حمدى عبدالعزيز - الحوار الوطنى والحركة المدنية المصرية بين الشروط والإستجابة

منذ إعلان الرئيس المصرى فى حفل الإفطار الرمضانى المعروف باسم إفطار الأسرة المصرية فى إبريل من هذا العام عن نية السلطة إجراء حوار وطنى فى حضور منافسه الأسبق وقطب المعارضة المعروف حمدين صباحى وآخرين تمت دعوتهم على مائدة هذا الإفطار ..

منذ هذه اللحظة انشغلت النخب والقوى السياسية المصرية المتوزعة مابين نخب وقوى وتنظيمات المولاة وبين نخب وقوى المعارضة الوطنية الديمقراطية بفصائلها اليسارية والقومية والليبرالية بالتفاعل مع الدعوة التى أطلقها الرئيس المصرى ، وكانت البداية بإعلان القيادى الناصرى حمدين صباحى مبدئيا عن ترحيبه الشديد بالدعوة ، مثمنا مبادرة الرئيس ثم تلى هذا بيان الحركة المدنية المصرية وهوالبيان أحزاب الكرامة – التحالف الشعبى الإشتراكى – حزب المحافظين – حزب الدستور – حزب الوفاق القومى – حزب العيش والحرية – بالإضافة للحزب الإشتراكى المصرى الذى كان قد تحفظ فى البداية على الدعوة ثم قبلها بتوقيعه على بيان الحركة الذى شهد حدث التحاق الحزب الإشتراكى المصرى بالحركة المدنية الديمقراطية المصرية بعد أن ظل لسنوات منذ تأسيسها متحفظا على فكرة الإنضمام لها ..

فى بيان 8 مايو 2022 الذى سجلت فيه أحزاب الحركة المدنية والقوى والشخصيات والأحزاب المتضامنة معها موقفها الرسمى المبدئى من دعوة الحوار المدنى ، وأعلنت عن موافقتها على الإنضمام لمائدة الحوار المدنى مبدية أسباب قبولها لدعوة السلطة تحت مبرر أنه (من منطلق المسئولية أمام الشعب، وحرصًا على مصالح الوطن، واحترامًا للدستور وعملًا على تفعيله روحًا ونصًا، وإدراكًا لحجم الأزمة الكبرى التي تمثل تهديدًا خطيرًا لحاضر البلد ومستقبله، وسعيًا للوصول إلى خطة وطنية شاملة تضع مصر على الطريق الصحيح الذي تستحقه وتقدر عليه)

ويبدو أن الحركة المدنية قد ذهبت بعيدا فى رؤيتها للدعوة حينما صاغت ضمن مسوغات موافقتها جملة (باعتبار أن الحوار هو مسار لاكتشاف فرص التوافق، ومن أجل تحسين شروط الحياة الاجتماعيه والسياسية في الوطن) فالحركة ذهبت بتفاؤلها وآمالها فى الحوار مع السلطة الحاكمة لدرجة أن اعتبرته يمكن أن يصل بهما إلى (مسار لاكتشاف فرص التوافق) واشترطت الحركة أنه حتى تتم تهيئة الأجواء للحوارفإنه يجب يتم الإفراج عن سجناء الرأى والتعبير المدنى الديمقراطى أو كما جاء نصا ببيان الحركة (ومع التأكيد على مسئولية هذه السلطة -الآن- في رفع الظلم عن جميع سجناء الرأي باعتبار أن ذلك حق لهم وأسرهم وأحبائهم، بل إنه حق لمصر التي أرق ضميرها هذا الوجع، فضلًا عن أنه إشارة لازمة على الجدية في اعتبار هذا "الحوار السياسي" .. )
كذلك وضعت الحركة فى بيانها سبعة شروط إجرائية لمشاركتها فى الحوار ، وبغض النظر عن أن السيد حمدين صباحى قطبها الأبرز ومتحدثها الرسمى فى هذا الوقت تحدث لاحقا على هذا البيان وقال أن الحركة لم تضع شروط أمام السلطة بل وضعت هذه الشروط على نفسها كمقتضيات للحوار إلا أن بيان 8 مايو بوصفه الورقة السياسية التى صاغت فيها الحركة رؤيتها للحوار ومبررات دخولها العملية التفاوضية مع أجهزة السلطة من أجل إنجاح الحوار قد نص صراحة على أن النقاط السبعة هى شروط سبعة للإنخراط فى الحوار بنص ماجاء فى البيان كتالى (يؤكد الموقعون على هذا البيان أنهم لكي يشاركوا في هذا الحوار فإنه لابد أن يكون جادًا وحقيقيًا وأن ينتهي لنتائج عملية توضع مباشرةً موضع التنفيذ، وهو الأمر الذي يستلزم في رأينا عددًا من الضوابط الإجرائية والموضوعية التي تساعد على جعله وسيلة لانقاذ الوطن وحل مشكلاته لا مجرد تجميل للواجهة.. وفي مقدمتها ..... إلخ)

ولعلنا هنا نحاول عقد مقاربة بين الشروط التى تقدمت بها الحركة المدنية ومدى الإستجابة لها كالتالى :

الشرط الأول
أن يكون الحوار تحت مظلة رئيس الجمهورية
وكان قرار السلطة هو إسناد مسئولية إدارة الحوار الوطنى للأكاديمية الوطنية للتدريب وتعيين السيد ضياء رشوان نقيب الصحفيين ورئيس الهيئة المصرية لإستعلامات منسقا عاما للحوار الوطنى وهو ماعبرت زعامات الحركة المدنية بالإرتياح لتعيينه فى حين تحفظت على مساعده ثم قبلته ضمنا فيما بعد عنما اصدرت بيانها الصحفى الصادر فى 4 يوليو 2022 عندما جاء فيه (الحركة المدنية الديمقراطية تؤكد أن تشكيل أمانة الحوار الوطني قد استوفى إلى حد مُرضٍ ما أُتفق عليه، وحقق توازنا من الضروري ومطلوب بين ممثلي السلطات والمعارضة، ويعلن ممثلو الحركة المدنية في أمانة الحوار الوطني التزامهم بمواقف الحركة وتوجهاتها، وأكدت الحركة من ناحيتها على أن الاجتماع الذي دعى إليه السيد/ ضياء رشوان -منسق الحوار الوطني للأمانة العامة للحوار- غدا الثلاثاء ٥ يوليو هو جزء من الخطوات التمهيدية للبدء في الحوار ..)

الشرط الثانى
أن يجرى الحوار بين عدد متساو يمثل المعارضة يقابله عدد متساو يمثل السلطة وموالاتها وحددت الحركة المدنية هنا مفهوم المعارضة ب(المعارضة التي لم تكن جزءً من تلك السلطة ولا شريكًا لها وعبرت بوضوح خلال السنوات الماضية عن رفضها للسياسات المتبعة والاجراءات المتخذة وطلبت علنًا تغييرها)

وبالرغم من الرضا الذى اعلنته الحركة المدنية فى تصريحها الصحفى المذكور عن التوازن المتحقق بين السلطة وفى المعارضة فى أمانة الحوار إلا أن المتفحص للامر سيجد ان الأمر فى ظاهره قريبا من التوازن من حيث عدد المحسوبين تنظيميا على المعارضة (طبقا لتحديد الحركة المدنية لمفهوم المعارضة من جهة وبين المحسوبين عضويا ووظيفيا على السلطة لكن عدد المستقلين شكلا عن السلطة عن الأحزاب وهم الأكثرية الساحقة سواء فى الأمانة العامة للحوار ومسئولى المحاور ومقررى اللجان ومساعديهم ويعرف جميع من خبر الحياة السياسية المصرية أن باب المستقلين هو الباب الذى تراهن عليه السلطة دائما فى حسم معاركها وتحقيق أغلبيتها منذ أن كان الحزب الوطنى المنحل بفعل ثورة 25 يناير 2011 يلحق بصفوفه عشرات النواب المستقلين ليحقق بهم اغلبيته البرلمانية عوضا عن أعضائه الظاهرين الذين كان الناخبين يسقطونهم خصوصا فى مدن مصر الكبرى التى كان يصعب فيها التزوير ، وهناك دليل صارخ على هذا الكلام حينما نكتشف أن أسماء كانت بارزة فى لجنة سياسات الحزب الوطنى قد اتخذت مواضعها داخل تشكيلات إدارة الحوار الوطنى مثل الدكتور على الدين هلال والدكتور صفى الدين خربوش والدكتور حسام بدراوى الذى اصبح مستشارا للأمانة العامة للحوار مؤخرا كما لوكان الحوار الوطنى فرصة لإعادة بعث وإحياء وتلميع وجوه ساهمت فى إدارة أسوء مرحلة فى تاريخ مصر هذا بخلاف مجموعات أخرى مستقلة من حيث الشكل ومن حيث المضمون فهى من خلال انشطتها وافكارها المعلنة تصطف ضمن صفوف المولاة مما يجعلنا نتساءل عن طبيعة مفاوضات الحركة المدنية وعن طبيعة الأوراق التى حملها ممثلوا الحركة فى حقائبهم التفاوضية وعن حقيقة ماتراه من (الوطني قد استوفى إلى حد مُرضٍ ما أُتفق عليه، وحقق توازنا من الضروري ومطلوب بين ممثلي السلطات والمعارضة)

كذلك فإنه على العكس من تحديد الحركة المدنية لمفهوم المعارضة بأنها التي لم تكن جزءً من تلك السلطة ولا شريكًا لها وعبرت بوضوح خلال السنوات الماضية عن رفضها للسياسات المتبعة والاجراءات المتخذة وطلبت علنًا تغييرها كأساس للتوازن على مائده الحوار الوطنى إلا أن مجريات الأمور قد جرت عكس ذلك تماما فاصبح توزيع المقاعد فى اغلبيته لأحزاب المولاة التى تسمى نفسها معارضة عند اللزوم (احزاب القائمة الوطنية التى دخلت البرلمان فى قائمة موحدة تحت قيادة حزب مستقبل وطن) بالإضافة إلى عشرات الأحزاب ومئات الشخصيات التى ستحتل مقاعدها داخل الحوار استنادا إلى إعلان أمانة الحوار بأن الحوار مفتوح لجميع الأحزاب والشخصيات طالما لها مقترحات وطالما لم تكن مندرجة تحت مسمى جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية مع العلم أن استبعاد جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية من هذا الحوار هو أمر مسلم به من قبل الحركة المدنية ومن قبل السلطة أيضا وهو أمر منطقى جدا فى ظل الرفض العام للجماعة وفى ظل أنه من المعروف أن جماعات الإسلام السياسي لم تكن يوما إلاجماعات دم أو إرهاب دينى أو فكرى .

الشرط الثالث
أن ينطلق الحوار فى الأيام القليلة المقبلة ، على أن يستمر حتى صياغة النتائج النهائية والاتفاق على برنامج واضح لكيفية ومواعيد تنفيذها، وأن يجرى كل ذلك تحت سمع وبصر الشعب عبر بث الجلسات من خلال وسائل الإعلام المتنوعة ..

والأيام القليلة وفقا لبيان الحركة المدنية فى 8 مايو والذى يبدو أنه كتب وسط آمال عريضة وخيال سياسي جامح يقوده التفاؤل الذى غض بصره تماما عن تجارب الحوارات السابقة ومآلاتها ودروس التاريخ الذى يبدأ من ورقة أكتوبر 1974 مرورا بمؤتمر الإصلاح الإقتصادى فى بدايات عهد مبارك انتهاء حت بالحوارات التى دعت لها سلطة الإخوان المسلمين وعقدت منها بالفعل بعض الجلسات فى بعض محافظات الجمهورية .. الأيام القليلة لم تكن تعنى شهور فكما عبرت الحركة فى نفس البيان (، فالوقت ملك الوطن الذي تتعقد أزماته والشعب الذي تتدهور)
وحتى تاريخ كتابة هذه السطور فلم تعقد جلسة واحدة للحوار الوطنى الحقيقي ولم ترسل الدعوات للعديد من احزاب الحركة المدنية بل كل ماتم خلال الخمسة أشهر التى أعقبت الإعلان عن الحوار هو جلسات اجرائية لمجلس الأمناء وتشكيل الأمانات والمحاور ثم اللجان فاللجان المنبثقة ثم اختيار مقررى اللجان والمقررين المساعدين وهكذا وهو أمر يفتح أبواب الأسئلة عن مدى جدية السلطة فى الحوار ومدى تعاملها مع عنصر الوقت وتوظيفه فى صالح تفريغ الطاقات وانهاك قوى المعارضة الحقيقية ولفت الأنظار عن الدوافع الحقيقية لتوظيف شكلانية الحوار كخطاب للإستهلاك الخارجى المرتبط بمفاوضات صندوق النقد الدولى (مع ملاحظة أن الدعوة للحوار قد أعقبت بشكل مباشرتقديم طلب الحصول على قرض صندوق النقد الدولى فى مارس 2022 ) كذلك توازيا مع مساعى استضافة مؤتمر المناخ الدولى وذلك خلال الفترة من 7 نوفمبر - 18 نوفمبر 2022 والذي سيقام بمدينة شرم الشيخ ..


الشرط الرابع
تتشكل أمانة فنية مسئولة عن الإعداد للحوار وإدارته وصياغة مخرجاته وكتابة تقرير ينشر دوريًا على الرأي العام بما تم إنجازه مما اتفق عليه وما لم يتم وأسباب ذلك والمسئول عنه، وهو المطلب الإجرائى الذى تحقق من الناحية الشكلية فقد تم الإعلان عن الأمانات واللجان الفنية للحوار وأن غاب شرط مناصفة الحكومة والمعارضة كما أوضحنا سلفا ،

الشرط الخامس
كذلك مايتعلق بالشرط الخامس كشرط فنى اجرائى طبيعى يقتضى تجميع الأفكار والمقترحات والدراسات والمشروعات التي يقدمها الموقعون على هذا البيان وغيرهم ممن يشاء من الجهات والخبراء المصريين للأمانة الفنية المسئولة من جانبها عن وضع جدول الأعمال وتقسيم الجلسات وتوزيعها على المحاور بحسب الأولويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحقوقية،

أما فيما يتعلق بموضوعات الحفاظ على الأمن القومي المصري بمفهومه الشامل، وصياغة رؤية استراتيجية للتعامل مع القضايا الوطنية والقومية والإقليمية فهى خارج الحوار تماما وقد تم الاقتصار على المحاور السياسية والاقتصادية والإجتماعية والحقوقية وهذا يطرح تساؤلات حول عدم اتساع جدول أعمال الحوار لمناقشة قضية وجودية تتعلق بقضية مياه نهر النيل وسد النهضة كذلك حول غياب النقاش حول قضايا السياسة الخارجية وصياغة العلاقات العربية والشرق أوسطية والإقليمية والدولية بناء على المصالح العليا للشعب المصرى

الشرط السادس
وهكذا استقرت البنود المقترحة من الحركة الوطنية مع استبعاد بند لايمكن استبعاده من المناقشات وهو بند (هـ- الأمن القومي والمصالح الوطنية)

الشرط السابع
وهو بند يتعلق بتفعيل مخرجات الحوار وينص على (وكذا حتى إذا ما تم الاتفاق على التوصيات النهائية في صورة تعديلات تشريعية أو اجراءات تنفيذية كان ذلك بمشاركتهما كجهتي اختصاص ما يعني التزامًا أدبيًا بالتنفيذ الأمين لما تم التوافق بشأنه) وهو تصور رغم أنه يبدو منطقيا فى طرحه إلا أننا الآن يمكننا القول بأن الحركة قد أفرطت فى بناء الآمال وتصوراتها الخاطئة لأسقف عملية الحوار وهو تصور لايضع فى اعتباره ميراث السلطة فى مصر مع قضايا الحوار بحيث تكون مخرجات الحوار دائما موضوع التفاف من السلطة .. بل أن عملية الحوار برمتها ماهى إلا محاولة لإدارة أزمة فشل السياسات الإقتصادية التى تصر السلطة عليها أيا كانت مخرجات الحوار إن تحقق ودارت عجلته الفعلية إلا ولم تكن قد استبقت الحوار بإصدار وثيقة ملكية الدولة التى تؤكد على عزم الحكومة تخارج الدولة من قطاعات الإقتصاد وبيعها إلى المستثمرين وهذا مايتم الان تحديدا تحت غطاء صخب الحوار ..

___________________________
حمدى عبد العزيز
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

أعلى