( 4 )
أختتم هنا ماسبق أن بدأته قيل ثلاثة أسابيع حول الدور الذي لعبه جيل ستينيات القرن الماضي في الحياة الأدبية في مصر.
وأود أن أشير إلى أنه في أعقاب انقلاب 15 مايو 1971 ،حدثت تغييرات عنيفة في المجال الثقافي وليس السياسي وحده، فتم الإتيان بوجوه كانت في الظل لعدة عقود لتتولى كافة المناصب، والإطاحة بمن كان موجودا( ومن بينهم بهاء طاهر مثلا الذي كان نائبا لمدير البرنامج الثقافي في الإذاعة وكاتبا مرموقا ومخرجا) وبعد سنوات قليلة اضطر للهجرة وعمل مترجما في مقر الأمم المتحدة في سويسرا، مثلما هاجر عشرات وعشرات من الكتاب والمفكرين والسياسيين من خلاصة عقول مصر وأكثرهم تأثيرا إلى مختلف العواصم العربية والأوربية .
وصرّح الرئيس السادات في خطاب له أنه لن يسمح بتولي ملحد أي منصب في الإعلام في عهده، فكان هذا إيذانا بهجوم الغربان في حرب اعتبروها مقدسة للاستيلاء على كل المواقع وتطهيرها من اليساريين، واختطاف الغنائم ونهشها .وكان السادات يعرف جيدا كيف يصيغ عباراته، ويعلم أيضا أن التغييرات التي يهدف إليها لاعلاقة لها بالإلحاد، لكن مسوح وأدوات الرئيس المؤمن كانت هي المطلوبة.
وهكذا وفي غضون عام واحد لم يعد باقيا على المذاود إلا أنصاف المواهب غالبا، والصحف التي اعتادت نشر المواد الثقافية قفز عليها من كانوا أقل من أن يتم التعامل معهم، وهو ماتكرر في مختلف المواقع، وشهدنا انهيارا في المسرح والسينما والكتاب والمجلة.
كانت المفاجأة أن جيل الستينيات وموجة السبعينيات قاموا بمقاطعة كافة المنابر على نحو تلقائي ودون اتفاق مطلقا، وإذا أخذنا في اعتبارنا أنه لم تكن هناك جهة أو تجمع أو حتى منظمة سرية وراء مثل ذلك القرار التلقائي، لأدركنا خطورة وأهمية المقاطعة التي استمرت نحو عقد من السنين.
وبسبب المقاطعة هاجر الكتُاب بأقلامهم إلى الصحف والمجلات العربية، وفي الوقت نفسه اتجه بعضهم لذلك" الاختراع" المدهش المقاوم وهو مجلات الماستر. صحيح أنها تطبع أعدادا قلية جدا، لكنها منابر حُرة ولاتخضع لقانون المطبوعات أو لأنصاف المواهب المحتلين للمناصب. ولم يكن مصادفة أن من بدأ ذلك السيل من مجلات الماستر الفنان التشكيلي الراحل محمود بقشيش بمجلته" آفاق" التي نشرت في كل عدد نصا واحدا لأحد الكتاب، ونشر في تلك المجلات كتاب راسخون من جيل الستينيات في زمن المقاطعة مثل جميل عطية ابراهيم وجمال الغيطاني، بل نشر فيها إدوار الخراط أحد نصوصه، وأصدر عبد العزيز جمال الدين مجلة" مصرية" رفيعة المستوى، ونزل إلى الميدان عشرات المجلات، خصوصا أن الموجات التالية- السبعينيات وحتى التسعينيات- ظلت ترى فيها المتنفس الوحيد، كما شهدت تلك الفترة مجلات مطبوعة أخرى مثل" خطوة" و" الكتابة الأخرى" وغيرهما.
وهكذا لم يكن جيل الستينيات كما صوّره البعض في أعقاب ماكتبته الأستاذة صافيناز كاظم بعد رحيل بهاء طاهر، مجموعة من الكارهين والنمامين وكتاب التقارير في بعضهم البعض. جيل الستينيات ضم مجموعة محترمة ومتفردة من كتاب القصة والرواية والشعراء والنقاد الذين شكّلوا صفحة عظيمة من صفحات الثقافة والحرية ومقاومة الاستبداد، ومازالت نصوصهم باقية لم يبلوها الزمن.
أختتم هنا ماسبق أن بدأته قيل ثلاثة أسابيع حول الدور الذي لعبه جيل ستينيات القرن الماضي في الحياة الأدبية في مصر.
وأود أن أشير إلى أنه في أعقاب انقلاب 15 مايو 1971 ،حدثت تغييرات عنيفة في المجال الثقافي وليس السياسي وحده، فتم الإتيان بوجوه كانت في الظل لعدة عقود لتتولى كافة المناصب، والإطاحة بمن كان موجودا( ومن بينهم بهاء طاهر مثلا الذي كان نائبا لمدير البرنامج الثقافي في الإذاعة وكاتبا مرموقا ومخرجا) وبعد سنوات قليلة اضطر للهجرة وعمل مترجما في مقر الأمم المتحدة في سويسرا، مثلما هاجر عشرات وعشرات من الكتاب والمفكرين والسياسيين من خلاصة عقول مصر وأكثرهم تأثيرا إلى مختلف العواصم العربية والأوربية .
وصرّح الرئيس السادات في خطاب له أنه لن يسمح بتولي ملحد أي منصب في الإعلام في عهده، فكان هذا إيذانا بهجوم الغربان في حرب اعتبروها مقدسة للاستيلاء على كل المواقع وتطهيرها من اليساريين، واختطاف الغنائم ونهشها .وكان السادات يعرف جيدا كيف يصيغ عباراته، ويعلم أيضا أن التغييرات التي يهدف إليها لاعلاقة لها بالإلحاد، لكن مسوح وأدوات الرئيس المؤمن كانت هي المطلوبة.
وهكذا وفي غضون عام واحد لم يعد باقيا على المذاود إلا أنصاف المواهب غالبا، والصحف التي اعتادت نشر المواد الثقافية قفز عليها من كانوا أقل من أن يتم التعامل معهم، وهو ماتكرر في مختلف المواقع، وشهدنا انهيارا في المسرح والسينما والكتاب والمجلة.
كانت المفاجأة أن جيل الستينيات وموجة السبعينيات قاموا بمقاطعة كافة المنابر على نحو تلقائي ودون اتفاق مطلقا، وإذا أخذنا في اعتبارنا أنه لم تكن هناك جهة أو تجمع أو حتى منظمة سرية وراء مثل ذلك القرار التلقائي، لأدركنا خطورة وأهمية المقاطعة التي استمرت نحو عقد من السنين.
وبسبب المقاطعة هاجر الكتُاب بأقلامهم إلى الصحف والمجلات العربية، وفي الوقت نفسه اتجه بعضهم لذلك" الاختراع" المدهش المقاوم وهو مجلات الماستر. صحيح أنها تطبع أعدادا قلية جدا، لكنها منابر حُرة ولاتخضع لقانون المطبوعات أو لأنصاف المواهب المحتلين للمناصب. ولم يكن مصادفة أن من بدأ ذلك السيل من مجلات الماستر الفنان التشكيلي الراحل محمود بقشيش بمجلته" آفاق" التي نشرت في كل عدد نصا واحدا لأحد الكتاب، ونشر في تلك المجلات كتاب راسخون من جيل الستينيات في زمن المقاطعة مثل جميل عطية ابراهيم وجمال الغيطاني، بل نشر فيها إدوار الخراط أحد نصوصه، وأصدر عبد العزيز جمال الدين مجلة" مصرية" رفيعة المستوى، ونزل إلى الميدان عشرات المجلات، خصوصا أن الموجات التالية- السبعينيات وحتى التسعينيات- ظلت ترى فيها المتنفس الوحيد، كما شهدت تلك الفترة مجلات مطبوعة أخرى مثل" خطوة" و" الكتابة الأخرى" وغيرهما.
وهكذا لم يكن جيل الستينيات كما صوّره البعض في أعقاب ماكتبته الأستاذة صافيناز كاظم بعد رحيل بهاء طاهر، مجموعة من الكارهين والنمامين وكتاب التقارير في بعضهم البعض. جيل الستينيات ضم مجموعة محترمة ومتفردة من كتاب القصة والرواية والشعراء والنقاد الذين شكّلوا صفحة عظيمة من صفحات الثقافة والحرية ومقاومة الاستبداد، ومازالت نصوصهم باقية لم يبلوها الزمن.