مصطفى فودة - قراءة فى ديوان بخطى مثالية كالفضيحة تجربة الافتتان بالجسد للشاعر مصطفى عبادة

بخطى مثالية كالفضيحة هو الديوان الثانى للشاعر مصطفى عبادة وقد صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة فى 74 صفحة ويشمل تسعة نصوص شعرية طويلة نسبيا عدا الثلاثة النصوص الأخيرة فهى قصيرة نسبيا ، تشير كلمتى مثالية وفضيحة فى عنوان الديوان إلى ثنائية قد تبدو متناقضة وهى ثنائية سيرد ذكرها فى الديوان كثيرا مثل قلب متسخ وحذاء نظيف وغيرها .
لابد لقارئ الديوان أن يلفت نظره حضور المرأة والولع بجسدها وبجمالها إلى درجة تقترب من الإيروتيكة أحيانا ففى النص الأول درو باريمور وهى ممثلة أمريكية وفاتنة هوليود شُغفت بها الذات الشاعرة وأكثرت من وصفها وذكر أعضاء من جسدها
واكتشفتك قبل الجميع / الذين منحوك الأجمل فى العالم .
درو الفاتنة - الساقطة درو باريمور(بصوت زوجته)
والمدير الذى دخلت عليه / وهو يتأملها عارية .( صورتها )
أقول / هذا صدرها / لا / هذا يشبه صدرها / وتلك مؤخرتها / وتنقصنى الرائحة / لان الروائح لا تعبر الاوطان/ أمنحينى رائحتك ، وربما اختار الشاعر الممثلة الامريكية معادلا للجمال والأنوثة التى شُغف بها ، ومناهضا بها للقبح والسياسة الأمريكية والارهاب فى العالم خاصة أنه ذكر الحادث الارهابى بضرب برجين فى 11 سبتمبر بالولايات المتحدة كما ذكر منفذيه محمد عطا وآخرون .
ورد اسم الممثلة الامريكية بالنص صراحة 7 مرات ، ووردت وصفاتها وأعضاء من جسدها 10 مرات ، كما ورد اسمها بضمير المخاطب 16 مرة وبضمير الغائب 10 مرات باجمالى 43 مرة وبلغ عدد سطور النص 82 سطرا أى أنها ورد اسمها صراحة او بالضمير او الصفة بمعدل كل سطرين فى النص مما يؤكد على شغف الذات الشاعرة بالممثلة الامريكية كمعادل للجمال ضد القبح.
فى نص (شاهد كعلامة استفهام) يعبر الشاعرعن الجسد مقتربا من الإيروتيكية ، يا أختى/ أيتها البضة النافرة / التى تشعر بالقشعريرة / لمجرد جلوسى بجوارها ، ويكون أحيانًا مصحوبا بالتلذذ بالعنف والإيلام لرفيقته وصولا إلى السادية ومتمنيا أن يكون ذئبًا كحيوان يتصف بالشراسة والعنف فى مهاجمة ضحيته ومستخدما أفعالا تعبرعن تلك الشراسة مثل
أنا طفلك الذى يقضم حلمتيك/ وينهش أشياءك فى خياله / أشم رائحة لحمك الحار / وعرق /عكنتيك / لو أن معى سيخا محميا / لغرزته فى ( فتحة ألجيب)/ متلذذا باحتراقك/ يا ليتى ذئب / لاكلتك فى صحوى .
وتكررت عبارة (ليتنى كنت ذئبا) على رأس خمس فقرات بالنص ، كما استخدم الشاعر عبارات وأفعالا تدل على سلوك الذئب مع ضحيته يقضم – ينهش- آكلك – اقتنصتك –غرست نابى – عوائى – لعابى- أكلت كبدك .
فى نص بقوة الغريزة كما هو ظاهر من عنوان النص يصور الغريزة فى صور مختلفة بعبارات حسية مثل
كنت أريد السُمرة / وبياض البطن/ اريد الماء ..ألح عليه ويأتى/ كنت أريدكٍ فى الشارع / فى المبنى/ فى المسجد/ عند عصير الزغب / يظلله الشعر النابت فى المنحنيات ( كناية عن وجود الشَعرفى بعض أجزاء جسد المرأة وهى من عوامل الإثارة )/ أريد كثيرا/ لكن الله على عتبة قلبى . ( لكن الله على عتبة قلبى) عبارة هامة ودالة على أن ما ذكره الشاعر هو تصوير لخياله وأمانيه وليس واقعا ، وكذلك يفعل الشعراء يصورون أحلامهم وأمانيهم وهو ما يجعلنا أن نستقبل الشعر كتجربة جمالية خيالية وليس واقعية ولا نحسبه محاسبة الواقع الأخلاقي المتعارف عليه .
فى نص بخطى مثالية كالفضيحة وهو النص الذى يحمله عنوان الديوان احتفاء بجسد المرأة وبأعضائها بصورة سريالية بامتياز/ هنا امرأة / حرفتها القنص / تمنيت لو أننى بقربكِ/ وأخذت عضوكِ المقدس/ فى جيبى / وجعلت منه نظارة / لا أرى بها سوى الضوء / ماذا لو اننى ذهبت إلى آخر الشوط/ ووضعت منديلا/ تحت إبطك/ وظللت أشمه /حتى تصير كتابتى عرقا .
فى نص عيناها خلف النقاب عزف آخر على ولع الذات الشاعرة بالمرأة فى كافة أشكالها وملابسها .
عيناها خلف النقاب عضوان منتصبان لها (دلالة جنسية)...
عيناها خلف النقاب/ مزهوَّتان كطواحين الهواء / تطحن أعمارا
ومواقيت ورهبانا وشيوخ وفتاوى/ ..أنا أجيد خلق الأورجازم ببطء
،على أن النص يظهرصوت المرأة (تقنية تعدد الأصوات)
أفضحُ صبوتك وراء نقابى/ وأفرُ إلى نفسى/ نفسى تنتقم لنفسى/ أنت جميل فى الأسر . على أن الشاعر يسعى لفك أسره من جسد امراة النقاب ويعتبر ذلك معركته الكبرى
خض معركة العمر" لفك الأسر" .
يذكر الشاعر بالنص أعلاما فى الفن والادب والشعر وهم الثنائى اناييس نين وهى كاتبة أمريكية من أصل أسبانى عاشت حياة بوهيمية مع الروائى هنرى ميلر وهو كاتب أمريكى والثنائى الفرنسى سيمون وسارتر وحلمى سالم وهؤلاء الكتاب لهم مؤلفات إيروتيكية معروفة ، وعزمى وملاكه الرجيم ربما يقصد به الشاعر عزمى عبد الوهاب وديوانه بعد خروج الملاك مباشرة ، وهناك تناقض بين لفظى الملاك الرجيم فالرجيم من صفات الشيطان ويمكن تأويلها بالشعر، كما يذكر الشاعر العربى (أبو العلاء المعرى) وهوشاعر زاهد فلماذا ذكره الشاعر ضمن هؤلاء الادباء ، ربما لأنه كان شاعرا متمردا على نفسه وعصره فاتفق معهم فى صفة التمرد ، كذلك ذكر المجاهد عمر المختار فى نصه (عمر) وهو مجاهد يحمل صفات التمرد ضد أعدائه الايطاليين المحتلين لبلاده ، وكذلك عبد القدير خان عالم الفيزياء النووية الباكستانى الشهير ويطلق عليه أبو القنبلة النووية الباكستانية ، ونيتشه وابن حزم ( له كتاب طوق الحمامة فى الألفة والألاف) فى دراسة الحب ومظاهره وأسبابه
بالديوان تناصات قرآنية وشعرية ، منها خلق الإنسان فى كبد تناص مع الآية القرآنية " لقد خلقنا الإنسن فى كبد" من سورة البلد ، و فجرنا البحر عيونا تناص مع الآية " وفجرنا الارض عيونا" من سورة القمر وغير بعيد التشاكل اللفظى بينها وبين عيون المرأة خلف النقاب ، وبنص عمر تناص مع الآية " فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " من سورة ق وجاءت فى سياق / وحينما يدركنا الفناء /سنعرف/حيث لا فائدة من الجهل / ولارجاء من المعرفة/ ، كذلك هناك تناص مع عبارة (هل ضممت إليك ليلى ) فهى تتناص مع شطر بيت قيس بن الملوح " بربك هل ضممت إليك ليلى" .
يختتم الديوان بثلاثة نصوص قصيرة الأول (من الآن فصاعدا) منذ أن التصق فخذانا/ فى عربة الرجل الغريب/ منذ زواجك المريب/ وطلاقك الأشد ريبة / سفرك المفاجئ / وعودتك منتقبة كارهة للرجال/ منذ القيامة/منذ كثير جدًا/ حار رجل فى قصيدة / وأتمها / والنص وجيز مكثف العبارة به مساحات فارغة فى حاجة إلى خيال القارئ ليملأ تلك المساحات وبذلك يشرك الشاعرُ القارئَ فى بناء النص كما يوجد بالنص تقنيات القطع والمونتاج وهى تقنيات سينمائية استخدمها الشاعربالنص فأكسبته دهشة وحضورا وجمالا .
والنص القصيرالثانى هو (وإلى حين) /لست أب اعترافك / وصلنا إلى ذروة / أوشكنا / لم نصل ولم نحاول / ولم نفكرحتى/ وإلى حين إصابة الهدف/ ليس معى غيرى /لأعبر محنة الرجاء .
بالنص غموض فنى وله شكل المنولوج أوالحديث مع النفس ويحمل أوجه كثيرة من الشك وصلنا – لم نصل – لم نحاول ، فهو يحتاج بلا شك إلى خيال القارئ ليملأ الفراغات الزمنية بين النص ومسترجعا علاقته مع رفيقته .
والنص القصير الثالث بعنوان زجاج / أيها الزجاج / أنا أكرهك .../وليس لأنك شفاف وسطحى / وبلا عمق / ..وليس لان القاتل –دائما- له عينان زجاجيتان/ كذلك اللص والكذاب وبعض العاهرات /..أيها الزجاج / أنا أكرهك وفقط .
بدأ النص بالنداء وهو أسلوب إنشائى يفيد تشخيص الزجاج يعقبها جملة خبرية وهى أنى أكرهك وانتهى النص بنفس العبارة النداء والجملة الخبرية التى بدأ بها ومن ثم فاسلوب النص دائري ومن خلاله صور كراهيته لصفات رآها فى الزجاج كالسطحية وعدم العمق حين تكون فى الاشخاص وكذلك يشبه عيون اللصوص والكذابين وبعض العاهرات بالزجاج (اللامبالاة) ولذلك يكرههم ، كذلك لأن أصل الزجاج رمل من الصحراء وهى موطن الذئاب والحيات والمكارين الخبثاء والبدو قساة القلوب وينفى الشاعر كرهه للزجاج لهذه الأسباب المذكورة إلا أن المفهوم من سياق النص يؤكد كراهية هذه الصفات عندما تتوافر فى الاشخاص والكائنات .
بالديوان شغف بالفنون وخاصة السينما والأفلام الشعبية التى ينتصر فيها البطل مهما كثر أعداءه فيقول /أحب قصص الانتقام / وحكايات الثأر / والبطل الذى ينتفض فجأة /ليقهر أعداءه / دون تراكم يؤدى إلى هذا النصر / لكنه ينتصر / لأنه البطل / ولن المخرج يريد ذلك / وأنا والجمهور/ كم توحدت معه فى الأفلام .ص55 ، كما به شغف بفن البورتريه والكاريكاتيرفيقول/ ارسم هلالين متقابلين / وافصل بينهما بخط أسود / وكور قطعتين من الفلين / وضع فى قلب كل واحد / نقطة سوداء / تخيل/ ثم تخيل ... واستمر .
هناك اشارات وجودية فى بعض نصوص الديوان منها على سبيل المثال / أنا مصطفى عبادة / اقولها دائما لمن أحب / منهشا اعرف / لكنه فى الحقيقة لا يعرف / حياتنا تحجبنا / ولما يُكشف الغطاء / يعرفوننا الاصدقاء / فخاخنا الراضية .
وأخيرا كانت لغة الديوان لغة فصحى بسيطة وحديثة وغير تقليدية أستعملت عبارات وأدوات حديثة مثل الجيب شيروكى – اللاب – غرفة الدردشة – البال توك ( تطبيق لعقد دردشات ) – حمالة الصدر– فتحة الجيب - وقد نجح الشاعر فى استعمال هذه الكلمات والعبارت فى سياق شعرى بديع لم نجد أية غرابة فى استخدام هذه الكلمات والعبارات .
May be an image of text







Comment


Share

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى