إعداد وتقرير المحامي علي ابوحبله
قال الله تعالى في وصف الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
"فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ "
هذا هو الرسول الإنسان.. ودعوته للتكافل الاجتماعي والإنساني
عظمة الإنسان تنبع دائماً من إنسانيته وشعوره بحاجات الآخرين ومعاناتهم، والوقوف إلى جانبهم، وتوفير مقومات الحياة الكريمة لهم.. وهكذا كانت حياة ومسيرة رسول الإنسانية نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد شهد له الأعداء قبل المحبين والأتباع بالإنسانية الفائقة، وكان مثلاً أعلى في الدعوة إلى التكافل الاجتماعي، وتحقيق التضامن الإنساني بين الأغنياء والفقراء، ليعيش الجميع في كرامة وأمان وسلام، وينعم المجتمع بالاستقرار بعيدا عن الحقد الطبقي والصراعات بين المترفين والمعدمين.
يقول الخبير الاجتماعي د. محمد نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع والنائب الأسبق لرئيس جامعة الأزهر: توجيهات الرسول الاجتماعية تستهدف تظليل المجتمع المسلم بشبكة تكافلية ومظلة اجتماعية إنسانية تحقق المؤاخاة الإنسانية الحقة بين الغني والفقير، وتجعل المسلمين يكفل بعضهم بعضا، ويوفر قادرهم احتياجات غير القادر منهم، وتنشط هيئات المجتمع المدني لتوفير احتياجات المحتاجين، وتكاد جهودها تمثل مظلة تغطي كل جوانب الاحتياج للمحتاجين.
ويضيف: هذه الجهود التكافلية النابعة من توجيهات ووصايا رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم تضفي على الحياة صورة طيبة من التكافل بين الناس، وهي جهود دائمة ومتنوعة وتحفظ للمحتاج كرامته، وتضمن له حياة مستقرة بعيداً عن الامتهان الذي يعانيه كثير من أصحاب الحاجات في مجتمعاتنا اليوم نتيجة تجاهل وصايا الرسول وتوجيهاته القويمة.
وصور التكافل الاجتماعي في الإسلام يجمعها قول النبي صلوات الله وسلامه عليه: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، والمسلم لا يحب لنفسه ماديات الحياة فحسب، وإنما يحب لها أيضاً الحرية والكرامة والعلم والعزة، وكل ما تتحقق به سعادة الإنسان، وعليه فإن الإسلام يعرف من التكافل الاجتماعي أنواعا كثيرة، منها ما هو أدبي، ومنها ما هو علمي، ومنها ما هو أخلاقي، ومنها ما هو اقتصادي، ومنها ما هو إنساني، ومنها ما هو معيشي.. إلى غير ذلك من مجالات الحياة المختلفة.
وقد اهتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهتماماً كبيراً بالتكافل المعيشي.. ولذلك أطلق عليه البعض: «داعية التضامن الاجتماعي الأول في تاريخ البشرية»، فقد حمل همْ الفقراء، وتوفير مستوى المعيشة اللائق لكل فقير، وأشعر كل مسلم قادر ماديا بما عليه من واجبات تجاه إخوانه المحتاجين، وألزم المسلم القادر بالوقوف إلى جانب المحتاج من دون مَن أو أذى.
والأدوات التي تحقق التكافل المعيشي بين المسلمين - كما يقول المفكر الاقتصادي الإسلامي د. محمد عبدالحليم عمر أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر - والتي اعتنى الرسول بها كثيرة ومتنوعة أبرزها:
- الاهتمام بمؤسسة خاصة تضمن لكل أصحاب الحاجات من فقراء ومساكين وغارمين وغيرهم حياة كريمة، وهي: (مؤسسة الزكاة والصدقات التطوعية)، تلك المؤسسة التي تقوم على تحقيق التكافل المعيشي بين المسلمين، وهي مؤسسة لها الكثير من الآثار الاقتصادية الاجتماعية والإنسانية المهمة في تحقيق استقرار أي مجتمع، فالزكاة والصدقة لا تحل مشكلة الفقير أو المحتاج فحسب، بل هي تحل مشكلة الغني أيضا وتحقق له أهدافا روحية ونفسية واجتماعية، ولذلك يقول الحق سبحانه: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم».
وهنا يتضح أن الأثر الأول لفرض الزكاة على المسلمين إنما هو تطهيرهم، وتطهير الأموال مما عساه يكون قد شابها من شوائب، وتطهير الأبدان مما عساه أن يكون قد وقع منها أثناء جمع المال، وتزكية النفس والروح وتخليصهما من العبودية للمال والضن به، وتعويدها السماحة به، وتقديمه لله تعالى بنفس راضية، وروح تهفو إلى ما عند الله تعالى، وتستجيب لأوامره وتعليماته.. يصحب ذلك كله دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمن طابت نفسه وزكت روحه وقدم حق الله وحق عباده بنفس راضية.
ومن آثار الزكاة الاجتماعية والاقتصادية تماسك المجتمع وصلابة بنائه، وقدرته على الصمود أمام التحديات الداخلية والخارجية، ونزع عوامل الحقد والحسد والخوف والكراهية من نفوس الفقراء وتفرغهم للعمل والإنتاج، ونزع مشاعر الخوف لدى الأغنياء من المحتاجين الفقراء، ومن ثم يأمن الأغنياء على أموالهم وأنفسهم، وتتاح الفرصة أمامهم لتوسعة مشروعاتهم وتنمية أموالهم، ومن ثم بناء التنمية وتحقيق التقدم ورفع مستوى معيشة الناس.
وشعور الفقراء بمسؤولية الأغنياء والمجتمع عنهم، يجعلهم يخلصون في أداء أعمالهم، ويتحملون التبعات التي تلقى عليهم بروح عالية ونفوس مطمئنة.. وكل هذا يؤدي إلى استقرار الأوضاع الاجتماعية، وشعور الجميع بالرضا والسعادة.
إطعام الطعام
- الحث على إطعام الطعام حيث أدرك الرسول، صلى الله عليه وسلم، بحسه الإنساني والاجتماعي أن أهم احتياج ضروري لقيام حياة الإنسان هو الطعام، لأن الإنسان إذا لم يأكل ما يكفيه وتعرض للمجاعة ونقص الغذاء خارت قواه وأصابته الأمراض، فلا يستطيع القيام بواجباته الدينية والدنيوية، فضلاً عن الإحساس بالظلم، وهو يرى غيره من المترفين يملؤون بطونهم بكميات كبيرة من أطايب الطعام بما يملأ قلبه حقداً وغلاً عليهم، وبالتالي تنتشر البغضاء في المجتمع.
ومن توجيهاته الكريمة هنا قوله عليه الصلاة والسلام: «يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام».. كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن أسرع صدقة إلى السماء أن يصنع الرجل طعاماً طيباً ثم يدعو عليه ناساً من إخوانه». وجعل صلى الله عليه وسلم إطعام الطعام صفة الأخيار فقال «خياركم من أطعم الطعام»، واعتبره من خير أعمال الإسلام فقال: «ما من عمل أفضل من إشباع كبد جائع» بل هو خير الإسلام لما روى أن رجلاً سأل النبي العظيم: « أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف»، ولذا كان إطعام الطعام من أحب الأعمال إلى الله عز وجل حيث جاء رجل إليه عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال:»أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله، سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربه أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً».
وهذه الوصايا النبوية الكريمة تضاعف من التواصل والتكافل الاجتماعي بين المسلمين، خاصة عندما يكون الطعام لفقراء ومحتاجين.. فالجوع له آثار سيئة، ولذلك استعاذ منه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في قوله: «اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع»، ونحن في العالم الإسلامي نعاني - كما يقول د. عمر - أكثر من غيرنا من مشكلة الفقر ونقص الطعام لدى نسبة كبيرة من الفقراء.
القرض الحسن
- اعتبر الرسول، صلى الله عليه وسلم، (القرض الحسن) الذي يقدمه الإنسان لأخيه الإنسان ليقضي به حاجته وقت الشدة من أعظم أبواب الخير التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم القادر، حتى يسهم في مساعدة أصحاب الحاجات، وما أكثرهم في البلاد العربية والإسلامية، في الوقت الحاضر، حيث تضاعفت أعداد الفقراء وزادت نسبة محدودي الدخل وكثرت الديون على المسلمين في كل مكان.
ومن صور القرض الحسن البيع للفقير أو صاحب الحاجة بثمن آجل من دون استغلال ذلك أن بعض الناس قد يحتاج إلى إنفاق مال على حاجة له مثل زواج ابنته أو مصاريف المدارس أو مصاريف العلاج، ولا يمكنه تدبير المبلغ الآن، فيطلب قرضاً من أخيه المسلم أو يطلب شراء السلعة بالأجل مثل شراء ملابس لأولاده، ولقد حث الرسول على القرض وجعل فعله بمثابة الصدقة فقال عليه الصلاة والسلام: «كل قرض صدقة»، بل إن ثواب القرض أكبر من ثواب الصدقة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسرى بي على باب الجنة مكتوباً الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر» فسألت جبريل: ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ فأجابني: «لأن السائل يسأل وعنده والمقترض لا يقترض إلا من حاجة».
ويأتي قوله صلى الله عليه وسلم: «من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على مسلم يسر الله عليه» ليؤكد مدى حرص الرسول عليه الصلاة والسلام على تحقيق التكافل الاجتماعي والإنساني بين المسلمين غنيهم وفقيرهم.
عطاء متواصل
وينتهي د. عمر إلى أن عطاء الرسول الكريم في مجال التكافل الاجتماعي والإنساني يؤكد عظمة رسولنا، وهو ما شهد به علماء الاقتصاد والمصلحون الاجتماعيون في العالم، فقد ضمن للمسلم الفقير من خلال توجيهاته ووصاياه الكريمة موارد دخل متنوعة، ويكفي هنا قوله الشريف:»إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: وعَّد منها الصدقة الجارية».
وباب الصدقات متسع في أنواعه حيث يقول عليه الصلاة والسلام «كل معروف صدقة»، والمعروف هو كل خير أو عمل طيب يقدمه الإنسان للآخرين، وهذا مقدور عليه لكل إنسان، فإن كانت الصدقة في الأصل بالمال فأي قدر منه يمكن للإنسان التصدق به مقبول عند اللَّه حتى نصف التمرة كما قال عليه الصلاة والسلام: «اتقوا النار ولو بشق تمرة»، فإن لم يجد الإنسان المال ليتصدق به فهناك أنواع أخرى من المعروف يقدمها للناس بيَّن بعضها صلى الله عليه وسلم في قوله: «على كل مسلم صدقة، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق، قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: فيعين ذا الحاجة والملهوف قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: فيأمر بالخير أو بالمعروف، قالوا: فإن لم يفعل، قال: فيمسك عن الشر فإنه له صدقة»، ثم يتسع باب الصدقات في أعمال أخرى منها الكلمة الطيبة كما قال صلى الله عليه وسلم: «الكلمة الطيبة صدقة»، وتعليم العلم صدقة كما قال «أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علما ثم يعلمه أخاه المسلم».
وهكذا نجد أن الرسول العظيم يوسع باب الخير بالصدقات ليكون كل أفراد المجتمع في حالة عطاء مستمر للآخرين، مما يعمل على نشر المودة والمحبة بين أفراد المجتمع.
قال الله تعالى في وصف الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
"فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ "
هذا هو الرسول الإنسان.. ودعوته للتكافل الاجتماعي والإنساني
عظمة الإنسان تنبع دائماً من إنسانيته وشعوره بحاجات الآخرين ومعاناتهم، والوقوف إلى جانبهم، وتوفير مقومات الحياة الكريمة لهم.. وهكذا كانت حياة ومسيرة رسول الإنسانية نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد شهد له الأعداء قبل المحبين والأتباع بالإنسانية الفائقة، وكان مثلاً أعلى في الدعوة إلى التكافل الاجتماعي، وتحقيق التضامن الإنساني بين الأغنياء والفقراء، ليعيش الجميع في كرامة وأمان وسلام، وينعم المجتمع بالاستقرار بعيدا عن الحقد الطبقي والصراعات بين المترفين والمعدمين.
يقول الخبير الاجتماعي د. محمد نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع والنائب الأسبق لرئيس جامعة الأزهر: توجيهات الرسول الاجتماعية تستهدف تظليل المجتمع المسلم بشبكة تكافلية ومظلة اجتماعية إنسانية تحقق المؤاخاة الإنسانية الحقة بين الغني والفقير، وتجعل المسلمين يكفل بعضهم بعضا، ويوفر قادرهم احتياجات غير القادر منهم، وتنشط هيئات المجتمع المدني لتوفير احتياجات المحتاجين، وتكاد جهودها تمثل مظلة تغطي كل جوانب الاحتياج للمحتاجين.
ويضيف: هذه الجهود التكافلية النابعة من توجيهات ووصايا رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم تضفي على الحياة صورة طيبة من التكافل بين الناس، وهي جهود دائمة ومتنوعة وتحفظ للمحتاج كرامته، وتضمن له حياة مستقرة بعيداً عن الامتهان الذي يعانيه كثير من أصحاب الحاجات في مجتمعاتنا اليوم نتيجة تجاهل وصايا الرسول وتوجيهاته القويمة.
وصور التكافل الاجتماعي في الإسلام يجمعها قول النبي صلوات الله وسلامه عليه: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، والمسلم لا يحب لنفسه ماديات الحياة فحسب، وإنما يحب لها أيضاً الحرية والكرامة والعلم والعزة، وكل ما تتحقق به سعادة الإنسان، وعليه فإن الإسلام يعرف من التكافل الاجتماعي أنواعا كثيرة، منها ما هو أدبي، ومنها ما هو علمي، ومنها ما هو أخلاقي، ومنها ما هو اقتصادي، ومنها ما هو إنساني، ومنها ما هو معيشي.. إلى غير ذلك من مجالات الحياة المختلفة.
وقد اهتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهتماماً كبيراً بالتكافل المعيشي.. ولذلك أطلق عليه البعض: «داعية التضامن الاجتماعي الأول في تاريخ البشرية»، فقد حمل همْ الفقراء، وتوفير مستوى المعيشة اللائق لكل فقير، وأشعر كل مسلم قادر ماديا بما عليه من واجبات تجاه إخوانه المحتاجين، وألزم المسلم القادر بالوقوف إلى جانب المحتاج من دون مَن أو أذى.
والأدوات التي تحقق التكافل المعيشي بين المسلمين - كما يقول المفكر الاقتصادي الإسلامي د. محمد عبدالحليم عمر أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر - والتي اعتنى الرسول بها كثيرة ومتنوعة أبرزها:
- الاهتمام بمؤسسة خاصة تضمن لكل أصحاب الحاجات من فقراء ومساكين وغارمين وغيرهم حياة كريمة، وهي: (مؤسسة الزكاة والصدقات التطوعية)، تلك المؤسسة التي تقوم على تحقيق التكافل المعيشي بين المسلمين، وهي مؤسسة لها الكثير من الآثار الاقتصادية الاجتماعية والإنسانية المهمة في تحقيق استقرار أي مجتمع، فالزكاة والصدقة لا تحل مشكلة الفقير أو المحتاج فحسب، بل هي تحل مشكلة الغني أيضا وتحقق له أهدافا روحية ونفسية واجتماعية، ولذلك يقول الحق سبحانه: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم».
وهنا يتضح أن الأثر الأول لفرض الزكاة على المسلمين إنما هو تطهيرهم، وتطهير الأموال مما عساه يكون قد شابها من شوائب، وتطهير الأبدان مما عساه أن يكون قد وقع منها أثناء جمع المال، وتزكية النفس والروح وتخليصهما من العبودية للمال والضن به، وتعويدها السماحة به، وتقديمه لله تعالى بنفس راضية، وروح تهفو إلى ما عند الله تعالى، وتستجيب لأوامره وتعليماته.. يصحب ذلك كله دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمن طابت نفسه وزكت روحه وقدم حق الله وحق عباده بنفس راضية.
ومن آثار الزكاة الاجتماعية والاقتصادية تماسك المجتمع وصلابة بنائه، وقدرته على الصمود أمام التحديات الداخلية والخارجية، ونزع عوامل الحقد والحسد والخوف والكراهية من نفوس الفقراء وتفرغهم للعمل والإنتاج، ونزع مشاعر الخوف لدى الأغنياء من المحتاجين الفقراء، ومن ثم يأمن الأغنياء على أموالهم وأنفسهم، وتتاح الفرصة أمامهم لتوسعة مشروعاتهم وتنمية أموالهم، ومن ثم بناء التنمية وتحقيق التقدم ورفع مستوى معيشة الناس.
وشعور الفقراء بمسؤولية الأغنياء والمجتمع عنهم، يجعلهم يخلصون في أداء أعمالهم، ويتحملون التبعات التي تلقى عليهم بروح عالية ونفوس مطمئنة.. وكل هذا يؤدي إلى استقرار الأوضاع الاجتماعية، وشعور الجميع بالرضا والسعادة.
إطعام الطعام
- الحث على إطعام الطعام حيث أدرك الرسول، صلى الله عليه وسلم، بحسه الإنساني والاجتماعي أن أهم احتياج ضروري لقيام حياة الإنسان هو الطعام، لأن الإنسان إذا لم يأكل ما يكفيه وتعرض للمجاعة ونقص الغذاء خارت قواه وأصابته الأمراض، فلا يستطيع القيام بواجباته الدينية والدنيوية، فضلاً عن الإحساس بالظلم، وهو يرى غيره من المترفين يملؤون بطونهم بكميات كبيرة من أطايب الطعام بما يملأ قلبه حقداً وغلاً عليهم، وبالتالي تنتشر البغضاء في المجتمع.
ومن توجيهاته الكريمة هنا قوله عليه الصلاة والسلام: «يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام».. كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن أسرع صدقة إلى السماء أن يصنع الرجل طعاماً طيباً ثم يدعو عليه ناساً من إخوانه». وجعل صلى الله عليه وسلم إطعام الطعام صفة الأخيار فقال «خياركم من أطعم الطعام»، واعتبره من خير أعمال الإسلام فقال: «ما من عمل أفضل من إشباع كبد جائع» بل هو خير الإسلام لما روى أن رجلاً سأل النبي العظيم: « أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف»، ولذا كان إطعام الطعام من أحب الأعمال إلى الله عز وجل حيث جاء رجل إليه عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال:»أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله، سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربه أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً».
وهذه الوصايا النبوية الكريمة تضاعف من التواصل والتكافل الاجتماعي بين المسلمين، خاصة عندما يكون الطعام لفقراء ومحتاجين.. فالجوع له آثار سيئة، ولذلك استعاذ منه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في قوله: «اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع»، ونحن في العالم الإسلامي نعاني - كما يقول د. عمر - أكثر من غيرنا من مشكلة الفقر ونقص الطعام لدى نسبة كبيرة من الفقراء.
القرض الحسن
- اعتبر الرسول، صلى الله عليه وسلم، (القرض الحسن) الذي يقدمه الإنسان لأخيه الإنسان ليقضي به حاجته وقت الشدة من أعظم أبواب الخير التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم القادر، حتى يسهم في مساعدة أصحاب الحاجات، وما أكثرهم في البلاد العربية والإسلامية، في الوقت الحاضر، حيث تضاعفت أعداد الفقراء وزادت نسبة محدودي الدخل وكثرت الديون على المسلمين في كل مكان.
ومن صور القرض الحسن البيع للفقير أو صاحب الحاجة بثمن آجل من دون استغلال ذلك أن بعض الناس قد يحتاج إلى إنفاق مال على حاجة له مثل زواج ابنته أو مصاريف المدارس أو مصاريف العلاج، ولا يمكنه تدبير المبلغ الآن، فيطلب قرضاً من أخيه المسلم أو يطلب شراء السلعة بالأجل مثل شراء ملابس لأولاده، ولقد حث الرسول على القرض وجعل فعله بمثابة الصدقة فقال عليه الصلاة والسلام: «كل قرض صدقة»، بل إن ثواب القرض أكبر من ثواب الصدقة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسرى بي على باب الجنة مكتوباً الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر» فسألت جبريل: ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ فأجابني: «لأن السائل يسأل وعنده والمقترض لا يقترض إلا من حاجة».
ويأتي قوله صلى الله عليه وسلم: «من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على مسلم يسر الله عليه» ليؤكد مدى حرص الرسول عليه الصلاة والسلام على تحقيق التكافل الاجتماعي والإنساني بين المسلمين غنيهم وفقيرهم.
عطاء متواصل
وينتهي د. عمر إلى أن عطاء الرسول الكريم في مجال التكافل الاجتماعي والإنساني يؤكد عظمة رسولنا، وهو ما شهد به علماء الاقتصاد والمصلحون الاجتماعيون في العالم، فقد ضمن للمسلم الفقير من خلال توجيهاته ووصاياه الكريمة موارد دخل متنوعة، ويكفي هنا قوله الشريف:»إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: وعَّد منها الصدقة الجارية».
وباب الصدقات متسع في أنواعه حيث يقول عليه الصلاة والسلام «كل معروف صدقة»، والمعروف هو كل خير أو عمل طيب يقدمه الإنسان للآخرين، وهذا مقدور عليه لكل إنسان، فإن كانت الصدقة في الأصل بالمال فأي قدر منه يمكن للإنسان التصدق به مقبول عند اللَّه حتى نصف التمرة كما قال عليه الصلاة والسلام: «اتقوا النار ولو بشق تمرة»، فإن لم يجد الإنسان المال ليتصدق به فهناك أنواع أخرى من المعروف يقدمها للناس بيَّن بعضها صلى الله عليه وسلم في قوله: «على كل مسلم صدقة، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق، قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: فيعين ذا الحاجة والملهوف قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: فيأمر بالخير أو بالمعروف، قالوا: فإن لم يفعل، قال: فيمسك عن الشر فإنه له صدقة»، ثم يتسع باب الصدقات في أعمال أخرى منها الكلمة الطيبة كما قال صلى الله عليه وسلم: «الكلمة الطيبة صدقة»، وتعليم العلم صدقة كما قال «أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علما ثم يعلمه أخاه المسلم».
وهكذا نجد أن الرسول العظيم يوسع باب الخير بالصدقات ليكون كل أفراد المجتمع في حالة عطاء مستمر للآخرين، مما يعمل على نشر المودة والمحبة بين أفراد المجتمع.