تعتز الشاعرة لويزة ناظور بالعاصمة الفرنسية "باريس"؛ فقد ولدت وترعرعت وأقامت فيها، مثلما تفتخر بالجزائر حيث عاشت لفترة طويلة فيها، يعتبرها البعض بمثابة الجسر الذي يربط بين الضفتين: الأوروبية والأفريقية التي تتمثل في البعد القاري، والبعد اللغوي: "الفرنسية، والعربية والأمازيغية" حيث يشكلان أصولها وجذورها، مثلما جاء ميلادها باريسيا بصرخة جزائرية، فتكونت لبناتها الفكرية من أنوار باريس والحضارتين: العربية والإسلامية.
ربما لهذا المزيج تميزت "ناظور" بالحركة الدائمة، والتنقل من دولة إلى دولة، ومن مؤتمر إلى غيره، ومن حوار إلى حوار سواء صحفي أو تلفازي أو إذاعي، أو تُلقي عددا من قصائدها هنا أو هناك، لا تستغربها الأماكن ولا تستغرقها، كأنها طائر محلق يريد أن يحتضن العالم بين جناحيه؛ فهي محبة لكل البشر من كل الجنسيات، والديانات، والألوان، واللغات، واللهجات، لا تعرف الإثنية أو العرقية أو العنصرية، أو الاستعلاء بالجنس أو الدين أو الميلاد، لا يسعك إلا أن تصدقها دون أن تبحث عن المصداقية أو حيثيات ذلك الانجذاب القلبي لكلماتها التي تحسها طازجة بلون المحبة، زاهية ببريق البراءة، وحين تطالع صفحة وجهها، وتغوص في عينيها، وتستقبل بسمتها تدرك أن قسماتها بلاد مكسوة بخضرة التسامح، تنتشي عبير الرضا والتسليم بقضاء الله .. دون أن تراجع عقلك؛ فقد سلبت قلبك!
لذا فقد كانت تجربة لويزة ناظور منفتحة على ثقافتين، ومتألقة على الضفتين المتقابلتين للبحر الأبيض المتوسط اللتين تبادلتا الأدوار الحضارية على مر التاريخ، وهذا ملمح مهم في تجربتها الإبداعية التي نهلت من مصادر متنوعة تاريخيا وثقافيا، كما يقول الدكتور ضياء الجنابي، وهو ما يعول عليه الكاتب الجزائري: (لويزة لم تكن مضطرة لتمجيد اللغة العربية في عاصمة فرنسية لا يقبل فيها بسهولة من يجسدها اليوم وأكثر من أي وقت مضى لولا الوفاء لصلب معدنها الثقافي).
وتمارس "لويزة" الكتابة الصحفية باللغتين العربية والفرنسية؛ فهي مستشارة خبيرة في تنظيم وتفعيل العديد من التظاهرات الثقافية والفكرية الهامة، وعضو هيئة تحرير لمجلة "بانوراما الشرق" الناطقة بالفرنسية في باريس، كما تشغل رئيسة مكتب باريس للمنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام، ومقرها لندن. كان المفروض أن يكون حديثي معها حوارا ألقي عليها الأسئلة وأترك لها وحدها عبء الأجوبة، غير أني بعد طول حديث شاق مع النفس رأيتُ أنه من الأفضل لشاعرتنا وللقارئ العربي والغربي، وللتاريخ أن أنهض بمهمة "جامع الدر المنثور" فيما قالوا عن "لويزا"، وقالت، وما سأقول هنا عنها، وذلك تيسيرا على القارئ وخدمة له للإلمام بنتف أو مختارات من لقاءاتها، وآرائها، أو آراء الغير فيها مما لن يتاح للقارئ الواحد الوقوف عليه مجتمعا؛ لأن هذه اللقاءات ـ كما أسلفت ـ مكتوبة أو مسموعة، أو مشَاهدة، حسب مقتضيات الحال، دون أن أنسى مهمتها التي لا تقف على أنها "الباريسية" المولد، والسفيرة للغتها العربية في أرجائها، بل لكونها "الباريسية" المولد والتفكير والتي تحمل رسالة التنوير، والتثوير، والتواصل بين بلد المولد، وبلد الجذور، أو بلد المنبع، وبلد المصب.
تعاطت لويزة ناظور الشعر ـ على الرغم من كونها خريجة كلية التجارة ـ منذ نعومة أظفارها حتى تشكّل عندها عالمها الخاص مصحوبًا بوعي شعري جميل تنبثق جذوره من عوالم الكلمات، وينحتها من حجر المعاني الصلدة. وقد صدر لها عام 2010 ديوان "الريشة والأسفار" عن دار "لامارتان" بباريس، باللغتين العربية والفرنسية وكانت هي صاحبة الترجمة، وفي عام 2014 صدر ديوان "أوديسا الكلمات" باللغتين أيضًا عن دار "بورداريك" في باريس، وقد زاوجت فيه الشعر بالرسم، وبعده أصدرت ديوان: "تنهض بي بعيدًا" عن كل من: دار "تيمقاد"، ومنشورات "الاختلاف" الجزائرية، و"ضفاف" اللبنانية.
كما كانت لها مشاركة في الكتاب الجماعي: "باريس كما يراها العرب" بنص: "مدينة تصدح بتراتيل الحب والتاريخ" وصدر الكتاب عام 2016 عن دار الفارابي، والدار نفسها أصدرت كتاب "الرسائل المغربية" عام 2019 الذي شاركت فيه ناظور بنص "فاس طيف الغائب الذي يملأ النفس إلى حد الفيضان". ثم توالت إصدارتها لاحقًا بديوان: "وهل يرقد الموج؟" الذي صدر عام 2020م في الأردن عن دار "أزمنة" قبل أن يصدر عن دار "أونيسيتي" بباريس أيضًا ديوانها الجديد: "الريشة وعناق الياسمين" هذه السنة.
كتب الشاعر والفنان اللبناني مارسيل خليفة عن الشاعرة أنها: (طفلة مشاغبة تبوح بأسرارها، تعزف كلاما عذبا أمام المساء، وترى عوالم كاملة على ضوء شمعة خافتة ثم تحملها رياح الجنوب إلى المنفى الشمالي)، وبعد أن قرأ الدكتور وحيد عبد المجيد. مدير مركز الأهرام للدراسات السياسيّة والاستراتيجيّة بالقاهرة، ديوان الشاعرة لويزة ناظور: "تنهض بي بعيدا"، كتب مقالا تحت عنوان: "تكتب كأنها ترسم"، واخترت قوله: (ما أجملها الروح التي تسري في هذا الديوان .. عذوبة إنسانية تقطر من كلمات قصائدها المتنوعة، ونظرة عميقة إلي الحياة والزمن والإنسان تتجلي فيها. تكتب كما لو أنها ترسم ... لغة الديوان غنية في كلماتها، ومعانيها. لكن قيمة هذه اللغة الثرية ليست في جمال النص فقط. اللغة، هنا، تبدو وعاء لروح تُحلق في سماء منطقتنا العربية البائسة. تشعر، للوهلة الأولى، بأنها تُحلق من بعيد، من حيث تقيم الشاعرة في باريس. لكنك تجدها شديدة القرب إلي أوجاع ناسها ومشاعرهم).
يقول عنها الكاتب الجزائري: “أنور بن مالك”: (إنها تكتب عن الحياة اليومية، عن الحب، ومشقة العيش…، حتى أن لشعرها عمقا روحانيا، فحين تقرؤه تظنُّ وكأنه دعاء ومناجاة“، ربما هي بذلك تماثل الشعر الصوفي الذي يعتبر منبعا للتعبير الصادق، وما يتميز به من إيجاز لفظي ودلالة رحبة، ولطالما عبر الشعر عن المشاعر الإنسانية ورسم ملامحها أكثر من أي نوع أدبي آخر).
ويحق لي أن أقول بعد أن عايشتُ رحلاتها المكوكية من القارة الأوروبية إلى القارتين: الآسيوية والإفريقية عبر بلدان غربية وعربية، أن هذه المقاتلة المسالمة، الناعمة المظهر، صخرية المخبر، لا تبغي الشهرة، ولا تسوِقُ نفسها عبر الآلة الإعلامية الرهيبة لتقول: "أنا هنا"، لكنها مشروع مؤسسي يقوم على ركائز واعية، ويستهدف تحقيق غايات صعبة الإدراك، يتطلب من صاحبتها الجهد الجهيد عبر التنقل، والمشاركات هنا وهناك بحيث أتعبت من يمضي وراءَها يجمع درها المنثور، ولعل تقدمة العلامة المستعرب والشاعر الفرنسي البارز "أندريه ميكيل" لديوانها: "إنها تجربة فنية شعرية عطرة بنكهة الياسمين"... ويقول: (عندما نقرأ قصائد لويزة ناظور، يطل من خلالها الوطن، والبحر، والاغتراب، والسعادة وخيبات الأمل وغيرها من مظاهر ملموسة تحيلنا على قدر منفرد، منفتح على أفق يكشف لنا من خلاله قصصًا عالمية تشبهنا، وما زالت في حالة ترحال دائم وكأنها بذلك ترفع روح التحدي عند كل مغامر).
ويأت تقدير لويزة لميكيل نابعا ليس من احتفائه بقصائدها فحسب بل من احتفائه بالعربية معشوقتها وخير حامل أمين لمكنونات إبداعها المتجدد في الأساس: (لا يسعني ونحن نحتفل باليوم العالمي للغة العربية، الذي أقرته “اليونسكو”، سوى أن أوجه تحية اعتزاز وعرفان وإجلال للمستعرب الفرنسي الكبير أندريه ميكيل الذي كرس جل حياته لخدمة لغتنا العربية وإبراز دورها الحضاري الخلاق ومساهمتها في الإنتاج المعرفي العالمي).
ذلك أن أندريه ميكيل أغنى بدراساته الرصينة وكتاباته الأصيلة الثقافة العربية وأسهم في إثراء الحوار بين ضفتي المتوسط منذ حوالي نصف قرن، ولمن شاء أن يراجع سيرته، ومسيرته، ومؤلفاته.
ولعل من سيطالع أو طالع سيرتها وتتبع أخبارها سيجد العديد من مساهمات لويزة ناظور التي تتمثل في تنظيم وتفعيل العديد من التظاهرات الثقافية والفكرية في المؤسسات الثقافية الفرنسية، من أجل أن تبرز دومًا أوجه الثقافة العربية المتنوعة، والرائعة، كما لا تمل من حضور العديد من المؤتمرات العلمية الدولية العربية والفرنسية، ولا تكتفي بإلقاء قصائدها بل تشارك بتقديم البحوث في مجالات الإعلام والأدب والثقافة والتربية والاستثمار الثقافي، واللغة العربية والحوار بين الثقافات والأديان. وعلى الرغم من وداعتها وهدوئها إلا أنها تغضب من بعض المثقفين العرب لغيابهم عن حضور هذه المؤتمرات والفعاليات والنشاطات في العاصمة الفرنسية باريس، لكونها تعج بالمؤسسات الثقافية والهيئات الأدبية والشعرية.
ويكمن السبب في عتابها وغضبها أن هناك: (تطفل ثقافي لبعض هذه المؤسسات التي لا ترقى لمستوى التمثيل الثقافي العربي، فاللوم لا يقع عليها بل يقع على عاتق المؤسسات المخولة للتمثيل الثقافي والغائبة عن الساحة الثقافية، حيث كان يجب أن تكثف حضورها... الدول العربية بقدر ما تساهم في تمويل معهد العالم العربي، فهي غائبة ثقافيا أمام الجالية العربية التي تصبو للتواصل مع الوطن الأم ومع ثقافات الوطن الأم).
إن لويزة تعتز بلغتها العربية ودائما ما تعلن عبر حواراتها المكتوبة والمسموعة أن اللغة العربية: (لغة راقية ولها جمالياتها، تمنحنا كل التقنيات والأدوات لقول ما نريد قوله)، وحتى حين تكتب قصيدتها بالعربية وحدها أو بالفرنسية وحدها أو تترجمها من العربية إلى الفرنسية أو العكس فإنها ترى أنها إلى حدٍ ما قد: (وفقتُ في نقل الصورة الجمالية في القصيدة العربية، واستطعتُ أن أبث نوعًا من الروحية التي تلبسها قصيدتي باللغة العربية.. لكن تبقى قصيدتي أبلغ باللغة العربية من اللغة الفرنسية رغم ما تحمله من شاعرية وجمالية في هذه اللغة).
وتضيف: (اللغة العربية هي أقربُ إلى روحي.. محظوظون نحن بمسك خيوط اللغة العربية لضغط اللغة، ومَسكِ الخيال ووضعِه هكذا على الورقة حتّى نوصِل مرّة أُخرى صداها إلى القلوب؛ لأنّ الشِعر يخرُج من القلب ويصُبُّ في القلب. اللغة العربية تُعطينا كلّ هذه القُدرات، كلّ هذه الجماليات).
وتقول لبعض العرب الذين يعيشون في بلدانهم، ولا يحسنون كتابة لغتهم العربية "الأم" أو لا يحسنون نُطقها وقراءتها بدعوى أنهم يجيدون لغاتٍ غيرها: (واللهِ لو يعلمون كم هذه اللغة لها مكانتها في الغرب، حتّى في "باريس"، أصبحت هناك مدارِس تُدرِّس اللغة، أصبح هناك وعي لأهميّة اللغة. نحن نعرِف أنّ اللغات الثلاث التي ستبقى وستُقاوم العولمة هي الإنكليزية والصينية والعربية. اللغة العربية لها مكانتها).
امتزجت في كينونة لويزة وذاتها موجات عريضة من التسامح الحقيقي، الممزوج بالحب لبني البشر من كل جنس ولون ودين، لهذا فقد تجسدت القصيدة حتى صارتا معا كيانا واحدا، فعبر كلماتها تطير إلى فجاج الأرض ترشرش مواتها، وأحقادها، وخلافاتها بزخات عاطرات من تلافيف الروح، تنزل بردا وسلاما، لتوقظ في الإنسان إنسانيته، وتنقذه من أنانيته، وتنفخ في روحه من روحها سلاما: (يا زَمَنَ تَوَرُّمِ الضَمائرِ/ سَلاماً!/ سَلاماً على بَنِي البَشَرْ…/ سَلاماً على الذي قَرَأَ بِاسْمِ رَبِّـهِ/ الذي "عَلَّمَ بالقَلَمْ"/ "عَلَّمَهُ ما لَمْ يَعْلَمْ"…/ وعلى كُلِّ نبـيِّ/ حَطَّ في حيِّنا/ مُذْ نُفِخَ رُوحُ السَّلامِ/ في طِينَةِ أبِ البَشَرْ).
وعلى الرغم من اعتزازها بجزائريتها وعروبتها وعربيتها إلا أنها تعتز بباريس ولا تحسّ بالغربة فيها: (هناك حوار وتناغُم وفي ذات الوقت أُحاول دائِماً أن آخذ الأجمل والأنبل والأرقى وحتّى ما هو بين الضفتين، الثقافتين. أتكلّم هنا عن الثقافة الفرنسية التي في قلبها "باريس" مدينة الأنوار، مدينة الفِكر، مدينة تحقيق الأحلام .... الحبُّ حبلُ وثيقٌ يشدّني إلى هذه المدينة).
وتقول لويزة ناظور في وعن "باريس" موطن ميلادها: ("باريس" التي استحقّت ألقاباً كثيرة يحلو لي أن أُناديها بمدينة الحبّ، فالحبُّ وحده الذي استطاعت أن تبعثه في ذاتي من دون سابق إنذارٍ هو ما يجعلني أعتزُّ بها وأعود وأتصالحُ معها كلّما عاتبتها على ما تحملُ من مُفارقاتٍ قد تستفِزّني أحياناً إلّا أنَّ حبّي لها يشتدُّ كلّ مرة. كثيراً ما أتساءل وأنا أجوب شوارِع مدينة الجنّ والملائِكة التي تُحرِّضُ مُخيِّلتي من حينٍ إلى آخر، هلّ أنا الآن في رصيف الجنّ من شارع المدينة أم في الرصيف الآخر عند الملائِكة؟ أتساءل أيضاً:
من أيّ مكانٍ في هذه المدينة أطلق عميدُ الأدب العربي "طه حسين" عليها تسمية "عاصمة الجنّ والملائِكة" كي تبقى "باريس" إلى الأبد في ذاكرة الإنسان العربي؟ ربّما، عند اجتيازنا المقابر الباريسية التي تتوّقها الحدائِق نكون على شارع الجنّ مثلاً؟ أسأل نفسي بخُبثٍ ثمّ أضحكُ من نفسي على نفسي، فحتّى المقابر في "باريس" لها نصيبٌ من الجمال والإغراء حين تفتح لنا أبواب بوابات التاريخ والجمال على مصراعيها لنتأمل بإمعان إنجازات أبرز المشهورين في العالم من كُتّابٍ وموسيقيين وفلاسفة ورسّامين يرقدون تحت ضرائِح هياكل مُنجَزة بشكلٍ مُتميِّز وعريق في آنٍ واحِد).
لهذا حرصت لويزة أن تتواصل مع القارئ الفرنسي، فترجمتْ ما كتبتْ، لأنها ترى أن: (الفرنسية هي الجسر الذي يمد بيننا وبين القارئ الفرنسي ليعرف إبداعاتنا وثقافتنا العربية، وبما أنني أؤمن أن اللغة الأولى للإحساس وللشاعرية هي اللغة العربية كان لا بد أن أنقل تلك الشاعرية للقارئ الفرنسي، ليدرك ما يميزنا من جمالية وثراء لغوي وإبداعي).
على الرغم من أنها ترى أن: (جمالية اللغة العربية تجعل ولا أيّة ترجمة تُضاهي النصّ الجمالي للغة العربية)، لكنها لا تُنكِر أن: (ازدواجية اللغة التي ساعدتني في إحضار صور لغوية وجمالية موجودة في الأدب الفرنسي، فكل لغة لها حضورها وجماليتها.. فحين نمسك بخيوط الترجمة يساعدنا ذلك في استعارة الكثير من الصور الجمالية الموجودة باللغة الفرنسية، وحين نتقن الترجمة فبالتأكيد نتقن تلك الخيانة المحبذة).
لقد صدق قول الدكتور "مُعجب الزهراني"، مدير عام معهد العالم العربي في "باريس"، حين قال عن لويزة ناظور أنها: (هذه السيّدة عاشِقة للغة العربية وعشق اللغة هو شرط أساسي لكلّ مُبدِع سواء كان يتكلّم العربية منذ طفولته أي كانت لغته الأمّ، أو كان تعلّمها في فترة لاحقة كما حدث لـ "لويزة الناظور" الأمازيغية).
تعي الشاعرة والإعلامية والمترجمة لويزة الناظورة كونها باريسية المولد عربية الانتماء أن دورها الجوهري يكمن في أن تكون جسرا للتواصل بين الثقافتين: الفرنسية والعربية معا، وأن دورها في الترجمة هو من أهم الأدوار التي تلعبها من أجل فهم أفضل للعالم العربي المعاصر وتاريخه، حيث تساهم الترجمة في التنوع الثقافي للبشرية، كما تدعم الترويج للغة العربية كلغة حضارة وليست لغة إرهاب، والتوسع في تعليمها لغير الناطقين بها، وترى تعليمها لأبناء المهاجرين العرب ضرورة ملحة، من أجل أن تظل العربية كلغة جسرًا بين العربي المغترب ووطنه الأم.
ولذا تقول لويزا الناظور سفيرة لغتها العربية في الغرب: (لغتنا العربية، التي تميزت باستمراريتها التاريخية وقوة جمالياتها وتعابيرها، فيها كل المقومات لتجاوز العتبة الرقمية، لتمتطيها فرسًا يقفز إلى عصر ما بعد الحداثة بكل ما تقتضيه هذه الفترة من إرهاصات وتحولات قد يُستفاد منها أيضا في عموم الساحة الأوروبية).
ربما لهذا المزيج تميزت "ناظور" بالحركة الدائمة، والتنقل من دولة إلى دولة، ومن مؤتمر إلى غيره، ومن حوار إلى حوار سواء صحفي أو تلفازي أو إذاعي، أو تُلقي عددا من قصائدها هنا أو هناك، لا تستغربها الأماكن ولا تستغرقها، كأنها طائر محلق يريد أن يحتضن العالم بين جناحيه؛ فهي محبة لكل البشر من كل الجنسيات، والديانات، والألوان، واللغات، واللهجات، لا تعرف الإثنية أو العرقية أو العنصرية، أو الاستعلاء بالجنس أو الدين أو الميلاد، لا يسعك إلا أن تصدقها دون أن تبحث عن المصداقية أو حيثيات ذلك الانجذاب القلبي لكلماتها التي تحسها طازجة بلون المحبة، زاهية ببريق البراءة، وحين تطالع صفحة وجهها، وتغوص في عينيها، وتستقبل بسمتها تدرك أن قسماتها بلاد مكسوة بخضرة التسامح، تنتشي عبير الرضا والتسليم بقضاء الله .. دون أن تراجع عقلك؛ فقد سلبت قلبك!
لذا فقد كانت تجربة لويزة ناظور منفتحة على ثقافتين، ومتألقة على الضفتين المتقابلتين للبحر الأبيض المتوسط اللتين تبادلتا الأدوار الحضارية على مر التاريخ، وهذا ملمح مهم في تجربتها الإبداعية التي نهلت من مصادر متنوعة تاريخيا وثقافيا، كما يقول الدكتور ضياء الجنابي، وهو ما يعول عليه الكاتب الجزائري: (لويزة لم تكن مضطرة لتمجيد اللغة العربية في عاصمة فرنسية لا يقبل فيها بسهولة من يجسدها اليوم وأكثر من أي وقت مضى لولا الوفاء لصلب معدنها الثقافي).
وتمارس "لويزة" الكتابة الصحفية باللغتين العربية والفرنسية؛ فهي مستشارة خبيرة في تنظيم وتفعيل العديد من التظاهرات الثقافية والفكرية الهامة، وعضو هيئة تحرير لمجلة "بانوراما الشرق" الناطقة بالفرنسية في باريس، كما تشغل رئيسة مكتب باريس للمنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام، ومقرها لندن. كان المفروض أن يكون حديثي معها حوارا ألقي عليها الأسئلة وأترك لها وحدها عبء الأجوبة، غير أني بعد طول حديث شاق مع النفس رأيتُ أنه من الأفضل لشاعرتنا وللقارئ العربي والغربي، وللتاريخ أن أنهض بمهمة "جامع الدر المنثور" فيما قالوا عن "لويزا"، وقالت، وما سأقول هنا عنها، وذلك تيسيرا على القارئ وخدمة له للإلمام بنتف أو مختارات من لقاءاتها، وآرائها، أو آراء الغير فيها مما لن يتاح للقارئ الواحد الوقوف عليه مجتمعا؛ لأن هذه اللقاءات ـ كما أسلفت ـ مكتوبة أو مسموعة، أو مشَاهدة، حسب مقتضيات الحال، دون أن أنسى مهمتها التي لا تقف على أنها "الباريسية" المولد، والسفيرة للغتها العربية في أرجائها، بل لكونها "الباريسية" المولد والتفكير والتي تحمل رسالة التنوير، والتثوير، والتواصل بين بلد المولد، وبلد الجذور، أو بلد المنبع، وبلد المصب.
تعاطت لويزة ناظور الشعر ـ على الرغم من كونها خريجة كلية التجارة ـ منذ نعومة أظفارها حتى تشكّل عندها عالمها الخاص مصحوبًا بوعي شعري جميل تنبثق جذوره من عوالم الكلمات، وينحتها من حجر المعاني الصلدة. وقد صدر لها عام 2010 ديوان "الريشة والأسفار" عن دار "لامارتان" بباريس، باللغتين العربية والفرنسية وكانت هي صاحبة الترجمة، وفي عام 2014 صدر ديوان "أوديسا الكلمات" باللغتين أيضًا عن دار "بورداريك" في باريس، وقد زاوجت فيه الشعر بالرسم، وبعده أصدرت ديوان: "تنهض بي بعيدًا" عن كل من: دار "تيمقاد"، ومنشورات "الاختلاف" الجزائرية، و"ضفاف" اللبنانية.
كما كانت لها مشاركة في الكتاب الجماعي: "باريس كما يراها العرب" بنص: "مدينة تصدح بتراتيل الحب والتاريخ" وصدر الكتاب عام 2016 عن دار الفارابي، والدار نفسها أصدرت كتاب "الرسائل المغربية" عام 2019 الذي شاركت فيه ناظور بنص "فاس طيف الغائب الذي يملأ النفس إلى حد الفيضان". ثم توالت إصدارتها لاحقًا بديوان: "وهل يرقد الموج؟" الذي صدر عام 2020م في الأردن عن دار "أزمنة" قبل أن يصدر عن دار "أونيسيتي" بباريس أيضًا ديوانها الجديد: "الريشة وعناق الياسمين" هذه السنة.
كتب الشاعر والفنان اللبناني مارسيل خليفة عن الشاعرة أنها: (طفلة مشاغبة تبوح بأسرارها، تعزف كلاما عذبا أمام المساء، وترى عوالم كاملة على ضوء شمعة خافتة ثم تحملها رياح الجنوب إلى المنفى الشمالي)، وبعد أن قرأ الدكتور وحيد عبد المجيد. مدير مركز الأهرام للدراسات السياسيّة والاستراتيجيّة بالقاهرة، ديوان الشاعرة لويزة ناظور: "تنهض بي بعيدا"، كتب مقالا تحت عنوان: "تكتب كأنها ترسم"، واخترت قوله: (ما أجملها الروح التي تسري في هذا الديوان .. عذوبة إنسانية تقطر من كلمات قصائدها المتنوعة، ونظرة عميقة إلي الحياة والزمن والإنسان تتجلي فيها. تكتب كما لو أنها ترسم ... لغة الديوان غنية في كلماتها، ومعانيها. لكن قيمة هذه اللغة الثرية ليست في جمال النص فقط. اللغة، هنا، تبدو وعاء لروح تُحلق في سماء منطقتنا العربية البائسة. تشعر، للوهلة الأولى، بأنها تُحلق من بعيد، من حيث تقيم الشاعرة في باريس. لكنك تجدها شديدة القرب إلي أوجاع ناسها ومشاعرهم).
يقول عنها الكاتب الجزائري: “أنور بن مالك”: (إنها تكتب عن الحياة اليومية، عن الحب، ومشقة العيش…، حتى أن لشعرها عمقا روحانيا، فحين تقرؤه تظنُّ وكأنه دعاء ومناجاة“، ربما هي بذلك تماثل الشعر الصوفي الذي يعتبر منبعا للتعبير الصادق، وما يتميز به من إيجاز لفظي ودلالة رحبة، ولطالما عبر الشعر عن المشاعر الإنسانية ورسم ملامحها أكثر من أي نوع أدبي آخر).
ويحق لي أن أقول بعد أن عايشتُ رحلاتها المكوكية من القارة الأوروبية إلى القارتين: الآسيوية والإفريقية عبر بلدان غربية وعربية، أن هذه المقاتلة المسالمة، الناعمة المظهر، صخرية المخبر، لا تبغي الشهرة، ولا تسوِقُ نفسها عبر الآلة الإعلامية الرهيبة لتقول: "أنا هنا"، لكنها مشروع مؤسسي يقوم على ركائز واعية، ويستهدف تحقيق غايات صعبة الإدراك، يتطلب من صاحبتها الجهد الجهيد عبر التنقل، والمشاركات هنا وهناك بحيث أتعبت من يمضي وراءَها يجمع درها المنثور، ولعل تقدمة العلامة المستعرب والشاعر الفرنسي البارز "أندريه ميكيل" لديوانها: "إنها تجربة فنية شعرية عطرة بنكهة الياسمين"... ويقول: (عندما نقرأ قصائد لويزة ناظور، يطل من خلالها الوطن، والبحر، والاغتراب، والسعادة وخيبات الأمل وغيرها من مظاهر ملموسة تحيلنا على قدر منفرد، منفتح على أفق يكشف لنا من خلاله قصصًا عالمية تشبهنا، وما زالت في حالة ترحال دائم وكأنها بذلك ترفع روح التحدي عند كل مغامر).
ويأت تقدير لويزة لميكيل نابعا ليس من احتفائه بقصائدها فحسب بل من احتفائه بالعربية معشوقتها وخير حامل أمين لمكنونات إبداعها المتجدد في الأساس: (لا يسعني ونحن نحتفل باليوم العالمي للغة العربية، الذي أقرته “اليونسكو”، سوى أن أوجه تحية اعتزاز وعرفان وإجلال للمستعرب الفرنسي الكبير أندريه ميكيل الذي كرس جل حياته لخدمة لغتنا العربية وإبراز دورها الحضاري الخلاق ومساهمتها في الإنتاج المعرفي العالمي).
ذلك أن أندريه ميكيل أغنى بدراساته الرصينة وكتاباته الأصيلة الثقافة العربية وأسهم في إثراء الحوار بين ضفتي المتوسط منذ حوالي نصف قرن، ولمن شاء أن يراجع سيرته، ومسيرته، ومؤلفاته.
ولعل من سيطالع أو طالع سيرتها وتتبع أخبارها سيجد العديد من مساهمات لويزة ناظور التي تتمثل في تنظيم وتفعيل العديد من التظاهرات الثقافية والفكرية في المؤسسات الثقافية الفرنسية، من أجل أن تبرز دومًا أوجه الثقافة العربية المتنوعة، والرائعة، كما لا تمل من حضور العديد من المؤتمرات العلمية الدولية العربية والفرنسية، ولا تكتفي بإلقاء قصائدها بل تشارك بتقديم البحوث في مجالات الإعلام والأدب والثقافة والتربية والاستثمار الثقافي، واللغة العربية والحوار بين الثقافات والأديان. وعلى الرغم من وداعتها وهدوئها إلا أنها تغضب من بعض المثقفين العرب لغيابهم عن حضور هذه المؤتمرات والفعاليات والنشاطات في العاصمة الفرنسية باريس، لكونها تعج بالمؤسسات الثقافية والهيئات الأدبية والشعرية.
ويكمن السبب في عتابها وغضبها أن هناك: (تطفل ثقافي لبعض هذه المؤسسات التي لا ترقى لمستوى التمثيل الثقافي العربي، فاللوم لا يقع عليها بل يقع على عاتق المؤسسات المخولة للتمثيل الثقافي والغائبة عن الساحة الثقافية، حيث كان يجب أن تكثف حضورها... الدول العربية بقدر ما تساهم في تمويل معهد العالم العربي، فهي غائبة ثقافيا أمام الجالية العربية التي تصبو للتواصل مع الوطن الأم ومع ثقافات الوطن الأم).
إن لويزة تعتز بلغتها العربية ودائما ما تعلن عبر حواراتها المكتوبة والمسموعة أن اللغة العربية: (لغة راقية ولها جمالياتها، تمنحنا كل التقنيات والأدوات لقول ما نريد قوله)، وحتى حين تكتب قصيدتها بالعربية وحدها أو بالفرنسية وحدها أو تترجمها من العربية إلى الفرنسية أو العكس فإنها ترى أنها إلى حدٍ ما قد: (وفقتُ في نقل الصورة الجمالية في القصيدة العربية، واستطعتُ أن أبث نوعًا من الروحية التي تلبسها قصيدتي باللغة العربية.. لكن تبقى قصيدتي أبلغ باللغة العربية من اللغة الفرنسية رغم ما تحمله من شاعرية وجمالية في هذه اللغة).
وتضيف: (اللغة العربية هي أقربُ إلى روحي.. محظوظون نحن بمسك خيوط اللغة العربية لضغط اللغة، ومَسكِ الخيال ووضعِه هكذا على الورقة حتّى نوصِل مرّة أُخرى صداها إلى القلوب؛ لأنّ الشِعر يخرُج من القلب ويصُبُّ في القلب. اللغة العربية تُعطينا كلّ هذه القُدرات، كلّ هذه الجماليات).
وتقول لبعض العرب الذين يعيشون في بلدانهم، ولا يحسنون كتابة لغتهم العربية "الأم" أو لا يحسنون نُطقها وقراءتها بدعوى أنهم يجيدون لغاتٍ غيرها: (واللهِ لو يعلمون كم هذه اللغة لها مكانتها في الغرب، حتّى في "باريس"، أصبحت هناك مدارِس تُدرِّس اللغة، أصبح هناك وعي لأهميّة اللغة. نحن نعرِف أنّ اللغات الثلاث التي ستبقى وستُقاوم العولمة هي الإنكليزية والصينية والعربية. اللغة العربية لها مكانتها).
امتزجت في كينونة لويزة وذاتها موجات عريضة من التسامح الحقيقي، الممزوج بالحب لبني البشر من كل جنس ولون ودين، لهذا فقد تجسدت القصيدة حتى صارتا معا كيانا واحدا، فعبر كلماتها تطير إلى فجاج الأرض ترشرش مواتها، وأحقادها، وخلافاتها بزخات عاطرات من تلافيف الروح، تنزل بردا وسلاما، لتوقظ في الإنسان إنسانيته، وتنقذه من أنانيته، وتنفخ في روحه من روحها سلاما: (يا زَمَنَ تَوَرُّمِ الضَمائرِ/ سَلاماً!/ سَلاماً على بَنِي البَشَرْ…/ سَلاماً على الذي قَرَأَ بِاسْمِ رَبِّـهِ/ الذي "عَلَّمَ بالقَلَمْ"/ "عَلَّمَهُ ما لَمْ يَعْلَمْ"…/ وعلى كُلِّ نبـيِّ/ حَطَّ في حيِّنا/ مُذْ نُفِخَ رُوحُ السَّلامِ/ في طِينَةِ أبِ البَشَرْ).
وعلى الرغم من اعتزازها بجزائريتها وعروبتها وعربيتها إلا أنها تعتز بباريس ولا تحسّ بالغربة فيها: (هناك حوار وتناغُم وفي ذات الوقت أُحاول دائِماً أن آخذ الأجمل والأنبل والأرقى وحتّى ما هو بين الضفتين، الثقافتين. أتكلّم هنا عن الثقافة الفرنسية التي في قلبها "باريس" مدينة الأنوار، مدينة الفِكر، مدينة تحقيق الأحلام .... الحبُّ حبلُ وثيقٌ يشدّني إلى هذه المدينة).
وتقول لويزة ناظور في وعن "باريس" موطن ميلادها: ("باريس" التي استحقّت ألقاباً كثيرة يحلو لي أن أُناديها بمدينة الحبّ، فالحبُّ وحده الذي استطاعت أن تبعثه في ذاتي من دون سابق إنذارٍ هو ما يجعلني أعتزُّ بها وأعود وأتصالحُ معها كلّما عاتبتها على ما تحملُ من مُفارقاتٍ قد تستفِزّني أحياناً إلّا أنَّ حبّي لها يشتدُّ كلّ مرة. كثيراً ما أتساءل وأنا أجوب شوارِع مدينة الجنّ والملائِكة التي تُحرِّضُ مُخيِّلتي من حينٍ إلى آخر، هلّ أنا الآن في رصيف الجنّ من شارع المدينة أم في الرصيف الآخر عند الملائِكة؟ أتساءل أيضاً:
من أيّ مكانٍ في هذه المدينة أطلق عميدُ الأدب العربي "طه حسين" عليها تسمية "عاصمة الجنّ والملائِكة" كي تبقى "باريس" إلى الأبد في ذاكرة الإنسان العربي؟ ربّما، عند اجتيازنا المقابر الباريسية التي تتوّقها الحدائِق نكون على شارع الجنّ مثلاً؟ أسأل نفسي بخُبثٍ ثمّ أضحكُ من نفسي على نفسي، فحتّى المقابر في "باريس" لها نصيبٌ من الجمال والإغراء حين تفتح لنا أبواب بوابات التاريخ والجمال على مصراعيها لنتأمل بإمعان إنجازات أبرز المشهورين في العالم من كُتّابٍ وموسيقيين وفلاسفة ورسّامين يرقدون تحت ضرائِح هياكل مُنجَزة بشكلٍ مُتميِّز وعريق في آنٍ واحِد).
لهذا حرصت لويزة أن تتواصل مع القارئ الفرنسي، فترجمتْ ما كتبتْ، لأنها ترى أن: (الفرنسية هي الجسر الذي يمد بيننا وبين القارئ الفرنسي ليعرف إبداعاتنا وثقافتنا العربية، وبما أنني أؤمن أن اللغة الأولى للإحساس وللشاعرية هي اللغة العربية كان لا بد أن أنقل تلك الشاعرية للقارئ الفرنسي، ليدرك ما يميزنا من جمالية وثراء لغوي وإبداعي).
على الرغم من أنها ترى أن: (جمالية اللغة العربية تجعل ولا أيّة ترجمة تُضاهي النصّ الجمالي للغة العربية)، لكنها لا تُنكِر أن: (ازدواجية اللغة التي ساعدتني في إحضار صور لغوية وجمالية موجودة في الأدب الفرنسي، فكل لغة لها حضورها وجماليتها.. فحين نمسك بخيوط الترجمة يساعدنا ذلك في استعارة الكثير من الصور الجمالية الموجودة باللغة الفرنسية، وحين نتقن الترجمة فبالتأكيد نتقن تلك الخيانة المحبذة).
لقد صدق قول الدكتور "مُعجب الزهراني"، مدير عام معهد العالم العربي في "باريس"، حين قال عن لويزة ناظور أنها: (هذه السيّدة عاشِقة للغة العربية وعشق اللغة هو شرط أساسي لكلّ مُبدِع سواء كان يتكلّم العربية منذ طفولته أي كانت لغته الأمّ، أو كان تعلّمها في فترة لاحقة كما حدث لـ "لويزة الناظور" الأمازيغية).
تعي الشاعرة والإعلامية والمترجمة لويزة الناظورة كونها باريسية المولد عربية الانتماء أن دورها الجوهري يكمن في أن تكون جسرا للتواصل بين الثقافتين: الفرنسية والعربية معا، وأن دورها في الترجمة هو من أهم الأدوار التي تلعبها من أجل فهم أفضل للعالم العربي المعاصر وتاريخه، حيث تساهم الترجمة في التنوع الثقافي للبشرية، كما تدعم الترويج للغة العربية كلغة حضارة وليست لغة إرهاب، والتوسع في تعليمها لغير الناطقين بها، وترى تعليمها لأبناء المهاجرين العرب ضرورة ملحة، من أجل أن تظل العربية كلغة جسرًا بين العربي المغترب ووطنه الأم.
ولذا تقول لويزا الناظور سفيرة لغتها العربية في الغرب: (لغتنا العربية، التي تميزت باستمراريتها التاريخية وقوة جمالياتها وتعابيرها، فيها كل المقومات لتجاوز العتبة الرقمية، لتمتطيها فرسًا يقفز إلى عصر ما بعد الحداثة بكل ما تقتضيه هذه الفترة من إرهاصات وتحولات قد يُستفاد منها أيضا في عموم الساحة الأوروبية).