُكلنا يوم أُكلَ الثورُ الأبيض؟

دكتور زياد العوف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى