اذا كان الشعر عند جون كوهين هو "انتهاك قوانين الكلام"، فإن الشاعر المغربي مصطفى نجي وردي قد اقترف هذا الجرم الجمالي بامتياز في ديوانه "نقش على الأمواج" من خلال زخم من الانزياحات الدلالية التي منحت النصوص الشعرية بعدا جماليا وعملت على جذب المتلقي وإثارته ابتداء من العتبة أو العنوان إلى آخر نصوص هذا الديوان.
وباعتبار العنوان هو البوابة التي سنمر عبرها إلى العالم الشعري لمصطفى نجي وردي، لا بأس أن نتوقف عنده قليلا في محاولة لمكاشفته. إذ يبدو جليا أن الشاعر حاول من خلال اعتماده الانزياح في بنية العنوان "نقش على الأمواج" أن يخرج عن سطوة كل ما هو مألوف وقدم لنا انزياحا دلاليا يخدم النص والقارئ باعتباره يخلق الدهشة بداخله ويجعل هذا الأخير يطرح أسئلة عديدة حول مغزى النقش على الأمواج، وهل من الممكن أن يتحقق نقش على الأمواج؟ إلخ... . ولعل من بين الأجوبة التي قد يتوصل إليها المتلقي أن الشاعر من خلال هذا الديوان يحاول أن ينقش تجربته الوجدانية الخاصة على الموج باعتباره متكسرا ومتجددا. فالتكسر والتجدد هنا قد يرمز إلى تكسر التجربة الخاصة للذات الشاعرة وتجددها لتأخذ شكل ومقاس تجربة المتلقي، وبهذا المعنى تصبح تجربة الذات الشاعرة المنفتحة على العديد من التأويلات هي تجربة المتلقي المتجددة عبر تموجات لا متناهية.
وبالانتقال لنصوص هذا المنجز الشعري الذي يعتبر ثالث دواوين الشاعر مصطفى نجي وردي، والذي صدر عن منشورات نرجس سنة 2022، يمكننا أن نستشف أن قصائد "نقش على الأمواج" تعكس انزياحات دلالية واضحة تتميز بالفجائية ومخالفة منطق الأشياء.
فعلى سبيل المثال لا الحصر يقول الشاعر في قصيدة "أعشقك" الصفحة 6: أتعطر بغيم الانتشاء../ وأستظل بولائم الشمس/ تحت أجنحة النهار.. .
ويقول في قصيدة "ليته يعلم" الصفحة 20 : تتعطر كل الدروب / بغيم المنى/ ويشتد هولي على نبض / اللقاء ... حينما أراه..
وفي نص "قصيدة من قش" الصفحة 24: وتصبح الأحلام بين / غصن .. وغصن... / وتتفرع الأطياف في جيبي.
أما في قصيدة "للقلب نوافذ وثقوب" فنجد الشاعر يتفنن في الانزياح عن المألوف إذ يقول في الصفحة 69: أخبريهم أن الروح مصلوبة/ على جذع حنينك
وكمثال أخير يمكننا أن نأخذ من قصيدة "لا فائدة" بعض الانزياحات الدلالية، ففي الصفحة 78 يقول الشاعر: لقد امتد ليلك ليغتالني / فتناثرت أبراجه../ واحمرت وجنتا الشمس.
من خلال هذه النماذج وغيرها مما جاء في نصوص ديوان "نقش على الأمواج" يمكننا أن نستخلص أن الشاعر مصطفى نجي وردي سعى في كل نصوصه إلى التميز الشعري من خلال تجاوز نمطية اللغة وخلق عالم شعري ساحر معتمدا في ذلك على طاقات إبداعية من بينها توظيف الانزياحات الدلالية، غير أن هذه الأخيرة لم تؤدي إلى غموض الخطاب الشعري ولم تخلق قطيعة بين الشاعر وجمهوره، وإنما جاء الانزياح في ديوان "نقش على الأمواج" كوسيلة لخلق لغة شعرية ساحرة تتدحرج من المكاشفة إلى الترميز والإيحاء.
إن المتلقي وهو بصدد قراءة الديوان لابد أن يلمس أن القصائد تصطبغ بالصور والتعابير والمشاعر التي تعكس نفسية الذات الشاعرة الحالمة والمتأملة. فلقد تمحورت سياقات القصيدة حول الحبيبة والبحر. بل إن الحبيبة لدى الشاعر تصبح في بعض الأحيان بحرا حيث يقول في قصيدة "أعشقك" مخاطبا الحبيبة: يا بحر..؟ّ! / حضنتني فغررت بي / ولقفتني إلى حيث لا أدري .. / يا بحر ../ أشكوك أم أرثيك [...] عشقتك يا بحر الظلمات/ يا باقر الصدر ويا زارع/ النعرات../ أكلت شويهتي../أحرقت أوردتي.. / وفجعت قلبي.. . وفي نص "قصيدة ولا بحر": كوني المد والجزر / واصنعي من قصيدتي قواربا / وسفنا../ ودمري كل الزوابع/ والمسافات.. [...] وسآتيك يا بحري الهائج/ هائجا../ عاريا من ريشي...
إن ارتباط الشاعر بالبحر وجدانيا بدا جليا في نصوص هذا الديوان الشعري، سواء من خلال المعجم الدلالي للبحر الذي جاء غنيا بعد معجم الحب، أو من خلال شلال البوح الذي طبع الكثير من النصوص كما هو الحال في قصيدة "همس البحر والغياب" الصفحة 37: البحر .. هذا البحر/ نافذة لتكسير الليالي/ حين تشاغبني أمواجه.. . يبدو جليا من خلال هذا المقطع أن البحر يشكل للشاعر متنفسا يكسر سواد الواقع وملجأ يحتمي به كلما تعرضت هذه الذات الشاعرة للانكسار.
ومع الارتحال في وجع القصيدة لدى الشاعر يمكننا أن نتبين أن الشعر عنده غير مقتصر على التعبير عن معاناة ومكابدة عاشق ينثر أشواقه وحبه على طول الديوان الشعري، حيث أننا يمكننا أن نلامس في أكثر من موضع ارتباط الشاعر بقضايا وطنه، إذ يقول في قصيدة "مرايا السراب" الصفحة 33: فلا تدوسوا الألم والمساطر.../ جرح على جرح ينمو ويكبر../ وقوافل الصبايا تهاجر../ ورزايا ومن هولها بحت الحناجر../ ولا طواويس على المنابر../ وأكبادنا كل ساعة وحين/ على الأكتاف تحمل للمقابر... . ويضيف في قصيدة "علها كلمات": تصمت كل الألسن عن/ الكلام غير المباح.../ ينقشع الظلام../ تعود كل المحاسن لمبسمها/ يبتسم الصبح بإشراقة صيف/ وضاح../ يعيش الوطن بلا حروب/ بلا ضغائن/ بلا رهائن/ ويذوب السواد الداكن/ والساكن ظل الشموع...
وإذا نظرنا إلى ارتباط الشاعر بقضايا تهم الوطن العربي، فإن القضية الفلسطينية حاضرة بوجدان الشاعر وذلك من خلال قصيدة "صفقة القرن": والله فلسطين لن تضيع/ وفلس طين ستجمع حروفها.. /سنحرر فلسطين/ والقدس من الغاصبين../ سنذيب كل جليد/ سنقيم عليك يا فلسطين حراسا/ وأمنة وعسسا..
إن هذا الديوان هو نقش لمعاناة الذات الشاعرة سواء في العشق أو في ارتباطها بواقعها المعيش، نقش بلغة رومانسية حالمة تعطي الخطاب الشعري بعدا حميميا يأسر المتلقي ويجعله مرتبطا بتموجات تعبيرية لا نهاية لها.
رجاء بسبوسي
وباعتبار العنوان هو البوابة التي سنمر عبرها إلى العالم الشعري لمصطفى نجي وردي، لا بأس أن نتوقف عنده قليلا في محاولة لمكاشفته. إذ يبدو جليا أن الشاعر حاول من خلال اعتماده الانزياح في بنية العنوان "نقش على الأمواج" أن يخرج عن سطوة كل ما هو مألوف وقدم لنا انزياحا دلاليا يخدم النص والقارئ باعتباره يخلق الدهشة بداخله ويجعل هذا الأخير يطرح أسئلة عديدة حول مغزى النقش على الأمواج، وهل من الممكن أن يتحقق نقش على الأمواج؟ إلخ... . ولعل من بين الأجوبة التي قد يتوصل إليها المتلقي أن الشاعر من خلال هذا الديوان يحاول أن ينقش تجربته الوجدانية الخاصة على الموج باعتباره متكسرا ومتجددا. فالتكسر والتجدد هنا قد يرمز إلى تكسر التجربة الخاصة للذات الشاعرة وتجددها لتأخذ شكل ومقاس تجربة المتلقي، وبهذا المعنى تصبح تجربة الذات الشاعرة المنفتحة على العديد من التأويلات هي تجربة المتلقي المتجددة عبر تموجات لا متناهية.
وبالانتقال لنصوص هذا المنجز الشعري الذي يعتبر ثالث دواوين الشاعر مصطفى نجي وردي، والذي صدر عن منشورات نرجس سنة 2022، يمكننا أن نستشف أن قصائد "نقش على الأمواج" تعكس انزياحات دلالية واضحة تتميز بالفجائية ومخالفة منطق الأشياء.
فعلى سبيل المثال لا الحصر يقول الشاعر في قصيدة "أعشقك" الصفحة 6: أتعطر بغيم الانتشاء../ وأستظل بولائم الشمس/ تحت أجنحة النهار.. .
ويقول في قصيدة "ليته يعلم" الصفحة 20 : تتعطر كل الدروب / بغيم المنى/ ويشتد هولي على نبض / اللقاء ... حينما أراه..
وفي نص "قصيدة من قش" الصفحة 24: وتصبح الأحلام بين / غصن .. وغصن... / وتتفرع الأطياف في جيبي.
أما في قصيدة "للقلب نوافذ وثقوب" فنجد الشاعر يتفنن في الانزياح عن المألوف إذ يقول في الصفحة 69: أخبريهم أن الروح مصلوبة/ على جذع حنينك
وكمثال أخير يمكننا أن نأخذ من قصيدة "لا فائدة" بعض الانزياحات الدلالية، ففي الصفحة 78 يقول الشاعر: لقد امتد ليلك ليغتالني / فتناثرت أبراجه../ واحمرت وجنتا الشمس.
من خلال هذه النماذج وغيرها مما جاء في نصوص ديوان "نقش على الأمواج" يمكننا أن نستخلص أن الشاعر مصطفى نجي وردي سعى في كل نصوصه إلى التميز الشعري من خلال تجاوز نمطية اللغة وخلق عالم شعري ساحر معتمدا في ذلك على طاقات إبداعية من بينها توظيف الانزياحات الدلالية، غير أن هذه الأخيرة لم تؤدي إلى غموض الخطاب الشعري ولم تخلق قطيعة بين الشاعر وجمهوره، وإنما جاء الانزياح في ديوان "نقش على الأمواج" كوسيلة لخلق لغة شعرية ساحرة تتدحرج من المكاشفة إلى الترميز والإيحاء.
إن المتلقي وهو بصدد قراءة الديوان لابد أن يلمس أن القصائد تصطبغ بالصور والتعابير والمشاعر التي تعكس نفسية الذات الشاعرة الحالمة والمتأملة. فلقد تمحورت سياقات القصيدة حول الحبيبة والبحر. بل إن الحبيبة لدى الشاعر تصبح في بعض الأحيان بحرا حيث يقول في قصيدة "أعشقك" مخاطبا الحبيبة: يا بحر..؟ّ! / حضنتني فغررت بي / ولقفتني إلى حيث لا أدري .. / يا بحر ../ أشكوك أم أرثيك [...] عشقتك يا بحر الظلمات/ يا باقر الصدر ويا زارع/ النعرات../ أكلت شويهتي../أحرقت أوردتي.. / وفجعت قلبي.. . وفي نص "قصيدة ولا بحر": كوني المد والجزر / واصنعي من قصيدتي قواربا / وسفنا../ ودمري كل الزوابع/ والمسافات.. [...] وسآتيك يا بحري الهائج/ هائجا../ عاريا من ريشي...
إن ارتباط الشاعر بالبحر وجدانيا بدا جليا في نصوص هذا الديوان الشعري، سواء من خلال المعجم الدلالي للبحر الذي جاء غنيا بعد معجم الحب، أو من خلال شلال البوح الذي طبع الكثير من النصوص كما هو الحال في قصيدة "همس البحر والغياب" الصفحة 37: البحر .. هذا البحر/ نافذة لتكسير الليالي/ حين تشاغبني أمواجه.. . يبدو جليا من خلال هذا المقطع أن البحر يشكل للشاعر متنفسا يكسر سواد الواقع وملجأ يحتمي به كلما تعرضت هذه الذات الشاعرة للانكسار.
ومع الارتحال في وجع القصيدة لدى الشاعر يمكننا أن نتبين أن الشعر عنده غير مقتصر على التعبير عن معاناة ومكابدة عاشق ينثر أشواقه وحبه على طول الديوان الشعري، حيث أننا يمكننا أن نلامس في أكثر من موضع ارتباط الشاعر بقضايا وطنه، إذ يقول في قصيدة "مرايا السراب" الصفحة 33: فلا تدوسوا الألم والمساطر.../ جرح على جرح ينمو ويكبر../ وقوافل الصبايا تهاجر../ ورزايا ومن هولها بحت الحناجر../ ولا طواويس على المنابر../ وأكبادنا كل ساعة وحين/ على الأكتاف تحمل للمقابر... . ويضيف في قصيدة "علها كلمات": تصمت كل الألسن عن/ الكلام غير المباح.../ ينقشع الظلام../ تعود كل المحاسن لمبسمها/ يبتسم الصبح بإشراقة صيف/ وضاح../ يعيش الوطن بلا حروب/ بلا ضغائن/ بلا رهائن/ ويذوب السواد الداكن/ والساكن ظل الشموع...
وإذا نظرنا إلى ارتباط الشاعر بقضايا تهم الوطن العربي، فإن القضية الفلسطينية حاضرة بوجدان الشاعر وذلك من خلال قصيدة "صفقة القرن": والله فلسطين لن تضيع/ وفلس طين ستجمع حروفها.. /سنحرر فلسطين/ والقدس من الغاصبين../ سنذيب كل جليد/ سنقيم عليك يا فلسطين حراسا/ وأمنة وعسسا..
إن هذا الديوان هو نقش لمعاناة الذات الشاعرة سواء في العشق أو في ارتباطها بواقعها المعيش، نقش بلغة رومانسية حالمة تعطي الخطاب الشعري بعدا حميميا يأسر المتلقي ويجعله مرتبطا بتموجات تعبيرية لا نهاية لها.
رجاء بسبوسي