مجدي جعفر - رواية " الأزبكية " للكاتب ناصر عراق قراءة في الرؤية والتشكيل.

( 1 )

يستهل الكاتب روايته " الأزبكية " الفائزة بجائزة " كتارا – فئة الرواية المنشورة 2017م "، بحشد العديد من المقتبسات لوثائق تاريخية مهمة، جُلها من بداية الحملة الفرنسة والذي استمر احتلالها لمصر ثلاث سنوات وشهران ويوم واحد، وإلى ما بعد وصول محمد علي للحكم، هذه المقتبسات كثفها الكاتب في صفحات قليلة، نقلت القارئ قبل أن يقرأ الرواية إلى أجواء زمن الاحتلال الفرنسي من أول يوليو 1798م حتى الثاني من سبتمبر 1801م، وإلى الفترة التي تولى فيها محمد علي الحكم في 17 مايو 1805م، وبذلك بكون قد وضع القارئ في أجواء الفترة القلقة التي عاشتها البلاد في ذلك الوقت، وكانت هذه الاقتباسات بمثابة إضاءات للمتلقي، وإختيارات الكاتب الموفقة لهذه الوثائق أغنته أيضا عن السرد التاريخي والإسهاب في ذكر التفاصيل والمعلومات التاريخية، وكأنه أراد من البداية أن يخلص روايته من اللغو والثرثرة التاريخية، ونجا من شرك وفخاخ التاريخ وسطوته.

ولأن هذه الوثائق من اللبنات المهمة في بناء الرواية رغم أنها لا تندمغ في المتن الروائي بطريقة مباشرة، ولكنها مبثوثة على ألسنة الشخصيات، ونعدها من العتبات المهمة للولوج إلى عالم الرواية، ولذلك سنتوقف بإيجاز على أهم ما جاء بها.

1 - يوقفنا الكاتب في الوثيقة الأولى على أن حلم الفرنسيين لغزو مصر يعود إلى العام 1672م، أي قبل غزو نابليون لمصر ب ( 126 ) سنة، وينشر رسالة الفيلسوف الألماني ( ليبنتز ) إلى ملك فرنسا لويس الرابع عشر الذي يحثه فيها على ضرورة غزو مصر، ويعدد له المكاسب من هذا الغزو، بل يقترح الخطة وعدد الضباط والجنود والعدة والعتاد ... إلخ، فاحتلال مصر ستكون المدخل لاحتلال دول الشرق والسيطرة عليها، وإقامة المستعمرات بها والاستفادة من خيراتها الكثيرة.

2 - ينقل لنا الكاتب من خطبة نابليون لجنوده في ميناء طولون بفرنسا في 10 مايو 1798م يعد فيها جنوده بالمال الوفير والخير الكثير، وكل جندي سيعود من مصر ومعه ما يكفي لشراء ستة من الأفدنة على الاقل، وقد آن الآوان أن يحصلوا على ما يستحقونه، وأنه سيعوضهم عن أيام الفقر والعوز والحاجة التي عانوا فيها، وكانوا يضطرون إلى بيع ساعاتهم من أجل نفقاتهم الضرورية.

3 – نابليون مُخاطبا جنوده أيضا من مركز القيادة العامة على متن السفينة ( لوريان ) وهي تبحر في عرض البحر المتوسط في 12 يوليو 1798م :

( أيها الجنود .. ستقومون بغزوة سيكون لها أكبر الأثر على الحضارة والتجارة في العالم. وستكون أكبر ضربة توجه إلى إنجلترا في انتظار أن تقضوا عليها بالضربة القاتلة. ستكون المسيرة شاقة، وستخوضون العديد من المعارك، وسيكون النصر حليفنا لأن الأقدار في صالحنا. فالمماليك الذين يفضلون التجارة مع الإنجليز دون سواهم، والذين أمعنوا في إذلال مفاوضينا، واشتد طغيانهم على سكان النيل التعساء، سيصبحون بعد وصولنا ببضعة أيام أثرا بعد عين )

4 - عند دخول نابليون القاهرة في 24 يوليو 1798م يخاطب المصريين :

( يا شعب القاهرة .. كم أنا سعيد بسلوككم. لقد أحسنتم صنعا بعدم الانحياز ضدي، فما جئت إلا للقضاء على سلالة المماليك وحماية التجارة ومصادر البلاد الطبيعية. ليهدأ كل من كان بنفسه خوف، وليعُد كل من خرج إلى منزله، ولتُقم الصلاة اليوم كما هي العادة، وكما أريد لها أن تستمر دوما. لا تخشوا على نسائكم وبيوتكم وأملاككم، وخاصة على دينكم الذي أحبه )

5 - في 22 أغسطس 1799م نابليون مخاطبا ديوان القاهرة أكثر الدواوين حكمة واستنارة، ويؤكد أن مصر أجمل بقاع الأرض، وأنه يعهد بالقيادة للجنرال كليبر أثناء غيابه، ويثني عليه، فهو رجل مستنير، ويفخر ويعتز به، ويطلب من كليبر أن يكن للعلماء والشيوخ المحبة التي يكنها لهم.

6 - من رسالة ( كليبر ) إلى ( مينو ) مدافعا فيها عن توقيعه على اتفاقية العريش المبرمة بين الحملة الفرنسية والدولة الفرنسية برعاية إنجلترا والمؤرخة في 18 يناير 1800م والتي تقضي بجلاء جنود الحملة الفرنسية عن مصر :

( فأنا اليوم شديد الاقتناع بأنني بهذه المعاهدة وفقت في وضع حد معقول لمشروع جنوني، ومازلت إلى اليوم مؤمنا بأننا لن نتلقى معونة من فرنسا .. وأننا لن ننشئ أية مستعمرات في مصر مالم تنبت أشجار القطن والنخيل جندا ورصاصا .. إن وجهك أيها الجنرال يتجه صوب الشرق، أما وجهي فصوب الغرب، ولن يفهم أحدنا الآخر أبدا )

7 - الجنرال الثالث للحملة ( مينو ) الذي أشهر إسلامه واصفا للجنرال ( مارمون ) ملامح زوجته المصرية – زبيدة – حين سأله بوضوح عن طبيعتها وشكلها :

( عزيزي الجنرال .. إن زوجتي طويلة القامة .. مبسوطة الجسم .. حسنة الصورة من جميع الوجوه، فلها عينان رائعتان، ولون بشرتها هو اللون المصري المألوف، وشعرها طويل فاحم، وهي لطيفة الطبع، وقد وجدتها تتقبل كثيرا من العادات الفرنسية بنفور أقل مما توقعت .. وأنا لم ألح عليها بعد في الخروج سافرة على الرجال .. فهذا يأتي شيئا فشيئا .. ولن أنتوي الانتفاع بما أباحه النبي من الزواج بأربع نساء خلاف السراري، فإن في النساء المسلمات شهوة حارة عنيفة، وفي زوجة واحدة أكثر من الكفاية لي )

8 - ينقل لنا الكاتب من ( مذكرات ضابط في الحملة الفرنسية ) وهو الضابط جوزيف ماري مواريه :

( لم تعد هذه العاصمة كسابق عهدها .. هي بحجم باريس وتضاهيها إزدحاما، ولكن بأية نوعية من البشر؟ إنهم رجال قذرون في سواد منظفي المداخن عندنا في سافو. كسالى خاملون كصعاليك نابولي .. وشوارع القاهرة ضيقة، وهواؤها غير صحي، كما أنها غير ممهدة، وتنعدم فيها المصابيح في الليل، وأغلب البيوت لا تعدو أن تكون مجرد أكواخ شديدة البؤس، أما ديار الأثرياء فمشيدة بكتل ثقيلة من الحجارة أو الطوب ومكسوة بالبوص المجدول، فإن تهدمت لم يكلفوا أنفسهم عناء إصلاحها، وإنما قاموا بتشييد غيرها في مكان آخر )

9 - ومن كتاب ( وصف مصر ) ينقل لنا الكاتب من الجزء السادس – في وصف دار سك النقود بالقاهرة :

( كان ما يقرب من نصف عدد العمال من الأقباط المسيحيين، وكان هناك نوع من التسامح يجعل المسلمين يعيشون في سلام معهم، ومع ذلك فلن نعدم وجود أمثلة على الجشع والحقد أو عدم التسامح تدفع الأتراك في بعض الأحيان باعتبارهم المنتصرين والمتشيعين للديانة السائدة ينظرون لأنفسهم بإعتبارهم جنسا له امتيازه )

10 - ومن كتاب ( عجائب الآثار في التراجم والأخبار ) ينقل لنا من الجزء الخامس ماكتبه الجبرتي متحدثا عن زيارته المجمع العلمي المصري الذي أنشاه نابليون عام 1798م :

( وأفردوا لجماعة منهم بيت كتخدا السناري، وهم المصورون لكل شيء، منهم أريجو المصوّر، وهو يصور صور الآدميين تصويرا يظن من يراه أنه بارز في الفراغ مجسّم يكاد ينطق .. ولهم فيها أمور وأحوال وتراكيب غريبة ينتج عنها نتائج لا تسعها عقول أمثالنا )

11 - ويذكر ما قاله عمر مكرم نقيب الأشراف والشيخ عبدالله الشرقاوي وكبار التجار في زيارة لمنزل محمد علي بالأزبكية بتاريخ 12 مايو 1805م :

( بالنظر إلى الكرم والعدل اللذين أظهرتها أعمالكم نحو الشعب، فإننا لا نفكر في غيركم . ستكونون الحاكم، وسنخضع لشروطكم )

بهذه الاقتباسات يكون الكاتب قد آثار ذهن وخيال القارئ، وقد يذهب القارئ إلى أعظم رواية أو ملحمة روائية تقاطعت مع التاريخ أيضا، وهي ( الحرب والسلام ) للكاتب الروسي ليو تولستوي 1869م والتي تحدث فيها هو الآخر عن الحرب الفرنسية الروسية ومحاولة احتلال نابليون لروسيا.

إن الروايات التي انطلقت من التاريخ قد تألقت، وحققت الذيوع والانتشار، ولاقت اقبالا كبيرا من القراء، وخاصة الروايات التي تناولت الفترات القلقة والمضطربة في حياة الأمم، مثل روايات فيكتور هوجو والكسندر ديماس الأب، فقد ركزا على الفترات القلقة والمضطربة في تاريخ أوربا، وجرجي زيدان اكتملت على يديه الرواية العربية التاريخية، ووجد الكُتّاب العرب في التاريخ مادة خصبة واختيار فترات مفصلية في حياة الأمة، ومنهم نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وجمال الغيطاني وغيرهم، وناصر عراق اختار هو الآخر فترة قلقة ومضطربة في تاريخ مصر، فترة شغلت مساحة زمنية سبع سنوات، منذ دخول الحملة الفرنسية إلى مصر 1798م حتى تبوأ محمد علي الحكم في 1805م، وقد يتخذ الكاتب التاريخ قناعا، ويلجأ إلى الماضي ليكشف ويعري الحاضر، فهو يستدعي التاريخ ليُسقط على الواقع الآني المعيش، فهو يسعى إلى فهم الحاضر، ويسعى إلى تغيير الواقع الردي، فمرت مصر منذ العام 2011م بفترة قلقة ومضطربة، شهدت فيها ثورتين، وأعمال عنف وشغب واضطرابات، فعاد الكاتب إلى فترة تاريخية مشابهة استولى فيها على الحكم ستة من الحكام، قُتل منهم اثنان، وكلهم من الأجانب ولم يعرفوا العربية!، فعاد بنا إلى الماضي لننظر إليه من جديد، ونقلبه على كل الجوانب، وننظر إليه من شتى الزوايا، فما يحدث في الحاضر سببه الماضي.

( 2 )

اختار الكاتب الأزبكية كفضاء مكاني، والأزبكية كانت مقرا لإقامة المماليك، ومنها كانوا يحكمون البلاد، وكان يعيش فيها الأجانب من الأوربيين والموسرين وكبار التجار، وفيها أقام نابليون متخذا من قصر أحد المماليك الفارين مقرا له، ومنها حكم محمد علي لمدة عامين قبل أن ينقل مقر الحكم إلى القلعة، وكانت " الأزبكية " في ذلك الزمان من أرقى وأجمل الأماكن، وتنقل الكاتب بمهارة بين الأزبكية المكان الراقي والأمكنة الشعبية والحارات مثل السكرية وقصر الشوق وبين القصرين وهي الأماكن التي استوحى منها كاتبنا الأكبر نجيب محفوظ ثلاثيته الشهيرة، وحارة برجوان والحسين وبولاق وإنبابة والدراسة وباب الفتوح وحارة خان جعفر وميدان بيت القاضي وغيرها.

.................................................................

تبدأ الرواية بفصل استهلالي أول تحت عنوان ( أيوب .. ليلة زفافي ) والمؤرخ بتاريخ 12 مايو 1805م وتنتهي الرواية بفصل تحت عنوان ( شارل .. سأعود ) والمؤرخ بتاريخ 16 نوفمبر 1805م، بضعة أشهر فقط قدم الكاتب من خللها وقائع وأحداث لفترة تربو على السبع سنوات، فترة مضطربة في تاريخ مصر، حدثت فيها تغيرات وتحولات كثيرة، و 12 مايو 1805 هو اليوم الذي ذهب فيه الشيخ عمر مكرم نقيب الأشراف والشيخ عبدالله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر ومعهما كبار التجار ووجهاء البلد إلى محمد علي ليعرضوا عليه تولي حكم مصر، وهي ليلة زفاف أيوب نساخ الكتب، فأيوب يرفض أن يتولى هذا الأرناؤوطي الذي لا يعرف العربية حكم مصر، وقد شكل مع بعض أبناء حيه جماعة أو عصبة تحارب الفرنسيين، وتربصوا للجنود الفرنسيين عند الخمارات وفي جنح الليل، وقتلوا منهم العشرات، وبعد رحيلهم عن مصر كونوا تنظيما سريا لمنع محمد علي بأية وسيلة من تولي حكم مصر، وفكروا في إقناع الشيخ عمر مكرم والدفع به لتولي الحكم ولكنهم تراجعوا خشية على الرجل، فالقاهرة بعد رحيل الفرنسيين محتشدة بجنود إنجليز وأرناؤوط وأكراد وهنود وفرس، علاوة على المماليك، والسلاح متاح ومتوفر بيد الجميع، وقُتل أكثر من وال مثل طاهر باشا والجزائري

= استخدم الكاتب تقنية ( الفلاش باك ) وهي تقنية سينمائية بالأساس، واستخدم المونتاج السينمائي في ترتيبه لمشاهد الرواية، فتارة على التوالي وتارة على التوازي، ومن المدرسة الروسية في الإخراج لجأ إلى أسلوب الصدمة، فكل مشهد يحدث صدمة للقارئ / المتفرج، ولا يجعل القارئ / المشاهد يستريح، فصدمة تلو صدمة، وبعد الانتهاء من قراءة الرواية / مشاهدة الفيلم يعاود القارئ / المشاهد استرجاع المشاهد / الصدمات وتأملها وإعمال عقله، ومحاولة الوصول إلى رسائل الرواية / الفيلم المباشرة وغير المباشرة، واقتناص الأمثولة أو العظة، والتي هي ثمرة من ثمرات العمل الفني بعد المتعة والإمتاع.

...........................................................

تعج الرواية بشخصيات تاريخية معروفة مثل نابليون وكليبر ومينو وسليمان الحلبي ومحمد علي وعمر مكرم والشيخ عبدالله الشرقاوي وعبدالرحمن الجبرتي وقادة المماليك وغيرهم، وقدم هذه الشخصيات بالصورة النمطية التي يعرفها القارئ المثقف من خلال قراءة التاريخ، سواء في رسمه لها من الخارج أو استبطانها من الداخل، وألزم نفسه بالأمانة التاريخية في تصويره الدقيق لهذه الشخصيات ولتصرفاتها وأفعالها ومواقفها.

وكان مبهرا في خلق عشرات الشخصيات الأخرى التي تمثل المجتمع في تلك الفترة المضطربة خير تمثيل، منهم : أيوب ودياب ضاضو وعلي أبو حمص وشلضم السقاء، وشارل الرسام، والضابط مواريه، ومسعدة حجاب، وفرانسوا، وأشرف هانم وإيواظ بك، ونفيسة البيضا، وياقوتة الحبشية، وحسنات، وسعدية وزليمة وعشرات الشخصيات التي من خلال تشابك الخيوط والعلاقات بينها وبين الشخصيات التاريخية، وبين بعضها البعض نجح الكاتب في نسج رواية محكمة النسج.

وقد عني الكاتب بشخصياته عناية بالغة، فلا توجد شخصية حتى ولو كانت هامشية وعابرة وقليلة الأثر إلا واهتم بتقديمها للمتلقي وفقا لأبعادها الثلاث، البُعد الخارجي : وصفها من الخارج، والبُعد الداخلي : وصف ما يعتمل ويصطرع داخل نفسها، وما يدور في عقلها من أفكار، ولا يهمل البُعد الثالث : وهو حركة الشخصية في محيطها الإجتماعي

ويمكن للقارئ أن يختار أي شخصية من الشخصيات التي ذكرناها على سبيل المثال لا الحصر، ويعود إلى الرواية ليرى كيف قدمها؟ وكأن الكاتب كان يقد وينحت شخصياته أو يقيم لها تماثيلا في قلب وعقل ووجدان المتلقي.

وتأتي شخصية أيوب ناسخ الكتب، من الشخصيات الفاعلة والإيجابية، فهو نابه وذكي، قضى بعض سنوات عمره بالدراسة في الأزهر، ولكنه تركه وامتهن مهنة والده، فهو يمتلك مهارة الكتابة بخط النسخ الجميل، ونثر الكاتب بعض قطرات الضوء على مهنة أيوب التي انقرضت، وهذه المهنة تدر عليه دخلا لا بأس به، ويحصل على الأجر الذي يطلبه ( هو الوحيد الذي يقوم بالنسخ على الورق الرومي الثقيل، وهو ورق فاخر ومكلف وقادر على مقاومة غدر الزمان، ومكائد البيئة )، وأتاحت له مهنته أن يتعامل مع كبار المثقفين مثل عبدالرحمن الجبرتي، وكبار التجار، ووجهاء الناس، وأسماء وعناوين الكتب التي ينسخها أيوب تكشف عن الثقافة السائدة في ذلك الوقت، ومنها : بُردة البوصيري، و نواضر الأيك للسيوطي، تفسير الجلالين، والفتوحات المكية، تذكرة داود، بدائع الزهور لمحمد ابن إياس الحنفي المصري، كتاب الطبري، ومعجم البلدان لياقوت الحموي.

ونجح في إقناع بعض أبناء حيه من رفاق الدراسة بالأزهر، ومنهم دياب ضاضو الذي هجر الأزهر ليساعد والده في بيع البطاطا، وعلي أبو حمص وشلقم السقاء وغيرهم في تشكيل عصبة لمقاومة المحتل الفرنسي، ونجحوا في قتل العشرات من الجنود الفرنساوية. وبعد رحيلهم شكلوا تنظيما سريا لمقاومة حكم محمد علي الأرناؤوطي.

فأفكار أيوب وقناعاته بأن ( الفرنساوية كفار ومغتصبون ينبغي قتالهم وطردهم من ديار المسلمين )

ورأيه في المماليك : ( والمماليك مسلمون مثلنا، لكنهم طغاة يفرضون الإتاوات الباهظة ويكنزون المال، لذا يجب مواجهتهم بالنصيحة وإصلاح أحوالهم، وحضهم على عمل الخير والرفق بالفقراء، وإن لم يرتدعوا نشكوهم إلى السلطان خليفة المسلمين في إسطنبول! )

وبعد رحيل جيش الاحتلال شكلوا تنظيما سريا لمقاومة حكم محمد علي الأرناؤوطي، مالذي غير قناعات أيوب، فمحمد علي من المسلمين مثل المماليك، إنه شارل الرسام الفرنسي، الفنان الموهوب والمثقف الواعي المستنيرالذي آمن بشعارات الثورة الفرنسية إيمانا حقيقيا وهي : الحرية، الإخاء، المساواة. وشارك فيها مع حبيبته روز، وساهما في هدم سجن الباستيل، وقُتلت، وتأزم نفسيا، ودرس في أحد المعاهد الفرنسية الحضارة الشرقية، وتعلم اللغة التركية واللغة العربية، وذهب إلى أسطنبول، ولم تطب له الحياة فيها، فأهلها اتسموا بالكبر والغطرسة، ويتشاجرون لأتفه الأسباب، ويدّعون التدين، ولم تعجبه سلوكياتهم المتناقضة، وبفضل تاجر مصري تعرف عليه في أسطنبول أحب مصر، وحزم أمتعته وبرح تركيا، وعاش فيها قبل أن يأتي نابليون بجنوده، وأحبها، واستطاب له المقام فيها، ولاقت رسوماته ولوحاته رواجا، ودرت عليه دخلا كبيرا، والتزم بالنصائح التي تلقاها من معلميه في فرنسا، بالابتعاد عن النساء المسلمات وعدم المساس بدينهم، وكلما غلبه الشوق إلى المرأة ذهب إلى أحد البيوت الخاصة بالأوربيين، ليطفئ نار رغبته نظير مبلغ معلوم، وعندما علم بأن نابليون جاء إلى مصر في حملة تضم ( نحو أربعة وخمسين ألفا من الضباط والجنود والإداريين والبحارة والعلماء، جاءوا على متن نحو أربعمائة بارجة وفرقاطة وسفينة )، ذهب إلى الشيخ عمر مكرم يتبرأ فيه من فعل نابليون، وذهب إلى نابليون نفسه يطلب منه الرحيل عن مصر، فازداد المصريين حبا له، وكان هو الملهم لأيوب، وهو الذي جعله يغير من أفكاره وقناعاته.

( 3 )

من أهم الأفكار والقضايا التي أثارتها الرواية

– غياب المشروع الحضاري والبحث عن هوية.


وهذا أخطر ما أثارته الرواية، وأيوب أرقه البحث عن هذا المشروع وسبب غيابه :

– استبداد الحكام وطغيانهم.

وبدا هذا جليا في حكم العثمانيين والمماليك.

– سطوة رجال الدين والتجار.

– شيوع وانتشار الجهل والفقر والمرض.

– التفاوت الطبقي الرهيب وغياب العدالة الاجتماعية.

وقد أثارت الرواية كل هذا وأكثر

وسنكتفي هنا ببعض الاستشهادات من الحوارات الطويلة التي دارت بين شارل وايوب، في سعي أيوب للبحث عن إجابة لبعض الأسئلة التي زلزلته عقب طرد الفرنسيين وقد قاوم هو وعصبته هذا الاحتلال، ولماذا انهزم العثمانيين بالقرب من عين شمس؟ وماسر هذا التفوق اللافت للفرنسيين؟.

وقد صدم شارل أيوب وأجهض فرحته بمغادرة الجيش الفرنسي عندما قال له :

( لا تظن أن المصريين فقط هم الذين طردوا جيش الفرنساوية بمقاومتهم وبسالتهم، ومع كامل احترامي لجهودكم، وإنما التحالف بين الإنجليز والعثمانيين كان بمثابة السيف البتارالذي قصم جيش بونابرت، فمصر قلب الدولة العثمانية، ولا يمكن أن تجعل أبدا دولة صغرى أو كبرى تخطف هذا القلب، والمعاهدات كلها بين الفرنساوية والدولة العثمانية برعاية بريطانيا، ولم يوقع عليها رجل مصري واحد من الحكام أو المحكومين أو الثوريين )

وتتوالى الصدمات على أيوب، فيخبره : ( بلدكم محتل منذ قرون ثلاثة من قبل الدولة العثمانية، وقبلها احتله الرومانيون واليونانيون والعرب .. أنتم يا أيوب وطن محتل منذ سقوط الدولة الفرعونية قبل الفرنسية وحتى هذه اللحظة )

منذ أن هزم كليبر جيش العثمانيين عند عين شمس، وعقل أيوب يكاد يشت، لماذا؟ وكيف؟ فعدد جنود الفرنساوية أقل بكثير من جنود العثمانلية، ورأى بعينه ( الحشود الغفيرة من جنود الأتراك يفرون كالغنم المذعور أمام مجموعات صغيرة من جنود الفرنساوية )

ويتساءل أيوب بينه وبين نفسه : ما الذي يجعلهم ينتصرون علينا برغم أن عددنا أكبر بكثير، وبرغم أن الله معنا، وليس معهم ..

وراح أيوب يتلمس الإجابة عند عبدالرحمن الجبرتي، وذهب إليه في بيته، والجبرتي كان يؤرخ عن هذه الأيام العصيبه، وراح يقرأ :

( كانت العلماء عند توجه مراد بك تجتمع بالأزهر كل يوم ويقرأون البخاري وغيره من الدعوات، وكذلك مشايخ فقراء الأحمدية والرفاعية والبراهمة والقادرية والسعدية وغيرهم من الطوائف وأرباب الأشاير، ويعملون لهم مجالس بالأزهر، وكذلك أطفال المكاتب ويذكرون الإسم اللطيف وغيره من الأسماء )

ويضيف الجبرتي :

( وخرجت الفقراء وأرباب الأشاير بالطبول والزمور والأعلام وهم يضجون ويصيحون ويذكرون بأذكار مختلفة، وصعد السيد عمر مكرم نقيب الأشراف إلى القلعة فأنزل منها بيرقا سمته العامة البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق، وحوله ألوف من العامة بالنبابيت والعصي يهللون ويكبرون ويكثرون من الصياح )

ويؤكد له أنهم يسبقوننا في العلوم والمعارف الحديثة، وعقولنا لا تستطيع أن تستوعب ماوصلوا إليه من المعارف والفنون.

وهنا أدرك أيوب أن العلوم الحديثة والفنون هي من أهم أسباب تفوق الغرنسيين، حتى مهنته كنساخ للكتب، نصحه شارل بالبحث عن مهنة أخرى، فهذه المهنة ستنقرض كما انقرضت في فرنسا، فالمطابع ظهرت في فرنسا منذ أكثر من ثلاثة قرون، فهل تسبقنا فرنسا في العلوم والمعارف بمقدار هذه السنين؟

ويقول له شارل :

( لو تتعلمون القراءة والكتابة وتخوضون في المعارف الحديثة لتفوقتم علينا نحن الفرنسيين بسهولة ويسر .. للأسف إنكم أسرى الخزعبلات والخرافات .. تستسلمون بسذاجة إلى مشايخ لا يقدرون قيمة العمل والتفكير العلمي المنطقي السليم، يظنون أنهم العارفون بكل شيء وهم أجهل خلق الله، تؤجلون الاستمتاع بحياتكم على وهم أنكم ستحصدون المتعة بعد الموت في العالم الآخر )

ويقول شارل أيضا :

( إن الدين أمر خاص بين المرء وربه، فلا يجب أن يستثمره أحد لصالحه كما كان يفعل الرهبان والقساوسة عندنا في أوربا، وكان الواحد منهم يتعامل مع البسطاء باعتباره المتحدث الرسمي باسم السماء، فاكتشفنا خداعهم وانتزعنا حقوقنا )

( إن البشر سواسية لا يفرق بينهم دين أو جنس أو لون، فلا يصح أن يكون هناك عبيد وجوار، ولا يجوز أن يلقى الأقباط واليهود هنا في مصر معاملة سيئة من قبل بعض المسلمين المتعصبين لدينهم كما يحدث أحيانا )

وأهداه كتاب ( العقد الاجتماعي ) لروسو بعد أن ترجمه إلى العربية، وراح يوضح له الدور المهم للمثقفين :

( إن أفكار جان جاك روسو ومنتسكيو وفولتيرألهمت الملايين من الشباب الفرنسي ليتوحد ويواجه حكم الملك لويس السادس عشر الذي تعامل معنا نحن الفرنساوية أبناء جلدته كعبيد )

( إن زمن الولايات والمماليك والأبعديات والإقطاعيات والرهبان والأحبار قد انتهى، والشعوب دخلت عصر الجمهوريات .. عصر السياسيين .. لا عصر رجال الدين )

( يا أيوب .. إن لكل زمن قوانينه وأفكاره التي تستهدف مصالح الناس في المقام الأول حنى تصبح حياتهم أكثر يسرا وعدلا وجمالا )

( إن البشر اكتشفوا أنهم يستطيعون تنظيم أنفسهم بأنفسهم دون حاجة إلى وصاية احد باسم الدين )

وراح يشرح له الانتخابات والمجالس الوطنية التي تسن القوانين، وتختار الحكومات، وكيف أن الجمهورية هي أفضل نظام توصل إليه الإنسان حتى الآن.

وهذه الأفكار هي التي جعلت أيوب يكون التنظيم السري، ويقول لهم في التنظيم :

( إن مصر يا إخواني نسكنها نحن المصريين ومعظمنا مسلمون، وكلنا نتحدث اللغة العربية، حتى اليهود والأقباط الذين يعيشون بيننا يتحدثون لغتنا، ويفصلنا عن أوربا بحر عظيم، ويحجبنا عن أسيا بحر كبير آخر، وكل من هو خارج هذه الحدود لا يتحدث لغتنا، وبالتالي لا يحق له أن يحكمنا أو يتحكم فينا )

( ضروري أن نشرح للناس بالصبر ضرورة أن يحكم مصر رجل مصري، لا مملوكي أو عثمانلي ولا أرناؤوطي ولا فرنساوي ولا إنجليزي! )

( علينا الحذر ونحن ندعو الناس إلى فكرتنا، فالبصاصون بلا حصر، ومحمد علي الملعون جند رجاله من كل ملة وطائفة واطلقهم يتشممون أفكار الناس ويفتشون في صدورهم )

( 4 )

اهتم الكاتب بالبُعد الحكائي، والحكاية هي العمود الفقري للرواية، وبعيدا عن حكاية الغزو والثورة، يقدم لنا حكايات عديدة، وكل حكاية تكشف عن بُعد إنساني كما تلقي بقعة ضوء على خلل اجتماعي وأخلاقي، منها :

1 – حكاية أشرف هانم وإيواظ بك.

المرأة التي تعلقت بشاب في عمر أولادها، وهو الشاب الثوري شلضم السقاء، قوي البنية، مفتول العضلات، ليروي جسدها، فبعد خسارة جيش المماليك أمام الفرنسيين في معركة إنبابة وهروب مراد بك، فر المماليك وهم يأخذون ما خف وزنه وثقل ثمنه، وعدد قليل منهم وافق على دفع ضرائب مهولة لنابليون ومنهم إيواظ بك، الذي وسط شيخ الأزهر للبقاء، فهو جاوز الخمسين، وأقعده المرض، ولا خطر منه على الجيش الفرنسي،

اشتراه أبوها من سوق العبيد وهو صبي صغير، وزوجها له بعد أن أعتقه، وساعده في الانضمام إلى مماليك مراد بك، فوالدها كان من المماليك المقربين من محمد بك أبو الدهب، وأشرف هانم شخصية قوية وعنيدة، حُرمت من الإنجاب وعجز إيواظ بك جعلها ترتمي في أحضان شلضم الشاب الثوري القوي الذي ذابت بين ذراعيه، وسقاها الشهد، ولم تطق بعاده عنها لحظة، فحملت مالها ومجوهراتها ومقتنياتها الثمينة، وهربت معه.

2 – حكاية مسعدة حجاب.

المرأة الجميلة التي قُتل زوجها على يد الفتوات، فتترصد شارل، وتكلف كل من يعملون عندها بمراقبته، وتنجح في الإيقاع به بحيل شيطانية، ويذهب إليها يوميا متخفيا في سروال رجل صعيدي، ليشعل النار في جسدها، ويفعل به الأفاعيل، فتهيم به عشقا، وتقارن بينه وبين الرجل المصري الذي يجهل الكثير من فنون التعامل مع جسد المرأة في الفراش، وتنبهر بأسلوبه الراقي في تناول الطعام، فهو لا يأكل بيده أبدا، ولكنه يأكل بالملعقة والشوكة والسكين، ويغسل فمه جيدا قبل الأكل وبعده، على النقيض تماما من زوجها الذي كان ينقض على الأكل كوحش، ولا يعرف الأدبيات ولا السلوك المتحضر الذي يمارسه شارل.

ومسعدة حجاب هي ابنة تاجر غلال ثري، وكاد أن يفلس لولا تدخل المعلم حسونة التاجر الثري الذي أنقذه من الإفلاس، وكانت هي الثمن، وكانت الزوجة الرابعة، ولا يفتأ يضربها بسبب مرة وبدون سبب ألف مرة، ويعاملها بقسوة غير مبررة، وظنت أنها عاقر، فلم تنجب من زوجها الذي أنجب من زوجاته قبلها، ولكن الأقدار شاءت أن تحمل من شارل!.

ارتعبت من فضيحة حملها، وعانت التوتر والاضطراب، ولا تستطيع أن تعيش لحظة واحدة بدونه، وكادت أن تُجن لما علمت أن الحملة الفرنسية ستغادر مصر، ولكنها هدأت قليلا لما أخبرها شارل بأنه لن يغادر مصر، فهو لا علاقة له بالحملة ويرفضها تماما، وشارل بدأ يرتاح إليها، وبدأ حبها يغزوه، ويشعر بالبهجة والسعادة كلما التقاها، ولكن الحارة لن تقبل بابن حرام يترعرع بين جنباتها ولن يرضى الله بزواج مسلمة من مسيحي، وهل يقبل شارل أن يشهر إسلامه ليعقد عليها؟ هل تجهض ما في بطنها وهي التي حلمت بوجوده؟ ما أقسى القوانين التي تحول بين إمرأة وغريزتها، وقررت في نفسها أمرا وعزمت عليه، فابلغته بأنها ستذهب لزيارة قريبة لها ببنها، وستمكث هناك ما يقرب من العشرين يوما، وعند عودتها ستتصل به، وهي تضمر الهرب، وهجرت الحارة تاركة دارها ومصالحها في عهدة ورعاية أم إمام وصيفتها المقربة والأثيرة، وعادت بعد أربع سنوات لتخبره بأن محمد ولده، فيحلق طربا، ولكن يحزنه أنها تنسبه لشخص آخر.

3 – حكاية زليمة :

فتاة من جورجيا وبيعت في مصر لأحد المماليك، وعند هزيمة المماليك ومقتل زوجها فرت إلى دمياط عند تاجر تركي صديق لزوجها ويتزوجها، وقد أحبت الضابط ( مواريه ) المكلف بالعمل في الميناء بدمياط، وفُتنت به، وأحبته، واحتالت بكل السبل لتلفت نظره إليها، وأرسلت له الرسائل التي تخبره فيها بحبها، وأشارت عليه أن يأتي إلى دكان زوجها، ووطد الضابط علاقته بزوجها، ولم ينم الضابط عندما أزالت النقاب وكشفت له في غفلة من زوجها عن وجهها، وحلق قلبه طربا عندما طلب منه أن يعلمها الحساب، فكانت أجمل الجلسات التي وطدت وعمقت الحب بينهما، وتحدثت له عن همومها مع زوج فظ، وكشفت له عن معاناة الحريم، وتمني نفسها بالزواج من الضابط الفرنسي، ولكن كيف؟ فلو صارت مسيحية سيقتلها التاجر التركي فورا لأن المسلمين كما تقول متعصبون جدا لدينهم ويرون المسيحيين لعنات شيطانية تسير على الأرض.

وتعرض زليمه عليه :

( إنني سألحق بك إلى فرنسا ومعي ثروتي ومجوهراتي وأقف أمام المدبح وادين بدينك المسيحي ونتزوج ويصبح أهلك أهلي، فانا أعلم جيدا أن المرأة في أوربا تُعامل بكرم ولطف وإنسانية، بعكس المرأة هنا في مصر .. هذا البلد البغيض )

4 – حكاية نفيسه البيضا.

عاشقة بونابرت وترفل في الثراء والجمال، وكانت زوجة لمراد بك ، وتدافع عن نساء المماليك وحمايتهم من بطش الفرنساوية لأن أغلبهن شركسيات مثلها، شيدت سبيلا وكُتابا ووكالتها وأسطولها في النيل يعمل به عشرات المصريين، وأطلقوا عليها أم المماليك تبجيلا لها.

5 – حكاية حسنات واللقاءات الحميمية التي كانت تجمعها بالشاب الثوري أيوب الذي كون عصبة لمحاربة الفرنسيين، وكون بعد طردهم تنظيما ينادي بمصر للمصريين، في البيت المهجور مأوى العفاريت، ونهايتها المأساوية بالقتل على يد زوجها التي أخطات في ليلة الدخلة ونادته بأيوب.

عشرات الحكايات سردها الكاتب ناصر عراق، اقتحم فيها بجسارة موضوعي الجنس والدين.

إن القضايا التي اثيرت في ذلك الزمن البعيد، ومحاولة إيجاد هوية لمصرومشروع حضاري لها، دولة وطنية لها حدودها الجغرافية المعروفة ويحكمها مصري بانتخابات حرة نزيهة، ونظام جمهوري مُستلهم من الثورة الفرنسية وتنادي باالإخاء والمساواة والحرية والعدالة الإجتماعية و .. و ...، أليست هذه الشعارات هي نفس الشعارات تقريبا التي رددتها الجماهير المصرية في يناير 2011م؟!.

....................................................................

= وقد شغل الحوار مساحة كبيرة من الرواية، وهذا ما قلل من رتابة وبرودة السرد، وكان الكاتب ناقلا أمينا لأفكار شخصياته، معطيا لكل شخصية حرية التعبير عن خلجات النفس ونبضات القلب وفيوضات الروح، وأدار الحوار ببراعة بين شخصياته، وكما نجح الحوار في الكشف عن الشخصية وأحوالها النفسية والفكرية، ساهم أيضا في نمو الأحداث، وتحريكها، وكان للحوار دوره الفني الفاعل في الرواية.

= وقلنا قبلا أنه استفاد من تقنيات السينما مثل تقنية ( الفلاش باك ) والتصوير والمونتاج والإخراج.

= برع الكاتب في وصف الأماكن والشوارع والمساجد والبيوت والحواري والأزقة والبشر والحجر والحيوانات، وجاء التصوير في جمل خاطفة وسريعة، تصويرا دقيقا لحياة البؤساء وحياة المترفين، ولم يقتصر التصوير على الكلمات فقط، ولكنه امتد ليصور الواقع المصري أيضا من خلال لوحات شارل، وهذه اللوحات لو تتبععها أحد القراء وقام بترتيبها وإعادة قراءتها لكشفت له هي الأخرى عن الحياة والواقع المصري في تلك الفترة.

= استفاد الكاتب من فن كتابة الرسائل واليوميات والمذكرات، فقرأنا بعض من يوميات الجبرتي عن الحملة الفرنسية، ومذكرات شارل ورسائل زليمة وغيرها، وكان ( للبوح ) حضوره أيضا.

= توظيف الوثائق التاريخية والتي أشرنا لها في البداية.

لجأ الكاتب إلى حيل فنية كثيرة ليثري روايته، وهذه الحيل الفنية تحتاج إلى قراءة مستقلة، فالكاتب يملك قدرات سردية هائلة، تؤهله لأن يكون في صدارة المشهد الروائي العربي، وأرجو أن أكون في هذه العجالة قد نثرت بعض قطرات الضوء حول هذه الرواية البديعة والماتعة والمائزة.

......................................................

( ورقة نقدية لمناقشة الرواية أون لاين عبر تقنية الزوم ( بنادي الساردون يغردون )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى