التاريخ علم له أصوله وقواعده ومجال البحث الأكاديمي الخاص به والمرجع الأساسي فيه هم أساتذة التاريخ المتخصصون ، لكن لأن التاريخ يجذب كثيرا من الهواة والمثقفين والمهتمين بالقضايا السياسية والاجتماعية فقد يكون هناك فرصة في الاستعانة بعدد من المراجع التي تساعد على الإلمام بتصور مقبول للتاريخ بعيدا عن القناعات المسبقة والرؤية المزاجية أوالتناول الجزئي البعيد عن الحيادية ..
ويجب دراسة الإيجابيات والسلبيات وعدم الاقتصار على الرواية الرسمية المرتبطة بالعاصمة وإنما إكمال الصورة بدراسة تاريخ الأقاليم والمجتمع ، والعصور الإسلامية هامة لوجود اتصال معها على مستوى اللغة والدين والجوانب الاجتماعية المختلفة ، وحتى يمكننا استيعاب تلك الفترة يجب علينا دراسة المكان والأشخاص والظروف المحيطة وعدم الاكتفاء بالأحداث وحدها وذلك على النحو التالي ..
أولا / دراسة المكان .. وهو مسرح الأحداث التي توالت في العصور الإسلامية وجرت جميعا فيما عرف باسم (الأمصار) وهي المدن الجديدة التي بناها العرب على حافة الصحراء في الأقاليم المختلفة مثل الكوفة والبصرة وواسط والفسطاط والرملة والقيروان وفاس وذلك في القرون الأولى ثم تلا ذلك إنشاء بغداد وسامراء والعقبة والموصل والرقة وخان يونس وتعز وزبيد وذلك في المشرق العربي ..
وفي المغرب العربي تأسست كل من تونس والمهدية وصفاقس والجزائر ووهران وتلمسان ومراكش والرباط والدار البيضاء ، وفي مصر بنيت القاهرة وضواحيها الجيزة وحلوان والخانكة وفي الدلتا والصعيد كل من المحلة والمنيا والمنصورة وقوص وكفر الشيخ والصالحية والنحارية لأسباب مختلفة ، بالإضافة إلى تأثيرات واضحة في المدن القديمة مثل الإسكندرية ودمشق وحلب وطرابلس ..
وتم رصد كل ذلك من خلال كتب الجغرافيين والرحالة أمثال ياقوت الحموي والمسعودي وابن حوقل والإدريسي وما كتبه الرحالة أمثال ابن بطوطة والبغدادي وابن جبير ، وفي مصر كل من الأسعد بن مماتي (كتاب قوانين الدواوين) وابن الجيعان (كتاب التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية) وهما من كبار موظفي الدولة وحوت كتاباتهم معلومات تفصيلية عن كافة قرى مصر وحالتها الزراعية والمالية ..
ثانيا / دراسة الأشخاص .. وقد توافرت السير الذاتية لعشرات الآلاف من الشخصيات من الحكام والعلماء والمتصوفة والشعراء والأعيان بفضل ظهور مؤلفات التراجم والتي بدأت مع الكتابات عن المحدثين والتابعين مثل كتاب الطبقات لابن سعد وتعددت أغراضها مثل الكتب التي تناولت حصر الأطباء أو الشعراء أو عرب الفسطاط مثل كتاب تاريخ المصريين لمؤلفه ابن يونس الصدفي المصري ..
ومنذ القرن السادس ظهرت الكتب التي تؤرخ لشخصيات كل قرن من خلال مؤلف معاصر لهم مثل كتاب ابن حجر (الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة) وكتاب السخاوي (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) وذلك في كافة القرون حتى العصر الحديث ، وهو ما يعطي فرصة لمعرفة رجال كل عصر بل ورجال كل مدينة وقرية في مصر وعلاقتهم بالسلطة ودورهم في المجتمع وتأثيرهم في الأحداث ..
ويشمل ذلك المراجع التي تناولت القبائل العربية واستقرارها في مصر لأنها كانت العنصر المحرك للأحداث طوال العصور الإسلامية مثل كتاب البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب وكتاب قلائد الجمان في التعريف بعرب الزمان وجمهرة أنساب العرب بالإضافة إلى كتب المتصوفة والأضرحة والقبور والمساجد ومن أهمها كتاب دكتورة سعاد ماهر (مساجد مصر وأولياؤها الصالحون) ..
ثالثا / دراسة الظروف .. ويشمل ذلك الكتب الموسوعية التي احتوت على معلومات تفصيلية في الجوانب السياسية والاجتماعية مثل كتب ابن فضل الله والنويري والقلقشندي وابن منظور وابن دقماق والسيوطي حيث تناولت دراسة الجوانب السياسية وعلاقة مصر بالدول الأخرى وتبادل السفارات والمراسم السلطانية وإدارة الهيكل الإداري للدولة وكذلك الاحتفالات المختلفة الرسمية والشعبية والدينية ..
ويشمل ذلك الأرشيف العثماني والمخطوطات الأهلية وحجج الأوقاف وسجلات الأزهر والتي تعطي صورة عن الواقع المحلي من خلال وثائق رسمية ، ومنها والبرديات التي تناولت جوانب إدارية واجتماعية منذ وقت مبكر خاصة في مجال الزراعة والتجارة ، ومنها الجرود العائلية وسجلات حصر النفوس والمناشير الصادرة عن السلطنة المملوكية فيما يخص الإقطاعيات والمنح والعطايا ..
ويلعب الأدب والشعر دورا موازيا في رصد كثير من المتغيرات الاجتماعية والثقافية بل وتدوين الأحداث التاريخية من باب الفخر أو الهجاء ، وتحوي كتب الأدب أكثر من ثلاثين ألف بيت من الشعر طوال العصور الإسلامية بالإضافة إلى الشعر الشعبي المتمثل في السيرة الهلالية وسيرة سيف بن ذي يزن ، كما تعد كتب الصوفية تعبيرا عن الحالة الدينية الشعبية حيث ترصد أحوال الريف ..
رابعا / دراسة الأحداث .. وتعتمد على كتب التاريخ التقليدية ومن أشهرها الولاة والقضاة للكندي واتعاظ الحنفا للمقريزي والروضتين لأبي شامة والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي وغيرهم ومقارنتها بالمؤرخين البيزنطيين والصليبيين ، ومن الكتب القبطية كتابات حنا النقيوسي وسعيد بن بطريق وتاريخ الآباء البطاركة لساويرس أسقف الأشمونين وتاريخ الكنائس والأديرة لأبي المكارم ..
ومنذ القرن الثاني الهجري تدور الأحداث الداخلية في مصر حول محور الصراع بين القبائل العربية والسلطة المركزية من خلال تعاقب ثورات الجروي واللخمي والمدلجي في الدلتا والإسكندرية ودحية الأموي وابن الصوفي والعمري في الصعيد والنوبة ، وخلال ذلك تم رصد تحركات القبائل الكبرى سواء العربية أو المغاربية مثل جهينة وبلي وجذام وكنانة وهوارة وكتامة ولواتة وزويلة ..
وبلغت ذروة ذلك في عصر المماليك حيث تحول الصراع إلى حروب دموية طاحنة انتهت كلها عندما أصدر السلطان العثماني سليمان القانوني كتاب (قانوني نامه مصر) منح بموجبه شيوخ العرب السلطة الكاملة رسميا على الأرياف (ما عدا امتلاك الجنود) ومنح المماليك سلطة الحكم في المدن فقط وهو ما سوف يؤثر على تطور اللهجات العامية المصرية في المحافظات تبعا لتوطن القبائل المختلفة..
د. محمد العدوي
ويجب دراسة الإيجابيات والسلبيات وعدم الاقتصار على الرواية الرسمية المرتبطة بالعاصمة وإنما إكمال الصورة بدراسة تاريخ الأقاليم والمجتمع ، والعصور الإسلامية هامة لوجود اتصال معها على مستوى اللغة والدين والجوانب الاجتماعية المختلفة ، وحتى يمكننا استيعاب تلك الفترة يجب علينا دراسة المكان والأشخاص والظروف المحيطة وعدم الاكتفاء بالأحداث وحدها وذلك على النحو التالي ..
أولا / دراسة المكان .. وهو مسرح الأحداث التي توالت في العصور الإسلامية وجرت جميعا فيما عرف باسم (الأمصار) وهي المدن الجديدة التي بناها العرب على حافة الصحراء في الأقاليم المختلفة مثل الكوفة والبصرة وواسط والفسطاط والرملة والقيروان وفاس وذلك في القرون الأولى ثم تلا ذلك إنشاء بغداد وسامراء والعقبة والموصل والرقة وخان يونس وتعز وزبيد وذلك في المشرق العربي ..
وفي المغرب العربي تأسست كل من تونس والمهدية وصفاقس والجزائر ووهران وتلمسان ومراكش والرباط والدار البيضاء ، وفي مصر بنيت القاهرة وضواحيها الجيزة وحلوان والخانكة وفي الدلتا والصعيد كل من المحلة والمنيا والمنصورة وقوص وكفر الشيخ والصالحية والنحارية لأسباب مختلفة ، بالإضافة إلى تأثيرات واضحة في المدن القديمة مثل الإسكندرية ودمشق وحلب وطرابلس ..
وتم رصد كل ذلك من خلال كتب الجغرافيين والرحالة أمثال ياقوت الحموي والمسعودي وابن حوقل والإدريسي وما كتبه الرحالة أمثال ابن بطوطة والبغدادي وابن جبير ، وفي مصر كل من الأسعد بن مماتي (كتاب قوانين الدواوين) وابن الجيعان (كتاب التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية) وهما من كبار موظفي الدولة وحوت كتاباتهم معلومات تفصيلية عن كافة قرى مصر وحالتها الزراعية والمالية ..
ثانيا / دراسة الأشخاص .. وقد توافرت السير الذاتية لعشرات الآلاف من الشخصيات من الحكام والعلماء والمتصوفة والشعراء والأعيان بفضل ظهور مؤلفات التراجم والتي بدأت مع الكتابات عن المحدثين والتابعين مثل كتاب الطبقات لابن سعد وتعددت أغراضها مثل الكتب التي تناولت حصر الأطباء أو الشعراء أو عرب الفسطاط مثل كتاب تاريخ المصريين لمؤلفه ابن يونس الصدفي المصري ..
ومنذ القرن السادس ظهرت الكتب التي تؤرخ لشخصيات كل قرن من خلال مؤلف معاصر لهم مثل كتاب ابن حجر (الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة) وكتاب السخاوي (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) وذلك في كافة القرون حتى العصر الحديث ، وهو ما يعطي فرصة لمعرفة رجال كل عصر بل ورجال كل مدينة وقرية في مصر وعلاقتهم بالسلطة ودورهم في المجتمع وتأثيرهم في الأحداث ..
ويشمل ذلك المراجع التي تناولت القبائل العربية واستقرارها في مصر لأنها كانت العنصر المحرك للأحداث طوال العصور الإسلامية مثل كتاب البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب وكتاب قلائد الجمان في التعريف بعرب الزمان وجمهرة أنساب العرب بالإضافة إلى كتب المتصوفة والأضرحة والقبور والمساجد ومن أهمها كتاب دكتورة سعاد ماهر (مساجد مصر وأولياؤها الصالحون) ..
ثالثا / دراسة الظروف .. ويشمل ذلك الكتب الموسوعية التي احتوت على معلومات تفصيلية في الجوانب السياسية والاجتماعية مثل كتب ابن فضل الله والنويري والقلقشندي وابن منظور وابن دقماق والسيوطي حيث تناولت دراسة الجوانب السياسية وعلاقة مصر بالدول الأخرى وتبادل السفارات والمراسم السلطانية وإدارة الهيكل الإداري للدولة وكذلك الاحتفالات المختلفة الرسمية والشعبية والدينية ..
ويشمل ذلك الأرشيف العثماني والمخطوطات الأهلية وحجج الأوقاف وسجلات الأزهر والتي تعطي صورة عن الواقع المحلي من خلال وثائق رسمية ، ومنها والبرديات التي تناولت جوانب إدارية واجتماعية منذ وقت مبكر خاصة في مجال الزراعة والتجارة ، ومنها الجرود العائلية وسجلات حصر النفوس والمناشير الصادرة عن السلطنة المملوكية فيما يخص الإقطاعيات والمنح والعطايا ..
ويلعب الأدب والشعر دورا موازيا في رصد كثير من المتغيرات الاجتماعية والثقافية بل وتدوين الأحداث التاريخية من باب الفخر أو الهجاء ، وتحوي كتب الأدب أكثر من ثلاثين ألف بيت من الشعر طوال العصور الإسلامية بالإضافة إلى الشعر الشعبي المتمثل في السيرة الهلالية وسيرة سيف بن ذي يزن ، كما تعد كتب الصوفية تعبيرا عن الحالة الدينية الشعبية حيث ترصد أحوال الريف ..
رابعا / دراسة الأحداث .. وتعتمد على كتب التاريخ التقليدية ومن أشهرها الولاة والقضاة للكندي واتعاظ الحنفا للمقريزي والروضتين لأبي شامة والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي وغيرهم ومقارنتها بالمؤرخين البيزنطيين والصليبيين ، ومن الكتب القبطية كتابات حنا النقيوسي وسعيد بن بطريق وتاريخ الآباء البطاركة لساويرس أسقف الأشمونين وتاريخ الكنائس والأديرة لأبي المكارم ..
ومنذ القرن الثاني الهجري تدور الأحداث الداخلية في مصر حول محور الصراع بين القبائل العربية والسلطة المركزية من خلال تعاقب ثورات الجروي واللخمي والمدلجي في الدلتا والإسكندرية ودحية الأموي وابن الصوفي والعمري في الصعيد والنوبة ، وخلال ذلك تم رصد تحركات القبائل الكبرى سواء العربية أو المغاربية مثل جهينة وبلي وجذام وكنانة وهوارة وكتامة ولواتة وزويلة ..
وبلغت ذروة ذلك في عصر المماليك حيث تحول الصراع إلى حروب دموية طاحنة انتهت كلها عندما أصدر السلطان العثماني سليمان القانوني كتاب (قانوني نامه مصر) منح بموجبه شيوخ العرب السلطة الكاملة رسميا على الأرياف (ما عدا امتلاك الجنود) ومنح المماليك سلطة الحكم في المدن فقط وهو ما سوف يؤثر على تطور اللهجات العامية المصرية في المحافظات تبعا لتوطن القبائل المختلفة..
د. محمد العدوي