يؤسس المتطرفون في الدين خطابهم المعادي للفنون عامة والنحت بالخصوص على ما يعتقدونه خطأ في أن الإسلام قد حرَم الإشتغال على هذا الضرب من النشاط الإنساني الصانع للفائدة والمتعة والجمال. وهم في هذا يأخذون من القرآن الآيات التي تكلمت عن الأنصاب التي حرَم الله استعمالها كما ورد في غير ما سورة وآية.
> "كمثال ما ورد في سورة المائدة الآية 90" . ولم ينتبه هؤلاء إلى أن مفهوم الأنصاب فترة نزول القرآن لم يكن له أية علاقة بهذا النوع الفني الذي نسميه اليوم بالفن التشكيلي "النحت". فالأنصاب التي تكلم عنها القرآن هي تلك التي ضربت حول الكعبة واستخدمت كأوثان للعبادة، وحتى القليل منها الذي كان موزعا في بيوت بعض أثرياء قريش، كان يستخدم للغرض نفسه، ولم يعرف في حدود ما قدمته لنا المصادر أن العربي في تلك الفترة قد استخدم المنحوتات لأغراض تشبه ما هي عليه أغراضها اليوم. وحتى أن هاته المنحوتات التي وجدت في بلاد العرب حينها لم تكن من ابداعات فنانين عرب من شبه الجزيرة العربية، بل إنهم جلبوها من بلاد الشام المنفتحة على حضارة اليونان القديمة. وتعرف أسماء الأشخاص الذين قاموا بذلك، ومنهم على سبيل المثال عمر بن لحي الخزاعي وكان من أعيان قريش. فقد ذهب للشام بحثا عن دواء لمرض ألمَ به فوجد الناس في تلك البلاد يتعبدونها. فسأل عن الفائدة من هاته الأنصاب، فأجابه أهل الشام بأنهم يستسقون بها ويستنصرون بها على العدو ولها أدوار أخرى ووظائف. فأخذ الرجل بعضها ونصبها حول الكعبة حين عودته إلى بلاده.
> تلك هي الأنصاب التي ذكرها القرآن ومنع تداولها وحرَم عبادتها، وقد ذكرت على نفس الشاكلة في التوراة. فقد جاء في سفر الخروج الإصحاح 20 الكلام التالي: " لا تضع لك تمثالا منحوتا ولا صورة ما مما هو في السماء من فوق، وما هو في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض. لا تجسد لهن ولا تعبدهن. لأني أنا الرب إلهك..."
> فالتحريم الذي طال الأنصاب في كل الأديان تقريبا لحقها من فعل العبادة لا من كونها فنونا جميلة تسدي خدمات جليلة للبشر. وقد انتبه علماء دين كثر إلى هذه المسألة ومن هؤلاء الإمام محمد عبده الذي ورد على لسانه : " إن الشريعة الإسلامية هي أبعد من أن تحرَم وسيلة من أفضل وسائل الفن والعلم، بعد أن تحقق أنه لا خطر منها على الدين لا من جهة العقيدة ولا من جهة العمل". أما عن اعتماد الطابع التجريدي للفن الإسلامي كحجة ودليل على منع الإسلام للتجسيم في الفن، فكلام تنقصه بعض الإحاطة العلمية في تصورنا. فتاريخ الفن الشرقي عموما قبل مجيء الديانات وما بعدها كان له هذا الطابع الخاص وذلك لأسباب ثقافية شرقية يطول الكلام فيها، فنظرة سريعة للفن الفارسي والعراقي وحتى فنون شمال إفريقيا القديمة تبين أنها فنونا للمنمنمات والزخارف، والتجسيم فيها قليل الحدوث. ولكن هذا لا يعني البتة أن الفنون الإسلامية لم تخرج عن هذا الإطار التجريدي القديم، فكثير من المنحوتات وصور البشر والكائنات الحية الأخرى ظهرت في كثير من المواقع والمدن التي بنت مجد حضارة المسلمين. ولنا في الأندلس وبلدان أخرى والكثير من قصور الأمراء والملوك شواهد على ما نقول.
د. عمر بوساحة ( الجزائر)
> "كمثال ما ورد في سورة المائدة الآية 90" . ولم ينتبه هؤلاء إلى أن مفهوم الأنصاب فترة نزول القرآن لم يكن له أية علاقة بهذا النوع الفني الذي نسميه اليوم بالفن التشكيلي "النحت". فالأنصاب التي تكلم عنها القرآن هي تلك التي ضربت حول الكعبة واستخدمت كأوثان للعبادة، وحتى القليل منها الذي كان موزعا في بيوت بعض أثرياء قريش، كان يستخدم للغرض نفسه، ولم يعرف في حدود ما قدمته لنا المصادر أن العربي في تلك الفترة قد استخدم المنحوتات لأغراض تشبه ما هي عليه أغراضها اليوم. وحتى أن هاته المنحوتات التي وجدت في بلاد العرب حينها لم تكن من ابداعات فنانين عرب من شبه الجزيرة العربية، بل إنهم جلبوها من بلاد الشام المنفتحة على حضارة اليونان القديمة. وتعرف أسماء الأشخاص الذين قاموا بذلك، ومنهم على سبيل المثال عمر بن لحي الخزاعي وكان من أعيان قريش. فقد ذهب للشام بحثا عن دواء لمرض ألمَ به فوجد الناس في تلك البلاد يتعبدونها. فسأل عن الفائدة من هاته الأنصاب، فأجابه أهل الشام بأنهم يستسقون بها ويستنصرون بها على العدو ولها أدوار أخرى ووظائف. فأخذ الرجل بعضها ونصبها حول الكعبة حين عودته إلى بلاده.
> تلك هي الأنصاب التي ذكرها القرآن ومنع تداولها وحرَم عبادتها، وقد ذكرت على نفس الشاكلة في التوراة. فقد جاء في سفر الخروج الإصحاح 20 الكلام التالي: " لا تضع لك تمثالا منحوتا ولا صورة ما مما هو في السماء من فوق، وما هو في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض. لا تجسد لهن ولا تعبدهن. لأني أنا الرب إلهك..."
> فالتحريم الذي طال الأنصاب في كل الأديان تقريبا لحقها من فعل العبادة لا من كونها فنونا جميلة تسدي خدمات جليلة للبشر. وقد انتبه علماء دين كثر إلى هذه المسألة ومن هؤلاء الإمام محمد عبده الذي ورد على لسانه : " إن الشريعة الإسلامية هي أبعد من أن تحرَم وسيلة من أفضل وسائل الفن والعلم، بعد أن تحقق أنه لا خطر منها على الدين لا من جهة العقيدة ولا من جهة العمل". أما عن اعتماد الطابع التجريدي للفن الإسلامي كحجة ودليل على منع الإسلام للتجسيم في الفن، فكلام تنقصه بعض الإحاطة العلمية في تصورنا. فتاريخ الفن الشرقي عموما قبل مجيء الديانات وما بعدها كان له هذا الطابع الخاص وذلك لأسباب ثقافية شرقية يطول الكلام فيها، فنظرة سريعة للفن الفارسي والعراقي وحتى فنون شمال إفريقيا القديمة تبين أنها فنونا للمنمنمات والزخارف، والتجسيم فيها قليل الحدوث. ولكن هذا لا يعني البتة أن الفنون الإسلامية لم تخرج عن هذا الإطار التجريدي القديم، فكثير من المنحوتات وصور البشر والكائنات الحية الأخرى ظهرت في كثير من المواقع والمدن التي بنت مجد حضارة المسلمين. ولنا في الأندلس وبلدان أخرى والكثير من قصور الأمراء والملوك شواهد على ما نقول.
د. عمر بوساحة ( الجزائر)