أواصل ما بدأته الأسبوع الماضي حول ماكُتب هنا وهناك بعد رحيل بهاء طاهر، وتحديدا التعليقات التي تناولت جيل الستينيات بوصفه جيلا أغلب أبنائه من النمامين وكتاب التقارير وكارهي بعضهم البعض.
ولما كنتُ من الموجة التالية لهذا الجيل، وأنتمي لموجة السبعينيات، فأعتقد أن شهادتي حول ذلك الجيل ليست مجروحة. أود أولا أن ألفت النظر إلى أن ذلك الجيل مختلف، ويمكن بسهولة واستحقاق أن نطلق عليه ذلك الفظ : جيل.
من الواجب أن نضع في اعتبارنا أن تمرد وثورة وغضب الستينيات كان جزءا من حركة عالمية، وكان الطلاب والشباب عموما في ذلك العقد قد تمردوا على العالم الرأسمالي وتخلف المناهج وسيطرة وحوش الطبقات المستغلة. لم تندلع الثورة في فرنسا وحدها حيث احتل الطلاب الجامعات، ولا في الولايات المتحدة فقط حيث تزعم الفيلسوف العجوز هربرت ماركيوز تمرد الطلاب والشباب وأصدر كتابه الأشهر" الإنسان ذو البُعد الواحد"، وكذلك كتابه الأقل شهرة" نحو ثورة جديدة" وكلاهما تم ترجمتهما وصدرا عن دار الآداب اللبنانية في أواخر ستينيات القرن الماضي.
أما في مصر، فإن سيطرة نظام عبد الناصر وتنظيمه السياسي، والتي امتدت لعقود، كانت قد بدأت في الضعف والتراخي، ثم جاءت النكبة الكبرى والهزيمة المروعة في يونيو 1967 .
غني عن البيان أن الهزيمة لم تكن- على فداحتها- مجرد هزيمة عسكرية فقط، بل أيضا هزيمة للحكم المطلق والاستبداد والفساد السياسي. وكان شباب الستينيات قد بدأوا تمردهم بالكتابة ومختلف أشكال الإنتاج الفني قبل الهزيمة. ولم تكن مصادفة أبدا أن التمرد والغضب والتجديد لم يكن مقصورا على الإنتاج الأدبي، فقد تأسست على سبيل المثال جماعة السينما الجديدة، وكان المسرح( التابع للدولة، والحقيقة أنه لم يكن هناك شئ خارج عن سيطرة الدولة) تجاوز الخطوط الحمراء، وهو مايمكن قوله فيما يتعلّق بالفنون التشكيلية، وللمرة الأولى منذ عقود يخرج فنان هوالشيخ إمام عيسى برفقة أحمد فؤاد نجم من الحواري حرفيا، مصطدمين بالمؤسسة ومتجاوزين لها.
وقبل أن يمر عام واحد على الهزيمة، كان أبناء الستينيات الجالسين على مقهى ريش قد تجمعوا وبدأوا في التفكير في أول محاولة للاستقلال عن المؤسسة الرسمية في النشر، ولايمكن تصور حجم الخطوة التي بدأوها، إلا إذا ذكرتُ أن القسم الأعظم من النشر كان تابعا للدولة وتحت سيطرتها المباشرة، كما أن كل المجلات الشهرية والأسبوعية كانت تابعة للدولة مثل المجلة والفكر المعاصر والمسرح والسينما والكاتب.. وغيرها وغيرها.
وأضيف أن أبناء الستينيات لم يكن لديهم مشاكل شخصية في النشر وأغلبهم مُرحّب بهم، سواء في المجلات المصرية أو اللبناني وخصوصا مجلة الآداب البيروتية، لذلك فإن اختيارهم للاستقلال من خلال مجلة لهم وحدهم يديرونها وينشرون فيها ما يريدون، يكتسب قيمة مضاعفة.
وهكذا بدأ التفكير والإعداد لمجلة" جاليري 68 " من مقهى ريش. نظّموا حملة تبرعات من بعضهم البعض، وتبرع كل من نجيب محفوظ ويوسف إدريس بخمسين جنيها، وهو مبلغ له قيمته آنذاك، كما بادر الفنانون التشكيليون من أجيال مختلفة في الإعداد لمعرض لأعمالهم، وخصصت حصيلة البيع للمجلة الوليدة..
في العدد القادم إذا امتد الأجل أواصل شهادتي..
ولما كنتُ من الموجة التالية لهذا الجيل، وأنتمي لموجة السبعينيات، فأعتقد أن شهادتي حول ذلك الجيل ليست مجروحة. أود أولا أن ألفت النظر إلى أن ذلك الجيل مختلف، ويمكن بسهولة واستحقاق أن نطلق عليه ذلك الفظ : جيل.
من الواجب أن نضع في اعتبارنا أن تمرد وثورة وغضب الستينيات كان جزءا من حركة عالمية، وكان الطلاب والشباب عموما في ذلك العقد قد تمردوا على العالم الرأسمالي وتخلف المناهج وسيطرة وحوش الطبقات المستغلة. لم تندلع الثورة في فرنسا وحدها حيث احتل الطلاب الجامعات، ولا في الولايات المتحدة فقط حيث تزعم الفيلسوف العجوز هربرت ماركيوز تمرد الطلاب والشباب وأصدر كتابه الأشهر" الإنسان ذو البُعد الواحد"، وكذلك كتابه الأقل شهرة" نحو ثورة جديدة" وكلاهما تم ترجمتهما وصدرا عن دار الآداب اللبنانية في أواخر ستينيات القرن الماضي.
أما في مصر، فإن سيطرة نظام عبد الناصر وتنظيمه السياسي، والتي امتدت لعقود، كانت قد بدأت في الضعف والتراخي، ثم جاءت النكبة الكبرى والهزيمة المروعة في يونيو 1967 .
غني عن البيان أن الهزيمة لم تكن- على فداحتها- مجرد هزيمة عسكرية فقط، بل أيضا هزيمة للحكم المطلق والاستبداد والفساد السياسي. وكان شباب الستينيات قد بدأوا تمردهم بالكتابة ومختلف أشكال الإنتاج الفني قبل الهزيمة. ولم تكن مصادفة أبدا أن التمرد والغضب والتجديد لم يكن مقصورا على الإنتاج الأدبي، فقد تأسست على سبيل المثال جماعة السينما الجديدة، وكان المسرح( التابع للدولة، والحقيقة أنه لم يكن هناك شئ خارج عن سيطرة الدولة) تجاوز الخطوط الحمراء، وهو مايمكن قوله فيما يتعلّق بالفنون التشكيلية، وللمرة الأولى منذ عقود يخرج فنان هوالشيخ إمام عيسى برفقة أحمد فؤاد نجم من الحواري حرفيا، مصطدمين بالمؤسسة ومتجاوزين لها.
وقبل أن يمر عام واحد على الهزيمة، كان أبناء الستينيات الجالسين على مقهى ريش قد تجمعوا وبدأوا في التفكير في أول محاولة للاستقلال عن المؤسسة الرسمية في النشر، ولايمكن تصور حجم الخطوة التي بدأوها، إلا إذا ذكرتُ أن القسم الأعظم من النشر كان تابعا للدولة وتحت سيطرتها المباشرة، كما أن كل المجلات الشهرية والأسبوعية كانت تابعة للدولة مثل المجلة والفكر المعاصر والمسرح والسينما والكاتب.. وغيرها وغيرها.
وأضيف أن أبناء الستينيات لم يكن لديهم مشاكل شخصية في النشر وأغلبهم مُرحّب بهم، سواء في المجلات المصرية أو اللبناني وخصوصا مجلة الآداب البيروتية، لذلك فإن اختيارهم للاستقلال من خلال مجلة لهم وحدهم يديرونها وينشرون فيها ما يريدون، يكتسب قيمة مضاعفة.
وهكذا بدأ التفكير والإعداد لمجلة" جاليري 68 " من مقهى ريش. نظّموا حملة تبرعات من بعضهم البعض، وتبرع كل من نجيب محفوظ ويوسف إدريس بخمسين جنيها، وهو مبلغ له قيمته آنذاك، كما بادر الفنانون التشكيليون من أجيال مختلفة في الإعداد لمعرض لأعمالهم، وخصصت حصيلة البيع للمجلة الوليدة..
في العدد القادم إذا امتد الأجل أواصل شهادتي..