يبدو عنوان الرواية ملغزا بعض الشئ ، ولكن بالمضى قدما فى قراءة الرواية نتبين أن البطل كان يعيش فى أزمة كبيرة ووجد ضالته فى الواقع الافتراضى عبر التواصل الاجتماعى مع أشخاص افتراضيين فربما للعنوان دلالة على أن الواقع الافتراضى هو بروفة لحياة كان يتمناها ويحقق فيها أحلامه ، كما كان الاهداء " إلى هذه الذاكرة الافتراضية التى تحاول أن تتحصن بقلاع الخيال بعيدا عن أعين القراصنة وتستجيب يصعوبة إلى برامح الإدخال " فكان الإهداء نوعا من الامتنان إلى الواقع الافتراضى الذى لجأ إليه البطل فى أزمته ، كما جاء غلاف الرواية موفقا إذ يصور شخصا منقلبا رأسه لأسفل وقدمه لأعلى( أزمة البطل ) وهناك سمكتان ( حلم البطل ) وخلفية حمراء( ربما تصور الواقع الافتراضى فى الرواية ) وعلامة الحب ( ربما تصور رومانسية البطل ) ، وتقع الرواية فى مائة وأربع وثلاثين صفحة عن دار ميتا بوك فى طبعتها الثالثة .
للوهلة الأولى يدرك قارئ الرواية أنه أمام رواية مختلفة تتناول أزمة بطل الرواية عند بلوغه سن الاربعين بل أزمة قطاع عريض من المجتمع عقب فشل ثورة يناير 2011 " منذ عام توقفت أحلامى ، واغتصبتنى الكوابيس ".
تقوم الرواية على التشظى فى السرد والحدث والشخصية ، فليس فى الرواية حدث تقليدى له بداية ووسط ونهاية بل نحن أمام أحداث متعددة وحكايات مختلفة على مدار الرواية ومن هنا قد تبدو صعوبة قراءة الرواية وغموضها ولكن بنهاية الرواية يستطيع القارئ أن يقوم بإعادة تركيب تلك الأحداث والشخصيات المتشظية وهى تقنية ( التشظى ) تزيد من فنية الرواية وتدفع الملل عن القارئ وتجعله يقظا ومنتبها ، كما كان لها طريقة مختلفة فى ترقيم الفصول إذ بدأت عشرة فصول برقم سالب -10،-9 وهكذا حتى يصل الى الصفر ثم يبدأ خمسة فصول +1 إلى +5 إلى فصل أخير بعنوان خاتمة لابد منها وهى طريقة – فى رأى – لا أجد لها دلالة مقنعة سوى الاختلاف فى الترقيم عن الروايات الاخرى وربما لا بأس بها .
برع الكاتب فى تصوير شخصية البطل بطريقة متشظية ، فلم يقدمها مكتملة مرة واحدة بل رسمها على مدار الرواية حتى نهايتها فبدأت الرواية عندما وصل البطل محمد حسين كامل سن الأربعين متزوج ولديه طفل وطفلة ، ويصفه فى موضع أخر بأنه مناضل وسبق أن حقق معه ودخل السجن كسجين سياسى وخرج بعد فترة من السجن ناقما ، وقد إشترك مع أخرين فى ثورة يناير ولما باءت بالفشل شعر بالخواء والفشل ، وقد نشأت بينه وبين بسمة علاقة حب رومانسية فاشلة لأنها متزوجة ولديها أطفال وتشكو زوجها العامل بالمناجم لأنه لم يقربها من عشر سنوات ، وكان هذا الفشل والاحباط من نصيب الشخصيات الأخرى بالرواية ، فمسعد الذى كان وطنيا ثائرا إذ به يزور السفارة الإسرائيلية ويطلب الحصول على فرصة عمل باسرائيل ، ومنهم من أصبح قوادا ، ومنهم من اصبحت عاهرة ومنهم من تعد لشنق نفسها ، ومن ثم أصبحت حياتهم بلا معنى أو هدف او قيم .
كان الواقع الافتراضى ركنا مهما فى الرواية واكتسب السرد سمات أسلوبية من هذا الواقع الافتراضى من حيث التكثيف والإيجاز والعبارات البراقة من الحِكم واستخدام أسماء افتراضية للجروبات والأشخاص مثل الهارب وحدى ، سيدة الأقمار السوداء وساحرة القلوب وجاءت عبارات الحِكم باللون الأسود الغامق ، وربما كان رغبة التلصص من أسباب استخدام تلك الأسماء الوهمية وإخفاء الشخصية الحقيقية ، كما كان الواقع الافتراضى زاخرًا بالحكايات التى أرضت شغف البطل " هنا تباع الحكايات بلا ثمن هنا فقط يمكنك أن تقايض حكايتك بحكاية مدهشة يمكنك أن تشترى عمرا جديدا يناسبك ، يمكنك أن تشارك فى تتويج ملكة باتت ليلة أمس مضربة عن العشاء لرفض زوجها شراء فستان جديد ، هنا يمكنك أن تتذوق حلوى ، أو تمنح امرأة هاربة من قسوة زوجها حضنا دافئًا .. يمكنك أن تتزوج لأسبوع أو لشهر ، يمكنك أن تتنكر وتمنح نفسك لقب شهيد قبل أن تتنكر فى زى طبيب أو مهندس أو ضابط ، كل ما عليك أن تحكم غلق الباب وتجلس وحيدا بينهم " ، وربما كانت حالة الإغتراب التى يعيشها البطل هى أحد الاسباب التى جعلته يلجأ الى وسائل التواصل الاجتماعى ويتواصل بمأمن مع تلك الأشخاص الوهمية والدخول فى حوار معها من خلال غرف الحوار(الشات) المتاحة على وسائل التواصل الاجتماعى كما أشبعت لديه لذة التلصص .
كانت الخرافة الشعبية هى إحدى الوسائل الأخرى التى لجأ اليها البطل للتغلب على أزمته والأوجاع والأشباح التى تسكن روحه فلجأ الى شيخ " تزين وجهه الأسود لحية بيضاء لطرد الشياطين التى تجرى فى جسمه" ،ومعالج روحانى " الذى تفرغ كل خميس يحضر ومعه ثلاثة رجال أشداء ، يقرأ القرآن بصوت ردئ ..ثم يطلب من رجال أن يقيدوا حركته لأنه تحت سيطرة الشيطان ، يصرخ , يركله فى بطنه ويظل يكرر هذا إلى أن ينام منكسرا ..تؤكد له (زوجته ) أنها سمعت الشيطان يتحدث بلسانه "ص28
حفلت الرواية بمشاهد جنسية متعددة فى مواضع كثيرة بالرواية ، وربما كانت أزمة البطل والشخصيات المأزومة الأخرى بالرواية هى عامل مهم فى هذه المشاهد كنوع من التعويض الذى يلجأ إليه الافراد فى أزماتهم فالشيخ الخمسينى الذى يتصل جنسيا بفتاة عشرينية والمرأة الخمسينية التى تتصل جنسيا بشاب ثلاثينى وهناك من يستغل الزحام بالميدان وغيرها من وسائل تعبر عن أزمة لديهم ص53 ، 67 ، 116 ، وغيرها .
شغلت ثورة يناير عدة مشاهد بالرواية ليست كثيرة ولكنها كانت ضرورية إذ بسبب فشلها كانت أزمة بطل الرواية وكذا كثير من شخصيات الرواية ، إلا أن الكاتب أسرف كثيرا فى تدوين شعارات حماسية من أربعة مقاطع شغلت صفحة ونصف ص120 و 121 فأثقلت الرواية ، وكان يكفى الإشارة الى شعار واحد من سطر أو سطرين .
كانت اللغة فى الرواية بالفصحى اليسيرة إلا أنها اتسمت بالقوة والجمال و بلغت فى بعض المواضع الى حد الشعرية والتعبيرية فى موضع آخر " يحاول أن يتخلص من النمل الذى يجرى فى الذراعين والرقبة محاولا أن يخرح من تجويف العينين " ، كمن أدرك فجأة أنه أصبح مثل عود كبريت منتهى الصلاحية لا يصلح لإشعال الحرائق ، نزل السلم المظلم ، توحد جسمه مع الظلام ، وكانت اللغة تعبيرية فى بعض المواضع عبرت بقوة عن الكابوس " اندفعت ناحية المقام (مسجد السيدة نفيسة ) الذى تقصده هاربة من رجال لهم رؤوس كلاب شرسة ، تجرى ، يطاردونها ن تجرى ، تسقط ، ينهشون لحم ثدييها ، مؤخرتها ، أشرسهم يمد رأسه بين فخذيها ، تقوم متعبة ، تشيح بقطعة قماش خضراء ونظيفة ، تجرى ... ترتمى على ظهرها بجوار المقام ، تفيق على يد من نور لسيدة شقراء تربت على ظهرها ، تستر جسدها المكشوف بثوب أخضر ..تهرب الكلاب " ص 88 ، والاستشهاد الأخير يبين بالإضافة الى اللغة التعبيرية ، المشهدية فى تصوير الحدث واستخدام الفعل المضارع لاستدعاء الحدث وكأنه مشهد تصويرى سينمائى وهى سمة فنية فى كثير من مواضع الرواية ، كان الحوار أيضا بالفصحى اليسيرة وباللهجة العامية وتأثر كثيرا بالفيس بوك حيث جاء مكثفا وبجمل قصيرة ، لان كثيرًا منها كان من خلال غرف الحوار(الشات) .
جاءت نهاية الرواية بها بعض الغموض عن نهاية البطل انتحاره أوعدم انتحاره - ونرجح انتحاره - وهى نهاية فنية بلا شك تخدم هدف الرواية وتشرك القارئ فى اختيار النهاية حسب فهمه وثقافته حيث نجد البطل يدخل الشرفة ويجلس على كرسى هزاز يستعيد بعض الأحداث الماضية ووجوه بعض الأشخاص منها حبيبته بسمة الى ذاكرته وهناك تداخل فى بعض الأحداث " فتاة ممدة على جسد الرصيف ، دماء تهرب فوق بلاط متسخ ، صوت يصرخ لسيدة تطلب المساعدة ، يختفى الصوت ببطء ، طفل يصرخ : بابا ! بكاء لطفلة يقطعه صراخ لطفلة أخرى صوتها ممصوص ، أياد تمتد إلى جسده المستسلم لبلاط الشرفة الباردة ، صوت احتكاك الكرسى الهزاز بالبلاط ، حاول أن يرفع رأسه قليلا ليراهم ، يلتقط أصواتهم التى بدأت تنسحب لتفسح المكان لصوت جهاز يصدر أصواتا منتظمة يحاول أن يتجاهلها ، لينام قليلا "
كما جاء الفصل الأخير بعنوان خاتمة لابد منها لا يضيف كثيرا إلى الرواية بل ربما ينتقص منها - ونراه زائدا - ، يتحدث فيه البطل بضمير المخاطب بعبارات هى أقرب الى المنولوج الداخلى يكتنفها النصيحة أو الحكمة مثل قبل أن تنسحب من معركة الحياة ، عليك أن تجرب لأسلحتك قبل أن يأكلها الصدأ..وهكذ حتى نهاية الفصل .
وأخيرا كانت الرواية تعبيرا عن أزمة بطل وقطاع كبير من الشباب عقب ثورة يناير جاءت مختلفة عن الروايات الأخرى من حيث السرد وتصوير الشخصيات ، استخدمت تقنية التشظى والمشهدية فى تصوير الأحداث ،كان الواقع الافتراضى أحد عناصرها الاساسية ، واللغة الفصحى اليسيرة الجميلة والمعبرة فكانت رواية حديثة بإمتياز جمعت بين المتعة والتصوير والجمال .
بقلم مصطفى فودة .
للوهلة الأولى يدرك قارئ الرواية أنه أمام رواية مختلفة تتناول أزمة بطل الرواية عند بلوغه سن الاربعين بل أزمة قطاع عريض من المجتمع عقب فشل ثورة يناير 2011 " منذ عام توقفت أحلامى ، واغتصبتنى الكوابيس ".
تقوم الرواية على التشظى فى السرد والحدث والشخصية ، فليس فى الرواية حدث تقليدى له بداية ووسط ونهاية بل نحن أمام أحداث متعددة وحكايات مختلفة على مدار الرواية ومن هنا قد تبدو صعوبة قراءة الرواية وغموضها ولكن بنهاية الرواية يستطيع القارئ أن يقوم بإعادة تركيب تلك الأحداث والشخصيات المتشظية وهى تقنية ( التشظى ) تزيد من فنية الرواية وتدفع الملل عن القارئ وتجعله يقظا ومنتبها ، كما كان لها طريقة مختلفة فى ترقيم الفصول إذ بدأت عشرة فصول برقم سالب -10،-9 وهكذا حتى يصل الى الصفر ثم يبدأ خمسة فصول +1 إلى +5 إلى فصل أخير بعنوان خاتمة لابد منها وهى طريقة – فى رأى – لا أجد لها دلالة مقنعة سوى الاختلاف فى الترقيم عن الروايات الاخرى وربما لا بأس بها .
برع الكاتب فى تصوير شخصية البطل بطريقة متشظية ، فلم يقدمها مكتملة مرة واحدة بل رسمها على مدار الرواية حتى نهايتها فبدأت الرواية عندما وصل البطل محمد حسين كامل سن الأربعين متزوج ولديه طفل وطفلة ، ويصفه فى موضع أخر بأنه مناضل وسبق أن حقق معه ودخل السجن كسجين سياسى وخرج بعد فترة من السجن ناقما ، وقد إشترك مع أخرين فى ثورة يناير ولما باءت بالفشل شعر بالخواء والفشل ، وقد نشأت بينه وبين بسمة علاقة حب رومانسية فاشلة لأنها متزوجة ولديها أطفال وتشكو زوجها العامل بالمناجم لأنه لم يقربها من عشر سنوات ، وكان هذا الفشل والاحباط من نصيب الشخصيات الأخرى بالرواية ، فمسعد الذى كان وطنيا ثائرا إذ به يزور السفارة الإسرائيلية ويطلب الحصول على فرصة عمل باسرائيل ، ومنهم من أصبح قوادا ، ومنهم من اصبحت عاهرة ومنهم من تعد لشنق نفسها ، ومن ثم أصبحت حياتهم بلا معنى أو هدف او قيم .
كان الواقع الافتراضى ركنا مهما فى الرواية واكتسب السرد سمات أسلوبية من هذا الواقع الافتراضى من حيث التكثيف والإيجاز والعبارات البراقة من الحِكم واستخدام أسماء افتراضية للجروبات والأشخاص مثل الهارب وحدى ، سيدة الأقمار السوداء وساحرة القلوب وجاءت عبارات الحِكم باللون الأسود الغامق ، وربما كان رغبة التلصص من أسباب استخدام تلك الأسماء الوهمية وإخفاء الشخصية الحقيقية ، كما كان الواقع الافتراضى زاخرًا بالحكايات التى أرضت شغف البطل " هنا تباع الحكايات بلا ثمن هنا فقط يمكنك أن تقايض حكايتك بحكاية مدهشة يمكنك أن تشترى عمرا جديدا يناسبك ، يمكنك أن تشارك فى تتويج ملكة باتت ليلة أمس مضربة عن العشاء لرفض زوجها شراء فستان جديد ، هنا يمكنك أن تتذوق حلوى ، أو تمنح امرأة هاربة من قسوة زوجها حضنا دافئًا .. يمكنك أن تتزوج لأسبوع أو لشهر ، يمكنك أن تتنكر وتمنح نفسك لقب شهيد قبل أن تتنكر فى زى طبيب أو مهندس أو ضابط ، كل ما عليك أن تحكم غلق الباب وتجلس وحيدا بينهم " ، وربما كانت حالة الإغتراب التى يعيشها البطل هى أحد الاسباب التى جعلته يلجأ الى وسائل التواصل الاجتماعى ويتواصل بمأمن مع تلك الأشخاص الوهمية والدخول فى حوار معها من خلال غرف الحوار(الشات) المتاحة على وسائل التواصل الاجتماعى كما أشبعت لديه لذة التلصص .
كانت الخرافة الشعبية هى إحدى الوسائل الأخرى التى لجأ اليها البطل للتغلب على أزمته والأوجاع والأشباح التى تسكن روحه فلجأ الى شيخ " تزين وجهه الأسود لحية بيضاء لطرد الشياطين التى تجرى فى جسمه" ،ومعالج روحانى " الذى تفرغ كل خميس يحضر ومعه ثلاثة رجال أشداء ، يقرأ القرآن بصوت ردئ ..ثم يطلب من رجال أن يقيدوا حركته لأنه تحت سيطرة الشيطان ، يصرخ , يركله فى بطنه ويظل يكرر هذا إلى أن ينام منكسرا ..تؤكد له (زوجته ) أنها سمعت الشيطان يتحدث بلسانه "ص28
حفلت الرواية بمشاهد جنسية متعددة فى مواضع كثيرة بالرواية ، وربما كانت أزمة البطل والشخصيات المأزومة الأخرى بالرواية هى عامل مهم فى هذه المشاهد كنوع من التعويض الذى يلجأ إليه الافراد فى أزماتهم فالشيخ الخمسينى الذى يتصل جنسيا بفتاة عشرينية والمرأة الخمسينية التى تتصل جنسيا بشاب ثلاثينى وهناك من يستغل الزحام بالميدان وغيرها من وسائل تعبر عن أزمة لديهم ص53 ، 67 ، 116 ، وغيرها .
شغلت ثورة يناير عدة مشاهد بالرواية ليست كثيرة ولكنها كانت ضرورية إذ بسبب فشلها كانت أزمة بطل الرواية وكذا كثير من شخصيات الرواية ، إلا أن الكاتب أسرف كثيرا فى تدوين شعارات حماسية من أربعة مقاطع شغلت صفحة ونصف ص120 و 121 فأثقلت الرواية ، وكان يكفى الإشارة الى شعار واحد من سطر أو سطرين .
كانت اللغة فى الرواية بالفصحى اليسيرة إلا أنها اتسمت بالقوة والجمال و بلغت فى بعض المواضع الى حد الشعرية والتعبيرية فى موضع آخر " يحاول أن يتخلص من النمل الذى يجرى فى الذراعين والرقبة محاولا أن يخرح من تجويف العينين " ، كمن أدرك فجأة أنه أصبح مثل عود كبريت منتهى الصلاحية لا يصلح لإشعال الحرائق ، نزل السلم المظلم ، توحد جسمه مع الظلام ، وكانت اللغة تعبيرية فى بعض المواضع عبرت بقوة عن الكابوس " اندفعت ناحية المقام (مسجد السيدة نفيسة ) الذى تقصده هاربة من رجال لهم رؤوس كلاب شرسة ، تجرى ، يطاردونها ن تجرى ، تسقط ، ينهشون لحم ثدييها ، مؤخرتها ، أشرسهم يمد رأسه بين فخذيها ، تقوم متعبة ، تشيح بقطعة قماش خضراء ونظيفة ، تجرى ... ترتمى على ظهرها بجوار المقام ، تفيق على يد من نور لسيدة شقراء تربت على ظهرها ، تستر جسدها المكشوف بثوب أخضر ..تهرب الكلاب " ص 88 ، والاستشهاد الأخير يبين بالإضافة الى اللغة التعبيرية ، المشهدية فى تصوير الحدث واستخدام الفعل المضارع لاستدعاء الحدث وكأنه مشهد تصويرى سينمائى وهى سمة فنية فى كثير من مواضع الرواية ، كان الحوار أيضا بالفصحى اليسيرة وباللهجة العامية وتأثر كثيرا بالفيس بوك حيث جاء مكثفا وبجمل قصيرة ، لان كثيرًا منها كان من خلال غرف الحوار(الشات) .
جاءت نهاية الرواية بها بعض الغموض عن نهاية البطل انتحاره أوعدم انتحاره - ونرجح انتحاره - وهى نهاية فنية بلا شك تخدم هدف الرواية وتشرك القارئ فى اختيار النهاية حسب فهمه وثقافته حيث نجد البطل يدخل الشرفة ويجلس على كرسى هزاز يستعيد بعض الأحداث الماضية ووجوه بعض الأشخاص منها حبيبته بسمة الى ذاكرته وهناك تداخل فى بعض الأحداث " فتاة ممدة على جسد الرصيف ، دماء تهرب فوق بلاط متسخ ، صوت يصرخ لسيدة تطلب المساعدة ، يختفى الصوت ببطء ، طفل يصرخ : بابا ! بكاء لطفلة يقطعه صراخ لطفلة أخرى صوتها ممصوص ، أياد تمتد إلى جسده المستسلم لبلاط الشرفة الباردة ، صوت احتكاك الكرسى الهزاز بالبلاط ، حاول أن يرفع رأسه قليلا ليراهم ، يلتقط أصواتهم التى بدأت تنسحب لتفسح المكان لصوت جهاز يصدر أصواتا منتظمة يحاول أن يتجاهلها ، لينام قليلا "
كما جاء الفصل الأخير بعنوان خاتمة لابد منها لا يضيف كثيرا إلى الرواية بل ربما ينتقص منها - ونراه زائدا - ، يتحدث فيه البطل بضمير المخاطب بعبارات هى أقرب الى المنولوج الداخلى يكتنفها النصيحة أو الحكمة مثل قبل أن تنسحب من معركة الحياة ، عليك أن تجرب لأسلحتك قبل أن يأكلها الصدأ..وهكذ حتى نهاية الفصل .
وأخيرا كانت الرواية تعبيرا عن أزمة بطل وقطاع كبير من الشباب عقب ثورة يناير جاءت مختلفة عن الروايات الأخرى من حيث السرد وتصوير الشخصيات ، استخدمت تقنية التشظى والمشهدية فى تصوير الأحداث ،كان الواقع الافتراضى أحد عناصرها الاساسية ، واللغة الفصحى اليسيرة الجميلة والمعبرة فكانت رواية حديثة بإمتياز جمعت بين المتعة والتصوير والجمال .
بقلم مصطفى فودة .