الملخص:
يَجد الباحث في موضوع الإحالة استثارة في التنقيب عن دَلالته، والبحث عن خَبيئه، إذ تُعَدُ أكثر أدوات الربط الاتساقية حضورًا في النصوص الأدبية، فهي مزيج من أدوات الربط كضمائر الغائب و أسماء الإشارة والأسماء الموصولة؛ فهي تُسهمُ في الربط بين مفاصل النصّ، إذ عّدها روبرت دي بوغراند من البدائل المهمة في ايجاد الكفاءة النصّية، و لتبيان الملامح الأساسية لهذا المصطلح النصّي، نتساءل – فدَوَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ- : ما المقصود بالإحالة في اللغة و في الاصطلاح النصّي؟ و ماهي أنواعها؟ و كيف ساهمت الإحالة كآلية اتساقية في تحقيق التماسك النصّي في مقالات عيون البصائر؟
الكلمات المفتاحية: الإحالة، عيون البصائر، الإحالة البعدية، الإحالة القبلية، الإحالة النصية، الإحالة السياقية.
Summary of the research
In the reference topic researcher finds excitability in prospecting significance ,and search his cache ,they are the most present coherency link words in literary texts ,it is a combination of link words like absent pronouns ,demonstrative adjectives and connected nouns .They contribute to linking texts , as count by Robert de Beaugrande are important alternatives in finding textual competence ,and to illustrate the basic features of the textual:. idiomatic ,we wonder – what is the reference in language and in textual idiomatic? What are their kinds? And how it contributed to the text cohesion in the “OUYOUN AL BASSAIR” eyes insights articles?
Mots Clés: Reference,Ouyoun Al Bassait, Cataphora, Anaphora , Endophora Textual ,Situational.
تمهيد:
يهدف البحث إلى دراسة الإحالة وأثرها في دلالة النص و تماسكه “عيون البصائر” أنموذجا، لبيان مغزى العبارات المستعملة في الكتاب وتفسير المراد منها، ومدى مراعاة محـمد البشير الإبراهيمي لعناصر الإحالة ( إحالة بضمائر المتكلم أو المخاطب،……) في مقالاته، كما حاولت فهم هندسة العبارات وفلسفة الإشارات الواردة في ثنايا كتاب” عيون البصائر”، وهذا يمنحنا قدرا إضافيا من محاولة استجلاء واستيضاح ما يزخر به “الكتاب” من إرث لغوي جدير بالاعتزاز والتقدير والدراسة، وقد اعتمدت على منهجية رصدت فيها الحديث عن تعريف الإحالة في اللغة والاصطلاح، أنواعها أنواع الإحالة في المدونة المدروسة ودورها في الترابط النصي وأخيرا خاتمة تحوي أهم النتائج .
1- الإحالة ( Reference)
1- أ- الإحالة في اللغة:
كلمة الإحالة في اللغة العربية مُشتقة من الجذر اللغوي” ح.و.ل” :
قد جاء في مقاييس اللغة لصاحبه ابن فارس(ت395 هـ):» الحاء والواو واللام أصل واحد، وهو تحرك في دور، فالحَولُ العام،(..) يقال:حَالَ الرَّجُل في مَتن فَرسه يَحُولُ حَولًا وحَؤُولًا، إذا وَثَبَ عليه، وأَحَالَ أيضًا، وَحَالَ الشّخص يَحُولُ، إذا تحرك، وكذلك كل مُتَحَوّل عن حَالة، ومنه استَحَلت الشّخص، أي نظرت هل يَتَحَرَك…« [1].
وفي اللسان لابن منظور(ت711هـ):» أَحَالَ:أَتَى بمُحَل، ورجل محوَال:كثير مُحَال الكلام (…)، ويُقال: أَحَلتُ الكلام أُحيلُهُ إذا أَفسَدته، والحوَالُ:كل شَيء حَالَ بين اثنين…،وحال الشيء نفسه يَحُولُ حَولًا بمعنيين: يكون تَغييرًا، ويكون تَحَوُّلًا، والحوَالَةُ تَحويل ماء من نهر إلى نهر(…)،و تَحَوَّلَ: تنقّل من موضع إلى آخر« [2].
وقد جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة:» حَالَ الشَّيءُ تَغّير وتَحَوّل، وأحال الشّيء إلى كذا: غَيّره من حَال إلى حال، وأَحَالَ إلى الإشراف على سير العمل:نَقَلَه إليه، وأَحَالَ إلى القَضَاء: طلب مُحَاكَمَته، وأَحَالَ إلى مصدر أو إلى مَرجَع:أشار عليه بالرُّجُوع إليه وإحَالَة : مصدر أَحَالَ: استعمال كلمة أو عبارة تسير إلى كلمة أخرى سابقة في النَّص أو المـُحادثة « [3].
فمن خلال هذا التنقيب في بعض المعاجم القديمة والحديثة، وجدنا أن المعاني التي تدور حولها المادة اللغوية ” أَحَالَ” : التغير والتحول ونقل الشيء إلى شيء آخر ، وهذا لوجود رابط بينها.
1- ب- الإحالة في الاصطلاح
اهتمت الدراسات اللسانية بهذا المصطلح، و أولته اهتمامها، إذ تُعد الإحالة من مظاهر الترابط الداخلي لأَواصر مَقاطع النَّص، باعتبارها وسيلة لاختزال المعنى، فاللغة نفسها نظام إحالي[4].
وسَأَبْسِطُ مفهومه عند بعض علماء النصّ:
- يقول جون لاينز(J.Lyons ) في عرضه لمفهوم الإحالة التقليدي إذ » العلاقة القائمة بين الأسماء والمسميات هي علاقة إحالة ، فالأسماء تحيل إلى مسميات« [5] . وبالتالي يجدر بنا التأكيد على أهمية أن تتصف العلاقة بين الأسماء و المسميات( المحال والمحال إليه) بالتوافق والانسجام من خلال عناصر تؤكد طبيعة تلك العلاقة؛ » فالإحالة تأخذ بعين الاعتبار العلاقات بين أجزاء النص وتجسيدها، وخَلْقِ علاقات معنوية من خلال تلك العناصر الإحالية« [6].
- و أشار ميرفي( Myrphy) للإحالة إذ يقول: » تركيب لغوي يشير إلى جزء ما ذكر صراحة أو ضمنا في النص الذي يتبعه أو الذي يليه[7] «. فالعناصر اللغوية في كل نص ترتبط ببعضها البعض، فالعنصر اللاحق يعتمد على سابقه، » فالوحدات العائدية (anaphores) أو مايعرف بالعوائد البعدية(cataphores) التي يمكن تأويلها بفضل مقومات توجد قبل(anaphores) أو بعد (cataphores) في النص المجاور: الضمائر، البدائل المعجمية«[8].
- تعد الإحالة » علاقة معنوية بين ألفاظ معيّنة إليه من أشياء أو معان أو مواقف تدل عليها عبارات أخرى في السياق، أو يدل عليها المقام، وتلك الألفاظ تعطي معناها عن طريق قصد المتكلم، مثل الضمير ، واسم الإشارة ، واسم الموصول…إلخ حيث تشير هذه الألفاظ إلى أشياء سابقة أو لاحقة، قصدت عن طريق ألفاظ أخرى أو عبارات أو مواقف لغوية أو غير لغوية« [9]. فالإحالة علاقة بين عنصرين أو أكثر،يوظفها الكاتب قصدًا لتربط بين أجزاء النص، وبالتالي فهي تساهم في اتساقه وترابطه.
كما يعرفها “أحمد المتوكل” بأنها:» علاقة تقوم بين الخطاب وما يحيل عليه الخطاب إن في الواقع أو المتخيل أو في خطاب سابق أو لاحق«[10] . وعليه فقد أشار إلى أنواع الإحالة سواء أكانت الداخلية أو الخارجية ، بالإضافة إلى القبلية والبعدية.
وقدم ” كلماير ” Kallmeyerتعريف دقيقا وواضحا ، إذ يقول: »الإحالة هي العلاقة القائمة بين عنصر لغوي يطلق عليه ‘عنصر علاقة’ أو ‘عنصر التعلق’، وضمائريطلق عليها’ صيغ الإحالة’، وتقوم المكونات الاسمية بوظيفة عناصر العلاقة او المفسر أو العائد إليه«[11].
2- أنواع الإحالة:
تنقسم الإحالة إلى قسمين كما هو موضح في المخطط الآتي:
مخطط نموذجي للإحالة حسب تقسيم رقية حسن وهاليداي ( الشكل3)
الإحالة النصية (Parasexualité):إذا كانت نصية فهي تحيل إلى سابق أو لاحق ، فهي تقوم بدور فعال في اتساق النص.[12]
يمكن تقسيم وسائل الاتساق الإحالية إلى أقسام ثلاثة وسنوضحها في المخطط الآتي:
أقسام الإحالة الضمائر أسماء الإشارة أدوات المقارنة ( (أنا،نحن،أنت، هو…) ( هذه،هذا، هؤلاء…) ( أيضا،مثل ذلك، أفضل…)
مخطط نموذجي يمثل وسائل الاتساق الإحالية حسب هاليداي ورقية حسن (الشكل 4)
وقد قسَّمها هاليدي ورقية حسن في كتابهما ” الاتساق في الإنجليزية ” إلى الضمائر وأسماء الإشارة وأدوات المقارنة. ونقصد بها الأدوات أو الألفاظ التي تساعدنا لتحديد المحال إليه داخل السياق اللغوي أو سياق المقام.
وتنقسم الإحالة النصية بدورها إلى نوعين وهما:
إحالة نصية قبلية (Référence Anaphorique): توجه القارئ أو المستمع إلى الرجوع إلى الجمل أو الخطابات السابقة حتى يتسنى له الفهم.
إحالة نصية بعدية ( Cataphorique Référence):توجه القارئ أو المستمع إلى قراءة جمل أو فقرات مذكورة لاحقا.[13]
الإحالة السياقية ( المقامية) (Exophorique) : ويقصد بها الإحالة إلى خارج النص ، أو إلى غير مذكور، حيث يقول تمام حسان: »وتعتمد الإحالة لغير مذكور في الأساس على سياق الموقف Context « [14] .
وكما يبدو من الإحالة لغير مذكور( السياقية) أن ثمة تفاعلا متبادلا بين اللغة والموقف.[15]
ويعرفها “جمعان عبد الكريم”: »إن النص بكامله عنصر إحالي إلى الخارج أو الموقف على الرغم من تسليمنا بكافة العمليات الذهنية في الإنتاج والتحليل التي يخضع لها النص«[16].
لذا فبداية هذا البحث ستكون بتحديد آلية الإحالة بنوعيها، ومحاولة استنطاق النص المطروح للدراسة والبحث كنصّ إبداعي، من أجل تحديد تماسك النص واتساقه عن طريق آلية شكلية.
فالإحالة تعد ظاهرة لغوية نصّية، وسنحاول رصد عناصرها وأدواتها وتحليلها وبيان أثرها في حدود المدونة، فهي من أهم مفاتيح الباحث للولوج إلى بنية النص وتحليله.
3- الإحالة في “عيون البصائر” ودورها في الترابط النصّي
ونأخذ الآن في مباشرة المدونة،وتأملها في ضوء ما أسلفنا بيانه من أسس ومقولات وإجراءات منهجية، فقد توفر النص الأدبي عامة، و النثري بخاصة على علامات شكلية توفر له إطارا محسوسا، وتتحقق له سمة الاستمرارية الظاهرة للعيان.
“عيون البصائر” تتوفر على إحالات متعددة، وسيكتفي الباحث بإيراد بعض النماذج لإبراز مدى انتشارها على مستوى فضاء النص.
3- أ- العنوان ودوره في التماسك النصّي في مقالات “عيون البصائر”
ونحاول استجلاء العلاقات الاتساقية في عيون البصائر، وذلك بعد تقسيم المقالات إلى أنواع حسب الموضوع.( وسنورد ذلك لاحقا).
يعد العنوان العتبة الأولى التي تصادف عين القارئ، والمفتاح الذي يسمح لنا بالولوج إلى مدائن المدونة، فعيون البصائر تمثل مجموع المقالات التي كتبها محـمد البشير الإبراهيمي افتتاحيات لجريدة البصائر.
وفي موضع آخر من عيون البصائر يقول البشير في إحدى مقالاته الافتتاحية والتي عُنوّنت بــ: استهلال ” وهذه جريدة البصائر تعود إلى الظهور بعد احتجاب طال أمده ، وكما تعود الشمس إلى الإشراق بعد التغيب ، وتعود الشجرة إلى الإيراق بعد التسلب…”[17]، وفي موضع آخر يقول أيضا : ” جريدة البصائر هي إحدى الألسنة الأربعة الصامتة لجمعية العلماء ، تلك الألسنة التي كانت تفيض بالحكمة الإلهية المستمدة من كلام الله وكلام رسوله … وتلك هي : السنة ، والشريعة ، والصراط ، والبصائر..” [18].
من خلال ماسبق ذكره نجد أن:
العنوان” عيون البصائر” يحتل مركز الصدارة في الصفحة الأولى من الغلاف،[19] فهو إحالة نصية بعدية ، يحيل مباشرة إلى تلك المقالات الافتتاحية لجريدة البصائر بعدما عادت إلى الظهور بعد احتجاب طال أمده، وهي تمثل إحدى الألسنة الصامتة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
و نمثل بمخطط نموذجي لعناوين المقالات كما بوبها الإبراهيمي :
- جمعية العلماء وجهادها في فصل الدين الإسلامي عن الحكومة الإفرنجية في الجزائر.
- من مشاكلنا الاجتماعية. – جمعية العلماء والسياسة الفرنسية بالجزائر.
- جمعية العلماء والمغرب العربي.
- جمعية العلماء وفلسطين.
- جمعية العلماء والشرق و الإسلام.
- شخصيات
هذا المخطط يمثل عناوين مجموع المقالات التي كانت تصدر في جريدة البصائر التي أشرف عليها واحد من خيرة علماء الجزائر العلّامة الرّحالة المجاهد المصلح المحدّث اللغوي المؤرّخ الأديب الشاعر محـمد البشير الإبراهيمي، والتي بلغ مجموعها مايقارب 140 مقالة، وقد بوبها حسب موضوعاتها ونجد أنها ترمي إلى مقاصد اجتماعية أو سياسية أو انتقادية لهيئة ما.. أو شخصية ما.. ، وهذه الأبواب لا تعني شيئا سوى أن المؤلف- رحمه الله – أراد أن يعطينا دليلا على أن الأهداف التي كانت ترمي إليها مقالاته هي أهداف شمولية تتناول قضايا الهيكل العام لوحدة الدين واللغة والأماني المشتركة للشعوب الإسلامية في مشرق الدنيا و مغربها.
3- ب – الإحالة الضميرية في “عيون البصائر” ودورها في التماسك النصِّي:
يعوّل علماء النّص على ضمائر الغائب( هو ، هي ، هم ، ها ، …) التي تحيل إلى شيء داخل النص ، وبالتالي فهي تدفع المتلقي إلى البحث في النص عما يعود إليه الضمير ، ولا يعوّلون على الضمائر المحيلة إلى متكلم أو مخاطب في عملية اتساق النص فهي تحيل إلى خارج النص ومثال ذلك : أنا ،نحن، أنتَ، أنتِ، أنتما، أنتم ، أنتن …
لذا اخترت الضمائر الأكثر ورودًا في كتاب “عيون البصائر” لمحمد البشير الإبراهيمي.
3- ب – 1- الإحالة بضمائر المتكلم:
استعمل الأديب محـمد البشير الإبراهيمي، ضمائر المتكلم،في معظم مقالاته،و كان جُلَّها عائدًا إلى الذات المتكلمة وهي الأديب نفسه. وهي” إحالة عنصر إشاري لغوي على عنصر إشاري غير لغوي موجود في المقام الخارجي؛ كأن يحيل ضمير المتكلم المفرد على ذات صاحبه المتكلم، حيث يرتبط عنصر لغوي إحالى بعنصر إشاري غير لغوي هو ذات المتكلم، ويمكن أن يشير عنصر لغوي ّإلى المقام ذاته،في تفاصيله أو مجملا إذ يمثل كائنا أو مرجعا موجودا مستقلا بنفسه”[20].
ففي مقالة ‘ قضية فصل الدين، ومن فروع هذه القضية: الحج ‘:
“خاب ظن الظانين وكذب فأل المتفائلين، ورأينا دار الحكومة الجزائرية كدار ابن لقمان باقية على حالها، ورأينا من غرائب التصرفات في حج هذه السنة أشياء جديدة مبتكرة لم يسبق لها مثيل”[21].
استعمل الأديب في هذ المقالة ضمير المتكلم (نا) ليحيل إلى الأديب نفسه، وهي إحالة خارجية (مقامية) ، تفهم من سياق الكلام.
كما يقول في مقالة: ‘أهذه هي المرحلة الأخيرة من قضية :فصل الحكومة عن الدين’:
” وهَان نحْنُ نعود للحديث عنه مكرهين ، ولا نـخوض من جديد في شبهاته التي يظنها حجَجًا، و ضَحْضَاحُهُ الذي يراه لُجَجًا ، إذ بعض المحظور في ذلك أننا نـحقق له بعض مُنَاه ، وهو أن يتعمق معه في جدل يشغلـنا عن المفيد، بغير المفيد ، ويستفرغ جهدنـا في المفروغ منه، وإننـا نقولها مرة أخرى في صراحة وصدق: إننا لا نـعنى بما نـقول ذلك الرجل المدعو محـمد العاصمى الذي شب في (قصر الحيران ) ، واكتهل معلمًا للصبيان ، وشاب خادمًا لقاض في ديوان…”[22]
استعمل الإبراهيمي ضمير المتكلم للجماعة( نحن) ضميرًا بارزًا في قوله’هانحن’ ، كما استعمل ضمير المتكلم للجماعة ضميرًا مستترًا ( لا نخوض) ، ( أننا نحقق) ، ( يشعلنا) ، (جهدنا) ، (وإننا نقولها) ، (إننا نعنى) ، (بما نقول) فكلها عناصر إحالية تحيل على عنصر إشاري خارج النص من أجل توضيحه وتفسيره ، فالأديب بِــــــــــعَدِّهِ مُرسلًا للخطاب ، إذ يتحدث عن شخصية محـمد العاصمي المفتي الحنفي، الذي وقف في طريق مطالبة الأمة بحقوقها في الدين والتعليم ، فهو يسعى جاهدًا بأقواله وأفعاله في إبقاء شعائر الدين الإسلامي لعبةً في يد من لايعظم شعائر الله. فقد ساهمت هذه الإحالات الخارجية في الترابط النَّصي بين مقالاته، كما لفت انتباه القارئ لفهم مقاصده. فالضمائر لها أهمية كبيرة في” تحقيق تماسك النص الشكلي والدلالي، فهي الأصل في الربط”[23].
3- ب- 2 الإحالة بضمائر الغائب
تنقسم الضمائر الشخصية إلى قسمين هما:
-ضمائر وجودية: أنا ،نحن، هو، هي،هم….
- ضمائر ملكية:كتابي،كتابك،كتابه….
إذ تعد الضمائر الدالة على المتكلم والمخاطب إحالة إلى خارج النص[24].
وأبرز أبواب النحو العربي توضيحًا لها ‘ ضمير الشأن’[25]. ومن الأمثلة الإجرائية، التي برزت فيها الإحالة بضمائر الغائب ما يأتي:
يقول الإبراهيمي في مقالة:‘حقوق المعلمين الأحرار على الأمة ‘:” ونعنى بالمعلمين هذه الطائفة المجاهدة في سبيل تعليم أبناء الأمة لغتهم. وتربيتهم على عقائد وقواعد دينهم ، وطبعهم على قالب من آدابه وأخلاقه…. ، أما جمعية العلماء ، فإن واسطتها إلى الأمة هي هذه الجمعيات المحلية المشرفة على المدارس ، القائمة مباشرةً بتصريف شؤونـها المالية ، وهذه الجمعيات هي المرجع الوحيد في ماديات المدارس، وهي الحاملة للحمل الثقيل فيها ؛ ولما كانت جمعية العلماء تبني كل أمورها على الواقع المشهود ، وتراعى الظروف وشدتـها ورخاءها…”[26].
نوع الأديب من الإحالات ، إذ استخدم الإحالة بضمائر الغائب المتصلة في:( لغتهم)، (تربيتهم)، (دينهم) ، (طبعهم) ، (آدابه) ، (أخلاقه) ، (واسطتها) ، (شؤونها) ، (أمورها) ، (شدتها) ، (رخاءها). كما استخدم الضمير المنفصل الغائب للمؤنث(هي) ، وهي عنصر إشاري يحيل إلى ( الجمعيات المحلية) التي تعد همزة وصل بين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والمدارس. وسنوضح الإحالات من خلال هذه الترسيمة:
لغتهم
تربيتهم إحالة نصية قبلية
دينهم المعلمين
طبعهم
آدابه
أخلاقه
إذ نجد أن ضمائر الغائب (هم) ،(الهاء) تحيل إلى ذات المعلمين، وهي إحالة نصية قبلية.
واسطتها
شؤونها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
أمورها إحالة نصية قبيلة
فضمير الغائب المتصل (الهاء) يعود على ذات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهي عبارة عن إحالة نصية قبلية. فقد ساهم الضمير (ها) في الربط بين جمل المقالة.
شدتـها
رخاءها
هي هذه الجمعيات المحلية الجمعيات المحلية إحالة نصية قبيلة
هي المرجع الوحيد
وهي الحاملة للحمل الثقيل
أحال الضميران ‘ها ،هي’ إلى لفظة (الجمعيات المحلية) التي سبق ذكرها علي سبيل الإحالة الداخلية القبلية.
- وفي قوله في مقالة ‘اللغة العربية في الجزائر عقيلة حرة ،ليس لـها ضرة ‘:
” اللغة العربية في القطر العربي الجزائري ليست غريبةً ولا دخيلة ، بل هي في دارها ، وبين حُمَاتِـهَا وأنصارها ، وهي ممتدة الجذور مع الماضى، مشتدة الأواخي مع الحاضر…، وكذب وفجر كل من سمى الفتح الإسلامي استعمارًا. وإنما هو راحة من الهم الناصب، ورحمة من العذاب الواصب، وإنصاف للبربر من الجور الروماني البغيض…. إن العربي الفاتحَ لهذا الوطن جاء بالإسلام ومعـه العدل ، وجاء بالعربية ومعـها العلم ، فالعدل هو الذي أخضع البَرْبَرَ للعرب، ولكنه خضوع الأخوة، لا خضوع القوة، وتسليم الاحترام، لا تسليم الاجترام .والعلم هو الذي طوّع البربرية للعربية، ولكنه تطويع البهرج للجيدة، لا طاعة الأَمَة للسيدة….، لا يوجد قبائلي يسكن الحواضر إلا وهو يفهم عن الفرنسية. ولا يوجد في ”قبائل” القرى- وهم السواد الأعظم- إلا قليل ممن لا يحسن إلا القبائلية؛ ولكن ذلك السواد الأعظم لا يملك جهازَ راديو واحدًا لأنـهم محرومون من النور الكهربائي كما هم محرومون من العلم، وكل ذلك من فضل الاستعمار عليهم. فما معنى التدجيل على القبائل بلغتهم؟ “[27].
تبين لنا أن الإحالة هنا على مذكور سابق وهي: (اللغة العربية)، ( الفتح الإسلامي)، ( (العدل) و( العلم) ، ( قبائلي)، (قبائل القرى)، وقد نوع الإبراهيمي من ضمائر الغائب المتصلة والمستترة، والطاهرة والبارزة، وهي إحالات نصية قبلية؛ وهذا دليل على براعته وتمكنه من قواعد اللغة العربية.
- ففي قوله : ” إن العربي الفاتحَ لهذا الوطن جاء بالإسلام ومعـه العدل، وجاء بالعربية ومعـها العلم، فالعنصر الإحالى( جاء)، و(معه)، مرتبط بالإشاري ( العربي الفاتح)، “[28]. إذ يقصد بالعربي الفاتح ( طارق بن زياد). فهذه الضمائر تتناسب مع الدلالة على فعل الفتح، الذي يتطلب نوعًا من الإظهار والتصريح بما قدمه للإسلام والعلم والعدل.
وتواجد هذه الإحالات منتشرة على مستوى كل المقالة، دلالة واضحة على الاتساق والتلاحم النَّصي والدلالي الظاهر، وقد أدى هذا الربط الإحالي إلى إزالة الغموض، ووضوح أفكار الأديب إذ يعبر عن قضية جوهرية ألا وهي: اللغة العربية. ويقول في ذلك: (أما نحن فَهِمْنَا المعنى. وأما الحقيقة فهي أن الوطن عربي، وأن القبائل مسلمون عربٌ، كتابهم القرآن يقرؤونه بالعربية، ولا يَرْضَوْنَ بدينهم ولا بغته بديلا. ولكن الظالمين لا يعقلون “[29].
ساهمت هذه الضمائر المتصلة والمنفصلة في ربط جمل المقالة، وهذا من خلال السياق العام لها. فلهذه الإحالة ” شأن آخر في مجال الربط هو التذكير بعنصر آخر من عناصر الجملة، حتى يحدث الترابط بين الجملتين، ومن ثم تتحقق لُحْمَةُ النص ونسيجه”[30].
وينطبق نفس الكلام على ماقاله في جُلِّ مقالاته، إذ انتشرت الإحالة الضميرية على مستوى كل الكتاب”عيون البصائر”، ففي مقالة:’ محـمد خطاب': ” وأخونا محـمد خطاب رجل من رجال الأعمال الذين لا يُرَّدُ نَـجـَاحهم فيها إلى الإرث، أو المصادفات والمغامرات؛ وإنما يرّد إلى العصامية، والبناء المتأني طبقًا عن طبق ، ومماشاة العصر الجديد ، في الأخذ بوسائل التجديد…، ومحـمد خطاب من الأغنياء الذين يُظهرون آثار نعمة الله عليهم ، ويُحصونها بالإحسان ؛ فـهو برٌّ بعماله ، برٌّ بأمته وبوطنه ؛ وهو نابغة من نوابغ الإحسان”[31] .
نوع الإبراهيمي في هذه المقالة بين ضمائر المتكلم(أنا)، والغائب (هو) ، وهي إحالات مقامية بعدية إلى ذات محـمد خطاب، إذ كتب الإبراهيمي مقالة في شخصه، ليس غرضه المدح ويقول في ذلك:
” هذه سيرة رجل، ولكنها سجل عِظات، ما أردنا بها مدحه، فما ذلك من عادتنا؛ وإنما سقناها ذكرى لمن يعد نفسه في الرجال، وليس له مثل هذه الأعمال”.
4-3- ب – 3- الإحالة بضمائر المخاطب:
ننتقل من النثر إلى الشعر، فشيخ البيان محـمد البشير الإبراهيمي؛ كما برَعَ في كتابة النثر(المنثور)، نجده أيضا برع في كتابة الشعر(المنظوم).
إذ يقول الشاعر محـمد البشير الإبراهيمي في مقالته الموسومة بـ:’ الإسلام’ *[32]:(الرجز)
بُورِكْتَ يَادِينَ الْهُدَى مَا أَثْبَتَكَ … حَقُّكَ بَتَّ الْمُبْطِلِينَ وَ بَتَكٌ
مَنْ ذَا يُجَارِيكَ ؟ وَأَنْتَ الْسَيْلُ … وَ الْسَيْلُ فِيهِ غَرْقٌ وَوَيْل
مَنْ ذاَ يُسَارِيكَ ؟ وَأَنْتَ الْنَجْمُ … وَالْنَجْمُ نُورُ الْهُدَى ، وَرَجْمٌ
شِعَارُكَ الْرَحْمَةُ وَالْسَلاَمُ … لِلْعَالَمِينَ، وَاسْمُكَ الْإِسْلَامُ
برزت هنا إحالة نصّية تعود على مذكور سابق (الإسلام) ، مستعملًا في ذلك ضمير المخاطب المتصل (ك) المتصل بـــــ (ما أَتْبَتَكَ)، في البيت الأول رابطًا بذلك صدر البيت بعجزه. وقد تكرر توارد ضمير المخاطب (الكاف) في البيت الثاني والثالث والرابع، في الكلمات (حَقُّكَ)،( بَتَكَ)، (يُجاَزِيكَ) ،(يُسَارِيكَ)، (شِعَارُكَ) ،(اسْمُكَ)، مما جعل من الأبيات متماسكة، على مستوى البيت الواحد بِرَبْطِ صدره بعجزه، وربط البيت الأول بآخر البيت، بواسطة خيط معنوي، جعل منها قصيدة متلاحمة متماسكة.
والملاحظ أيضا أن ضمير المخاطب المنفصل البارز (أنتَ) في قوله واصفًا ومخاطبًا (الإسلام): (أنتَ السّيل) ، (أنتَ النّجم)، وقد ساهم هذا العائد الإشاري في تلاحم البيتين الأول والثاني.
كما نشير أيضا إلى دور الضمير المنفصل المستتر (أنتَ)، في قوله (بوركتَ) في ربط صدر البيت الأول بعنوان القصيدة. وهي إحالة إلى مذكور سابق، وهو عنوان القصيدة (الإسلام). فالإسلام دين الهدى، ودين اليسر والرحمة والسلام، إذ عُدَّت قضية الإسلام قضية محورية وبارزة في مقالات “عيون البصائر”. والتي يبذل فيها الشاعر ما استطاع من أجل الدفاع عنه والانتصار له.
فقد حققت هذه الضمائر الخطابية للنص الشعري ترابطًا ونسيجًا بين وحداته بعضها ببعض.
- وفي مقالته المعنونة بـ’ مناجاة مبتورة، لدواعي الضرورة ‘ التي كتبها الإبراهيمي في رثاء زميله وفيق دربه الشيخ العلاَّمة عبد الحميد بن باديس-رحمه الله- إذ يقول:
” يا ساكن الضريح ، مُتَ فماتَ اللسان القوَّالُ ، والعزم الصوّال ، والفكر الجوّال…، وعزاء فيك لأمة أردتَ رشادها ، وأصلحتَ فسادهاَ ، ونفقتَ كسادهاَ ، وقَوَّمْتَ منآدَها ، وملكتَ بالاستحقاق قيادَها ، وأحسنتَ تـَهيئتهَا للخير وإعدادهاَ ، وحَمَلْـتَـهاَ على المنهج الواضح، والعلمَ اللائحَ ، حتى أبلغـتـَهـاَ سَدَادَهَا …، “[33].
والملاحظ أنها إحالة داخلية قبلية، أحال فيها الضمير المستتر للمخاطب (أنتَ) ، إلى العنصر الإشاري (شخصية الشيخ عبد الحميد بن باديس مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) * .وهذا يبدو جليا من خلال استخدام الإحالات المتداخلة مع العنصر الإشاري، مما أضفى على المقالة تماسكًا دلاليًا.
- وفي خاتمة المقالة يعقب قائلا :”وسلام عليكَ في الأولين ، وسلام عليكَ في الآخرين ، وسلام عليكَ في العلماء العاملين ، وسلام عليكَ في الحكماء الربانيين ، وسلام عليكَ إلى يوم الدين “[34].
كما نلاحظ أيضا في في هذه الخاتمة ،أن ضمير المخاطب(ك) يحيل إلى العنصر الإشاري (عبد الحميد بن باديس. وكلها إحالة إلى سابق مذكور (عليكَ). المكررة في هذا المقطع 4 مرات.
وسنوضح من خلال هذه الترسيمة الإحالات النصِّية على مستوى المقالة:
يا ساكن الضريح
عبد الحميد بن باديس مُتَ
أردتَ
أصلحتَ
نفقتَ إحالة نصّية قبلية
ملكتَ
أحسنتَ
حَمَلْـتَـها
أبلغتـَها
قدمتَ
وكل هذه الإحالات النصّية ساهمت في اتساق المقالات، عن طريق ضمائر المتكلم والغائب والمخاطب، والتي ساهمت في ربط أجزاء المقالات من جهة، ومن جهة أخرى ساهمت في تماسك البينة الكلية لمقالات عيون البصائر.
3-ج- الإحالة الإشارية في “عيون البصائر” ودورها في التماسك النصِّي:
لاَقَى اسم الإشارة اهتمامًا كبيرًا في الدرس اللساني الحديث، خاصةً في التماسك النصي بين الأجزاء النصية ، وفي نصوص”عيون البصائر”، يلاحظ على أن الإحالة الإشارية كثيرة، وهذا يفيد في تماسك المقالات، ومن صُوَرِهِ:
قول الإبراهيمي في مقالة ‘ من وحي العيد': ” وجاء هذا العيد …والهوى في مراكش يأمر وينهى ، والطغيان في الجزائر بلغ المنتهى ، والكيد في تونس يسلّط الأخ على أخيه ، وينام ملءَ عينيه ،والأيدي العابثة في ليبيا تمزّق الأوصال ، وتداوي الجروح بالقروح ، وفرعونُ في مصر يحاول المحال ـ ويطاول في الآجال ؛ ومشكلة فلسطين أُكْلَةٌ خبيثة في وجه الجزيرة العربية، تَسري وتستثري؛ والأردن قنطرة عبور ، للويل والثبور ، وسوريا ولبنان يتبادلان القطيعة ؛ والحجاز مطمح وُرَاث متاعكسين ، ونهزة شركاء متشاكسين…، هذه ممالك العروبة والإسلام ، كثرت أسماؤها ، وقل غناؤها ، وهذه أحوال العرب والمسلمين ، الذين يُقبل عليهم العيد فَيُقْبِلُ بعضهم على بعض يتقارضون التهاني، ويتعلّلون بالأمانى؛ أفلا أُعْذَرُ إذا لقِيتُ الأعياد بوجه عابس ولسان بَكَىّ، وقلم جاف ،وقلب حزين ؟…”[35].
تكرر اسم الإشارة للمفرد المذكر (هذا) مرة واحدة في هذه المقطع من المقالة، وهي إحالة داخلية بعدية، تعود على مذكور لاحق ( العيد)، وكيف وجد حال الدول العربية مشرقها ومغربها، فقد تأثر الإبراهيمي، وَوَجَدَ سَلْوَتَهُ في التعبير عن حبه لوطنه، وللعرب والمسلمين من خلال مقالته.
كما استخدم اسم الإشارة للمفرد المؤنث(هذه) في قوله ( هذه ممالك العروبة والإسلام)، (وهذه أحوال العرب المسلمين). إذ تكرر ذكره مرتين، دلالة على الحزن والألم، محيلًا إلى مذكور لاحق وهو (العيد) ،كإحالة داخلية بعدية. فهذا النص تألف من عناصر إشارية ،أقامت بينها شبكة من العلاقات الداخلية التي عملت على ايجاد نوع من الاتساق والانسجام بين وحدات هذه المقالة.
يقول أيضا في تمهيده لبعض المقالات ” لكاتب هذه المقالات المجموعة هنا ثلاثة كتب:
1- “الكلمات المظلومة”
2- “الشاب الجزائري كما تُمَثِلُهُ لي الخواطر”
3- “سَجْعُ الكهان”
وهذا الأخير نقد لاذع للحكومات العربية والشعوب العربية وملوكهم ، على مواقفهم الذليلة المهينة المترردة في فلسطين ، وكنت كتبت كثيرًا في التنديد بهم، فلم يؤثر ذلك في هذه الصخور الجامدة ، فاستخدمت هذا الأسلوب، ونزعت فيه منزع القدماء في السجع وعَزَوْتُهُ إلى كاهن الحيّ.”[36].
ومن هنا تكون الإحالة مقامية، وظف فيها الإبراهيمي اسْمَيْ الإشارة للمفرد المؤنث والمذكر (هذه ،هذا) ، وهي إحالة قبلية إلى مذكور قريب (كتاب سجع الكهان)، كما استخدم اسم الإشارة للبعيد(ذلك) وهي إحالة خارجية مقامية إلى كثرة ما كتبه ناقدًا للحكومات والشعوب العربية وملوكهم، وموقفهم إزاء قضية فلسطين. لكن لم تُؤتِ أُكْلَهَا. فاضطر إلى تغيير الأسلوب فلجأ إلى سجع الكهان، إذ عُدَّتْ من أبلغ ماكتبه الإبراهيمي من مقالاته، وهي مَعْجُوَنةٌ بفكره الخاص.
ففي بداية قوله ( لكاتب هذه المقالات المجموعة هنا ثلاثة كتب)، زَوَاجَ الأديب بين الإحالة المقامية والنَّصية( المقالية) ،فالإحالة المقامية(السياقية) في كلمة (لكاتب) تحيل إلى مذكور خارجي وهو ذات المتكلم ( محـمد البشير الإبراهيمي) وسنوضحها من خلال هذا المخطط:
مخطط توضيحي للعناصر الإشارية لكاتب هذه المقالات( محـمد البشير الإبراهيمي)
( الشكل 5)
وفي قوله (هذه المقالات المجموعة هنا )، استخدم اسم الإشارة ( هذه ، هنا )إحالة بعدية للمكان القريب ، ويفهم من العناصر الإشارية (هذا و هنا) على تينك المقالات التي كتبها الإبراهيمي. فقد جاءت دالةً على القرب وتعظيم الموقف .
ومن الكلمات المظلومة ” الإصلاحات” وقال فيها الإبراهيمي:
” وإنما أغنى هذه الإصلاحات (الفاسدة) التى يكثر الحديث عليها في هذه الأيام من الدول والحكومات ، فكلما تعالت الأصوات من الأمم المطالبة بحقها في السياسة والحياة- كانت العُلالة التى تسكب بها الأصوات ؛ كلمة الإصلاحات فتتطلع الأعناق ،وتتشوق النفوس ،ثم تفتح الأعين ،على مَهازل لا تسد خلة ولا تدفع ألماً “[37].
ويقول أيضا في’ الديمقراطية ‘ وهي أيضا من الكلمات المظلومة ” لك الله أيتها الديمقراطية”[38] .فهذه الكلمتين من بين الكلمات التي نشرت في كتاب ” كلمات مظلومة”، إذ تمثل إحالة بعدية لها.
ويقول في مقالة ‘الشاب الجزائري كما تُمَثِلُهُ لي الخواطر':“ياشباب الجزائر هكذا كونوا !… أو لا تكونوا !…”[39] وظف الإبراهيمي في هذا المقطع من المقالة اسم الإشارة (هكذا) ،كإحالة على مذكور سابق، وهو (الشباب الجزائري)، وهي من الوصايا التي تركها الإبراهيمي لأبناء وطنه، ليكون قدوة لغيره، مشعلًا فيه فتيل الحماسة والإقدام على طلب العلم والمعرفة والعمل النافع، والتمسك بثوابته التي يستقيها من القرآن الكريم والسنة النبوية. وقد قام هذا العنصر الإشاري باختزال كلام الإبراهيمي السابق. محققًا بذلك تلاحما واتساقًا بين أجزاء هذه المقالات، كَبِنْيَةٍ نصّية موحدة منسجمة.
-ويقول الشاعر محـمد البشير الإبراهيمي في مقالته الموسومة بـ:’ الإسلام’[40] : (الرجز)
مَنْ ذَا يُجَارِيكَ ؟ وَأَنْتَ الْسَيْلُ وَ الْسَيْلُ فِيهِ غَرْقٌ وَوَيْلٌ
مَنْ ذاَ يُسَارِيكَ ؟ وَأَنْتَ الْنَجْمُ وَالْنَجْمُ نُورُ الْهُدَى ، وَرَجْمٌ
تكرر ذكر اسم الإشارة للقريب (ذا) في صدر البيتين الأول والثاني ، للإحالة إلى العنصر الإشاري
( الإسلام)، وهي إحالة قبلية قريبة، ينشد الأديب التركيز على الإسلام، إذ هو من أهم القضايا التى يدافع عنها.
فالملاحظ أن الإبراهيمي قد استخدم اسم الإشارة (ذا) فأحدث نسيجا موحدًا في هذه القصيدة، إذ ربط الأبيات بالعنوان(الإسلام)، فأعطي ذلك اتساقًا لها كوحدة متكاملة .
وعليه فالسياق له دور مهم في تفسير الكلام، وتعيين المشار إليه. والملاحظ هنا أن أسماء الإشارة قامت بالربط القبلي واللاحق، وهذا ما يساهم في انسجام النص واتساقه .
3- د- الإحالة الموصولية في “عيون البصائر” ودورها في التماسك النصِّي:
استخدم محـمد البشير الإبراهيمي في كتابه “عيون البصائر”، مجموعة من الأسماء الموصولة، باعتبارها وسيلة للتعبير عن مقاصده، فقد زواج بين مختلف الأسماء الموصولة الدالة على المفرد والمثنى والجمع ( الذي، التي، اللذان، اللتان، الذين…).» فالألفاظ الموصولة ألفاظ مبهمة تحتاج إلى صلة والصلة تعين المدلول، ويفسر الاسم من خلال صلته، فيصبح بذلك معرفة، قد تقع جملة أو شبه جملة ، فالاسم لا يتم نفسه، ويفتقر إلى كلام بعده ليصير جزء الجملة. ولابد من العائد الذي يعود على الموصول، ويربط الصلة بالموصول الضمير المطابق في اللفظ والمعنى في حالة الاختصاص، وقد يطابق هذا الضمير ما يقوم مقام اللفظ الموصول، خاصة إذا كان خبرًا أو صفة كالمبتدأ العنصر اللغوي الإجباري أو الموصوف وجملة الصلة خبرية« [41].
ففي قول الإبراهيمي : ” أبقى الأبطال تلك الفتوحات التي هي مفاتيح ملك الإسلام ، وأبقى الخلفاء تلك السير التي هي جمال الأيام ، وأبقى تلك الأسفار الكريمة التي هي عطر التاريخ وأزهاره ، وأبقى الأغنياء هذه المعاقل الباذخة التي هي بيوت الله”[42].
اعتمد الإبراهيمي على الاسم الموصول ( التي) في ربط جمل هذا المقطع، محققا بذلك إحالة نصية قبلية، مما أدى إلى ترابط هذا النص( تلك الفتوحات التي، تلك السير التي… تلك الأسفار الكريمة التي…)، وهذا بواسطة الأسماء الموصولة الظاهرة فيه، ومما أضفى على النص تماسكًا وتلاحمًا .
وكذلك قوله في مقالة ‘ كلمتنا عن الأئمة’: ” إن الفقه فقهًا لا تصل إليه المدارك القاصرة ، وهو لُبَابُ الدين ، وروح القرآن ، وعصارة سنة محمد صلي الله عليه وسلم ؛ وهو تفسير أعماله وأقواله وأحواله ومآخذه ومتاركه ؛ وهو الذي وَرِثَهُ عنه أصحابه وأتباعهم إلى يوم الدين ؛ وهو الذي يسعد المسلمون بفهمه و تطبيقه والعمل به؛ وهو الذي يجلب لهم عز الدنيا والآخرة ؛ وهو الذي نريد أن نحييه في هذه الأمة فنحيا به “[43].
فالعنصر الإشاري: الفقه وقد فسره العنصر الإحالى ( الذي) الاسم الموصول للمفرد المذكر، وهي إحالة متقدمة، وقد برز التعدد والتتابع في الإحالات الموصولة لإبراز أهمية الفقه باعتباره لُبابُ الدين…
ويمكن توضيحها من خلال هذين المخططين:
الفقه
لباب الدين وروح القرآن
عصارة النبي صلى الله عليه وسلم
سبب سعادة المسلمين بفهمه وتطبيقه والعمل به
يجلب لهم عز الدنيا والآخرة
الفقه
هو( ضمير المفرد المذكر)
الذي ( اسم موصول للمفرد المذكر)
نريد أن نحييه في هذه الأمة فتحيا به( جملة الصلة)
نلاحظ أنه حدث اتساق بين الاسم الموصول والصلة على الضمير (هو) الذي يعود عليه، فاتضحت مقاصد الأديب، وهي إحياء الدين الإسلامي في الدولة الجزائرية، وهذا ما أدى إلى التماسك بين الجمل والتراكيب على المستوى الأفقي في النص.
وفي مقالته ‘ حدثونا عن العدل فإننا نسيناه’ يقول:“يسمع البعيدون الذين مَنَّ الله عليهم بالسلامة مما نحن فيه ، أن في الجزائر نوابا ومجالس نيابية…،ليس في الجزائر نيابة ولا نواب ، بالمعنى الذي تعرفه الأمم ، وإنما هي صور بلا حقائق ، وألفاظ مجردة من معانيها ، وأجسام مفرغة من أرواحها…”[44].
فالعنصر الإحالي ( الذين، الذي) أحال إلى عنصر إشاري سابق وهو ( المجالس النيابية)، ومن خلال السياق العام للمقالة نجد أن المحال إليه هو: الاستعمار الفرنسي الذي استولى على كل أملاك الجزائريين، فهو الحَكَمُ والمسيطر والموجه، والآمر الأول في البلاد، فنجدها توزع الوظائف على أعوانها، وتضع عليها اسم( النائب ) تمويهًا وتغليضًا.
الخاتمة
يلاحظ أن محـمد البشير الإبراهيمي قد استخدم في مقالاته روابط متنوعة، مما لها من أثر بالغ في التماسك النصي، فنوع فيها بين الإحالة الضميرية والإشارية والموصولية. وهذا لبلوغ مقاصده التي يرمي إليها وهي نصرة الدين الإسلامي، والدفاع عن القضايا العادلة.
اعتمد الإبراهيمي على الإحالة الضميرية، إذ كانت أقوى الروابط وأكثرها انتشارًا على مستوى نصوصه، إذ ساهمت في تماسكها وتلاحمها.
كما زاوج بين الإحالة النصّية بنوعيها (القبلية والبعدية)، إذ ساهمت في حبك النص وتماسكه، والإحالة المقامية، التي تربط النص بالسياقات الخارجية، أعانت المتلقي في فهم كُنْهِ النص وربطه بمرجعياته.
فالإحالة ساهمت في الاتساق بين وحدات وأجزاء المقالات( مقدمة، عرض، خاتمة)، كل مقالة على حدى، كما ساهمت في اتساق هذه المقالات مع بعضها البعض مُكونة لَبِنة نصّية متكاملة منسجمة ومتلاحمة.
ابن فارس، مقاييس اللغة، مادة (حول)، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر، ط2، 1979م، مج1، ص327. ([1])
ابن منظور، لسان العرب، مادة (حول)، بيروت، دار صادر، ط6، 1416 هـ-1997م، ص186- 190. ([2])
([3]) أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، القاهرة، مصر، ط1، 1429هـــ، 2008م، مج1، ص585 -587.
([4]) الأزهر الزناد، نسيج النص بحث في ما به يكون الملفوظ نصا، المركز الثقافي العربي، ط1، بيروت، 1993م، ص115.
([5]) J.Lyons. Linguistique général. p 383
أحمد عفيفي، الإحالة في نحو النص، كلية دار العلوم،جامعة القاهرة، (د،ط)، (د،ت)، ص14. ([6])
([7]) ينظر: ج.ب براون ،ج.يول، تحليل الخطاب، تر:محـمد لطفي الزليطني، منير التريكي، النشر العلمي والمطابع-جامعة الملك سعود، (د.ط)، 1418هـ-1998 م، ص36؛نعيمة سعدية، الخطاب الشعري عند محمـد الماغوط دراسة تحليلية من منظور لسانيات النص، رسالة دكتوراه( مخطوط)، جامعة محـمد خيضر، بسكرة،2009-2010م، ص260.
([8]) دومينيك مانغوغو، المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، تر:محـمد يحياتن، منشورات الاختلاف- الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1،الجزائر، 1428 هـ-2008م، ص19.
أحمد عفيفي، الإحالة في نحو النص، ص 13([9])
([10]) أحمد المتوكل، الخطاب وخصائص اللغة العربية دراسة في الوظيفة والبنية والنمط، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 1431هـ-2010م، ص73.
([11]) ينظر: كلماير وآخرون، أساسيات علم لغة النص مدخل إلى فروضه و نماذجه وعلاقاته وطرائقه ومباحثه، ترجمة وتعليق: حسن سعيد بحيري، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، مصر،ط1، 2009م، ص248؛ وسعيد حسن بحيري، دراسات لغوية تطبيقية في العلاقة بين البنية والدلالة، مكتبة الآداب، القاهرة، مصر، ط1، 1426هــ-2005م، ص98؛ وزاهر مرهون الداودي، الترابط النصي بين الشعر والنثر، دارجرير للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1،1431هـ، 2010م، ص42.
([12]) ينظر: محـمد خطابي، لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء/ المغرب، 2006م، ص17- 19
([13])davidnunan , Introducing discourse analysis , p22
([14]) روبرت دي بوجراند، النص والخطاب والإجراء ، تر: تمام حسان،عالم الكتب، القاهرة، ط1، ص322
([15]) روبرت دي بوجراند، النص والخطاب والإجراء، ص339 .
جمعان عبد الكريم، إشكالات النص المداخلة أنموذجا-دراسة لسانبة نصية-، المرك الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2009م، ص349.([16])
([17]) محـمد البشير الإبراهيمي، عيون البصائر، شركة دار الأمة للنشر والتوزيع، (د.ط)، برج الكيفان/ الجزائر، 2007، ص15.
([18]) عيون البصائر، ص16.
([19]) سليمة عذاوري، شعرية التناص في الرواية العربية – الرواية والتاريخ- ، ص110.
([20]) الأزهر الزناد، نسيج النص، ص119.
([21]) عيون البصائر، ص55.
([22]) المصدر نفسه، ص53 .
([23]) ينظر: محـمد خطابي، لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب، ص18.
([24]) ينظر:خليل ياسر البطاشي، الترابط النصي في ضوء التحليل اللساني للخطاب،ص167.
([25]) صبحي إبراهيم الفقي، علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط1، 1431هـ-2000، ج1، ص40.
([26]) عيون البصائر، ص306.
عيون البصائر، ص222. ([27])
([28]) عيون البصائر، ص222.
([29]) المصدر نفسه ، ص223.
([30]) ينظر:تمام حسان، الخلاصة النحوية، عالم الكتب القاهرة، ط1، 1420هـ-2000 م، ص 89- 90.
. المصدر السابق،ص660-661([31])
* يقول الشاعر محـمد البشير الإبراهيمي في تمهيده للقصيد: أبيات من الرجز كنت أنظم كل أربعة منها لتوضع في إطار بجانب اسم الجريدة، ثم ضمنتها للملحمة الرجزية من نظمي، وهي تبلغ عشرات الألوف من الأبيات، منها نحو خمسة آلاف في تاريخ الإسلام وحقائقه، ينظر:عيون البصائر، ص549
([32]) عيون البصائر، ص549.
عيون البصائر، ص658([33])
* هو الإمام عبد الحميد بن باديس(1307-1358 هـ) الموافق لـ:(1940- 1889م) ،من رجال الإصلاح في الوطن العربي ورائد النهضة الإسلامية في الجزائر، ومؤسس” جمعية العلماء المسلمين الجزائريين“. مع رفيق دربه الشيخ مـحمد البشير الإبراهيمي .التي تأسست يوم الثلاثاء 05 من ماي 1931 م في اجتماع بنادي الترقّي لاثنان وسبعون من علماء القطر الجزائري ومن شتى الاتجاهات الدينية والمذهبية. وانتخب الشّيخ ابن باديس رئيساً لها والبشير الإبراهيميّ نائبًا له . http://binbadis.net/index.php/benbadis،بتاريخ: 13/04/2014، على الساعة:10:18
([34]) المصدر السابق، ص659 .
([35]) عيون البصائر، ص547-548.
([36]) المصدر السابق، ص579.
([37]) عيون البصائر، ص583.
([38]) المصدر نفسه، ص585.
([39]) المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
([40]) عيون البصائر، ص549.
([41]) رضي الدين الأستراباذي، شرح كافية ابن حاجب، دار الكتب العملية، ط2، 1982،ج3، ص88 ومايليها
عيون البصائر، ص136-137.([42])
([43]) المصدر نفسه، ص203.
([44]) عيون البصائر، ص401
الأستاذة: مشري أمال ـ جامعة محـمد خيضر بسكرة ـ الجزائر
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 36 الصفحة 71.
يَجد الباحث في موضوع الإحالة استثارة في التنقيب عن دَلالته، والبحث عن خَبيئه، إذ تُعَدُ أكثر أدوات الربط الاتساقية حضورًا في النصوص الأدبية، فهي مزيج من أدوات الربط كضمائر الغائب و أسماء الإشارة والأسماء الموصولة؛ فهي تُسهمُ في الربط بين مفاصل النصّ، إذ عّدها روبرت دي بوغراند من البدائل المهمة في ايجاد الكفاءة النصّية، و لتبيان الملامح الأساسية لهذا المصطلح النصّي، نتساءل – فدَوَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ- : ما المقصود بالإحالة في اللغة و في الاصطلاح النصّي؟ و ماهي أنواعها؟ و كيف ساهمت الإحالة كآلية اتساقية في تحقيق التماسك النصّي في مقالات عيون البصائر؟
الكلمات المفتاحية: الإحالة، عيون البصائر، الإحالة البعدية، الإحالة القبلية، الإحالة النصية، الإحالة السياقية.
Summary of the research
In the reference topic researcher finds excitability in prospecting significance ,and search his cache ,they are the most present coherency link words in literary texts ,it is a combination of link words like absent pronouns ,demonstrative adjectives and connected nouns .They contribute to linking texts , as count by Robert de Beaugrande are important alternatives in finding textual competence ,and to illustrate the basic features of the textual:. idiomatic ,we wonder – what is the reference in language and in textual idiomatic? What are their kinds? And how it contributed to the text cohesion in the “OUYOUN AL BASSAIR” eyes insights articles?
Mots Clés: Reference,Ouyoun Al Bassait, Cataphora, Anaphora , Endophora Textual ,Situational.
تمهيد:
يهدف البحث إلى دراسة الإحالة وأثرها في دلالة النص و تماسكه “عيون البصائر” أنموذجا، لبيان مغزى العبارات المستعملة في الكتاب وتفسير المراد منها، ومدى مراعاة محـمد البشير الإبراهيمي لعناصر الإحالة ( إحالة بضمائر المتكلم أو المخاطب،……) في مقالاته، كما حاولت فهم هندسة العبارات وفلسفة الإشارات الواردة في ثنايا كتاب” عيون البصائر”، وهذا يمنحنا قدرا إضافيا من محاولة استجلاء واستيضاح ما يزخر به “الكتاب” من إرث لغوي جدير بالاعتزاز والتقدير والدراسة، وقد اعتمدت على منهجية رصدت فيها الحديث عن تعريف الإحالة في اللغة والاصطلاح، أنواعها أنواع الإحالة في المدونة المدروسة ودورها في الترابط النصي وأخيرا خاتمة تحوي أهم النتائج .
1- الإحالة ( Reference)
1- أ- الإحالة في اللغة:
كلمة الإحالة في اللغة العربية مُشتقة من الجذر اللغوي” ح.و.ل” :
قد جاء في مقاييس اللغة لصاحبه ابن فارس(ت395 هـ):» الحاء والواو واللام أصل واحد، وهو تحرك في دور، فالحَولُ العام،(..) يقال:حَالَ الرَّجُل في مَتن فَرسه يَحُولُ حَولًا وحَؤُولًا، إذا وَثَبَ عليه، وأَحَالَ أيضًا، وَحَالَ الشّخص يَحُولُ، إذا تحرك، وكذلك كل مُتَحَوّل عن حَالة، ومنه استَحَلت الشّخص، أي نظرت هل يَتَحَرَك…« [1].
وفي اللسان لابن منظور(ت711هـ):» أَحَالَ:أَتَى بمُحَل، ورجل محوَال:كثير مُحَال الكلام (…)، ويُقال: أَحَلتُ الكلام أُحيلُهُ إذا أَفسَدته، والحوَالُ:كل شَيء حَالَ بين اثنين…،وحال الشيء نفسه يَحُولُ حَولًا بمعنيين: يكون تَغييرًا، ويكون تَحَوُّلًا، والحوَالَةُ تَحويل ماء من نهر إلى نهر(…)،و تَحَوَّلَ: تنقّل من موضع إلى آخر« [2].
وقد جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة:» حَالَ الشَّيءُ تَغّير وتَحَوّل، وأحال الشّيء إلى كذا: غَيّره من حَال إلى حال، وأَحَالَ إلى الإشراف على سير العمل:نَقَلَه إليه، وأَحَالَ إلى القَضَاء: طلب مُحَاكَمَته، وأَحَالَ إلى مصدر أو إلى مَرجَع:أشار عليه بالرُّجُوع إليه وإحَالَة : مصدر أَحَالَ: استعمال كلمة أو عبارة تسير إلى كلمة أخرى سابقة في النَّص أو المـُحادثة « [3].
فمن خلال هذا التنقيب في بعض المعاجم القديمة والحديثة، وجدنا أن المعاني التي تدور حولها المادة اللغوية ” أَحَالَ” : التغير والتحول ونقل الشيء إلى شيء آخر ، وهذا لوجود رابط بينها.
1- ب- الإحالة في الاصطلاح
اهتمت الدراسات اللسانية بهذا المصطلح، و أولته اهتمامها، إذ تُعد الإحالة من مظاهر الترابط الداخلي لأَواصر مَقاطع النَّص، باعتبارها وسيلة لاختزال المعنى، فاللغة نفسها نظام إحالي[4].
وسَأَبْسِطُ مفهومه عند بعض علماء النصّ:
- يقول جون لاينز(J.Lyons ) في عرضه لمفهوم الإحالة التقليدي إذ » العلاقة القائمة بين الأسماء والمسميات هي علاقة إحالة ، فالأسماء تحيل إلى مسميات« [5] . وبالتالي يجدر بنا التأكيد على أهمية أن تتصف العلاقة بين الأسماء و المسميات( المحال والمحال إليه) بالتوافق والانسجام من خلال عناصر تؤكد طبيعة تلك العلاقة؛ » فالإحالة تأخذ بعين الاعتبار العلاقات بين أجزاء النص وتجسيدها، وخَلْقِ علاقات معنوية من خلال تلك العناصر الإحالية« [6].
- و أشار ميرفي( Myrphy) للإحالة إذ يقول: » تركيب لغوي يشير إلى جزء ما ذكر صراحة أو ضمنا في النص الذي يتبعه أو الذي يليه[7] «. فالعناصر اللغوية في كل نص ترتبط ببعضها البعض، فالعنصر اللاحق يعتمد على سابقه، » فالوحدات العائدية (anaphores) أو مايعرف بالعوائد البعدية(cataphores) التي يمكن تأويلها بفضل مقومات توجد قبل(anaphores) أو بعد (cataphores) في النص المجاور: الضمائر، البدائل المعجمية«[8].
- تعد الإحالة » علاقة معنوية بين ألفاظ معيّنة إليه من أشياء أو معان أو مواقف تدل عليها عبارات أخرى في السياق، أو يدل عليها المقام، وتلك الألفاظ تعطي معناها عن طريق قصد المتكلم، مثل الضمير ، واسم الإشارة ، واسم الموصول…إلخ حيث تشير هذه الألفاظ إلى أشياء سابقة أو لاحقة، قصدت عن طريق ألفاظ أخرى أو عبارات أو مواقف لغوية أو غير لغوية« [9]. فالإحالة علاقة بين عنصرين أو أكثر،يوظفها الكاتب قصدًا لتربط بين أجزاء النص، وبالتالي فهي تساهم في اتساقه وترابطه.
كما يعرفها “أحمد المتوكل” بأنها:» علاقة تقوم بين الخطاب وما يحيل عليه الخطاب إن في الواقع أو المتخيل أو في خطاب سابق أو لاحق«[10] . وعليه فقد أشار إلى أنواع الإحالة سواء أكانت الداخلية أو الخارجية ، بالإضافة إلى القبلية والبعدية.
وقدم ” كلماير ” Kallmeyerتعريف دقيقا وواضحا ، إذ يقول: »الإحالة هي العلاقة القائمة بين عنصر لغوي يطلق عليه ‘عنصر علاقة’ أو ‘عنصر التعلق’، وضمائريطلق عليها’ صيغ الإحالة’، وتقوم المكونات الاسمية بوظيفة عناصر العلاقة او المفسر أو العائد إليه«[11].
2- أنواع الإحالة:
تنقسم الإحالة إلى قسمين كما هو موضح في المخطط الآتي:
مخطط نموذجي للإحالة حسب تقسيم رقية حسن وهاليداي ( الشكل3)
الإحالة النصية (Parasexualité):إذا كانت نصية فهي تحيل إلى سابق أو لاحق ، فهي تقوم بدور فعال في اتساق النص.[12]
يمكن تقسيم وسائل الاتساق الإحالية إلى أقسام ثلاثة وسنوضحها في المخطط الآتي:
أقسام الإحالة الضمائر أسماء الإشارة أدوات المقارنة ( (أنا،نحن،أنت، هو…) ( هذه،هذا، هؤلاء…) ( أيضا،مثل ذلك، أفضل…)
مخطط نموذجي يمثل وسائل الاتساق الإحالية حسب هاليداي ورقية حسن (الشكل 4)
وقد قسَّمها هاليدي ورقية حسن في كتابهما ” الاتساق في الإنجليزية ” إلى الضمائر وأسماء الإشارة وأدوات المقارنة. ونقصد بها الأدوات أو الألفاظ التي تساعدنا لتحديد المحال إليه داخل السياق اللغوي أو سياق المقام.
وتنقسم الإحالة النصية بدورها إلى نوعين وهما:
إحالة نصية قبلية (Référence Anaphorique): توجه القارئ أو المستمع إلى الرجوع إلى الجمل أو الخطابات السابقة حتى يتسنى له الفهم.
إحالة نصية بعدية ( Cataphorique Référence):توجه القارئ أو المستمع إلى قراءة جمل أو فقرات مذكورة لاحقا.[13]
الإحالة السياقية ( المقامية) (Exophorique) : ويقصد بها الإحالة إلى خارج النص ، أو إلى غير مذكور، حيث يقول تمام حسان: »وتعتمد الإحالة لغير مذكور في الأساس على سياق الموقف Context « [14] .
وكما يبدو من الإحالة لغير مذكور( السياقية) أن ثمة تفاعلا متبادلا بين اللغة والموقف.[15]
ويعرفها “جمعان عبد الكريم”: »إن النص بكامله عنصر إحالي إلى الخارج أو الموقف على الرغم من تسليمنا بكافة العمليات الذهنية في الإنتاج والتحليل التي يخضع لها النص«[16].
لذا فبداية هذا البحث ستكون بتحديد آلية الإحالة بنوعيها، ومحاولة استنطاق النص المطروح للدراسة والبحث كنصّ إبداعي، من أجل تحديد تماسك النص واتساقه عن طريق آلية شكلية.
فالإحالة تعد ظاهرة لغوية نصّية، وسنحاول رصد عناصرها وأدواتها وتحليلها وبيان أثرها في حدود المدونة، فهي من أهم مفاتيح الباحث للولوج إلى بنية النص وتحليله.
3- الإحالة في “عيون البصائر” ودورها في الترابط النصّي
ونأخذ الآن في مباشرة المدونة،وتأملها في ضوء ما أسلفنا بيانه من أسس ومقولات وإجراءات منهجية، فقد توفر النص الأدبي عامة، و النثري بخاصة على علامات شكلية توفر له إطارا محسوسا، وتتحقق له سمة الاستمرارية الظاهرة للعيان.
“عيون البصائر” تتوفر على إحالات متعددة، وسيكتفي الباحث بإيراد بعض النماذج لإبراز مدى انتشارها على مستوى فضاء النص.
3- أ- العنوان ودوره في التماسك النصّي في مقالات “عيون البصائر”
ونحاول استجلاء العلاقات الاتساقية في عيون البصائر، وذلك بعد تقسيم المقالات إلى أنواع حسب الموضوع.( وسنورد ذلك لاحقا).
يعد العنوان العتبة الأولى التي تصادف عين القارئ، والمفتاح الذي يسمح لنا بالولوج إلى مدائن المدونة، فعيون البصائر تمثل مجموع المقالات التي كتبها محـمد البشير الإبراهيمي افتتاحيات لجريدة البصائر.
وفي موضع آخر من عيون البصائر يقول البشير في إحدى مقالاته الافتتاحية والتي عُنوّنت بــ: استهلال ” وهذه جريدة البصائر تعود إلى الظهور بعد احتجاب طال أمده ، وكما تعود الشمس إلى الإشراق بعد التغيب ، وتعود الشجرة إلى الإيراق بعد التسلب…”[17]، وفي موضع آخر يقول أيضا : ” جريدة البصائر هي إحدى الألسنة الأربعة الصامتة لجمعية العلماء ، تلك الألسنة التي كانت تفيض بالحكمة الإلهية المستمدة من كلام الله وكلام رسوله … وتلك هي : السنة ، والشريعة ، والصراط ، والبصائر..” [18].
من خلال ماسبق ذكره نجد أن:
العنوان” عيون البصائر” يحتل مركز الصدارة في الصفحة الأولى من الغلاف،[19] فهو إحالة نصية بعدية ، يحيل مباشرة إلى تلك المقالات الافتتاحية لجريدة البصائر بعدما عادت إلى الظهور بعد احتجاب طال أمده، وهي تمثل إحدى الألسنة الصامتة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
و نمثل بمخطط نموذجي لعناوين المقالات كما بوبها الإبراهيمي :
- جمعية العلماء وجهادها في فصل الدين الإسلامي عن الحكومة الإفرنجية في الجزائر.
- من مشاكلنا الاجتماعية. – جمعية العلماء والسياسة الفرنسية بالجزائر.
- جمعية العلماء والمغرب العربي.
- جمعية العلماء وفلسطين.
- جمعية العلماء والشرق و الإسلام.
- شخصيات
هذا المخطط يمثل عناوين مجموع المقالات التي كانت تصدر في جريدة البصائر التي أشرف عليها واحد من خيرة علماء الجزائر العلّامة الرّحالة المجاهد المصلح المحدّث اللغوي المؤرّخ الأديب الشاعر محـمد البشير الإبراهيمي، والتي بلغ مجموعها مايقارب 140 مقالة، وقد بوبها حسب موضوعاتها ونجد أنها ترمي إلى مقاصد اجتماعية أو سياسية أو انتقادية لهيئة ما.. أو شخصية ما.. ، وهذه الأبواب لا تعني شيئا سوى أن المؤلف- رحمه الله – أراد أن يعطينا دليلا على أن الأهداف التي كانت ترمي إليها مقالاته هي أهداف شمولية تتناول قضايا الهيكل العام لوحدة الدين واللغة والأماني المشتركة للشعوب الإسلامية في مشرق الدنيا و مغربها.
3- ب – الإحالة الضميرية في “عيون البصائر” ودورها في التماسك النصِّي:
يعوّل علماء النّص على ضمائر الغائب( هو ، هي ، هم ، ها ، …) التي تحيل إلى شيء داخل النص ، وبالتالي فهي تدفع المتلقي إلى البحث في النص عما يعود إليه الضمير ، ولا يعوّلون على الضمائر المحيلة إلى متكلم أو مخاطب في عملية اتساق النص فهي تحيل إلى خارج النص ومثال ذلك : أنا ،نحن، أنتَ، أنتِ، أنتما، أنتم ، أنتن …
لذا اخترت الضمائر الأكثر ورودًا في كتاب “عيون البصائر” لمحمد البشير الإبراهيمي.
3- ب – 1- الإحالة بضمائر المتكلم:
استعمل الأديب محـمد البشير الإبراهيمي، ضمائر المتكلم،في معظم مقالاته،و كان جُلَّها عائدًا إلى الذات المتكلمة وهي الأديب نفسه. وهي” إحالة عنصر إشاري لغوي على عنصر إشاري غير لغوي موجود في المقام الخارجي؛ كأن يحيل ضمير المتكلم المفرد على ذات صاحبه المتكلم، حيث يرتبط عنصر لغوي إحالى بعنصر إشاري غير لغوي هو ذات المتكلم، ويمكن أن يشير عنصر لغوي ّإلى المقام ذاته،في تفاصيله أو مجملا إذ يمثل كائنا أو مرجعا موجودا مستقلا بنفسه”[20].
ففي مقالة ‘ قضية فصل الدين، ومن فروع هذه القضية: الحج ‘:
“خاب ظن الظانين وكذب فأل المتفائلين، ورأينا دار الحكومة الجزائرية كدار ابن لقمان باقية على حالها، ورأينا من غرائب التصرفات في حج هذه السنة أشياء جديدة مبتكرة لم يسبق لها مثيل”[21].
استعمل الأديب في هذ المقالة ضمير المتكلم (نا) ليحيل إلى الأديب نفسه، وهي إحالة خارجية (مقامية) ، تفهم من سياق الكلام.
كما يقول في مقالة: ‘أهذه هي المرحلة الأخيرة من قضية :فصل الحكومة عن الدين’:
” وهَان نحْنُ نعود للحديث عنه مكرهين ، ولا نـخوض من جديد في شبهاته التي يظنها حجَجًا، و ضَحْضَاحُهُ الذي يراه لُجَجًا ، إذ بعض المحظور في ذلك أننا نـحقق له بعض مُنَاه ، وهو أن يتعمق معه في جدل يشغلـنا عن المفيد، بغير المفيد ، ويستفرغ جهدنـا في المفروغ منه، وإننـا نقولها مرة أخرى في صراحة وصدق: إننا لا نـعنى بما نـقول ذلك الرجل المدعو محـمد العاصمى الذي شب في (قصر الحيران ) ، واكتهل معلمًا للصبيان ، وشاب خادمًا لقاض في ديوان…”[22]
استعمل الإبراهيمي ضمير المتكلم للجماعة( نحن) ضميرًا بارزًا في قوله’هانحن’ ، كما استعمل ضمير المتكلم للجماعة ضميرًا مستترًا ( لا نخوض) ، ( أننا نحقق) ، ( يشعلنا) ، (جهدنا) ، (وإننا نقولها) ، (إننا نعنى) ، (بما نقول) فكلها عناصر إحالية تحيل على عنصر إشاري خارج النص من أجل توضيحه وتفسيره ، فالأديب بِــــــــــعَدِّهِ مُرسلًا للخطاب ، إذ يتحدث عن شخصية محـمد العاصمي المفتي الحنفي، الذي وقف في طريق مطالبة الأمة بحقوقها في الدين والتعليم ، فهو يسعى جاهدًا بأقواله وأفعاله في إبقاء شعائر الدين الإسلامي لعبةً في يد من لايعظم شعائر الله. فقد ساهمت هذه الإحالات الخارجية في الترابط النَّصي بين مقالاته، كما لفت انتباه القارئ لفهم مقاصده. فالضمائر لها أهمية كبيرة في” تحقيق تماسك النص الشكلي والدلالي، فهي الأصل في الربط”[23].
3- ب- 2 الإحالة بضمائر الغائب
تنقسم الضمائر الشخصية إلى قسمين هما:
-ضمائر وجودية: أنا ،نحن، هو، هي،هم….
- ضمائر ملكية:كتابي،كتابك،كتابه….
إذ تعد الضمائر الدالة على المتكلم والمخاطب إحالة إلى خارج النص[24].
وأبرز أبواب النحو العربي توضيحًا لها ‘ ضمير الشأن’[25]. ومن الأمثلة الإجرائية، التي برزت فيها الإحالة بضمائر الغائب ما يأتي:
يقول الإبراهيمي في مقالة:‘حقوق المعلمين الأحرار على الأمة ‘:” ونعنى بالمعلمين هذه الطائفة المجاهدة في سبيل تعليم أبناء الأمة لغتهم. وتربيتهم على عقائد وقواعد دينهم ، وطبعهم على قالب من آدابه وأخلاقه…. ، أما جمعية العلماء ، فإن واسطتها إلى الأمة هي هذه الجمعيات المحلية المشرفة على المدارس ، القائمة مباشرةً بتصريف شؤونـها المالية ، وهذه الجمعيات هي المرجع الوحيد في ماديات المدارس، وهي الحاملة للحمل الثقيل فيها ؛ ولما كانت جمعية العلماء تبني كل أمورها على الواقع المشهود ، وتراعى الظروف وشدتـها ورخاءها…”[26].
نوع الأديب من الإحالات ، إذ استخدم الإحالة بضمائر الغائب المتصلة في:( لغتهم)، (تربيتهم)، (دينهم) ، (طبعهم) ، (آدابه) ، (أخلاقه) ، (واسطتها) ، (شؤونها) ، (أمورها) ، (شدتها) ، (رخاءها). كما استخدم الضمير المنفصل الغائب للمؤنث(هي) ، وهي عنصر إشاري يحيل إلى ( الجمعيات المحلية) التي تعد همزة وصل بين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والمدارس. وسنوضح الإحالات من خلال هذه الترسيمة:
لغتهم
تربيتهم إحالة نصية قبلية
دينهم المعلمين
طبعهم
آدابه
أخلاقه
إذ نجد أن ضمائر الغائب (هم) ،(الهاء) تحيل إلى ذات المعلمين، وهي إحالة نصية قبلية.
واسطتها
شؤونها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
أمورها إحالة نصية قبيلة
فضمير الغائب المتصل (الهاء) يعود على ذات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهي عبارة عن إحالة نصية قبلية. فقد ساهم الضمير (ها) في الربط بين جمل المقالة.
شدتـها
رخاءها
هي هذه الجمعيات المحلية الجمعيات المحلية إحالة نصية قبيلة
هي المرجع الوحيد
وهي الحاملة للحمل الثقيل
أحال الضميران ‘ها ،هي’ إلى لفظة (الجمعيات المحلية) التي سبق ذكرها علي سبيل الإحالة الداخلية القبلية.
- وفي قوله في مقالة ‘اللغة العربية في الجزائر عقيلة حرة ،ليس لـها ضرة ‘:
” اللغة العربية في القطر العربي الجزائري ليست غريبةً ولا دخيلة ، بل هي في دارها ، وبين حُمَاتِـهَا وأنصارها ، وهي ممتدة الجذور مع الماضى، مشتدة الأواخي مع الحاضر…، وكذب وفجر كل من سمى الفتح الإسلامي استعمارًا. وإنما هو راحة من الهم الناصب، ورحمة من العذاب الواصب، وإنصاف للبربر من الجور الروماني البغيض…. إن العربي الفاتحَ لهذا الوطن جاء بالإسلام ومعـه العدل ، وجاء بالعربية ومعـها العلم ، فالعدل هو الذي أخضع البَرْبَرَ للعرب، ولكنه خضوع الأخوة، لا خضوع القوة، وتسليم الاحترام، لا تسليم الاجترام .والعلم هو الذي طوّع البربرية للعربية، ولكنه تطويع البهرج للجيدة، لا طاعة الأَمَة للسيدة….، لا يوجد قبائلي يسكن الحواضر إلا وهو يفهم عن الفرنسية. ولا يوجد في ”قبائل” القرى- وهم السواد الأعظم- إلا قليل ممن لا يحسن إلا القبائلية؛ ولكن ذلك السواد الأعظم لا يملك جهازَ راديو واحدًا لأنـهم محرومون من النور الكهربائي كما هم محرومون من العلم، وكل ذلك من فضل الاستعمار عليهم. فما معنى التدجيل على القبائل بلغتهم؟ “[27].
تبين لنا أن الإحالة هنا على مذكور سابق وهي: (اللغة العربية)، ( الفتح الإسلامي)، ( (العدل) و( العلم) ، ( قبائلي)، (قبائل القرى)، وقد نوع الإبراهيمي من ضمائر الغائب المتصلة والمستترة، والطاهرة والبارزة، وهي إحالات نصية قبلية؛ وهذا دليل على براعته وتمكنه من قواعد اللغة العربية.
- ففي قوله : ” إن العربي الفاتحَ لهذا الوطن جاء بالإسلام ومعـه العدل، وجاء بالعربية ومعـها العلم، فالعنصر الإحالى( جاء)، و(معه)، مرتبط بالإشاري ( العربي الفاتح)، “[28]. إذ يقصد بالعربي الفاتح ( طارق بن زياد). فهذه الضمائر تتناسب مع الدلالة على فعل الفتح، الذي يتطلب نوعًا من الإظهار والتصريح بما قدمه للإسلام والعلم والعدل.
وتواجد هذه الإحالات منتشرة على مستوى كل المقالة، دلالة واضحة على الاتساق والتلاحم النَّصي والدلالي الظاهر، وقد أدى هذا الربط الإحالي إلى إزالة الغموض، ووضوح أفكار الأديب إذ يعبر عن قضية جوهرية ألا وهي: اللغة العربية. ويقول في ذلك: (أما نحن فَهِمْنَا المعنى. وأما الحقيقة فهي أن الوطن عربي، وأن القبائل مسلمون عربٌ، كتابهم القرآن يقرؤونه بالعربية، ولا يَرْضَوْنَ بدينهم ولا بغته بديلا. ولكن الظالمين لا يعقلون “[29].
ساهمت هذه الضمائر المتصلة والمنفصلة في ربط جمل المقالة، وهذا من خلال السياق العام لها. فلهذه الإحالة ” شأن آخر في مجال الربط هو التذكير بعنصر آخر من عناصر الجملة، حتى يحدث الترابط بين الجملتين، ومن ثم تتحقق لُحْمَةُ النص ونسيجه”[30].
وينطبق نفس الكلام على ماقاله في جُلِّ مقالاته، إذ انتشرت الإحالة الضميرية على مستوى كل الكتاب”عيون البصائر”، ففي مقالة:’ محـمد خطاب': ” وأخونا محـمد خطاب رجل من رجال الأعمال الذين لا يُرَّدُ نَـجـَاحهم فيها إلى الإرث، أو المصادفات والمغامرات؛ وإنما يرّد إلى العصامية، والبناء المتأني طبقًا عن طبق ، ومماشاة العصر الجديد ، في الأخذ بوسائل التجديد…، ومحـمد خطاب من الأغنياء الذين يُظهرون آثار نعمة الله عليهم ، ويُحصونها بالإحسان ؛ فـهو برٌّ بعماله ، برٌّ بأمته وبوطنه ؛ وهو نابغة من نوابغ الإحسان”[31] .
نوع الإبراهيمي في هذه المقالة بين ضمائر المتكلم(أنا)، والغائب (هو) ، وهي إحالات مقامية بعدية إلى ذات محـمد خطاب، إذ كتب الإبراهيمي مقالة في شخصه، ليس غرضه المدح ويقول في ذلك:
” هذه سيرة رجل، ولكنها سجل عِظات، ما أردنا بها مدحه، فما ذلك من عادتنا؛ وإنما سقناها ذكرى لمن يعد نفسه في الرجال، وليس له مثل هذه الأعمال”.
4-3- ب – 3- الإحالة بضمائر المخاطب:
ننتقل من النثر إلى الشعر، فشيخ البيان محـمد البشير الإبراهيمي؛ كما برَعَ في كتابة النثر(المنثور)، نجده أيضا برع في كتابة الشعر(المنظوم).
إذ يقول الشاعر محـمد البشير الإبراهيمي في مقالته الموسومة بـ:’ الإسلام’ *[32]:(الرجز)
بُورِكْتَ يَادِينَ الْهُدَى مَا أَثْبَتَكَ … حَقُّكَ بَتَّ الْمُبْطِلِينَ وَ بَتَكٌ
مَنْ ذَا يُجَارِيكَ ؟ وَأَنْتَ الْسَيْلُ … وَ الْسَيْلُ فِيهِ غَرْقٌ وَوَيْل
مَنْ ذاَ يُسَارِيكَ ؟ وَأَنْتَ الْنَجْمُ … وَالْنَجْمُ نُورُ الْهُدَى ، وَرَجْمٌ
شِعَارُكَ الْرَحْمَةُ وَالْسَلاَمُ … لِلْعَالَمِينَ، وَاسْمُكَ الْإِسْلَامُ
برزت هنا إحالة نصّية تعود على مذكور سابق (الإسلام) ، مستعملًا في ذلك ضمير المخاطب المتصل (ك) المتصل بـــــ (ما أَتْبَتَكَ)، في البيت الأول رابطًا بذلك صدر البيت بعجزه. وقد تكرر توارد ضمير المخاطب (الكاف) في البيت الثاني والثالث والرابع، في الكلمات (حَقُّكَ)،( بَتَكَ)، (يُجاَزِيكَ) ،(يُسَارِيكَ)، (شِعَارُكَ) ،(اسْمُكَ)، مما جعل من الأبيات متماسكة، على مستوى البيت الواحد بِرَبْطِ صدره بعجزه، وربط البيت الأول بآخر البيت، بواسطة خيط معنوي، جعل منها قصيدة متلاحمة متماسكة.
والملاحظ أيضا أن ضمير المخاطب المنفصل البارز (أنتَ) في قوله واصفًا ومخاطبًا (الإسلام): (أنتَ السّيل) ، (أنتَ النّجم)، وقد ساهم هذا العائد الإشاري في تلاحم البيتين الأول والثاني.
كما نشير أيضا إلى دور الضمير المنفصل المستتر (أنتَ)، في قوله (بوركتَ) في ربط صدر البيت الأول بعنوان القصيدة. وهي إحالة إلى مذكور سابق، وهو عنوان القصيدة (الإسلام). فالإسلام دين الهدى، ودين اليسر والرحمة والسلام، إذ عُدَّت قضية الإسلام قضية محورية وبارزة في مقالات “عيون البصائر”. والتي يبذل فيها الشاعر ما استطاع من أجل الدفاع عنه والانتصار له.
فقد حققت هذه الضمائر الخطابية للنص الشعري ترابطًا ونسيجًا بين وحداته بعضها ببعض.
- وفي مقالته المعنونة بـ’ مناجاة مبتورة، لدواعي الضرورة ‘ التي كتبها الإبراهيمي في رثاء زميله وفيق دربه الشيخ العلاَّمة عبد الحميد بن باديس-رحمه الله- إذ يقول:
” يا ساكن الضريح ، مُتَ فماتَ اللسان القوَّالُ ، والعزم الصوّال ، والفكر الجوّال…، وعزاء فيك لأمة أردتَ رشادها ، وأصلحتَ فسادهاَ ، ونفقتَ كسادهاَ ، وقَوَّمْتَ منآدَها ، وملكتَ بالاستحقاق قيادَها ، وأحسنتَ تـَهيئتهَا للخير وإعدادهاَ ، وحَمَلْـتَـهاَ على المنهج الواضح، والعلمَ اللائحَ ، حتى أبلغـتـَهـاَ سَدَادَهَا …، “[33].
والملاحظ أنها إحالة داخلية قبلية، أحال فيها الضمير المستتر للمخاطب (أنتَ) ، إلى العنصر الإشاري (شخصية الشيخ عبد الحميد بن باديس مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) * .وهذا يبدو جليا من خلال استخدام الإحالات المتداخلة مع العنصر الإشاري، مما أضفى على المقالة تماسكًا دلاليًا.
- وفي خاتمة المقالة يعقب قائلا :”وسلام عليكَ في الأولين ، وسلام عليكَ في الآخرين ، وسلام عليكَ في العلماء العاملين ، وسلام عليكَ في الحكماء الربانيين ، وسلام عليكَ إلى يوم الدين “[34].
كما نلاحظ أيضا في في هذه الخاتمة ،أن ضمير المخاطب(ك) يحيل إلى العنصر الإشاري (عبد الحميد بن باديس. وكلها إحالة إلى سابق مذكور (عليكَ). المكررة في هذا المقطع 4 مرات.
وسنوضح من خلال هذه الترسيمة الإحالات النصِّية على مستوى المقالة:
يا ساكن الضريح
عبد الحميد بن باديس مُتَ
أردتَ
أصلحتَ
نفقتَ إحالة نصّية قبلية
ملكتَ
أحسنتَ
حَمَلْـتَـها
أبلغتـَها
قدمتَ
وكل هذه الإحالات النصّية ساهمت في اتساق المقالات، عن طريق ضمائر المتكلم والغائب والمخاطب، والتي ساهمت في ربط أجزاء المقالات من جهة، ومن جهة أخرى ساهمت في تماسك البينة الكلية لمقالات عيون البصائر.
3-ج- الإحالة الإشارية في “عيون البصائر” ودورها في التماسك النصِّي:
لاَقَى اسم الإشارة اهتمامًا كبيرًا في الدرس اللساني الحديث، خاصةً في التماسك النصي بين الأجزاء النصية ، وفي نصوص”عيون البصائر”، يلاحظ على أن الإحالة الإشارية كثيرة، وهذا يفيد في تماسك المقالات، ومن صُوَرِهِ:
قول الإبراهيمي في مقالة ‘ من وحي العيد': ” وجاء هذا العيد …والهوى في مراكش يأمر وينهى ، والطغيان في الجزائر بلغ المنتهى ، والكيد في تونس يسلّط الأخ على أخيه ، وينام ملءَ عينيه ،والأيدي العابثة في ليبيا تمزّق الأوصال ، وتداوي الجروح بالقروح ، وفرعونُ في مصر يحاول المحال ـ ويطاول في الآجال ؛ ومشكلة فلسطين أُكْلَةٌ خبيثة في وجه الجزيرة العربية، تَسري وتستثري؛ والأردن قنطرة عبور ، للويل والثبور ، وسوريا ولبنان يتبادلان القطيعة ؛ والحجاز مطمح وُرَاث متاعكسين ، ونهزة شركاء متشاكسين…، هذه ممالك العروبة والإسلام ، كثرت أسماؤها ، وقل غناؤها ، وهذه أحوال العرب والمسلمين ، الذين يُقبل عليهم العيد فَيُقْبِلُ بعضهم على بعض يتقارضون التهاني، ويتعلّلون بالأمانى؛ أفلا أُعْذَرُ إذا لقِيتُ الأعياد بوجه عابس ولسان بَكَىّ، وقلم جاف ،وقلب حزين ؟…”[35].
تكرر اسم الإشارة للمفرد المذكر (هذا) مرة واحدة في هذه المقطع من المقالة، وهي إحالة داخلية بعدية، تعود على مذكور لاحق ( العيد)، وكيف وجد حال الدول العربية مشرقها ومغربها، فقد تأثر الإبراهيمي، وَوَجَدَ سَلْوَتَهُ في التعبير عن حبه لوطنه، وللعرب والمسلمين من خلال مقالته.
كما استخدم اسم الإشارة للمفرد المؤنث(هذه) في قوله ( هذه ممالك العروبة والإسلام)، (وهذه أحوال العرب المسلمين). إذ تكرر ذكره مرتين، دلالة على الحزن والألم، محيلًا إلى مذكور لاحق وهو (العيد) ،كإحالة داخلية بعدية. فهذا النص تألف من عناصر إشارية ،أقامت بينها شبكة من العلاقات الداخلية التي عملت على ايجاد نوع من الاتساق والانسجام بين وحدات هذه المقالة.
يقول أيضا في تمهيده لبعض المقالات ” لكاتب هذه المقالات المجموعة هنا ثلاثة كتب:
1- “الكلمات المظلومة”
2- “الشاب الجزائري كما تُمَثِلُهُ لي الخواطر”
3- “سَجْعُ الكهان”
وهذا الأخير نقد لاذع للحكومات العربية والشعوب العربية وملوكهم ، على مواقفهم الذليلة المهينة المترردة في فلسطين ، وكنت كتبت كثيرًا في التنديد بهم، فلم يؤثر ذلك في هذه الصخور الجامدة ، فاستخدمت هذا الأسلوب، ونزعت فيه منزع القدماء في السجع وعَزَوْتُهُ إلى كاهن الحيّ.”[36].
ومن هنا تكون الإحالة مقامية، وظف فيها الإبراهيمي اسْمَيْ الإشارة للمفرد المؤنث والمذكر (هذه ،هذا) ، وهي إحالة قبلية إلى مذكور قريب (كتاب سجع الكهان)، كما استخدم اسم الإشارة للبعيد(ذلك) وهي إحالة خارجية مقامية إلى كثرة ما كتبه ناقدًا للحكومات والشعوب العربية وملوكهم، وموقفهم إزاء قضية فلسطين. لكن لم تُؤتِ أُكْلَهَا. فاضطر إلى تغيير الأسلوب فلجأ إلى سجع الكهان، إذ عُدَّتْ من أبلغ ماكتبه الإبراهيمي من مقالاته، وهي مَعْجُوَنةٌ بفكره الخاص.
ففي بداية قوله ( لكاتب هذه المقالات المجموعة هنا ثلاثة كتب)، زَوَاجَ الأديب بين الإحالة المقامية والنَّصية( المقالية) ،فالإحالة المقامية(السياقية) في كلمة (لكاتب) تحيل إلى مذكور خارجي وهو ذات المتكلم ( محـمد البشير الإبراهيمي) وسنوضحها من خلال هذا المخطط:
مخطط توضيحي للعناصر الإشارية لكاتب هذه المقالات( محـمد البشير الإبراهيمي)
( الشكل 5)
وفي قوله (هذه المقالات المجموعة هنا )، استخدم اسم الإشارة ( هذه ، هنا )إحالة بعدية للمكان القريب ، ويفهم من العناصر الإشارية (هذا و هنا) على تينك المقالات التي كتبها الإبراهيمي. فقد جاءت دالةً على القرب وتعظيم الموقف .
ومن الكلمات المظلومة ” الإصلاحات” وقال فيها الإبراهيمي:
” وإنما أغنى هذه الإصلاحات (الفاسدة) التى يكثر الحديث عليها في هذه الأيام من الدول والحكومات ، فكلما تعالت الأصوات من الأمم المطالبة بحقها في السياسة والحياة- كانت العُلالة التى تسكب بها الأصوات ؛ كلمة الإصلاحات فتتطلع الأعناق ،وتتشوق النفوس ،ثم تفتح الأعين ،على مَهازل لا تسد خلة ولا تدفع ألماً “[37].
ويقول أيضا في’ الديمقراطية ‘ وهي أيضا من الكلمات المظلومة ” لك الله أيتها الديمقراطية”[38] .فهذه الكلمتين من بين الكلمات التي نشرت في كتاب ” كلمات مظلومة”، إذ تمثل إحالة بعدية لها.
ويقول في مقالة ‘الشاب الجزائري كما تُمَثِلُهُ لي الخواطر':“ياشباب الجزائر هكذا كونوا !… أو لا تكونوا !…”[39] وظف الإبراهيمي في هذا المقطع من المقالة اسم الإشارة (هكذا) ،كإحالة على مذكور سابق، وهو (الشباب الجزائري)، وهي من الوصايا التي تركها الإبراهيمي لأبناء وطنه، ليكون قدوة لغيره، مشعلًا فيه فتيل الحماسة والإقدام على طلب العلم والمعرفة والعمل النافع، والتمسك بثوابته التي يستقيها من القرآن الكريم والسنة النبوية. وقد قام هذا العنصر الإشاري باختزال كلام الإبراهيمي السابق. محققًا بذلك تلاحما واتساقًا بين أجزاء هذه المقالات، كَبِنْيَةٍ نصّية موحدة منسجمة.
-ويقول الشاعر محـمد البشير الإبراهيمي في مقالته الموسومة بـ:’ الإسلام’[40] : (الرجز)
مَنْ ذَا يُجَارِيكَ ؟ وَأَنْتَ الْسَيْلُ وَ الْسَيْلُ فِيهِ غَرْقٌ وَوَيْلٌ
مَنْ ذاَ يُسَارِيكَ ؟ وَأَنْتَ الْنَجْمُ وَالْنَجْمُ نُورُ الْهُدَى ، وَرَجْمٌ
تكرر ذكر اسم الإشارة للقريب (ذا) في صدر البيتين الأول والثاني ، للإحالة إلى العنصر الإشاري
( الإسلام)، وهي إحالة قبلية قريبة، ينشد الأديب التركيز على الإسلام، إذ هو من أهم القضايا التى يدافع عنها.
فالملاحظ أن الإبراهيمي قد استخدم اسم الإشارة (ذا) فأحدث نسيجا موحدًا في هذه القصيدة، إذ ربط الأبيات بالعنوان(الإسلام)، فأعطي ذلك اتساقًا لها كوحدة متكاملة .
وعليه فالسياق له دور مهم في تفسير الكلام، وتعيين المشار إليه. والملاحظ هنا أن أسماء الإشارة قامت بالربط القبلي واللاحق، وهذا ما يساهم في انسجام النص واتساقه .
3- د- الإحالة الموصولية في “عيون البصائر” ودورها في التماسك النصِّي:
استخدم محـمد البشير الإبراهيمي في كتابه “عيون البصائر”، مجموعة من الأسماء الموصولة، باعتبارها وسيلة للتعبير عن مقاصده، فقد زواج بين مختلف الأسماء الموصولة الدالة على المفرد والمثنى والجمع ( الذي، التي، اللذان، اللتان، الذين…).» فالألفاظ الموصولة ألفاظ مبهمة تحتاج إلى صلة والصلة تعين المدلول، ويفسر الاسم من خلال صلته، فيصبح بذلك معرفة، قد تقع جملة أو شبه جملة ، فالاسم لا يتم نفسه، ويفتقر إلى كلام بعده ليصير جزء الجملة. ولابد من العائد الذي يعود على الموصول، ويربط الصلة بالموصول الضمير المطابق في اللفظ والمعنى في حالة الاختصاص، وقد يطابق هذا الضمير ما يقوم مقام اللفظ الموصول، خاصة إذا كان خبرًا أو صفة كالمبتدأ العنصر اللغوي الإجباري أو الموصوف وجملة الصلة خبرية« [41].
ففي قول الإبراهيمي : ” أبقى الأبطال تلك الفتوحات التي هي مفاتيح ملك الإسلام ، وأبقى الخلفاء تلك السير التي هي جمال الأيام ، وأبقى تلك الأسفار الكريمة التي هي عطر التاريخ وأزهاره ، وأبقى الأغنياء هذه المعاقل الباذخة التي هي بيوت الله”[42].
اعتمد الإبراهيمي على الاسم الموصول ( التي) في ربط جمل هذا المقطع، محققا بذلك إحالة نصية قبلية، مما أدى إلى ترابط هذا النص( تلك الفتوحات التي، تلك السير التي… تلك الأسفار الكريمة التي…)، وهذا بواسطة الأسماء الموصولة الظاهرة فيه، ومما أضفى على النص تماسكًا وتلاحمًا .
وكذلك قوله في مقالة ‘ كلمتنا عن الأئمة’: ” إن الفقه فقهًا لا تصل إليه المدارك القاصرة ، وهو لُبَابُ الدين ، وروح القرآن ، وعصارة سنة محمد صلي الله عليه وسلم ؛ وهو تفسير أعماله وأقواله وأحواله ومآخذه ومتاركه ؛ وهو الذي وَرِثَهُ عنه أصحابه وأتباعهم إلى يوم الدين ؛ وهو الذي يسعد المسلمون بفهمه و تطبيقه والعمل به؛ وهو الذي يجلب لهم عز الدنيا والآخرة ؛ وهو الذي نريد أن نحييه في هذه الأمة فنحيا به “[43].
فالعنصر الإشاري: الفقه وقد فسره العنصر الإحالى ( الذي) الاسم الموصول للمفرد المذكر، وهي إحالة متقدمة، وقد برز التعدد والتتابع في الإحالات الموصولة لإبراز أهمية الفقه باعتباره لُبابُ الدين…
ويمكن توضيحها من خلال هذين المخططين:
الفقه
لباب الدين وروح القرآن
عصارة النبي صلى الله عليه وسلم
سبب سعادة المسلمين بفهمه وتطبيقه والعمل به
يجلب لهم عز الدنيا والآخرة
الفقه
هو( ضمير المفرد المذكر)
الذي ( اسم موصول للمفرد المذكر)
نريد أن نحييه في هذه الأمة فتحيا به( جملة الصلة)
نلاحظ أنه حدث اتساق بين الاسم الموصول والصلة على الضمير (هو) الذي يعود عليه، فاتضحت مقاصد الأديب، وهي إحياء الدين الإسلامي في الدولة الجزائرية، وهذا ما أدى إلى التماسك بين الجمل والتراكيب على المستوى الأفقي في النص.
وفي مقالته ‘ حدثونا عن العدل فإننا نسيناه’ يقول:“يسمع البعيدون الذين مَنَّ الله عليهم بالسلامة مما نحن فيه ، أن في الجزائر نوابا ومجالس نيابية…،ليس في الجزائر نيابة ولا نواب ، بالمعنى الذي تعرفه الأمم ، وإنما هي صور بلا حقائق ، وألفاظ مجردة من معانيها ، وأجسام مفرغة من أرواحها…”[44].
فالعنصر الإحالي ( الذين، الذي) أحال إلى عنصر إشاري سابق وهو ( المجالس النيابية)، ومن خلال السياق العام للمقالة نجد أن المحال إليه هو: الاستعمار الفرنسي الذي استولى على كل أملاك الجزائريين، فهو الحَكَمُ والمسيطر والموجه، والآمر الأول في البلاد، فنجدها توزع الوظائف على أعوانها، وتضع عليها اسم( النائب ) تمويهًا وتغليضًا.
الخاتمة
يلاحظ أن محـمد البشير الإبراهيمي قد استخدم في مقالاته روابط متنوعة، مما لها من أثر بالغ في التماسك النصي، فنوع فيها بين الإحالة الضميرية والإشارية والموصولية. وهذا لبلوغ مقاصده التي يرمي إليها وهي نصرة الدين الإسلامي، والدفاع عن القضايا العادلة.
اعتمد الإبراهيمي على الإحالة الضميرية، إذ كانت أقوى الروابط وأكثرها انتشارًا على مستوى نصوصه، إذ ساهمت في تماسكها وتلاحمها.
كما زاوج بين الإحالة النصّية بنوعيها (القبلية والبعدية)، إذ ساهمت في حبك النص وتماسكه، والإحالة المقامية، التي تربط النص بالسياقات الخارجية، أعانت المتلقي في فهم كُنْهِ النص وربطه بمرجعياته.
فالإحالة ساهمت في الاتساق بين وحدات وأجزاء المقالات( مقدمة، عرض، خاتمة)، كل مقالة على حدى، كما ساهمت في اتساق هذه المقالات مع بعضها البعض مُكونة لَبِنة نصّية متكاملة منسجمة ومتلاحمة.
ابن فارس، مقاييس اللغة، مادة (حول)، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر، ط2، 1979م، مج1، ص327. ([1])
ابن منظور، لسان العرب، مادة (حول)، بيروت، دار صادر، ط6، 1416 هـ-1997م، ص186- 190. ([2])
([3]) أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، القاهرة، مصر، ط1، 1429هـــ، 2008م، مج1، ص585 -587.
([4]) الأزهر الزناد، نسيج النص بحث في ما به يكون الملفوظ نصا، المركز الثقافي العربي، ط1، بيروت، 1993م، ص115.
([5]) J.Lyons. Linguistique général. p 383
أحمد عفيفي، الإحالة في نحو النص، كلية دار العلوم،جامعة القاهرة، (د،ط)، (د،ت)، ص14. ([6])
([7]) ينظر: ج.ب براون ،ج.يول، تحليل الخطاب، تر:محـمد لطفي الزليطني، منير التريكي، النشر العلمي والمطابع-جامعة الملك سعود، (د.ط)، 1418هـ-1998 م، ص36؛نعيمة سعدية، الخطاب الشعري عند محمـد الماغوط دراسة تحليلية من منظور لسانيات النص، رسالة دكتوراه( مخطوط)، جامعة محـمد خيضر، بسكرة،2009-2010م، ص260.
([8]) دومينيك مانغوغو، المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، تر:محـمد يحياتن، منشورات الاختلاف- الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1،الجزائر، 1428 هـ-2008م، ص19.
أحمد عفيفي، الإحالة في نحو النص، ص 13([9])
([10]) أحمد المتوكل، الخطاب وخصائص اللغة العربية دراسة في الوظيفة والبنية والنمط، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 1431هـ-2010م، ص73.
([11]) ينظر: كلماير وآخرون، أساسيات علم لغة النص مدخل إلى فروضه و نماذجه وعلاقاته وطرائقه ومباحثه، ترجمة وتعليق: حسن سعيد بحيري، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، مصر،ط1، 2009م، ص248؛ وسعيد حسن بحيري، دراسات لغوية تطبيقية في العلاقة بين البنية والدلالة، مكتبة الآداب، القاهرة، مصر، ط1، 1426هــ-2005م، ص98؛ وزاهر مرهون الداودي، الترابط النصي بين الشعر والنثر، دارجرير للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1،1431هـ، 2010م، ص42.
([12]) ينظر: محـمد خطابي، لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء/ المغرب، 2006م، ص17- 19
([13])davidnunan , Introducing discourse analysis , p22
([14]) روبرت دي بوجراند، النص والخطاب والإجراء ، تر: تمام حسان،عالم الكتب، القاهرة، ط1، ص322
([15]) روبرت دي بوجراند، النص والخطاب والإجراء، ص339 .
جمعان عبد الكريم، إشكالات النص المداخلة أنموذجا-دراسة لسانبة نصية-، المرك الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2009م، ص349.([16])
([17]) محـمد البشير الإبراهيمي، عيون البصائر، شركة دار الأمة للنشر والتوزيع، (د.ط)، برج الكيفان/ الجزائر، 2007، ص15.
([18]) عيون البصائر، ص16.
([19]) سليمة عذاوري، شعرية التناص في الرواية العربية – الرواية والتاريخ- ، ص110.
([20]) الأزهر الزناد، نسيج النص، ص119.
([21]) عيون البصائر، ص55.
([22]) المصدر نفسه، ص53 .
([23]) ينظر: محـمد خطابي، لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب، ص18.
([24]) ينظر:خليل ياسر البطاشي، الترابط النصي في ضوء التحليل اللساني للخطاب،ص167.
([25]) صبحي إبراهيم الفقي، علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط1، 1431هـ-2000، ج1، ص40.
([26]) عيون البصائر، ص306.
عيون البصائر، ص222. ([27])
([28]) عيون البصائر، ص222.
([29]) المصدر نفسه ، ص223.
([30]) ينظر:تمام حسان، الخلاصة النحوية، عالم الكتب القاهرة، ط1، 1420هـ-2000 م، ص 89- 90.
. المصدر السابق،ص660-661([31])
* يقول الشاعر محـمد البشير الإبراهيمي في تمهيده للقصيد: أبيات من الرجز كنت أنظم كل أربعة منها لتوضع في إطار بجانب اسم الجريدة، ثم ضمنتها للملحمة الرجزية من نظمي، وهي تبلغ عشرات الألوف من الأبيات، منها نحو خمسة آلاف في تاريخ الإسلام وحقائقه، ينظر:عيون البصائر، ص549
([32]) عيون البصائر، ص549.
عيون البصائر، ص658([33])
* هو الإمام عبد الحميد بن باديس(1307-1358 هـ) الموافق لـ:(1940- 1889م) ،من رجال الإصلاح في الوطن العربي ورائد النهضة الإسلامية في الجزائر، ومؤسس” جمعية العلماء المسلمين الجزائريين“. مع رفيق دربه الشيخ مـحمد البشير الإبراهيمي .التي تأسست يوم الثلاثاء 05 من ماي 1931 م في اجتماع بنادي الترقّي لاثنان وسبعون من علماء القطر الجزائري ومن شتى الاتجاهات الدينية والمذهبية. وانتخب الشّيخ ابن باديس رئيساً لها والبشير الإبراهيميّ نائبًا له . http://binbadis.net/index.php/benbadis،بتاريخ: 13/04/2014، على الساعة:10:18
([34]) المصدر السابق، ص659 .
([35]) عيون البصائر، ص547-548.
([36]) المصدر السابق، ص579.
([37]) عيون البصائر، ص583.
([38]) المصدر نفسه، ص585.
([39]) المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
([40]) عيون البصائر، ص549.
([41]) رضي الدين الأستراباذي، شرح كافية ابن حاجب، دار الكتب العملية، ط2، 1982،ج3، ص88 ومايليها
عيون البصائر، ص136-137.([42])
([43]) المصدر نفسه، ص203.
([44]) عيون البصائر، ص401
الأستاذة: مشري أمال ـ جامعة محـمد خيضر بسكرة ـ الجزائر
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 36 الصفحة 71.