ليس من اليسير دراسة عمران المدينة العربية، إذ إن تصنيفاتها التفصيليّة بالغة التشعب لجهة بدايات تشكّلها وسيرورتها ودلالاتها، وصولا إلى اتخاذ هذه المدينة أشكالا خاصة وهويات مستقلّة بعد أطوار من التأثر بحضارات سبقت الحضارة العربية الإسلامية في تماساتها الحضارية. ولا ينفصلُ العمران، عموما، عن مفهوم البيئة ((environnement الأشمل. ونعني المفهوم الذي يُدرج، إضافة إلى المؤثرات الطبيعية الخارجيّة، كلّ ما من شأنه التأثير على حياة الفرد والجماعة في محيطهِ المعيش داخل أي دائرة جغرافية مفترضة. يكون العمران، بهذا المعنى، حلقة أو نسقا ضمن سلسلة من المحاولات الفردية أو الجماعيّة للتعامل مع الخارج في سبيل التأقلم الآمن اجتماعيّا ونفسيّا في مناخاتٍ متفاوتة.
سياقات أولى ودلالات: المسجد قلب المدينة
تأسست المدينة العربية بعد الفتح الإسلامي حول مركزٍ مشادٍ في الجماعة نفسها قبل مكانها. نعني المسجد. المسجد، في حيز الجماعة الأولى ليس مكانا منطويا معزولا لأداء طقوس فردية تعبّدية، بل هو، في مفهوم الجماعة العام، القطبُ العمرانيّ الذي من المفترض أن يراعي، إضافة إلى تمركزه المكاني في قلب المدينة العربية، تمركزَه، شكلا ومضمونا، في نفس الفرد وتاليا في نفس هذه الجماعة.
المسجد بهذا المعنى هو المؤسسة العمرانية العربيّة الوليدة (أو هو تمثل دلاليّ أحدث
مقالات ذات صلة:
إشكاليات ومفارقات يثيرها "الإحلال" العمراني الطبقي: مثال مصر
عن مفهوم العمارة المنحازة للناس وعن الشغف بعمارة اليمن
للكعبة وأدوارها)، التي انطبعت فيها رؤية الفرد العربي لانبثاقته الجماعية الجديدة بمختلف تمظهراتها الدينية والثقافية والسياسية. إنه المركز النفسيّ البدئيّ الذي تدور حوله وفيه، آليات صناعة التصورات حول العمران، الذي سيضيف للمدينة شطرا وازنا من آفاق هذه الجماعة قيميّا، فضلا عن التمظهر الفنيّ الخارجيّ لهذا العمران.
الطرقُ والممرات والأزقّة في المدن الوليدة هي الطرق التي تؤدي إلى المسجد، والبيوت الموازية على جوانب هذه الطرق أو تفريعاتها الداخلية، إذ تراعي المناخ والبيئة، فإنها تراعي في تقسيماتها، بأهميّة قصوى، انكشاف وإشراف القلب/المسجد عليها ماديا ومعنويّا. إذاً، يتعدى هذا الانكشاف طغيان المسجد الشكليّ على بيوت المدينة والقبائل المتناثرة ببطونها، حول المسجد وفي الضواحي، إلى كونه انكشافا وطغيانا نفسيّا للمسجد بدلالاته ومعاييره الفقهية العمليّة التفصيلية على قاطني هذه البيوت باعتبارهم جماعة واحدة تتصل في الظاهر والباطن بهذا المعْلم العمراني المؤسِس.
هذا التشكل العمراني الأوّل للمدينة العربية في الأمصار الأساسية الممدّنة، شكل اللبنة المنبسطة الأولى في تصور العربي لعمرانه. الإدماجات أو المواءمات العمرانية الحضارية المتنوعة اللاحقة، بزخارفها وفنونها كافة، بعد توسع الامبرطورية، سوف تنطبع بشكل أو بآخر بهذا التشكّل المفهوميّ الأوّل الذي يراعي مركزيّة المسجد الجامع بخطابه الأسبوعي وتمثلات هذا الصرح في نفس الفرد والجماعة. المركزية التي لا تقتصر على كونها شكلا من الإشراف والتحكم الدينيّ بمعايير الاجتماع، بل تجمع إلى ذلك كله التمركز والتحكم السياسيّ (ولاية) والثقافيّ (فنونا)، والاقتصادي.
التمايز
الانفصال التدريجي في الوظائف المركزيّة التي كان يؤديها مسجد المدينة العربية من خلال ابتكار التمايز أو الفصل المكانيّ للوظيفة السياسية في المدينة (دار أو قصر الإمارة) عن موقع المسجد، يعتبر من أوائل المؤشرات على ثنائية في طور التبلور، كان من شأنها التأثير على الثبات المفهومي في نظرة الفرد والجماعة إلى ذلك المركز ووظائفه. قصر الإمارة أو الحكم منافسا بقدر طفيف قطبيَة المسجد سوف يخلق التباسا ظل قابلا للتفاقم ودائم التأثير في طبيعة تعامل الفرد مع المدينة في السيرورة الاجتماعية للقرون اللاحقة.
إن كمون وتجوهر النموذج الشكليّ الاوّل بتأثيراته القيمية البسيطة، شكلا ومضمونا في نفس الجماعة، ومن ثم الاجتهاد في محاولة المحافظة على ذلك الشكل المركزي، سوف يصطدم بتماسات وتحولات المدينة العربية المتسارعة، إذ لم يعد ذلك الشكل الأوليّ قادرا على استيعاب التعقيدات المدنيّة والعمرانية الناتجة على تغول الامبرطورية الاسلامية وتعالقاتها الثقافية والاجتماعية مع شعوب كثيرة وأحداث هائلة غير قابلة للحصر.
تصنيفات طرز المساجد والقصور
قام باحثون ومتخصصون بجهود كبيرة لمعرفة الأسس التصنيفية للعمران العربيّ. ولعل من أشهر التصنيفات في هذا المجال هو تصنيف الأثريّ الألماني "ليرنست كونا" الذي أورده في كتابه المختصر المعروف باسم "فنون الإسلام". ويعتبر تصنيف عالم الاجتماع الفرنسي "غوستاف لوبون" في كتابه "حضارة العرب" أهم تصنيف من جهة أنه يرى إلى طرز العمارة العربية أساسا لفهم وتصنيف العمارة الإسلامية عامة من خلال دراسة التفاعلات مع الطُرز المعمارية الأخرى شرقية كانت أم غربية، التي اشتملت عليها مساحة العالم الاسلامي.
لا يرتكز لوبون، بعكس غيره من المصنّفين على تقسيمات طرز العمارة اعتمادا على منهجيّة التحقيب التاريخي الصارم، بل يؤسس تصنيفه أساسا على مدى ملاحظته للتفاعل والاختلاف في العمارة العربية تبعا لاختلاف البلدان التي انتشر فيها العرب والمسلمون.
تنقسم الطرز المعمارية العربية إلى أربع مراحل أساسية:
- مرحلة الطراز العربي قبل ظهور محمد: وهو طراز شبه مجهول، إلا ما يُستشف من بقايا اليمن القديمة وبقايا المباني التي أقيمت في الممالك السورية القديمة.
- الطراز البيزنطي العربي: نشأ نتيجة امتزاج المؤثرات الشرقية (السورية والساسانية) بالمؤثرات الإغريقية الرومانية. وهو الطراز المؤثر في مرحلة التكوين بين القرنين السابع والعاشر الميلاديين. ويقسّم هذا الطراز بحسب المناطق إلى طرز فرعية (الطراز البيزنطي العربي في سوريا، المسجد الاموي/ البيزنطي العربي في مصر، جامع عمرو بن العاص، جامع ابن طولون/ الطراز البيزنطي العربي في أفريقيا، جامع القيروان/ الطراز البيزنطي العربي في الاندلس، جامع قرطبة، المباني العربية في طليطلة...)
- الطراز العربي الخالص: بدأ بالظهور متخلصا من النزعة البيزنطية في مصر بين القرن العاشر والقرن الخامس عشر (الذروة مع جامع قايتباي 1468)، وفي الأندلس حيث لم يبق من المباني والقصور على هذا الطراز إلا ما هو موجود في اشبيلية وغرناطة.
- الطراز العربي المخلّط: ينقسم هو نفسه إلى خمسة طرز هي:
الطراز الإسباني العربي: يلاحَظ من اختلاط فن العمارة المسيحيّ بعد غزو المسيحيين للأندلس على وجه الخصوص.
الطراز الإسرائيليّ العربيّ: يمثل ما أقيم من مبان كانت معابد لليهود في طليطلة.
الطراز الفارسي العربي: ويمثل المباني التي أقيمت في بلاد فارس بعدما اعتنقت الإسلام (مساجد أصفهان مثالا لا حصرا).
الطراز الهندوسي العربي: وهو خليط من عناصر الفن العربي وعناصر الفن الهندوسي.
الطراز الهندوسي الفارسي العربي (أو الطراز المغولي في الهند): المباني التي شيدت أيام سلطان المغول في الهند، ومنها مسجد تاج محل وكثير من مساجد الهند. وقد حلت المؤثرات الفارسية في مباني هذا الطراز محل المؤثرات العربية التي كانت سائدة إلى حد كبير.
نتاج الراهن
لا يمكن، في وجه من الوجوه، فصل أزمة العمران في المدينة العربية الراهنة عن أزمة الفرد العربي المعاصر، ولا سيما طرائق فهمه وتعامله مع متغير إنساني شامل ذي منشأ غربيّ، إنما يطال بتأثيراته شبه القسريّة كل مدن العالم الحديث، ونعني بذلك "الحداثة". بشكل أو بآخر تبدو أزمة العمران العربي المعاصر، في أحد تمظهراتها، هي أزمة ذلك الكمون لمعايير نموذج المدينة الاول بكل مفاهيمه القيميّة المرتبطة بالمركز في نفس الفرد والجماعة. ثمّة محاولات مرارا وتكراراً، تتسم بالعبثيّة، لملاءمة هذا النموذج على نطاق سطحي أوسع مع واقع تصير فيه تلك النماذج الماضية مستحيلة من حيث التطبيق.
الاستحالة لم تعد تطال أشكال العمران الخارجيّ بطبيعة الحال، بل تنعكس في التباس العربيّ، إذ لم يزل يتعامل نفسيّا مع مسكنه البيتي الحديث داخلا وخارجا (مبان شاهقة متراكبة في نطاقات لا تخضع غالبا للتخطيط) بذهنيّة الحاجة إلى ذلك القلب المفقود. هذا التعامل النفسيّ، بما يترتب عليه من تمثلات مادية يعكسها شكل المدينة العربية، يبدو في العمق إقحاما ذاتيا على هذه العمارة الحديثة بجذورها المختلفة، بحيث يراد لها أن تلائم فقه الستر والسماع والحجب والتعامل المتوهّمِ البالغ الدقة مع مركز قيميّ مادي فقهيّ منظور للجماعة هو المسجد. المسجد الذي يعيق، ربّما، بأدواره الثابتة، تواؤمات الذات العربية مع مدينة عربية هي، بطبيعة الحال، فرض حداثيّ داهم على البيئة والإنسان العربيّ. وهذا عبث.
* كاتب من لبنان
سياقات أولى ودلالات: المسجد قلب المدينة
تأسست المدينة العربية بعد الفتح الإسلامي حول مركزٍ مشادٍ في الجماعة نفسها قبل مكانها. نعني المسجد. المسجد، في حيز الجماعة الأولى ليس مكانا منطويا معزولا لأداء طقوس فردية تعبّدية، بل هو، في مفهوم الجماعة العام، القطبُ العمرانيّ الذي من المفترض أن يراعي، إضافة إلى تمركزه المكاني في قلب المدينة العربية، تمركزَه، شكلا ومضمونا، في نفس الفرد وتاليا في نفس هذه الجماعة.
المسجد بهذا المعنى هو المؤسسة العمرانية العربيّة الوليدة (أو هو تمثل دلاليّ أحدث
مقالات ذات صلة:
إشكاليات ومفارقات يثيرها "الإحلال" العمراني الطبقي: مثال مصر
عن مفهوم العمارة المنحازة للناس وعن الشغف بعمارة اليمن
للكعبة وأدوارها)، التي انطبعت فيها رؤية الفرد العربي لانبثاقته الجماعية الجديدة بمختلف تمظهراتها الدينية والثقافية والسياسية. إنه المركز النفسيّ البدئيّ الذي تدور حوله وفيه، آليات صناعة التصورات حول العمران، الذي سيضيف للمدينة شطرا وازنا من آفاق هذه الجماعة قيميّا، فضلا عن التمظهر الفنيّ الخارجيّ لهذا العمران.
الطرقُ والممرات والأزقّة في المدن الوليدة هي الطرق التي تؤدي إلى المسجد، والبيوت الموازية على جوانب هذه الطرق أو تفريعاتها الداخلية، إذ تراعي المناخ والبيئة، فإنها تراعي في تقسيماتها، بأهميّة قصوى، انكشاف وإشراف القلب/المسجد عليها ماديا ومعنويّا. إذاً، يتعدى هذا الانكشاف طغيان المسجد الشكليّ على بيوت المدينة والقبائل المتناثرة ببطونها، حول المسجد وفي الضواحي، إلى كونه انكشافا وطغيانا نفسيّا للمسجد بدلالاته ومعاييره الفقهية العمليّة التفصيلية على قاطني هذه البيوت باعتبارهم جماعة واحدة تتصل في الظاهر والباطن بهذا المعْلم العمراني المؤسِس.
هذا التشكل العمراني الأوّل للمدينة العربية في الأمصار الأساسية الممدّنة، شكل اللبنة المنبسطة الأولى في تصور العربي لعمرانه. الإدماجات أو المواءمات العمرانية الحضارية المتنوعة اللاحقة، بزخارفها وفنونها كافة، بعد توسع الامبرطورية، سوف تنطبع بشكل أو بآخر بهذا التشكّل المفهوميّ الأوّل الذي يراعي مركزيّة المسجد الجامع بخطابه الأسبوعي وتمثلات هذا الصرح في نفس الفرد والجماعة. المركزية التي لا تقتصر على كونها شكلا من الإشراف والتحكم الدينيّ بمعايير الاجتماع، بل تجمع إلى ذلك كله التمركز والتحكم السياسيّ (ولاية) والثقافيّ (فنونا)، والاقتصادي.
التمايز
الانفصال التدريجي في الوظائف المركزيّة التي كان يؤديها مسجد المدينة العربية من خلال ابتكار التمايز أو الفصل المكانيّ للوظيفة السياسية في المدينة (دار أو قصر الإمارة) عن موقع المسجد، يعتبر من أوائل المؤشرات على ثنائية في طور التبلور، كان من شأنها التأثير على الثبات المفهومي في نظرة الفرد والجماعة إلى ذلك المركز ووظائفه. قصر الإمارة أو الحكم منافسا بقدر طفيف قطبيَة المسجد سوف يخلق التباسا ظل قابلا للتفاقم ودائم التأثير في طبيعة تعامل الفرد مع المدينة في السيرورة الاجتماعية للقرون اللاحقة.
إن كمون وتجوهر النموذج الشكليّ الاوّل بتأثيراته القيمية البسيطة، شكلا ومضمونا في نفس الجماعة، ومن ثم الاجتهاد في محاولة المحافظة على ذلك الشكل المركزي، سوف يصطدم بتماسات وتحولات المدينة العربية المتسارعة، إذ لم يعد ذلك الشكل الأوليّ قادرا على استيعاب التعقيدات المدنيّة والعمرانية الناتجة على تغول الامبرطورية الاسلامية وتعالقاتها الثقافية والاجتماعية مع شعوب كثيرة وأحداث هائلة غير قابلة للحصر.
تصنيفات طرز المساجد والقصور
قام باحثون ومتخصصون بجهود كبيرة لمعرفة الأسس التصنيفية للعمران العربيّ. ولعل من أشهر التصنيفات في هذا المجال هو تصنيف الأثريّ الألماني "ليرنست كونا" الذي أورده في كتابه المختصر المعروف باسم "فنون الإسلام". ويعتبر تصنيف عالم الاجتماع الفرنسي "غوستاف لوبون" في كتابه "حضارة العرب" أهم تصنيف من جهة أنه يرى إلى طرز العمارة العربية أساسا لفهم وتصنيف العمارة الإسلامية عامة من خلال دراسة التفاعلات مع الطُرز المعمارية الأخرى شرقية كانت أم غربية، التي اشتملت عليها مساحة العالم الاسلامي.
لا يرتكز لوبون، بعكس غيره من المصنّفين على تقسيمات طرز العمارة اعتمادا على منهجيّة التحقيب التاريخي الصارم، بل يؤسس تصنيفه أساسا على مدى ملاحظته للتفاعل والاختلاف في العمارة العربية تبعا لاختلاف البلدان التي انتشر فيها العرب والمسلمون.
تنقسم الطرز المعمارية العربية إلى أربع مراحل أساسية:
- مرحلة الطراز العربي قبل ظهور محمد: وهو طراز شبه مجهول، إلا ما يُستشف من بقايا اليمن القديمة وبقايا المباني التي أقيمت في الممالك السورية القديمة.
- الطراز البيزنطي العربي: نشأ نتيجة امتزاج المؤثرات الشرقية (السورية والساسانية) بالمؤثرات الإغريقية الرومانية. وهو الطراز المؤثر في مرحلة التكوين بين القرنين السابع والعاشر الميلاديين. ويقسّم هذا الطراز بحسب المناطق إلى طرز فرعية (الطراز البيزنطي العربي في سوريا، المسجد الاموي/ البيزنطي العربي في مصر، جامع عمرو بن العاص، جامع ابن طولون/ الطراز البيزنطي العربي في أفريقيا، جامع القيروان/ الطراز البيزنطي العربي في الاندلس، جامع قرطبة، المباني العربية في طليطلة...)
- الطراز العربي الخالص: بدأ بالظهور متخلصا من النزعة البيزنطية في مصر بين القرن العاشر والقرن الخامس عشر (الذروة مع جامع قايتباي 1468)، وفي الأندلس حيث لم يبق من المباني والقصور على هذا الطراز إلا ما هو موجود في اشبيلية وغرناطة.
- الطراز العربي المخلّط: ينقسم هو نفسه إلى خمسة طرز هي:
الطراز الإسباني العربي: يلاحَظ من اختلاط فن العمارة المسيحيّ بعد غزو المسيحيين للأندلس على وجه الخصوص.
الطراز الإسرائيليّ العربيّ: يمثل ما أقيم من مبان كانت معابد لليهود في طليطلة.
الطراز الفارسي العربي: ويمثل المباني التي أقيمت في بلاد فارس بعدما اعتنقت الإسلام (مساجد أصفهان مثالا لا حصرا).
الطراز الهندوسي العربي: وهو خليط من عناصر الفن العربي وعناصر الفن الهندوسي.
الطراز الهندوسي الفارسي العربي (أو الطراز المغولي في الهند): المباني التي شيدت أيام سلطان المغول في الهند، ومنها مسجد تاج محل وكثير من مساجد الهند. وقد حلت المؤثرات الفارسية في مباني هذا الطراز محل المؤثرات العربية التي كانت سائدة إلى حد كبير.
نتاج الراهن
لا يمكن، في وجه من الوجوه، فصل أزمة العمران في المدينة العربية الراهنة عن أزمة الفرد العربي المعاصر، ولا سيما طرائق فهمه وتعامله مع متغير إنساني شامل ذي منشأ غربيّ، إنما يطال بتأثيراته شبه القسريّة كل مدن العالم الحديث، ونعني بذلك "الحداثة". بشكل أو بآخر تبدو أزمة العمران العربي المعاصر، في أحد تمظهراتها، هي أزمة ذلك الكمون لمعايير نموذج المدينة الاول بكل مفاهيمه القيميّة المرتبطة بالمركز في نفس الفرد والجماعة. ثمّة محاولات مرارا وتكراراً، تتسم بالعبثيّة، لملاءمة هذا النموذج على نطاق سطحي أوسع مع واقع تصير فيه تلك النماذج الماضية مستحيلة من حيث التطبيق.
الاستحالة لم تعد تطال أشكال العمران الخارجيّ بطبيعة الحال، بل تنعكس في التباس العربيّ، إذ لم يزل يتعامل نفسيّا مع مسكنه البيتي الحديث داخلا وخارجا (مبان شاهقة متراكبة في نطاقات لا تخضع غالبا للتخطيط) بذهنيّة الحاجة إلى ذلك القلب المفقود. هذا التعامل النفسيّ، بما يترتب عليه من تمثلات مادية يعكسها شكل المدينة العربية، يبدو في العمق إقحاما ذاتيا على هذه العمارة الحديثة بجذورها المختلفة، بحيث يراد لها أن تلائم فقه الستر والسماع والحجب والتعامل المتوهّمِ البالغ الدقة مع مركز قيميّ مادي فقهيّ منظور للجماعة هو المسجد. المسجد الذي يعيق، ربّما، بأدواره الثابتة، تواؤمات الذات العربية مع مدينة عربية هي، بطبيعة الحال، فرض حداثيّ داهم على البيئة والإنسان العربيّ. وهذا عبث.
* كاتب من لبنان