الملخص:
منذ ظهرت الرّواية العربية وهي في سعي دائم للبحث عن شكل فنّي تحقّق من خلاله ذاتها، وتجسّد عبره خصائصها التجنسية. فظهر ما يعرف بالتجريب الرّوائي الذي مارسه الرّوائيون بطرق وأساليب وأشكال مختلفة، منها ما هو متعلّق بالبناء والمقوّمات الفنيّة، ومنها ما هو متعلّق بالتيمات والموضوعات… هذا ما نلاحظه في روايات الألفية الثالثة بشكل واضح، منها رواية “الذّروة” للأديبة ربيعة جلطي، الصّادرة عن دار الآداب سنة 2010، الّتي تعتبر إحدى نقاط التحوّل في الرّواية العربية عموما والرّواية الجزائرية على وجه الخصوص، وهذا لعدّة أسباب أهمّها أنّها تمثّل منعطفا في حياة كاتبة عرفت بكتابة الشّعر واشتهرت به، وكذا كونها رواية حاولت أن تجرّب شكلا فنيا جديدا للرّواية، كما لامست “التّجديد” في المضمون من خلال طرح تيمات جديدة وتجديد تيمات موجودة سلفا فطرحت الصّداقة كقضية اجتماعية، السّلطة كقضية سياسية، الجنس كقضية أخلاقية… والأهمّ من هذا كله طابع “السخرية” الّذي صاحب هذا العمل وكذا الجرأة في الطرح والغموض في بعض المواضع… لهذه الأسباب ارتأينا أن يكون موضوع مداخلتنا موسوما بـ رواية “الذّروة” لربيعة جلطي: بين التجديد في التيمات ومحاولة البحث عن شكل جديد للكتابة الروائية. في محاولة لتقصّي أهمّ تيمات هذه الرّواية من الّتي ذكرناها والتي لم نذكر، وكذا رصد مواطن التّجديد في الشكل الروائي الّذي جرّبته الكاتبة.
1) رواية الذّروة/محاولة لتجريب شكل جديد للرواية: jil
من المصطلحات الشائعة في النقد الروائي المعاصر، مصطلح التّجريب L’expérimentation الموصوف بأنّه مشروع رؤية فنية تحثّ على الاجتهاد والفضول والمغامرة، وعدم التسليم والقناعة بما هو جاهز من الأشكال والرّؤى وأنماط التّعبير.[1] أي محاولة البحث عن شكل جديد للرّواية، واستكشاف عوالم فنّية تخصّ هذا الجنس الأدبي، لم يسبق الولوج إليها.
إنّ الرّواية التجريبية ” لا تخضع في بنيتها لنظام مسبق يحكمها، ولا إلى ذلك المنطق الحارجي الّذي تحتكم إليه الأنماط التقليديّة في الكتابة الرّوائية؛ وإنّما تستمد نظامها من داخلها، وكذلك من منطقها الخاص بها، من خلال تكسير الميثاق السّردي المتداول، والتخلّص من نمطيّة بنيتها”.[2] فهي تثور على نمطيّة الكتابة وحدودها وقوانينها؛ كتقسيم الفصول وتوزيع المشاهد والعنونة، وتقديم الشّخصيات وعرض الأحداث..وغيرها من أسس الكتابة الرّوائية ومقوماتها. وتتّخذ لنفسها نماذج جديدة من البُنى السّردية، تختلف من تجربة إلى أخرى.
وتعتبر رواية “الذّروة” نموذجا قويّا للرّواية التّجريبية كونها، ثارت على أنماط الكتابة الرّوائية التّقليدية شكلا ومضمونا، لقد حاولت ربيعة جلطي في أولى تجاربها الرّوائية أن تصيغ شكلا فنيّا جديدا للكتابة الرّوائية من خلال قالب تجريبي جديد مارسته بثقة، وموضوعات حسّاسة عالجتها بكلّ وعي وجرأة وشجاعة؛ كاسرة بذلك أعقد الطابوهات (السياسة الجنس). مضفية على ذلك بعض الغموض وكثيرا من السّخرية، كما جرّبت تقديما جديدا لمكونات السّرد؛ خاصّة فيما يتعلق بمكوّن (الشّخصية السّردية ) الّذي حمّلته نوازع ومكنونات ومكبوتات، مفعّلة المونولوج كثيرا في هذه الرّواية. وربطتها – أي الشخصيات – في شبكة علاقات اجتماعية وإنسانية دقيقة. وجعل السّرد وكأنّه يبدو واقعيا مُعاشا.
إنّ مكوّنات البنية السّردية للرّواية التّجريبية تطرح علينا تساؤلات وإشكالات جوهرية، تتعلّق بتمظهرات الجديد فيها، من مقوّمات وميكانيزمات حكي وآليات سرد، شأنها شأن أي إيداع له خصوصيته وانفراده بِسِمات لم تبلغها ممارسات الكتابة التقليدية الموغلة في القِدم الّذي “يمتد بجذوره إلى آمادٍ بعيدة مارس الإنسان فيها الكتابة بشكل بسيط جدا، وما لبث أن تصاعد اهتمامه بها، إلى أن بلغ موضعا من التعقيد والتّجريد، مسايرا في ذلك تطوّر مراحل نشأة الكتابة وارتقائها”.[3] وهذا ما سعت إليه الرّوائية الجزائرية ربيعة جلطي، الّتي وظّفت الشّعر الأندلسي وموسيقاه ووظّفت الفن التشكيلي والآيات القرآنية، فالتّجريب في هذه الحالة قرين الإبداع، لأنّه يتمثّل في ابتكار طرائق وأساليب جديدة في أنماط التعبير المختلفة، فهو جوهر الإبداع وحقيقته، عندما يتجاوز المألوف ويغامر في قلب المستقبل، مما يتطلّب الشّجاعة والمغامرة واستهداف المجهول دون التحقّق من النّجاح، والفن التّجريبي يخترق مساره ضدّ التّيارات السّائدة بصعوبة شديدة، ونادرا ما يظفر بقبول المتلقّين دفعة واحدة، بل يمتدّ أوساطهم بتوجس، ويستثير خيالهم ورغبتهم في التجدّيد، باستثمار ما يسمّى بجماليات الاختلاف، ولا يتوقّف مصيره على استجابته فحسب – كما يبدو من الوهلة الأولى – بل على قدر ما يشبعه من تطلّعاتهم البعيدة عن التوقع، ويوظّفه من إمكاناتهم البعيدة. فجدل التّجريب الإبداعي متعدّد الأطراف، لا يتمّ داخل المبدع في عالمه الخاص، بل يمتدّ إلى التقاليد الّتي يتجاوزها والفضاء الذي يستشرفه المخيال الجماعي.[4]
ومن أهمّ ما حاولت الرّوائية تجريبه في شخصيات روائيتها هو تداخل الشخصيات في التصرفات والصفات. حيث تتّخذ شخصية ما صورة شخصية أخرى، وتتجلى هذه الفكرة في شخصية أندلس في مراهقتها، وهي تحاول تقليد شخصيّة عمّتها زهية، محاكية كل تصرّفاتها، ممارسة سلوكاتها طقوسها، من باب الإعجاب والاقتداء، ما هو واضح في قولها:” وأنا أراقب من يراقبها، أزداد إعجابا بشخصية عمّتي زهيّة وأستحسن كل ما تقوم به”.[5] ومؤكّدة هذا الإعجاب في تقليد تصرفاتها في قولها :” في غيابها أداعب قواميسها، وأفتح كتبها العديدة، أورّقها بين أصابعي وأسمع موسيقى خشخشتها…في غياب زهيّة ألبس أحذيتها الجميلة الملوّنة ذات الكعب العالي، وأقلد مشيتها وحركتها القلقة، فتنهرني جدّتي لالّة أندلس وتضحك عمّاتي ويبتسم عمّي التاقي والباقون…”.[6] كما تتجلّى في تشابه الأسماء والطبائع بين الجدّة والحفيدة. وتتجلى أيضا في الشكل والنسخ عندما تحوّلت سعدية بعملية تجميلية إلى أندلس. كل هذا وغيره جرّبته الكاتبة في روايتها. والآن سنخوض بالتفصيل في كلّ قضيّة من قضايا التّجريب الّتي لمسناها في نصّ “الذروة”.
2) التّناص/تجريب التعالق النصّي:
لمــّا كانت الرّواية ذلك الجنس الأدبي الذي ينفتح على سائر تشكّلات الفعل الإبداعي، في شتى صوره التراثية والمعاصرة، المحلية منها والعالمية، والقادر على التفاعل معها، عبر أشكال متعدّدة من التعالق النصّي، تعكس اختلافا في المرجع وتنوّعا في الرّؤية من كاتب إلى آخر، فإنّها تبقى مقبِلة دوما على التّجريب، الذي تستمدّ منه تجدّد نسغها، وتطوّر آليات إنشائها، وعالما روائيّا لا يزال بصدد التشكّل، يتعالى على الثوابت والحدود، من خلال مساءلة السابق من الكتابات ومساءلة الذّات.[7]
يعتبر التّناص intertextualité من أهمّ آليّات التّجريب الرّوائي؛ كونه يفتح المجال أمام النّص ليتعالق مع نصوص أخرى، ويغرف ويقتبس منها ويحاكيها، ممّا يتيح له عدّة طرق لتقديم الأحداث والاستشهاد لها. فيتميّز بذلك عن غيره من النصوص ويختلف عنها شكلا ومضمونا. فمقولة التّناص تسم النص الرّوائي بعدا تجريبيا بحتا، لا سيما إن مارسها الكاتب بذكاء وفطنة يقرّبان النصّ المقتبس من نصّه الرّوائي حد التداخل والالتحام.
إنّ البحث في التّناص جاء كردة فعل على البنيوية، الّتي لم تهتم بهذه المسألة، وظهر مع ظهور التفكيكيّة ونظريّة القراءة، وارتبطت الكلمة (التّناص) بالنـــّاقدة البلغارية الأصل الفرنسية الجنسية جوليا كريستيفا Julia Kristeva، الّتي تعدّ أوّل من وضع هذا المصطلح، معتمدة في ذلك على الإرث النظري الذي خلّفه ميخائيل باختين Mikhail Bakhtine، والّذي يرجع إليه الفضل في التّعريف بالتّناص، وإن لم يذكره بالاسم.[8]
كما نجد المصطلح عند النــــّاقد الفرنسي جيرار جينيت Gérard Genette يندرج تحت المتعاليات النصية Transsexualité الّتي تٌعرّف على أنّها ” كلّ ما يحمل نصّا يتعالق مع نصوص أخرى بطريقة مباشرة أو ضمنية”.[9] حيث حدّدها في خمسة أنماط في كتابه المشهور طروس* Palimpsestes كما يلي[10] :
أ – التناص Intertextualité أو التضافر النصّي: وهو تلاقح النصوص – أي حضور نصّ آخر في ذلك النصّ – عبر المحاورة والاستلهام والاستنساخ، بطريقة واعية أو غير واعية.
ب – المُناص Para texte أو النصّ الموازي أو العتبات: وهو ما سنتحدث عنه بالتفصيل في عنصر لاحق.
ج – الميتانص Méta texte أو النصّ الواصف: وهو خطاب نصّ على نصّ آخر، أي ما نسمّيه عادة بالتّعليق – نصّ مرتبط بنصّ آخر، يتحدّث عنه دون أن يذكره أحيانا – وهو العلاقة النقدية.
د – النص اللاحق Hyper texte أو النّص النّاسخ: تعمّد جيرار جينيت تأخير هذا النوع لأنّ مدار كتابه كله كان عليه، وهو عبارة عن علاقة تحويل ومحاكاة تتحكّم في النّص (ب) كنصّ لاحق Hyper texte بالنص (أ) كنصّ سابق Hypo texte.
هــ – معمارية النص Archi texte أو النّص الجامع: يتحدّد في الأنواع الفنية والأجناس الأدبية؛ شعر، رواية، مسرحية.. وهو نمط أكثر تجريدا، بل الأكثر ضمنية. وسمّاها جيرار جينيت بالبكماء أو الخرساء، لأنّها تعلن ولا تعلن، ولكن أهم ما تفعله أنّها ترسم للمستقبِل ( المتلقي ) أفق انتظار، ومن ثم تقبلا ما للأثر. [11]
وعموما يعد كل من التناص والمـــُناص (العتبات) أكثر المتعاليات النصيّة حضورا في الرّواية التجريبية، كون الأول يدخِلها في علاقة مع نصوص وسياقات أخرى، والثاني يقيم علاقتها مع المتلقي. والآن سنعرض أهم الأشكال التناصية الّتي رصدناها في رواية “الذّروة”، والّتي حاولت الكاتبة من خلالها تجريب التعالق النصّي في روايتها، ومن ثمّ نتوقّف عند العتبات النصيّة المصاحبة لهذا النّص، محاولين إعطاء قراءة تأويلية لتجربة المُناص فيه.
2-1) التناص القرآني:
إنّ الثقافة العربيّة على توالي العصور الإسلامية كانت في مجملها تعتمد القرآن الكريم مصدرا تدور حوله الأبحاث والدراسات،[12] ونغرف منه النصوص الإبداعية (شعرية ونثرية) وتضمّن منه، ما يعزز أشكالها ويقوّي بنياتها. وقضية التناص القرآني “تنفرد بها الثقافة العربية وتؤثّر في حركيّة عملية تشابك العلاقات التناصيّة فيها، فلا تعرف الثقافات الأخرى مثل هذا النّص الأب ، النّص المثال ، النّص المسيطر ، النّص المطلق ، النّص المقدّس..”.[13] فالتناص القرآني أكثر أنواع التناص حضورا في النصوص الإبداعية عبر مختلف العصور.
ضمّنت ربيعة جلطي نصّها آيةً من سورة العصر في قولها:”..يُشاع في العائلة أنّ أبي فُتن بها أيّما فتنة، لولا انّ امرأة أخرى ابنة عمة له تدعى نوّارة غارت منها، فسقته شاياً مسحورا ساعة العصر…. لماذا ساعة العصر…؟
والعصر إنّ الإنسان لفي خُسر”.[14] مقتبسة معنى الخُسران الذي تضمّنته الآية رابطة إياه بمفعول السّحر، كون السّحر عمل يلحق بصاحبه أذى وخسارة كبيرين.
كما ضمّنت آية أخرى ” الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون”.[15] الّتي تعقد تناصاً مع الآيات الكريمة ” لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ “.[16] والملاحظ أنّ الرّوائية وظّفت الجملة المقتبسة في نفس السياق الذي جاءت فيه الآية، وهو أنّ الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.
كما نجد في عنوان الفصل الثاني من الرّواية الذي وسمته “حمّالة النهد. جيد وحبل من مسد”.[17] تناصاً مع آيات سورة المسد، في قوله تعالى :”…وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ“.[18] فاستبدلت دلالة حمل الحطب على الجيد بحمل النّهد، ودلالة المسد بدلالة القطن والحرير الّذي تصنع منه الحمّالات؛ والمقصود هنا هو دلالة الثقل الموجود في حمل الصدر باعتبارها دلالة حقيقية، تنطوي على حمل المكبوتات كدلالة مجازية.
2-2) التناص التراثي/الامثال الشعبية:
كان التراث الشّعبي وما يزال مصدرا يستمدّ منه الرّوائي أدواته الفنيّة والإجرائية؛ إذ هو منبع استلهامه سواء على مستوى اللّغة أم على مستوى الخيال ولحضور النّص الشّعبي في العمل السّردي أثر بليغ في عمليّة الاتّصال والتّواصل بين الكاتب والقارئ، فهو تعبير عن واقع الشّعب وهمومه ومشاكله وكذا أفكاره.[19] ويتجلّى هذا النوع من التّناص بشكل أكبر في الأمثال الشعبية والحكم، والّتي وظّفت منها الرّوائية ربيعة جلطي عددا كبيرا في نصّها “الذّروة”، ما يعكس ثقافتها الشّعبية الجزائرية العميقة، خاصّة وأنّها من منطقة “نذرومة” المعروفة بتكريسها للثقافة الشعبية، ومن هذه الأمثال نذكر: ” زهية عندها الزهر يشقّق الحجر”.[20] ” الله يسامحها زهية أختي صامت شحال من عام.. وفطرت على بصلة”.[21] ” كل خنفوس عند أمه غزال”.[22] “الدّق والعافر ، ومشقوق المناخر”.[23] “جوّع كلبك يتبعك”.[24]“من لحيتو بخرلو”.[25]
هي أمثال شعبيّة متنوعة الأغراض والمقاصد، متباينة الموارد والمضارب، حشدتها الرّوائية في نصّها، لتُـــكسبه سمة جزائرية خالصة، وتُنطِق شخصياتها لغة بلد المليون والنصف مليون شهيد، كون هذه الأمثال جاءت على ألسنة الشخصيات.. حيث تعلن هذه الأمثال عن مرجعية ثقافية مرتبطة بالرّوائية من جهة وشخصيات الرّواية من جهة أخرى. وما زاد من جماليتها هو تضمنيها داخل الحوار، لتظهر وكأنّها من صميم اللغة السردية.
2-3) التّناص الفنّي/الشّعر والموسيقى وتوظيف الفن التّشكيلي:
وهو تضمين النّص أبيااتا شعريّة أو مقاطع موسيقية أو نماذج من الفنون التّشكلية.. وغيرها، حيث يتمّ نقلها إلى النّص تارة للاستشهاد وتارة لعلاقتها بالأحداث وبأفعال الشّخصيات وأقوالها وطقوسها.. وقد تحدّدت الأشعار الواردة في رواية “الذّروة” في الطّابع الأندلسي الذي فرض نفسه بقوّة في هذا العمل الرّوائي، ما يعكس اطّلاع الرّوائية وحبها للثقافة الأندلسية وتشبّعها بها. حيث نجدها تضمّن الأبيات الاندلسيّة وإيقاعاتها بصوت الشيخ غفور:
لمن نشكي بليعتي عيدولي يا اهل الهوى
آش عيبي وذلتي خلوتي خاطري انكوى
شعلت نيران مهجتي ضيّعت القلب ما قوى[26]
وكذلك الأبيات “يا غربتي قولي لأهلي
متشوق ولا شي بيا
غير توحشت الغالي
يا ذاك الطير العالي
فوق السطح تلالي
روح عند حبابي
خبرهم ورجع ليا…”.[27]
إنها وغيرها أبيات وظّفتها ربيعة جلطي في لحظات صدق وشجن وحنين عاشتها شخصياتها خاصّة الشخصيتان الرئيسيتان الجدة لالّة أندلس المتشبّعة بالثقافة الأندلسية، وحفيدتها أندلس الفنانة المرهفة المحبة للسّلام.
كما نجدها في سياق آخر يرتبط بالأعراس والزفّات توظّف أغنية الراي”طريق الليسي ويا دلالي..طريق الليسي عقبة وكي عياتني”.[28] كون إيقاعات الراي تتصدر الأعراس الجزائرية وتدوّي في لياليها.
كما لا تنسى ربيعة جلطي توظيف الفن التّشكيلي من بعض المواضع من روايتها مثلما هو واضح في هذا المقطع “كان فنانا تشكيليا بوهيميا غريب الأطوار … يدعى يحيى الغريب، ويشاع أنّ اللّوحة التي تتصدّر مدخل بيتها من أعماله وبريشته… كان يوقع في أسفل لوحاته على شكل عينين تشبهان عيني حبيبته لالّة أندلس “.[29] حيث ألصقت صفات الفنانين وطقوسهم في إحدى الشخصيات الثانوية التي تطلّب السرد أن تكون بهذا الشكل، ولمـــّا كان الفنّان مؤثرا فيمن حوله وتاركا بصمته، حتى وإن غاب فإنّ توقيع يحيى غريب لاحق لالّة أندلس وكان سببا في اعتقال المستعمرين لها، كما يتضح في قولها: ” في صباح ممطر دُقّ الباب بعنف، كان جنود فرنسيون يطلبون لالّة أندلس إلى مقرّ الاستنطاق، بتهمة انتمائها إلى عصابة يحيى الغريب والتنسيق معه للإخلال بالأمن والنظام العام، ودليل تهمتها صورها التي تملأ لوحات يحيى الغريب، وعيناها الرابضتان أسفل كل لوحة بمثابة توقيع”.[30]
3) التّجريب في العتبات:
يقصد بالعتبات النّصية تلك المرفقات المحيطة بالنّص، والّتي يحتاجها أيّ باحث لسبر أغوار النّص، قصد استنطاقها وتأويلها، وهي عناصر موجّهة بدرجة أساسيّة إلى قارئ النّص ومتلقّيه، لتضعه على المسار الصّحيح للقراءة.[31] ويندرج لاهتمام بالعتبات ضمن سياق نظري وتحليلي عام يعتني بإبراز ما للعتبات من وظيفة وأهميّة في فهم خصوصيّة النّص، وتحديد جوانب أساسيّة من مقاصده الدلالية.[32]
وفي تعريفه للعتبات يقول النّاقد الفرنسي جيرار جينيتGérard Genette (المزداد سنة 1930م ): ” كلّ ما يجعل من النّص كتابا، يقترح نفسه على قرّائه، أو بصفة عامة على جمهوره، فهو أكثر من جدار، ذي حدود متماسكة، نقصد به هنا العتبة أو البهو الّذي يسمح لكلّ منّا دخوله أو الرجوع منه..” [33] و يقول :” هو بمثابة السياج الّذي يحيط بالكتاب، من العنوان وشبه العنوان والعنوان الفرعي والمقدّمة والملحق والتنبيه والتمهيد والحاشية والهوامش في أسفل الصفحة وفي آخر الكتاب والتّصدير والرّسوم والإعلان عن إصدار جديد والرباط وجلادة الكتاب، وغير ذلك من المؤشرات[34] الّتي يمكن أن يصطلح عليها بالميثاق الإجناسي “.[35] وخصّص جينيت في كتابه (عتبات Seuils) المنشور سنة 1987 لهذه الأنواع أحد عشر فصلا، وهذا التخصيص راجع لاهتمامه بالعتبات، فأدرج ضمنها كلّ ما يوازي النص الأدبي ويتعلّق به، ذلك أنّ لكل نصّ إبداعي نصّا موازيا.
إنّ الكشف عن الفضاءات الرّمزية والدّلالية المتفاعلة في النّص ينطلق من العتبات (أو كما يسميها جيرار جينيت بالمـــــُناص أو النّص الموازي Para texte) الّتي تُعدّ بوّابة أيّ عمل أدبيّ، يدخل منها القارئ إلى النّص بفكرة مسبقة تمكّنه من فهم الفكرة الّتي أعلن عنها المؤلِّف، بداية من العنوان الرئيس ” فيقوم القارئ بربط العلاقات بين العنوان والنّص المعلن عنه، ومن هنا يبدأ التواطؤ بين القارئ والمؤلّف عن طريق التقديمات والهوامش والاعترافات النصيّة “.[36] وقد لقيت هذه النّظرية اهتماما ورواجا وانتشارا ، وذلك كونها تفيد في فهم خصوصية النّص ودلالاته، بغية تسليط الضوء على طبيعة العلاقة الّتي يقيمها مع المجتمع المتداوِل له بما في ذلك قرّائه.
تختلف رواية “الذّروة” في تجريبها للعتبات عن كثير من الأعمال الرّوائية الرّاهنة، من حيث العنونة والتّصدير والصّورة.. وغيرها، حيث حاولت الكاتبة إعطاء عتبات نصّها شيئا من الغموض المقصود المنفتح على عدّة دلالات ومعانٍ، إنّها لعبة رمي الطعم الفنّي والجمالي للمتلقّي من خلال العتبات، في محاوله لغوايته وجذبه إلى عالم النّص، ليُدخله ويسبر أغواره، فالمتلقّي ” يتعامل مع النّصوص الرّوائية وفق تقنيّة الإثارة المقصودة والمصحوبة بالإعجاب والاستغراب، فينتج عن ذلك إقبال على النّص أو نفور منه، وتنطلق تفاعلاتها من اللّقاء البصري الأول بين القارئ والرّواية، فتنشأ تلك العلاقة الحواريّة الّتي تبدأ بالمـــُنااص (العتبات)، الّذي يعتبره السّيميائيون عتبة أو واجهة خارجية تجسّد الأبعاد البنائيّة والدلاليّة والجماليّة للنّص الرّوائي”.[37] وعلى هذا الأساس جاءت عتبات نصّ “الذّروة” التي كرّست أهمّ العناصر كالعنوان والصورة والتصدير… وللإشارة فقد غابت بعض العتبات الموجودة على المستوى التنظيري عن نص “الذّروة” كالعنوان الفرعي والإهداء (الذي ناب عنه التصدير).
3-1) العنوان:
يشكّل العنوان عنصرا أساساً في النّصوص، خاصّة النثرية منها، إذ يعدّ المفتاح الإجرائي الأوّل الذي يمكن من خلاله ولوج عالم النّص وكشف أسراره، وازدادت أهميته مع النظريات الشكلانية والبنيوية والسّيميائية، باعتباره نصّا صغيرا له وظائف شكلية وجمالية ودلالية، تعدّ مدخلا لنّص كبير، فالعنوان للنّص كالرّأس للجسد.[38] والعنوان عند السّيميائيين سؤال إشكالي ينتظر حلا، والنّص يتولّى مهمة الإجابة عن هذا السؤال، وهذا بإحالة القارئ على مرجعية النّص المركبة من دلائل وقرائن تدلّ على طبيعته القراءة التي تناسبه ونوعها،[39] فهو نداء المؤلِّف إلى القارئ، إذ يترك أثرا في نفس المتلقّي، فيجذبه إليه، ولا يتحقق ذلك إلا إذا توفّرت في العنوان شروط معيّنة، هي:
- أن يكون مختصرا للمتن.
- أن يكون مؤثرا، وأن يثير أفق انتظار المتلقي.
- ألاّ يتجاوز حدود الجملة. وإن لزم ذلك وضع عنوان تفسيري للعنوان الكبير الشامل، فهو فرعي يحمل دلالات معيّنة، فهو يشرح ويبسّط ويوضّح، ” فكلما استدللت بشيء تظهره على غيره، فهو عنوان.” [40] فالعنوان بهذا الشكل يلعب دور المنبّه الذي يثير استجابة القارئ، ليستفزّ بداخله رغبة في قراءة النّص.
يظهر عنوان رواية “الذّروة” لأوّل وهلة بسيطا عاديا، إلا أنّه يحرّك لدى متلقيه غريزة التأويل والبحث عن معانٍ ودلالات لهذه الكلمة، التي قد تستقرّ في ذهنه بأكثر من وجه، ما يدفعه إلى المضيّ في تصفّح الرّواية ومباشرةِ قراءتها، ليعرف المدلول الحقيقي الّذي قصدته الكاتبة من عنوانها، ولماذا اختارت لروايتها هذا العنوان بالذات. إنّه يطرح نفسه كتساؤل مبدئي عن علاقة هذه الكلمة بمحتوى الرّواية. عن أيّة ذروة تحدثت الكاتبة. لتبدأ عملية البحث عن تعالق العنوان بالأحداث والشخصيات والأهمّ من ذلك بالتّيمات المهيمنة على الرّواية. لقد جرّبت ربيعة جلطي وهي تلج عالم الرّواية لأوّل مرّة، هذا العنوان كمجسّة تتحسّس
من خلالها أفق انتظار القارئ، القارئ الجزائري والعربي الذي تعوّد عليها شاعرة مرهفة. لا روائيّة مجرّبة، ليراها في هذا النّص تسرد لنا ما جاد به مخيالها السّردي.
إنّه عنوان متعلّق بكاتبة بلغت ذروة الكتابة الشّعرية لتنتقل إلى السّرد، قبل أن يتعلّق بنصّها. دون أن ننفي علاقة العنوان المنطقيّة والإلزاميّة بالنّص. فالذّروة هنا تعني ذروة السّلام التي بلغتها أندلس، وتصالحها مع الحبّ ومع نفسها ومع المجتمع. إنها ذروة العجز الذي وصل إليه الزّعيم وهو يفقد ذروة النشوة الحقيقية الّتي يتمتع بها أبسط الرجال. كما أنها ذروة الشرّ والخبث اللذين وصلت إليهما الياقوت. إذن هي ذروات وليست ذروة واحدة.
3-2) صورة الغلاف:
تُعرّف الصّورة بأنّـــها كلّ تقليد تمثيلي مجسّد؛ أي إدراك مباشر للعالم الخارجي في مظهره المضيء،[41] فالقارئ عند رؤيته للصورة تتداعى في مخيلته جملة من التساؤلات تصبّ كلّها في حالة الغموض والإبهام والفوضى في حصر دلالة العلامة المفعمة بالمعاني.[42] فوضع الصورة على غلاف الرّواية يزيد من شهية القارئ لمعرفة محتواها، خاصّة إذا كانت (زيادة على العنوان) مبهمة وغامضة، ذلك أنّ صورة واحدة في غلاف رواية ما تحتمل أكثر من معنى وبالتالي أكثر من تأويل.
تضمّن غلاف رواية “الذروة” لربيعة جلطي صورة لقسم علوي من جسد المرأة يأخذ مساحة من شكل دائري ويكرّر ليملأ المساحة السفلية منها. إنّه شكل يشبه المِـــرآة التي ذكرت أكثر من مرّة في الرواية، والّتي عادة ما ترتبط بالأنوثة، وما يؤكّد ذلك انعكاس صورة المرأة. في الشكل.
تظهر المرأة في الصّورة وكأنّـــها مستلقية أو متكئة، شاردة الذّهن سارحة البال كأنّها تفكر أو تحلم وتتخيل.. لتؤكد أنّ الرّواية أنثوية بامتياز فكاتبتها أنثى وبطلاتها إناث. وما يزيد أنثوية هذه الرّواية، الألوان المستعملة في رسم الصورة والغلاف بين وردي وبني فاتح وأبيض.
3-3) العناوين الداخلية:
هي عند جيرار جينيت “عناوين مرفقة أو مصاحبة للنّص، ولوجه التحديد في داخل النّص كعناوين الفصول…والأجزاء للقصص والرّوايات..”.[43] وإن كانت الرّوايات الكلاسيكية لا تعنون الفصول وإنما تكتفي بترقيمها أوتعدادها (الفصل الأول، الفصل الثاني…)، وإن كانت الرّوايات الجديدة تعنون الفصول، فإنّ رواية “الذّروة” جرّبت هذا وذاك. حيث سمت بعض الأجزاء، واكتفت في بعضها بالترقيم فقط.
إنّ متأمل التقسيم الّذي وضعته ربيعة جلطي يدرك أنها لم تقسّم روايتها إلى فصول بل إلى أجزاء منها ما هو طويل ومنها ما جاء مقتضبأ، حيث جعلتها 16 جزءاً، سمّت منها الثاني “حمّالة النّهد جيد وحبل من مسد”والثالث “ابن أمه” والرابع “النّشوة” والخامس “ابنة أبيها” والسّابع “سعدية يا سعدية غير أنت وبزاف عليا والثامن “انا الياقوت واللي ما يبغينيش يموت” والرابع عشر “أقدار رحيل لالّة أندلس”. بينما بقيت الأجزاء 1، 6، 9، 10، 11، 12، 13، 15،16 دون عناوين. حيث إنّ لكل عنوان من عناوين الأجزاء علاقة مباشرة بإحدى الشّخصيات الّتي هيمنت على الجزء المعنون به، وتقوم بمهمة السّرد فيه، بينما الأجزاء غير المعنونة هي امتداء للأجزاء المعنونة من حيث تسلسل الأحداث والشخصيات المهيمنة والسّاردة.
3-4) كلمة النّــاشر/الغلاف الرّابع:
نقصد هنا الغلاف الخلفي للرّواية، ويضمّ كلمة النّاشر حيث يتم تثبيت جهة النشر على لوحة الغلاف، بشكل لا يخلو من القصدية أو من بعض الدّلالات، قد تكون تجارية إذا كانت جهة النّشر من مؤسّسات الطّباعة المشهورة، في الإخراج والتصميم.. وقد تكون ذات دلالة إعلامية لصالح النّاشر، إذا كان مؤلِّف الكتاب معروفا في عالم التأليف والكتابة.[44] وإذا ضّيقنا الدّائرة لنحصرها في مجال الخطاب الرّوائي العربي، فإنّ كلمة الناشر ترتبط في معظم الحالات بتقديم الرّواية، وتقريب عالمها السّردي ومضمونها الحكائي من القارئ. وقد لا يخضع ما يُكتب على ظهر الكتاب (أو الرّواية) بالضرورة لمعايير ثابتة.
وفعلا تضمّن الغلاف الرّابع من رواية “الذّروة” كلمة النّاشر الّتي جاء فيها ” تتناول رواية الذّروة حيوات خمس نساء، يتقاسمن ويتخاصمن عالما من الأحلام والأوهام والذكور. رواية حب وبوح، تحيل بمرارة كبيرة على الواقع العربي الّذي تتحكّم في أنفاسه سلطة مريضة وهرمة، رواية تبحث عن السلام المفقود في النّفوس، وعن المناطق المتوحشّة في الرّوح، حيث الشرّ المطلق يرفض الأخوّة”
إنها كلمة توخّى من خلالها النّاشر تقريب محتوى الرّواية من القارئ وجذبه إليها، كنوع من الدّعاية من جهة، ودغدغة شهية القراءة والتعرّف على شخوص الرواية، وعوالمهم، خاصة أنّهن نساء من جهة أخرى، وما يزيد من كونها رواية تستفز لفعل القراءة، ذِكر النّاشر أنّها تعرّي الواقع العربي الّذي تتحكم فيه سلطة هرمة، هذا ما يبث في نفس القارئ شيئا من التّشويق واللّهفة لمعرفة كيف كانت هذه التّعرية.
كما لا ننسى تضمين الغلاف الرابع بتعريف موجز للكاتبة ربيعة جلطي، كون أن “الذروة” أولىى رواياتها، وهذا لتأكيد أهمية هذا العمل، في مسار الرّواية العربية عموما والجزائرية خصوصا، لأنّه مرتبط باسم كاتبة معروفة ومن إصدار دار نشر مشهورة.
3-5) التصدير/بديل الإهداء:
يعدّ التّصدير في عرف جيرار جينيت اقتباسا يتموضع عامة على رأس الكتاب، أو في جزء منه.[45] ويتلبّس بشكل جملة أو عبارة تتضمن إهداءً أو قولا شارحا.[46] هو – شأنه شأن الإهداء – عتبة حاملة بداخلها لإشارات ذات دلالة توضيحية.[47] ويعتبر تقليدا ثقافيا عريقا لأهمية وظائفه وتعالقاته النصّية،[48] ولو أنّ التّصدير يختلف عن الإهداء في بعض التفاصيل، كون التصدير عام قد يكون قولا مأثورا أو بيتا شعريا أو آية قرآنية… يتوخّى من خلاله الكاتب غاية معينة، أمّا الإهداء فيكون خاصا موجها لشخص ما أو فئة معينة.
جاء تصدير رواية “الذّروة” في شكل توشيح متسم بشيء من الغموض والضبابية، في قولها :”لو أنّ شبها تراءى بين هؤلاء وآخرين، فذلك لأنه يخلق من الشبه أربعين”.[49] وكأنّ الكاتبة تريد سلفا أن تبرئ نفسها من أيّ تطابق قد يحصل بين الشّخصيات الموجودة في القصّة (هؤلاء)، وبين الأشخاص الموجودين في الواقع (آخرين) والّذين قد تنطبق عليهم نفس صفات الشخصيات وطقوسها وطباعئها ومناصبها…
إنّ هذا التّصدير جاء منظوما ومسجوعا كما لو كان بيتا شعريا، يبدو أنّ الكاتبة ها هنا أرادت أن تنطلق من نَفَسها الشعري ويكون في مقدمة روايتها. إنّه تصدير سِيغ بذكاء ووعي كبيرين. تفطنت بهما الكاتبة أنّ الواقع يحتمل بل يركد زعيما عاجزا هرما، ووجود الياقوت وسعدية.. فوضعت هذا التّصدير كتبرئة للذمة، وفي نفس الوقت تأكيدا للتشابه الّذي سيتراءى بين هؤلاء وآخرين.
4) التّجريب في التّيمات/التّجديد الموضوعاتي:
التّيمة Thèmeهي فكرة أو رأي عام، تعكس مجموعة من الآراء الفرعية (أو مجموعة من التيمات) يتمّ تقديمها لتكون ممــــثَّـــــلة.[50] فإذا كانت الأحداث تُروى بحيث تكون ملائمة للشخصيّة نفسها أو البيئة ذاتها، فإنها يمكن أن تُروى بحيث تكون ملائمة للتّيمة نفسها.[51] وهذا ما نلمسه جليا في رواية “الذّروة” الّتي هيمنت على أحداثها وشخصياتها مجموعة من التّيمات، والّتي سنحاول معالجتها على النّحو الّذي ظهرت لنا عليه في النّص، أي في شكل مجموعات أو فُرادى.
4-1) الجسد:
إنّ النّص الأنثوي يتـــّخذ من جسد الأنثى مادّة خاما يقوم بصياغتها لتحقيق الإغراء والإثارة واللّذة النّصيّة، فللجسد في النّص الأنثوي قيمة وإغراء، حيث إنّ استعمال الجسد من طرف الأنثى يتفوّق عن كل استععمالاته الأخرى، فلا يستطيع وصف الأنثى إلاّ الأنثى الخبيرة بأحوال أنوثتها، والقادرة على تقديم الجسد بالطريقة المناسبة، واستثماره لتأثيث المساحات السّردية في النّص، فالجسد هو أيقونة الكتابة النسوية.[52]
ولقد فرض الجسد الأنثوي بتفاصيله المختلفة والمعقّدة نفسه في رواية “الذّروة”، ولا يتم طرح الجسد الأنثوي ولا يكتمل إلا إذا استدعينا بعض تفاصيل الجسد الذّكوري الّذي قدمته لنا الرّوائية في شخصية الزعيم العاجز، الّذي فقد مؤهلاته الذّكورية، في وقت بقيت فيه حاجبته تتمتّع بكامل مؤهلاتها الأنثوية، مدّعيا أنّ العيب ليس فيه، بل في حاجبته الّتي لم تعد قادرة على استثارته وتلبية رغباته الجنسية، باحثا عن أنثى أخرى تلبي له ذلك فاشتهاها في أندلس الّتي لم يصل إليها.
إنّ الجسد في بُعده الإيروسي هو البؤرة التي تتجلى فيها وعبرها الذوات والأشياء التي تكوّن عالم النّص الروائي، إنه الشّكل الّذي تنطلق منه وتلتقي عنده كل الأشكال، وهو أساسا الشكل القار القابل لاستيعاب سلسلة من الأفعال والأوصاف التي تحيل بهذا الشكل أو ذاك على قيمة هي الأساس الّذي تقوم عليه ممكنات المكوّن الدّلالي وسبل تحققه.[53] فقد صاحبت تّيمة الجسد محطات رواية “الذّروة” منذ بداية السّرد في قولها :” أن تغلق الباب دونك للحظات، فأنت تريد الاقتراب من حقيقتك في سريّتها التي لن تفشي بها لأحد آخر غيرك، مهما دنا، أن تشاهد ضوأها الخافت عن قرب، أن تتعرف عليها عارية إلاّ من عيوبها ومفاتنها”.[54] فتفاصيل الجسد ترتبط منطقيا بالسّرية والخصوصية، ولا تظهر إلا لصاحبها بفعل التعرّي، وهذا كان حال اندلس التي حاولت منذ المراحل الاولى من عمرها إخفاء مفاتنها، على الرغم من أنّها كانت في صراع دائم مع تفاصيل جسدها تقول :”… فباغتني القلق المهيمن على ملامحي.. تحسّست حمالة صدري المائلة المنزلقة.. إلا أني لم أشعر يوما براحة ثديي داخلها.. أنظر أحيانا إلى الأخريات بحسد.. في التاسعة من عمري بدأت معاناتي”.[55] بينما كان العكس مع الياقوت وسعدية اللّتان كانتا خريجتا بارات. فاقدتين للعذرية.
4-2) الذّكورة والأنوثة/الصراع اللامتناهي:
إنّ منطق الصّراع الّذي تؤسّس عليه المرأة عموما وربيعة جلطي على وجه الخصوص كتاباتها، يحتّم عليها تقديم النّص المخالف الّذي يكتسي بزي الأنثى، والذي يتحوّل إلى جسد، وتصبح الكتابة بعد ذلك تعويضا عن الآخر، واستغناءً عن وظيفته التقليدية ووسيلة لممارسة الرغبة، والاحتفاء بالنّص.[56] ويأتي اهتمام المرأة بالكتابة من خلال مواجهتها لطريق مسدود حدّدت هندسته الثقافة الذكورية السّائدة الّتي عملت على وضع كينونتها على هامش المجتمع، وبذلك اجتاحت كتابة المرأة نزعة امتلاك الوعي بالذّات الكاتبة، بالإضافة إلى امتلاك شرط الحرية في التّعاطي مع هذه الحرية الثقافية، فأصبح للكتابة وظيفة مزدوجة، تنتقل من فك الأغلال الخارجية إلى تحرير القيود الدّاخلية، فانفتحت الكتابة على لغة اللاّوعي، واعتُبر عامل التخييل عند الكاتبة عاملا من عوامل استعادة الأنثوية وانتشالها من منظومة الخطاب العام.[57] وكأنّ المرأة تريد تحقيق ذاتها المهمّشة عبر التاريخ من خلال الكتابة، وتحاول إدماج نفسها في الحياة بمختلف ميادينها، وهذا من خلال نقد المجتمع الذكوري وتعريته وكشف معايبه، هذا ما يفسّر لنا الصراع بين الذكورة والأنوثة في الكتابة النسوية، والذي يظهر جليا في رواية الذروة في مواضع كثيرة من السّرد، والّذي قدّمته لنا ربيعة جلطي في شخصية أندلس منذ مرحلة مبكرة من عمرها، تقول:” في المدرسة أستمع إلى التعليقات السّاخرة القاسية من طرف زملائي الذكور في القسم، يرفقونها بضحكات مموهة عن البنات اللّواتي بدأت حبات الفول تظهر تحت مآزرهن..إلا أنا
- ألم تلاحظوا يا أصحاب أندلس الوحيدة بينهن، لم نر عليها تغيّرا أو انتفاخا”.[58] إنه نوع من التحدّي الّذي مارسته أندلس تجاه زملائها كي لا تكون موضعا لسخريتهم مثل باقي زميلاتها، وكأنّ الرّوائية أرادات أن تسقط ملامح القوة والتحمّل والصبر على هذه الشخصية، وإظهارها بصفاات الوعي والذّكاء، ما جعلها تنتصر على الذّكور، تقول :” لم يكونوا على علم بحيلتي، أضحك في دواخلي على ذقونهم، تعلمت مبكرا أنّ الذّكور، رغم ما يدّعونه من خبث نستيطع أن نخدعهم ببساطة، لم أستغرب فيما بعد، عندما علمت في درس علم النّفس، أنّ دماغ الرجل يفكر في حركة تندفع في اتجاه واحد مستقيم مثل حصان ملجّم، بينما دماغ المرأة يفعل ذلك في اتجاه حلزوني”.[59] ما يثبت ما قلناه آنفا أنّ الكاتبة تقدّم لنا أندلس على أنها أنثى قوية متحديّة للمجتمع الذكوري الّذي ينظر إلى الأنثى على أنّها جسد لا غير، متحمّلة أي عبء وأيّة مشقة في سبيل الظهور أمامهم قوية غير محرجة من تفاصيل جسدها. تضيف قائلة :”كل صباح نكاية فيهم أوقظ عمتي، فتعصب صدري بمشد صيدلاني، مثل ذلك الذي يستعمل عادة في شد الجروح، تلويه مرات عديدة حول صدري، إلى درجة أن يختفي النتوءان، ألبس ثيابي بهدوء تام ثم المأزر الزهري، ثم لا شيء يظهر”.[60] تضيف ” أحمل المحفظة وآخذ طريق المؤسسة التعليمية شامخة الرأس، يغمرني إحساس بالانتصار. على من؟ لست أدري”.[61]
ويستمرّ نقد الذّكورة في مواضع كثيرة من الرّواية، فنجدها تطرح إحدى أهمّ حلقات الصّراع بين الذّكورة والأنوثة، ألا وهي قضية تعدّد الزوجات كما هو وضح في هذا المقطع ” لكنّ أبي في زيجاته لم يجمع بين زوجتين اثتين أبدا. ربما في ثقافته الدّينية العميقة المختلفة عن السّائد، فهو في رؤيته وفلسفته يؤمن بأنّ الجمع بين اثنتين حرام، وفي رأيه لا يمكن العدل بين اثنتين مهما كان… المرا صوب راجل، لا يمكن أن تعزف بإتقان على آلتين موسيقيتين في الوقت نفسه”.[62] مبررة أنّ الرجل غير قادر على أن يعدل بين زوجتين ممّا يستدعي تحريم التعدّد. مقدّمة هذا الرأي في نموذج الأب (والد أندلس) الّذي كان يفضّل الطلاق كل مرّة على الجمع بين الزّوجاتن تضيف: “فلا تكاد الواحدة ترتاح بين ذراعيه، وتسخّن مكانها في سريره، حتى تأخذ أخرى بتلابيب شغافه، فيسرع إلى الطّلاق، ليتزوج من جديد نساء –تقول جدّتي– تخاطفن أيامه ولياليه وتوزّعن أمواله وضيّعن وقته”.[63] ورغم كل هذا التمرّد المصاحب لشخصية أندلس على المجتمع الذّكوري، إلاّ أنّنا نجدها في بعض المواضع تستسلم لكونه مجتمعا حاكما قابضا لزمام الأمور، تقول: “مبكرة، عارية من رحمها وعطشي لحليب أمي، فطنت أنّ مصائرنا بين أيدي الذّكور، كيف لي أن أرفض أو أن أقبل؟”.[64] وكأنّه نوع من اليأس والتسليم لفطرة الحياة كون الأنثى مرتبطة بذكر تابعة له.
إنّ المجتمعات الذكورية هي تلك المجتمعات الّتي تنتج مفهوم الأب والأبوّة وتقوم على تفديس له ينبع من الحالة التي تحيطه بها هذه المجتمعات البطريركية، إنها هالة ترتفع به من مرتبة الاب الطبيعي إلى مرتبة الأب الثقافي والرّوحي، لتمنحه بعد ذلك شرعية لكل أقواله وأفعاله، دونما أدنى مساءلة، ويكون استنادا على ذلك، المرجعية الأولى في كل القضايا والمشكلات، وتكون رؤيته هي الرّؤية الوحيدة، وقادرة على تفسير كنه الأشياء واختراق حجب الغيب وإعطاء التفسيرات التي لا تقبل المراجعة، وأنه جنوح إلى التقديس، هو ما تتصف به المجتمعات الذّكورية في نظرتها للذكر.[65]
4-3) الصّداقة:
لما كانت رواية “الذّروة” سردا لقصص نساء وحيواتهن، تطلّب الحبك ربطهن في شبكة من العلاقات المتباينة، سواء فيما بينهن أو في الأوساط الاجتماعية المحيطة بكل واحدة منهن، ومن أهمّ تلك العلاقات نجد الصّداقة باعتبارها رابطة اجتماعية يقيمها الإنسان مع من حوله. والصّداقة رابطة يكتسبها الإنسان منذ مراحله الأولى وتكبر معه وتتطوّر وتنضج بتقدّم العمر.
وعموما يمكن حصر تيمة الصّداقة في روية “الذّروة” بوجهين اثنين أولهما حقيقي والآخر متخيّل، فالأول يقتضي وجود الصّديق في شخصية حيّة فعّالة في الحكي، والثاني يفترض وجود الصّديق ويتخيله أو يحلم به.
4-3-1) الصّديق الحقيقي المجسّد:
وهو موجود بكثرة في مواضع مختلفة من الرّواية، مثلما هو بين أندلس وصديقاتها في المدرسة، تقول :”” كم تضاحكت صديقاتي بعد مرور عدّة سنوات، وهنّ يلاحظن تطاير أزرار قمصاني لقوّة ضغط صدري، وثم وهن يساعدنني في التقاط الأزرار التالفة
- أين كنت تخفين هذه الأهرامات يا ملعونة؟
- تحت مشدّ عمّتي ليلى !!! أجيبهم فندلع عاصفة من الضحكات المتتالية التي تشبه تساقط مطر من الزجاج المكسور”.[66] يبرز هذا الحوار مدى الحميمية التي تجمع بينها وبين صديقاتها، والّتي عادة ما تكون حميمية بوح وإفشاء للأسرار، والأمر نفسه مع الياقوت وسعدية.
إنّ الصّداقة تقتضي توافقا بين الأرواح وانسجاما في السلوكات، وإلا فلن تبلغ ذروتها وحميميتها، ولن تعمّر او تتطوّر، أو حتى تعزز الثقة بين أطرافها، وهذا ما كانت تفتقر له صداقة أندلس والياقوت، في قولها :” اقتربت مني.. إنها الياقوت زميلة الدّراسة منذ الطّفولة. لم تكن قريبة منّي يوما، جمعتنا الأقدار وفرّقتنا السّلوكات والأفكار، علمت أنها أصبحت تعتلي كرسيا مهما في الدولة وتحمل الصفارة”.[67] فرغم أنهما كانتا تعرفان بعضهما منذ أيّام الدراسة، إلا أنّ اختلافاهما في التفكير والسلوكات حال دون صداقتهما، ومع ذلك كانتا تعرفان بعضهما جيدا حدّ معرفة الصّديقة لأسرار صديقتها تقول الياقوت :” اعتقد أنني أعرفك بما يكفي لأدرك أنك لست تماما كالأخريات، أعرفك يا أندلس منذ أن كنّا في المدرسة، يميزك شيء ما، شيء لا يوصف يقرّبك من الملائكة، وتعرفين أني من فصيلة الشياطين، لا يمكن أن تخدعيني، ولا حتى أن تخدعي غيري. ثم إنّك فنانة، ويقال إنّ للفانين ميزانا آخر للوجود”.[68] وهي ها هنا تؤكد أيضا على الختلاف القائم بينهما
إنّ أنانية الياقوت وحبّها للكرسي والصفارة، ورغبتها في الحفاظ عليهما بأي ثمن، جعلاها ترضخ لرغبة الزعيم في جسد أندلس، وتنسى صديقتها وأخلاقها ومبادئها، تقول :” ولكن الأمر انقضى ولا رجعة فيه، صاحب الغلالة قال كلمته وأنا لا أرد له طلبا، وتنصيبك اليوم بداية رحلتك معنا، وما دام وضع بين يدي الكرسي والصفارة، فلو طلب مني حليب الطير لأتيته به، وسأضحّي حتى بأمي وأختي لو اقتضى الأمر”.[69] محاوِلة ترهيب أندلس كي تمتثل للأوامر وتذهب إلى الزّعيم، وعندما يئِست منها، ولم تلق من لدنها تقبّلا للأمر. لجأت إلى سعدية صديقتها المقربة تقول :” أنا ضائعة من غير سعدية، ما الذي كنت سأفعله لولاها؟ ربما قمت بخطأ كارثي أندم ليه طول عمري..”.[70] فنجد سعدية تضحّي بنفسها لتساعد صديقتها مقابل امتيازات أهمها الوصول إلى الزعيم، فتسافر إلى لبنان وتخضع لعملية تجميل لتصبح أندلس.
4-3-2) الصّديق المتوهَّم المتخيّل:
وهنا يكون الصديق كائنا لا هو موجود في الواقع، ولا هو موجود في شخوص الرّواية الآدميين، وإنما هو كائن متخيّل في ذهن إحدى الشخصيات، تنسجه الأوهام وتصنع الحاجة مثلما هو في القصّة التي حكتها الجدة لالّة أندلس لحفيدتها، قصّة المرأة التي تركها زوجها والتحق بالحرب تقول:” تشتعل فكرة في ذهن الزوجة المتروكة للوحدة المشغولة لقدر الانتظار مثل أغلب النساء:
- لابد لي من صديق مؤنس يحمل معي صدري!
تمزج المرأة التراب بالماء وبالخيوط والحجر، ترفع قامة منه، ثم عنقا حانيا، ثم وجها وعينين وأذنين وأنفا، ثم تنزع خاتم الزواج من أصبعها، تصنع به الفم، تقبّل التمثال الترابي وتعانقه وتعطيه اسما:
- أسعد…أسعد.. سأسميك أسعد.
.. آه يا أسعد.. كنت متعبة ووحيدة وحزينة، لكنني أشعر أني أحسن حالا الآن… أيّام تذهب وأيّام تجيء – تقول جدّتي لالّة أندلس – وأسعد يستمع وينظر إلى المرأة في صمت”.[71] لقد كانت الوحدة والوحشة سببين كافيين دفعا هذه الزوجة إلى البحث عمّن يستمع إليها ويشاركها حزنها وقنوطها، فوصل بها الأمر إلى صنع تمثال تتّخذ منه صديقا تناجيه، ودام بها الأمر حتى عبدته، إلى أن عاد زوجها من الحرب وحطّمه، ومسح الأوهام من ذهنها.
4-4) الجدّة/منبع الحكمة ومجرى الذّاكرة الثورية :
تعدّ شخصية الجدّة لالّة أندلس من أهمّ شخصيات هذه الرّواية، إلى حدّ تتحوّل معه إلى تيمة، تؤطّر أهم أحداث الرّواية، إنّها تمثّل امتداد العمر ومنبعا للحنكة والحكمة، تقول أندلس :” جدّتي لالّة أندلس حكيمة في اختيار المثل الصائب، دقيقة في اختيار الحكاية اللائقة بالمقام، تعلّمك درسا لن تنساه ما حييت، وتترك لك الغربة العارمة معلقة حول عنقك مثل جرس، الرغبة في أن تحكيها لغيرك”.[72] فقد ساهمت بحكمتها ونبوغها في تكوين الشّخصية القويّة التي ظهرت لنا بها حفيدتها أندلس، تقول: “كم فاجأت شخصيتها سنوات عمري الأولى وما بعدها وأنا أكتشف العالم من حولي، فاجاتني أناقتها وطريقة جلوسها، وقفتها بجبينها المرتفع، وكأنّها تخشى سقوط تاج وهمي خفيّ من فوق رأسها، لا يراه غيرها…”.[73] لقد تركت الجدة بصمتها الحسية والوجدانية في شخصية حفيدتها وأورثتها طقوسها وطبائعها.
تعلمت أندلس الّتي كانت تعاني من ضخامة حجم صدرها وصعوبة حمله، من جدتها أن حمل أثقال الصدر لا تكمن في حمله ثديا، وإنما في حمله أوزارا ومشاعرا وحنينا… تقول :” ثم كم هي فظيعة تلك الصّورة التي رسمتها جدّتي لالّة أندلس في مخيّلة الطفلة مني، وهي تحدثني عن امرأة لم تستطع حمل أثقال صدرها بمفردها، وهي تنتظر زوجها الجندي الغائب في الحرب. وحيدة في بيتها تنتظره. تغلي انتظاره في قهزتها. تسكّرها، أو تفضل مرات أن تشرب انتظاره مرا أسود، دون سكّر أو حليب….يفيض قلبها داخل صدرها بما لا يقال… لا أحد يستطيع حمل أثقال صدره بمفرده”. [74] فالمتعارف في الثقافة الانسانية منذ القدم أنّ الصّدر موطن المشاعر والأحاسيس والنوازع والتناقضات.. لكنّ المقام والطريقة والأسلوب الّذي قدّمت به الجدّة هذا الدّرس لحفيدتها، كان ينمّ عن بلاغة وحكمة عظيمتين.
وتظهر الجدّة في السّرد صارمة متشدّدة غير متقبلة للناس يسهولة، تقول :” لم تكن جدتي لالّة أندلس تحب زوجات أبي أللواتي أتين متتاليات عقبة عودته من الجبل ورفقائه المجاهدين…”.[75] إنّها تمثل تلكم العجائز الحادّات في الطبع الصّارمات في التعامل.
إإنّ أهم ما تمثله تيمة الجدّة في الرّواية، هو الذّاكرة الوطنية، خاصّة في مرحلتها المتعلقة بالاستعمار والّتي تمثل بؤرة الذّاكرة الجزائرية، لقد عاشت لالّة أندلس الثورة وعايشتها، ووقعت ضحية الاستعمار الرنسي الغاشم تقول :” أخذت لالّة أندلس على متن سيارة جيب إلى مركز تعذيب خلف مرتفع بمحاذاة المدينة، عُذّبت أندلس وجلدت بالسّياط من طرف أحد الأهالي الخونة المتعاملين مع الفنرسيين، كان يضرب جسدها البضّ ويحصي عدد الجروح، بتلذّذ بشهوة جنسية نارية، وتسرب أنّه في كل ضربة سوط كانت ترفع صوتها باسم الله واسم زوجها الشّهيد، الأمر الّذي أغضب إلى حد الجنون معذّبيها”.[76] لقد جعلها هذا الحادث تزداد كرها للحرب والمستعمر وترفض التعامل مع كل من هو أجنبي وأو يمتّ بصلة لفرنسا، تقول : ” لالّة أندلس لم تكن تخفي حقدها على المستعمرين الفرنسيين الذين سجنوا زوجها سي العربي وعذبوه ثم قتلوه، ظلّت تتألم لأنّ زوجها حبيبها استشهد تحت وسائل التعذيب… فكيف يمكن إذن أن تقبل لالة أندلس بحفدة من دم القتلة.. هكذا كانت تردّد”.[77]
تتّسم الجدة بالوفاء لزوجها الشهيد مخلصة له ولذكراه، ومتشبّثة بحبها له، رغم تعاقب السّنين، تفول: ” لم يستطع أحد أن يقنع لالة أندلس أنّ زوجها سي العربي الّذي اعتقلته السّلطات الاستعمارية بتهمة الانتماء إلى حزب محظور يدعو إلى الانفصال والاستقلال عن المتروبول قد استشهد، كانت دوما تخبرهم أنه أقرب إليها من حبل الوريد، وأنّ حضوره يملأ البيت ويملأ حياتها ونومها ويقظتها وسريرها، ولا مكان لرجل آخر…”.[78] إنها تظهر على قدر كبير من الشّهامة والنّبل، وما يزيد شهامتها ونبلها وإخلاصها لزوجها وحبها له تفانيها في تربية ابنها (والد أندلس) تضيف قائلة:”كيف لأبي إذن أن يجرؤ على أن يتزوج بفرنسيّة، يبنما إرضاء أمّه لالّة أندلس يبدو غايته المثلى”.[79] فحبه لوالدته التي أحسنت تربيته يجعله يسبق مرضاتها ويحسب الأمور مليا قبل الإقبال على أي خطوة.
4-5) السّخرية:
إنّ فنّ السخرية وإن صُنّف ضمن أدب الفكاهة لاشتماله عنصر الإضحاك، إلاّ أنّه يمكننا إدراجه ضمن أرقى أشكال التعبير الأدبي، خاصّة لما يحمل في طيّاته من مواقف انتقادية تظهر في إحساسنا بالمفارقة الدّلالية المرفوقة بانفعال الضحك.[80] فحضوره في رواية “الذّروة” عكس لنا إحدى ركائز الشكل الفني الذي حاولت ربيعة جلطي تجريبه من جهة، وأتاح لها عرض أرائها الانتقادية في الذّكورة وتقويضها، وتعرية واقع السّلطة والحكم وكشف معايبها. لقد أصبحت السّخرية ها هنا تيمة وأداة في نفس الوقت، مكّنتا الرّوائية من تمرير أرائها. والمتمعّن في متن الرّواية يلاحظ عدّة مظاهر و أوجه للسّخرية، يمكن حصرها في:
4-5-1) السّخرية من الذّكورة وتقويضها:
لقد صاحبت السّخرية من الذّكروة رواية “الذّروة” من بدايتها إلى نهياتها، وهذا ما لاحظناه في الصّراع بين الذكورة والأنوثة (في عنصر سابق)، حيث نرى شخصيات الأنثى في الرواية على رئسهن اندلس والياقوت ينتقدن كلّ ما في عالم الذّكور من تصرّفات وطقوس وعيوب ومن رؤيتهم للأنثى على أنّها جسد وشهوة. تقول أندلس :” فخورة بفكرتي الخارقة في قرارة نفسي يتعاظم زهو، وأنا أسخر من زملائي الذّكور، بينما هم يتهامسون ويشيرون إلى صدور البنات… كنت على أهبة أن أتحمّل أكثر وأكثر، كي لا يفطن زملائي التلاميذ الذّكور … هم يسخرون من زميلاتي، وأنا أسخر منهم”.[81] فنرى أندلس في مواضع كثيرة تقوّض الذكورة وتنتقدها وتسخر منها. وسنرى هذا الوجه من السخرة يتكرر في السّخرية من الزّعيم
4-5-2) السّخرية من السّلطة/التهكّم بالسّياسيين:
يتجلّى هذا الوجه من السّخرية بشكل كبير وواضح مع شخصية زهيّة تلك المترجمة التي تعمل في منصب عالٍ وتحتك بالسّياسيين تقول ” جميع أفراد العائلة النوزّعة في جغرافيا البلد أو خارجها، يتناقلون بسريّة تامّة ونكهة مرح أخبارها وسرّ احتفاظها بمنصبها ولياقتها وبابتسامتها، رغم تعاقب الحكومات وروائح أفواه الوزراء.. وطبائعهم الّتي يجرجرونها من دُشُورهم أو قُراهم أو مدنهم الدّاخلية النّائية”.[82] فمجرد استحضار زهيّة في السّرد في بدايات الرّواية وذكر عملها في الوسط السياسي، بدأت السّخرية من المسؤولين وأصحاب القرار، وكأن الرّوائية تعمّدت ربط هذه الشّخصية بالوسط السّياسي، لتطرحه في روايتها وتنتقده وتسخر منه
إنّ الضغط والقنوط اللذين كانت تعاني منهما زهيّة في عملها وعدم قدرتها على البوح، جعلاها تبتدع عادة غريبة وهي الإغلاق على نفسها في الحمّام وصنع وجوه لسياسيين ومسؤولين والسّخرية منهم في قولها :” تدخل زهيّة الحمام، تغلق الباب دونها. رويدا رويدا يتعالى صوتها ليس بالغناء كعادة الناس تحت الماء، ولكنّ بصراخ الغضب والشّجار، تسبّ وتلعن بأعلى صوتها وتسمّي أشخاصا بأسمائهم. علمت فيما بعد أنهم مسؤولون مهمّون في السّلطة وتسيير أمور البلد. هؤلاء الذين ستلقاهم خلال يوم العمل الجديد هذا، أو تكون على موعد عمل معهم في السّاعات المقبلة… حين تدخل زهية قاعة الحمام تحمل إضافة إلى حقيبة يدها بعض الملفات والصّور وأدوات أخرى تخفيها عن العيون.. تلصق زهية الواحد من شخصياتها على مرآة الحمام الكبيرة، تدخل معه في حوار عن أمر ما، عن مسألة تبدو جادة في البداية، ثم لا تلبث أن تكيل له السّباب بأعلى صوتها وتبصق عليه، وتهينه وتأمره وتنهاه… أسكت يا كلب يبدو أنك صدّقت أنّك وزير، كيف لك أن تكونه وأنت على ما أنت عليه من الغباء والشطط، أنت لست أكثر من ذبابة زرقاء… يا له من بلد ويا له من زمن أغبر ويا له من زمن بئيس أصبح فيه أمثالك مسؤولين عن مصالح الناس… “.[83] وكأنّها تنظّف في الحمّام ذاتها لا جسدها. وعندما انتهت الرّوائية من تمرير هذه الفكرة استغنت عن شخصيّة زهيّة وأنهت قصتها بالزّواج. تقول “سوف ل تعود زهية إلى الحمام كي تنظف ذاتها من أدرانهم”.[84] ما يؤكّد توظيف هذه الشّخصية لتغطية جانب من جوانب السّخرية من السياسة في الرّواية.
كانت الرّوائية ذكية وفطِنة عندما ربطت السّخرية في روايتها بالطفولة، طفولة أندلس واين عمها فتحي، وهما ينظران من ثقب الحمام إلى عمّتهما زهيّة وهي تمارس عادتها في تنظيف ذاتها من الشوائب والقذارات الّتي تعلق بها جرّاء احتكاكها وتعاملها مع السّياسيين والمسؤولين الّذين تلقاهم في عمليها، لقد تعرّف الطِفلان بسهولة وذكاء على كل المسؤولين الّذين حضروا عرس زهية وسخرا منهم بدورهما، تقول أندلس: ” همس فتحي ابن عمتي في أذني وهو يومئ إلي مشيرا إلى أحدهم:
أندلس .. أندلس أنظري إلى ذاك القادم.. إنّه هو. هو !!!
من ؟ تقصد من ؟ قلت بلهفة وأنا أستدير بسرعة.
ذاك الّذي تسمّيه زهيّة كرش الحرام. أتذكرين يوم داست على رأسه حتى تمزّقت المنشفة الزّرقاء ؟
- أذكووووور.. إذن هو ذاك كرش الحرام الّذي فرشخت زهيّة رأسه ذلك الصّباح وحذّرته من الاختلاسات عن طريق تضخيم فواتير ترقيع المؤسّسات المفلسة.
وذاك الذي خلفه هو طوطو الكذّاب !!
أنظر.. أنظر فتحي يا إلهي!! كرشه ضخمة ألا تعيقه في النّوم ؟
نتوارى خلف إحدى ساريات الدّار ونضحك ملء رئاتنا الفتية”.[85]
لقد حاولت الرّوائية وهي تقوم بإقحام الطفلين في لعبة السّخرية أن تبرئ قليلا نصّها، وأرادت أن تنبّه أنّ الواقع السّياسي وأحوال النّظام وطبائع المسؤولين قد تكون مكشوفة حتى للأطفال. لقد كبرت أندلس وهي على دراية بالفساد السياسي والأخلاقي للمسؤولين والأعيان، ما جعلها فيما بعد تتفطّن بسرعة لمخطط الياقوت الّتي أرادت تمريرها للزعيم، كي تكون إحدى ضجيعاته.
4-5-3) السّخرية من الزّعيم/صاحب الغلالة وأزمته الجنسية:
يعدّ هذا الوجه من السّخرية أجرأ ما مارسته الكاتبة في نصّها، لقد كانت سخرية مباشرة على لسان الياقوت من صاحب الغلالة، تقول :” أنا الّتي قدّمت الكثير لذلك الأخرق، والآن أشم رائحة التنكّر والجفاء…سأكون صريحة معك يا أندلس ، السبب هو أنّه بعدّ كل عملية جنسية فاشلة يذكّرني دوما بصوته المتحشرج:
- أخرجتك من البوهيمية يا الياقوت، وأنت لا تساوين حتى بصلة خامجة، نصّبتك حاجبة ورئيسة على الطوابير، وسلّمتك الكرسي والصّفارة..”.[86] فكانت مهمّة الياقوت في السّرد ها هنا هي السّخرية من شخص الزعيم والتشهير بمعظلته وإفشاء سرّه الكائن في عجره الجنسي، تواصل قائلة: “لا يررد أن يعترف بعجزه، يريد أن يبرهن دائما أنّه القيّم والقائم والقوّام الّذي يستحق أن يُبايَع ويُنتخب بالنسبة العربية المعروفة، أي أكثر من 99 في المائة من أصوات الشعب المفتون به وبقدراته الخارقة في كل شيء بدءا من السرير وانتهاءأً بالسّرير…”.[87] وإن كانت الياقوت لا تفشي سرّه إلا لمن تأتي بهنّ إليه، فهي لا تفعل ذلك إلا خوفا منه ومن انقلابه عليها ، وحفاظها على نفوذها وجبروتها، اللّذين سيزوالان لو فشلت في مهمّتها. تقول:” غرز عينيه في وجهي المبلّل بالدّمع دون أدنى إحساس بالشفقة على حالي… وبصوت جاف أوضح لي أنّني إن أنا أردت أن أحافظ على الكرسي والصّفارة، فعلي أن آتي بك إليه”.[88]
وتستمر السّخرية مع سعدية التي أرسلتها الياقوت إلى لبنان لتخضع لعملية تجميل وتصبح نسخة عن أندلس وعادت لتلتقي الزّعيم، فتصف الموقف كأنّه لقاء حميمي برجل عادي تقول سعدية:” الآن.. الآن ينتظرني أهم ذكور هذا البلد وأقواهم وأشدّهم قوة وبأسا.. سينتهي من أمر قواده وعساكره وخدامه وممواليه وأئمته وقناصله ورجال بحريته وارض – أرضه وجو – جوه سينتهي من تواقيعه على مراسيم الجريدة الرسمية ثم يجلس على حافة سريره ينتظرني”.[89] لكنّ الحيلة لم تنطل عليه وكشف خطّة الياقوت بعدما باشرته سعدية وتحسس نهدها، وتفطّن أنّه مفبرك ومزيّف، تقول :” تفرّس في وجهي بينما ملامحه تشتد شيئا فشيئا، ثم صرخ:
- هذا فالصو. غش..هذا سيليكون ؟!! “.[90]
إنّ القدرات التخييلية التي مكّنت الرّوائية من تقريب سعدية من شخص الزعيم حتّى المضاجعة، منحت الرّواية جرأة أكثر وسخرية أبلغ، إنّها على لسان سعيدة تنتقد عجزه وذكورته بكل سخرية وتهكّم تقول: “….والله التنقيب عنه أصعب بكثير من البحث والتنقيب عن بئر بترول في صحراء البلد.. “.[91] تضيف ” ألا يخجل من ذكر كهذا ؟ … كان عليه أن يشتري واحدا بدل أن يجلس أمامي هكذا مثل فيل عجوز… كان عليه أن يترك حاشيته يتدبرون أمره أو على الياقوت أن تتدبّره له وتعالج المشكلة بصفة نهائية، فبدل أن تحضر له كل مرة واحدة من عاهرات البلد، تتفرج على عاهته، عليها أن تفصل في الأمر بشكل نهائي. لماذا لم تبحث عن عيادة أبو جهل؟!! ربما وجدوا له ضالّته واستراح”.[92] وخوفا من غضبه وحفاظا على هدوء الموقف تتودد إليه كي لا تظهر سخريتها على أنّها استصغار له، تضيف ” أنت غالٍ يا سيّدي.. ثم إنّ ما تطلبه وتحتاجه، لم يعد ذا قيمة في البلد. فهو لكثرته وفائضه يُرمى ويضيع في البحر بالعشرات كل يوم”.[93] وهي هنا تسخر منه ومن الذّكورة ككل، وكأنها صفة لم تعد ضرورية، وأصحابها (الذّكور) لم يعودو مهمّين لدرجة أنّهم يركبون قوارب الموت وينتهون في البحر.، ولكن المقصود هنا كان التنبيه إلى الهجرة غير الشرعية، الّتي كانت وما زالت تزهق أرواح الكثيرين.
4-6) الغموض:
اللّغة في الغالب نظام اصطُلِح عليه، ولكل نظام نسج معيّن، فإذا اختلفت طريقة حبك ذلك النّسج، فإنّ المتلقي يقلق لذلك وإذا خرجت التعبيرات اللغويّة عن المعتاد فإنّ المتلقّي يلمس ذلك ويبحث له عن تصنيف [94] وهذا ما يعرف بظاهرة الغموض التي تعدّ “المحرك الأساسي الّذي يولد الطاقة الشعرية والكثافة الفنية للنّص الإبداعي”.[95] وتكسبه شيئا من الضّبابية التي تنتج عنها جمالية وخصوصية، قد لا توجد في نصوص أخرى .
إنّ رواية “الذّروة” على ما هي عليه من جرأة في الطّرح والسّخرية والتهكّم من السّياسين والمسؤولين وفضحها لفساد السّلطة وهشاشة الحكم، إلا أنّها تتّخذ شيئا من الضّبابية والغموض المتعمّدين من خلال إخفاء أسماء هذه الشخصيات والاكتفاء بإبراز صفاتها وطبائعها وإطلاق ألقاب ساخرة عليها مثل: صاحب الغلالة، الحاجبة، قصر الزعامة، كرش الحرام، طوطو الكذاب، أبو حدبة المرتشي، الدّلاقة الشياتة، الثعلب الأعور..
قائمة المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم، رواية ورش.
- أحمد السماوي، التطريس في القصص، إبراهيم درغوثي نموذجا، دار التسفير، تونس، 2002.
- أسماء أولاد إبراهيم: التجريب في الخطاب السردي عند السعيد بوطاجين، رواية أعوذ بالله – أنموذجا، رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في النقد الأدبي والفني، جامعة مستغانم، 2010-2011.
- بن جمعة بوشوشة: اتجاهات الرواية في المغرب العربي، دار سحر، تونس، 1999.
- جميل حمداوي، السيميوطيقا والعنونة، مجلة عالم الفكر، مجلد 25، صادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد 3 ، مارس 1997.
- جيرالد برنس: علم السرد، الشكل والوظيفة في السرد، تر باسم صالح، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2012.
- حسن محمد حماد: تداخل النصوص في الرواية العربية، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، د.ت.
- حورية طاهير ومحمد محمدي: السخرية والتوتر، دراسة جمالية في أعمال السعيد بوطاجين، مجلة جيل للدراسات الأدبية والفكرية، يصدرها مركز جيل للبحث العلمي، ع1، ديسمبر 2013.
- خليل شكري هياس: فاعلية العتبات النّصية في قراءة النص السيري، السيرة الأدبية للربيعي أنموذجا، مؤلف جماعي بعنوان ” أسرار الكتابة الإبداعية ن عبد الرحمن مجيد الربيعي والنص المتعدد”، إعداد وتقديم ومشاركة محمد صابر عبيد، دار صامد للنشر، صفاقس، تونس، ط1، فيفري 2008.
- ربيعة جلطي: الذروة، رواية، دار الآداب للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2010.
- رفيقة سماحي: التناص في رواية “الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي”، موفع مجلة مسارب الإلكترونية.
– سامية شتوب: السخرية وتجلياتها في القصة الجزئرية القصيرة، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في تحليل الخطاب بإشراف رشيد بن مالك، قسم اللغة والعربية وآدابها، جامعة تيزي وزو، 2010-2011.
- سعيد بنكراد: الجسد بين السرد ومقتضيات المشهد الجنسي، قراءة في الضوء الهارب لمحمد برادة، مجلة علامات، مجلة فصلية، المغرب، ع6، 1996.
- صالح مفقودة: أبحاث في الرواية العربية، منشورات أبحاث في اللغة والأدب الجزائري، جامعة بسكرة، الجزائر، دت.
- صبري حافظ: التناص وإشارات العمل الأدبي، مجلة البلاغة المقارنة ألف، جامعة القاهرة ، ع4، 1984.
- صلاح فضل:
* لذة التجريب الروائي، أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي، القاهرة، ط1، 2005.
* نحو تصور كلي لأساليب الشعر العربي المعاصر، مجلة عالم الفكر، الكويت، ع 3 و4، 1994، مج22.
- عبد الحق بلعابد: عتبات، جيرار جينيت من النص إلى المناص، تقد سعيد يقطين، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2008.
- عبد الحميد الحسامي : العتبات النصية في ديوان رياحين الجنة للأميري، دراسة في البنية والرؤية، مجلة الأدب الإسلامي، رابطة الأدب الإسلامي العالمية، الرياض،ع 66، 2008.
- عبد الفتاح الحجمري: عتبات النص، البنية والدلالة، منشورات الرابطة، الدار البيضاء، 1996.
- عبد الناصر بوعلي: التناص مع القرآن الكريم في شعر مفدي زكريا، مجلة الأثر، كلية الآداب واللغات، جامعة ورقلة، غ7، 2008.
- فاطمة مختاري: الكتابة النسائية، أسئلة الاختلاف وعلامات التحوّل، أطروحة دكتوراه العلوم في الأدب الحديث والمعاصر، بإشراف وذناني بوداودن جامعة ورقلة، 2013/.2014
- لعموري زاوي ، مصطلح التناص وشعرية تلقيه في الترجمات النقدية العربية، كتاب أعمال الملتقى المصطلح والمصطلحية في العلوم الإنسانية بين التراث والحداثة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية. جامعة سعد دحلب، البليدة، يومي 15/16 مارس 2004.
- مبروك كواري: المناصية والتأويل، مجلة بحوث سيميائية، مركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية، الجزائر، العددان 3 و4 ، ديسمبر 2007.
- فكري الجزار، العنوان وسيميوطيقا الاتصال – دراسات أدبية – الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998.
- محمد المعتصم: الخطاب الروائي والقضايا الكبرى، النزعة الإنسانية في أعمال سحر خليفة، منشورات احتاد الكتاب العرب، دمشق، 1991.
- وداد أبو شنب، المتعاليات النصية عند إميل حبيبي: الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس – نموذجا – رسالة مقدّمة لنيل درجة الماجستير في الأدب العربي، جامعة تيزي وزو، 1998.
- وليد خضور: الذكورة والجسد في رواية الذروة لربيعة جلطي، مجلة مقاليد، جامعة ورقلة، العدد9، 2015.
[1] أسماء أولاد إبراهيم: التجريب في الخطاب السردي عند السعيد بوطاجين، رواية “أعوذ بالله” – أنموذجا، رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في النقد الأدبي والفني، جامعة مستغانم، 2011-2012، ص 11
[2] بن جمعة بوشوشة: اتجاهات الرواية في المغرب العربي، دار سحر، تونس، 1999، ص 20
[3] محمد المعتصم: الخطاب الروائي والقضايا الكبرى، النزعة الإنسانية في أعمال سحر خليفة، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1991، ص66
[4] صلاح فضل: لذة التجريب الروائي، أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي، القاهرة، ط1، 2005، ص 3
[5] ربيعة جلطي: الذروة، دار الآداب، بيروت، ط1، 2010، ص 9
[6] المصدر نفسه، ص 10
[7] أسماء أولاد إبراهيم: التجريب في الخطاب السردي عند السعيد بوطاجين، رواية “أعوذ بالله” – أنموذجا، ص 16
[8] صالح مفقودة: أبحاث في الرواية العربية، منشورات أبحاث في اللغة والأدب الجزائري، جامعة بسكرة، الجزائر، دت، ص 170
[9] لعموري زاوي ، مصطلح التناص وشعرية تلقيه في الترجمات النقدية العربية، كتاب أعمال الملتقى المصطلح والمصطلحية في العلوم الإنسانية بين التراث والحداثة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية. جامعة سعد دحلب، البليدة، يومي 15/16 مارس 2004، ص 384
* الطروس من أصل يوناني يعني الكتاب الممحو، وطرس الكاتب الكتاب، أي أعاد الكتابة على المكتوب.
[10] أحمد السماوي، التطريس في القصص، إبراهيم درغوثي نموذجا، دار التسفير، تونس، 2002، ص 45 /
[11] المرجع لسابق، ص 52
[12] عبد الناصر بوعلي: التناص مع القرآن الكريم في شعر مفدي زكريا، مجلة الأثر، كلية الآداب واللغات، جامعة ورقلة، غ7، 2008، ص 238
[13] صبري حافظ: التناص وإشارات العمل الأدبي، مجلة البلاغة المقارنة “ألف”، جامعة القاهرة ، ع4، 1984 ، ص 27
[14] ربيعة جلطي: الذروة، ص 38
[15] المصدر نفسه، ص 54
[16] سورة آل عمران الآيات 169 – 171
[17] ربيعة جلطي، الذروة، ص 29
[18] سورة المسد، الآيتان 4-5
[19] رفيقة سماحي: التناص في رواية “الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي”، موفع مجلة مسارب الإلكترونية.
[20] ربيعة جلطي: الذروة، ص 14
[21] المصدر نفسه، ص 27
[22] المصدر نفسه، ص 51
[23] المصدر نفسه، ص 55
[24] المصدر نفسه، ص .76
[25] المصدر نفسه، ص 79
[26] المصدر نفسه، ص 15
[27] المصدر السابق، ص 58
[28] المصدر نفسه، ص 15
[29] المصدر نفسه، ص 52
[30] المصدر نفسه، ص 54
[31] خليل شكري هياس: فاعلية العتبات النّصية في قراءة النص السيري، السيرة الأدبية للربيعي أنموذجا، مؤلف جماعي بعنوان ” أسرار الكتابة الإبداعية ن عبد الرحمن مجيد الربيعي والنص المتعدد”، إعداد وتقديم ومشاركة محمد صابر عبيد، دار صامد للنشر، صفاقس، تونس، ط1، فيفري 2008، ص99
[32] حسن محمد حماد: تداخل النصوص في الرواية العربية، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، د.ت، ص 64
[33] جميل حمداوي، السيميوطيقا والعنونة، مجلة عالم الفكر، مجلد 25، صادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد 3 ، مارس 1997ص 103
[34] وتقابل تلك المؤشرات المصطلحات الفرنسية التالية، كما هي في كتابه
Gérard Genette, Seuils, édition de seuil, 1er publication, paris, 1987, p9
(Titre, sous titre, intertitre, préfaces, avertissement, avant propos, notes-marginales, infrapaginales, terminales, épigraphe, illustration, prière d’insérer, bande jaquette
[35] أحمد السماوي، التطريس في القصص “إبراهيم درغوثي نموذجا”، دار التسفير، تونس، 2002، ص 46
[36] وداد أبو شنب، المتعاليات النصية عند إميل حبيبي: الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس – نموذجا – رسالة مقدّمة لنيل درجة الماجستير في الأدب العربي، جامعة تيزي وزو، 1998، ص 147
[37] مبروك كواري: المناصية والتأويل، مجلة بحوث سيميائية، مركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية، الجزائر، العددان 3 و4 ، ديسمبر 2007، ص321
[38] خليل شكري هياس: فاعلية العتبات النّصية في قراءة النص السيري، السيرة الأدبية للربيعي أنموذجا، مؤلف جماعي بعنوان ” أسرار الكتابة الإبداعية ن عبد الرحمن مجيد الربيعي والنص المتعدد”، إعداد وتقديم ومشاركة محمد صابر عبيد، دار صامد للنشر، صفاقس، تونس، ط1، فيفري 2008، ص 100
[39] مبروك كواري: المناصية والتأويل، مجلة بحوث سيميائية، ص 323
[40] محمد فكري الجزار، العنوان وسيميوطيقا الاتصال – دراسات أدبية – الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998، ص 17
[41] حميد سلاسي: ما هي الصورة، موقع سعيد بنكراد، مجلة علامات، المغرب، ع5، 1996
[42] مبروك كواري: المناصية والتأويل، ص 327
[43] عبد الحق بلعابد: عتبات، جيرار جينيت من النص إلى المناص، تقد سعيد يقطين، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2008، ص125
[44] ينظر خليل شكري هياس: فاعلية العتبات النّصية في قراءة النص السيري، ص 107
[45] عبد الحق بلعابد: عتبات، جيرار جينيت من النص إلى المناص، ص 107
[46] عبد الحميد الحسامي : العتبات النصية في ديوان رياحين الجنة للأميري، دراسة في البنية والرؤية، مجلة الأدب الإسلامي، رابطة الأدب الإسلامي العالمية، الرياض،ع 66، 2008، ص44
[47] حسن محمد حماد: تداخل النصوص في الرواية العربية، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 64
[48] عبد الفتاح الحجمري: عتبات النص، البنية والدلالة، منشورات الرابطة، الدار البيضاء، 1996، ص 26
[49] ربيعة جلطي: الذروة، ص 5
[50] جيرالد برنس: علم السرد، الشكل والوظيفة في السرد، تر باسم صالح، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2012، ص 101
[51] المرجع نفسه، ص 101
[52] وليد خضور: الذكورة والجسد في رواية الذروة لربيعة جلطي، مجلة مقاليد، جامعة ورقلة، العدد9، 2015، ص 14
[53] سعيد بنكراد: الجسد بين السرد ومقتضيات المشهد الجنسي، قراءة في الضوء الهارب لمحمد برادة، مجلة علامات، مجلة فصلية، المغرب، ع6ن 1996، ص 28
[54] ربيعة جلطي: الذروة، ص 8
[55] المصدر نفسه، ص 29
[56] ينظر وليد خضور: الذكورة والجسد في رواية الذروة لربيعة جلطي، مجلة مقاليد، ص 183
[57] فاطمة مختاري: الكتابة النسائية أسئلة الاختلاف وعلامات التحوّل، أطروحة دكتوراه العلوم في الأدب الحديث والمعاصر، بإشراف وذناني بوداودن جامعة ورقلة، 2013/2014، ص62
[58] ربيعة جلطي، الذروة، ص 30
[59] المصدر نفسه، ص 31
[60] المصدر نفسه، ص 31
[61] المصدر نفسه، ص 31
[62] المصدر السابق، ص 38-39
[63] المصدر نفسه، ص 42
[64] المصدر نفسه، ص 63
[65] وليد خضور: الذكورة والجسد في رواية الذروة لربيعة جلطي، مجلة مقاليد، ص185
[66] المصدر نفسه، ص 32
[67] المصدر السابق، ص 67
[68] المصدر نفسه، ص 72
[69] المصدر نفسه، ص 83
[70] المصدر نفسه، ص 131
[71] المصدر نفسه، ص 34
[72] المصدر السابق، ص 33
[73] المصدر نفسه، ص 56
[74] المصدر نفسه، ص 33
[75] المصدر نفسه، ص 38
[76] المصدر نفسه، ص 54
[77] المصدر نفسه، ص 40
[78] المصدر نفسه، ص 53-54
[79] المصدر السابق، ص 41
[80] سامية شتوب: السخرية وتجلياتها في القصة الجزئرية القصيرة، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في تحليل الخطاب بإشراف رشيد بن مالك، قسم اللغة والعربية وآدابها، جامعة تيزي وزو، 2010-2011، ص 10
[81] ربيعة جلطي: الذروة، ص 31
[82] المصدر نفسه، ص 9
[83] المصدر السابق، ص 10-11
[84] المصدر نفسه، ص 27
[85] المصدر نفسه، ص 16 – 17
[86] المصدر نفسه، ص 69
[87] المصدر نفسه، ص 70
[88] المصدر نفسه، ص 82
[89] المصدر نفسه، ص 160
[90] المصدر نفسه، ص 171
[91] المصدر نفسه، ص 172
[92] المصدر نفسه، ص 174
[93] المصدر نفسه، ص 176
[94] حورية طاهير ومحمد محمدي: السخرية والتوتر، دراسة جمالية في أعمال السعيد بوطاجين، مجلة جيل للدراسات الأدبية والفكرية، يصدرها مركز جيل للبحث العلمي، ع1، ديسمبر 2013، ص 187
[95] ينظر صلاح فضل: نحو تصور كلي لأساليب الشعر العربي المعاصر، مجلة عالم الفكر، الكويت، ع 3 و4، 1994، مج22، ص87
- أ. بلقاسم فدّاق - جامعة البليدة 2، أ. منصور بويش/جامعة الجزائر 2.
بحث نشر بكتاب أعمال مؤتمر الرواية العربية في الألفية الثالثة ومشكل القراءة في الوطن العربي: الجزائر العاصمة 21-22|08|2016 ، ص 175.
منذ ظهرت الرّواية العربية وهي في سعي دائم للبحث عن شكل فنّي تحقّق من خلاله ذاتها، وتجسّد عبره خصائصها التجنسية. فظهر ما يعرف بالتجريب الرّوائي الذي مارسه الرّوائيون بطرق وأساليب وأشكال مختلفة، منها ما هو متعلّق بالبناء والمقوّمات الفنيّة، ومنها ما هو متعلّق بالتيمات والموضوعات… هذا ما نلاحظه في روايات الألفية الثالثة بشكل واضح، منها رواية “الذّروة” للأديبة ربيعة جلطي، الصّادرة عن دار الآداب سنة 2010، الّتي تعتبر إحدى نقاط التحوّل في الرّواية العربية عموما والرّواية الجزائرية على وجه الخصوص، وهذا لعدّة أسباب أهمّها أنّها تمثّل منعطفا في حياة كاتبة عرفت بكتابة الشّعر واشتهرت به، وكذا كونها رواية حاولت أن تجرّب شكلا فنيا جديدا للرّواية، كما لامست “التّجديد” في المضمون من خلال طرح تيمات جديدة وتجديد تيمات موجودة سلفا فطرحت الصّداقة كقضية اجتماعية، السّلطة كقضية سياسية، الجنس كقضية أخلاقية… والأهمّ من هذا كله طابع “السخرية” الّذي صاحب هذا العمل وكذا الجرأة في الطرح والغموض في بعض المواضع… لهذه الأسباب ارتأينا أن يكون موضوع مداخلتنا موسوما بـ رواية “الذّروة” لربيعة جلطي: بين التجديد في التيمات ومحاولة البحث عن شكل جديد للكتابة الروائية. في محاولة لتقصّي أهمّ تيمات هذه الرّواية من الّتي ذكرناها والتي لم نذكر، وكذا رصد مواطن التّجديد في الشكل الروائي الّذي جرّبته الكاتبة.
1) رواية الذّروة/محاولة لتجريب شكل جديد للرواية: jil
من المصطلحات الشائعة في النقد الروائي المعاصر، مصطلح التّجريب L’expérimentation الموصوف بأنّه مشروع رؤية فنية تحثّ على الاجتهاد والفضول والمغامرة، وعدم التسليم والقناعة بما هو جاهز من الأشكال والرّؤى وأنماط التّعبير.[1] أي محاولة البحث عن شكل جديد للرّواية، واستكشاف عوالم فنّية تخصّ هذا الجنس الأدبي، لم يسبق الولوج إليها.
إنّ الرّواية التجريبية ” لا تخضع في بنيتها لنظام مسبق يحكمها، ولا إلى ذلك المنطق الحارجي الّذي تحتكم إليه الأنماط التقليديّة في الكتابة الرّوائية؛ وإنّما تستمد نظامها من داخلها، وكذلك من منطقها الخاص بها، من خلال تكسير الميثاق السّردي المتداول، والتخلّص من نمطيّة بنيتها”.[2] فهي تثور على نمطيّة الكتابة وحدودها وقوانينها؛ كتقسيم الفصول وتوزيع المشاهد والعنونة، وتقديم الشّخصيات وعرض الأحداث..وغيرها من أسس الكتابة الرّوائية ومقوماتها. وتتّخذ لنفسها نماذج جديدة من البُنى السّردية، تختلف من تجربة إلى أخرى.
وتعتبر رواية “الذّروة” نموذجا قويّا للرّواية التّجريبية كونها، ثارت على أنماط الكتابة الرّوائية التّقليدية شكلا ومضمونا، لقد حاولت ربيعة جلطي في أولى تجاربها الرّوائية أن تصيغ شكلا فنيّا جديدا للكتابة الرّوائية من خلال قالب تجريبي جديد مارسته بثقة، وموضوعات حسّاسة عالجتها بكلّ وعي وجرأة وشجاعة؛ كاسرة بذلك أعقد الطابوهات (السياسة الجنس). مضفية على ذلك بعض الغموض وكثيرا من السّخرية، كما جرّبت تقديما جديدا لمكونات السّرد؛ خاصّة فيما يتعلق بمكوّن (الشّخصية السّردية ) الّذي حمّلته نوازع ومكنونات ومكبوتات، مفعّلة المونولوج كثيرا في هذه الرّواية. وربطتها – أي الشخصيات – في شبكة علاقات اجتماعية وإنسانية دقيقة. وجعل السّرد وكأنّه يبدو واقعيا مُعاشا.
إنّ مكوّنات البنية السّردية للرّواية التّجريبية تطرح علينا تساؤلات وإشكالات جوهرية، تتعلّق بتمظهرات الجديد فيها، من مقوّمات وميكانيزمات حكي وآليات سرد، شأنها شأن أي إيداع له خصوصيته وانفراده بِسِمات لم تبلغها ممارسات الكتابة التقليدية الموغلة في القِدم الّذي “يمتد بجذوره إلى آمادٍ بعيدة مارس الإنسان فيها الكتابة بشكل بسيط جدا، وما لبث أن تصاعد اهتمامه بها، إلى أن بلغ موضعا من التعقيد والتّجريد، مسايرا في ذلك تطوّر مراحل نشأة الكتابة وارتقائها”.[3] وهذا ما سعت إليه الرّوائية الجزائرية ربيعة جلطي، الّتي وظّفت الشّعر الأندلسي وموسيقاه ووظّفت الفن التشكيلي والآيات القرآنية، فالتّجريب في هذه الحالة قرين الإبداع، لأنّه يتمثّل في ابتكار طرائق وأساليب جديدة في أنماط التعبير المختلفة، فهو جوهر الإبداع وحقيقته، عندما يتجاوز المألوف ويغامر في قلب المستقبل، مما يتطلّب الشّجاعة والمغامرة واستهداف المجهول دون التحقّق من النّجاح، والفن التّجريبي يخترق مساره ضدّ التّيارات السّائدة بصعوبة شديدة، ونادرا ما يظفر بقبول المتلقّين دفعة واحدة، بل يمتدّ أوساطهم بتوجس، ويستثير خيالهم ورغبتهم في التجدّيد، باستثمار ما يسمّى بجماليات الاختلاف، ولا يتوقّف مصيره على استجابته فحسب – كما يبدو من الوهلة الأولى – بل على قدر ما يشبعه من تطلّعاتهم البعيدة عن التوقع، ويوظّفه من إمكاناتهم البعيدة. فجدل التّجريب الإبداعي متعدّد الأطراف، لا يتمّ داخل المبدع في عالمه الخاص، بل يمتدّ إلى التقاليد الّتي يتجاوزها والفضاء الذي يستشرفه المخيال الجماعي.[4]
ومن أهمّ ما حاولت الرّوائية تجريبه في شخصيات روائيتها هو تداخل الشخصيات في التصرفات والصفات. حيث تتّخذ شخصية ما صورة شخصية أخرى، وتتجلى هذه الفكرة في شخصية أندلس في مراهقتها، وهي تحاول تقليد شخصيّة عمّتها زهية، محاكية كل تصرّفاتها، ممارسة سلوكاتها طقوسها، من باب الإعجاب والاقتداء، ما هو واضح في قولها:” وأنا أراقب من يراقبها، أزداد إعجابا بشخصية عمّتي زهيّة وأستحسن كل ما تقوم به”.[5] ومؤكّدة هذا الإعجاب في تقليد تصرفاتها في قولها :” في غيابها أداعب قواميسها، وأفتح كتبها العديدة، أورّقها بين أصابعي وأسمع موسيقى خشخشتها…في غياب زهيّة ألبس أحذيتها الجميلة الملوّنة ذات الكعب العالي، وأقلد مشيتها وحركتها القلقة، فتنهرني جدّتي لالّة أندلس وتضحك عمّاتي ويبتسم عمّي التاقي والباقون…”.[6] كما تتجلّى في تشابه الأسماء والطبائع بين الجدّة والحفيدة. وتتجلى أيضا في الشكل والنسخ عندما تحوّلت سعدية بعملية تجميلية إلى أندلس. كل هذا وغيره جرّبته الكاتبة في روايتها. والآن سنخوض بالتفصيل في كلّ قضيّة من قضايا التّجريب الّتي لمسناها في نصّ “الذروة”.
2) التّناص/تجريب التعالق النصّي:
لمــّا كانت الرّواية ذلك الجنس الأدبي الذي ينفتح على سائر تشكّلات الفعل الإبداعي، في شتى صوره التراثية والمعاصرة، المحلية منها والعالمية، والقادر على التفاعل معها، عبر أشكال متعدّدة من التعالق النصّي، تعكس اختلافا في المرجع وتنوّعا في الرّؤية من كاتب إلى آخر، فإنّها تبقى مقبِلة دوما على التّجريب، الذي تستمدّ منه تجدّد نسغها، وتطوّر آليات إنشائها، وعالما روائيّا لا يزال بصدد التشكّل، يتعالى على الثوابت والحدود، من خلال مساءلة السابق من الكتابات ومساءلة الذّات.[7]
يعتبر التّناص intertextualité من أهمّ آليّات التّجريب الرّوائي؛ كونه يفتح المجال أمام النّص ليتعالق مع نصوص أخرى، ويغرف ويقتبس منها ويحاكيها، ممّا يتيح له عدّة طرق لتقديم الأحداث والاستشهاد لها. فيتميّز بذلك عن غيره من النصوص ويختلف عنها شكلا ومضمونا. فمقولة التّناص تسم النص الرّوائي بعدا تجريبيا بحتا، لا سيما إن مارسها الكاتب بذكاء وفطنة يقرّبان النصّ المقتبس من نصّه الرّوائي حد التداخل والالتحام.
إنّ البحث في التّناص جاء كردة فعل على البنيوية، الّتي لم تهتم بهذه المسألة، وظهر مع ظهور التفكيكيّة ونظريّة القراءة، وارتبطت الكلمة (التّناص) بالنـــّاقدة البلغارية الأصل الفرنسية الجنسية جوليا كريستيفا Julia Kristeva، الّتي تعدّ أوّل من وضع هذا المصطلح، معتمدة في ذلك على الإرث النظري الذي خلّفه ميخائيل باختين Mikhail Bakhtine، والّذي يرجع إليه الفضل في التّعريف بالتّناص، وإن لم يذكره بالاسم.[8]
كما نجد المصطلح عند النــــّاقد الفرنسي جيرار جينيت Gérard Genette يندرج تحت المتعاليات النصية Transsexualité الّتي تٌعرّف على أنّها ” كلّ ما يحمل نصّا يتعالق مع نصوص أخرى بطريقة مباشرة أو ضمنية”.[9] حيث حدّدها في خمسة أنماط في كتابه المشهور طروس* Palimpsestes كما يلي[10] :
أ – التناص Intertextualité أو التضافر النصّي: وهو تلاقح النصوص – أي حضور نصّ آخر في ذلك النصّ – عبر المحاورة والاستلهام والاستنساخ، بطريقة واعية أو غير واعية.
ب – المُناص Para texte أو النصّ الموازي أو العتبات: وهو ما سنتحدث عنه بالتفصيل في عنصر لاحق.
ج – الميتانص Méta texte أو النصّ الواصف: وهو خطاب نصّ على نصّ آخر، أي ما نسمّيه عادة بالتّعليق – نصّ مرتبط بنصّ آخر، يتحدّث عنه دون أن يذكره أحيانا – وهو العلاقة النقدية.
د – النص اللاحق Hyper texte أو النّص النّاسخ: تعمّد جيرار جينيت تأخير هذا النوع لأنّ مدار كتابه كله كان عليه، وهو عبارة عن علاقة تحويل ومحاكاة تتحكّم في النّص (ب) كنصّ لاحق Hyper texte بالنص (أ) كنصّ سابق Hypo texte.
هــ – معمارية النص Archi texte أو النّص الجامع: يتحدّد في الأنواع الفنية والأجناس الأدبية؛ شعر، رواية، مسرحية.. وهو نمط أكثر تجريدا، بل الأكثر ضمنية. وسمّاها جيرار جينيت بالبكماء أو الخرساء، لأنّها تعلن ولا تعلن، ولكن أهم ما تفعله أنّها ترسم للمستقبِل ( المتلقي ) أفق انتظار، ومن ثم تقبلا ما للأثر. [11]
وعموما يعد كل من التناص والمـــُناص (العتبات) أكثر المتعاليات النصيّة حضورا في الرّواية التجريبية، كون الأول يدخِلها في علاقة مع نصوص وسياقات أخرى، والثاني يقيم علاقتها مع المتلقي. والآن سنعرض أهم الأشكال التناصية الّتي رصدناها في رواية “الذّروة”، والّتي حاولت الكاتبة من خلالها تجريب التعالق النصّي في روايتها، ومن ثمّ نتوقّف عند العتبات النصيّة المصاحبة لهذا النّص، محاولين إعطاء قراءة تأويلية لتجربة المُناص فيه.
2-1) التناص القرآني:
إنّ الثقافة العربيّة على توالي العصور الإسلامية كانت في مجملها تعتمد القرآن الكريم مصدرا تدور حوله الأبحاث والدراسات،[12] ونغرف منه النصوص الإبداعية (شعرية ونثرية) وتضمّن منه، ما يعزز أشكالها ويقوّي بنياتها. وقضية التناص القرآني “تنفرد بها الثقافة العربية وتؤثّر في حركيّة عملية تشابك العلاقات التناصيّة فيها، فلا تعرف الثقافات الأخرى مثل هذا النّص الأب ، النّص المثال ، النّص المسيطر ، النّص المطلق ، النّص المقدّس..”.[13] فالتناص القرآني أكثر أنواع التناص حضورا في النصوص الإبداعية عبر مختلف العصور.
ضمّنت ربيعة جلطي نصّها آيةً من سورة العصر في قولها:”..يُشاع في العائلة أنّ أبي فُتن بها أيّما فتنة، لولا انّ امرأة أخرى ابنة عمة له تدعى نوّارة غارت منها، فسقته شاياً مسحورا ساعة العصر…. لماذا ساعة العصر…؟
والعصر إنّ الإنسان لفي خُسر”.[14] مقتبسة معنى الخُسران الذي تضمّنته الآية رابطة إياه بمفعول السّحر، كون السّحر عمل يلحق بصاحبه أذى وخسارة كبيرين.
كما ضمّنت آية أخرى ” الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون”.[15] الّتي تعقد تناصاً مع الآيات الكريمة ” لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ “.[16] والملاحظ أنّ الرّوائية وظّفت الجملة المقتبسة في نفس السياق الذي جاءت فيه الآية، وهو أنّ الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.
كما نجد في عنوان الفصل الثاني من الرّواية الذي وسمته “حمّالة النهد. جيد وحبل من مسد”.[17] تناصاً مع آيات سورة المسد، في قوله تعالى :”…وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ“.[18] فاستبدلت دلالة حمل الحطب على الجيد بحمل النّهد، ودلالة المسد بدلالة القطن والحرير الّذي تصنع منه الحمّالات؛ والمقصود هنا هو دلالة الثقل الموجود في حمل الصدر باعتبارها دلالة حقيقية، تنطوي على حمل المكبوتات كدلالة مجازية.
2-2) التناص التراثي/الامثال الشعبية:
كان التراث الشّعبي وما يزال مصدرا يستمدّ منه الرّوائي أدواته الفنيّة والإجرائية؛ إذ هو منبع استلهامه سواء على مستوى اللّغة أم على مستوى الخيال ولحضور النّص الشّعبي في العمل السّردي أثر بليغ في عمليّة الاتّصال والتّواصل بين الكاتب والقارئ، فهو تعبير عن واقع الشّعب وهمومه ومشاكله وكذا أفكاره.[19] ويتجلّى هذا النوع من التّناص بشكل أكبر في الأمثال الشعبية والحكم، والّتي وظّفت منها الرّوائية ربيعة جلطي عددا كبيرا في نصّها “الذّروة”، ما يعكس ثقافتها الشّعبية الجزائرية العميقة، خاصّة وأنّها من منطقة “نذرومة” المعروفة بتكريسها للثقافة الشعبية، ومن هذه الأمثال نذكر: ” زهية عندها الزهر يشقّق الحجر”.[20] ” الله يسامحها زهية أختي صامت شحال من عام.. وفطرت على بصلة”.[21] ” كل خنفوس عند أمه غزال”.[22] “الدّق والعافر ، ومشقوق المناخر”.[23] “جوّع كلبك يتبعك”.[24]“من لحيتو بخرلو”.[25]
هي أمثال شعبيّة متنوعة الأغراض والمقاصد، متباينة الموارد والمضارب، حشدتها الرّوائية في نصّها، لتُـــكسبه سمة جزائرية خالصة، وتُنطِق شخصياتها لغة بلد المليون والنصف مليون شهيد، كون هذه الأمثال جاءت على ألسنة الشخصيات.. حيث تعلن هذه الأمثال عن مرجعية ثقافية مرتبطة بالرّوائية من جهة وشخصيات الرّواية من جهة أخرى. وما زاد من جماليتها هو تضمنيها داخل الحوار، لتظهر وكأنّها من صميم اللغة السردية.
2-3) التّناص الفنّي/الشّعر والموسيقى وتوظيف الفن التّشكيلي:
وهو تضمين النّص أبيااتا شعريّة أو مقاطع موسيقية أو نماذج من الفنون التّشكلية.. وغيرها، حيث يتمّ نقلها إلى النّص تارة للاستشهاد وتارة لعلاقتها بالأحداث وبأفعال الشّخصيات وأقوالها وطقوسها.. وقد تحدّدت الأشعار الواردة في رواية “الذّروة” في الطّابع الأندلسي الذي فرض نفسه بقوّة في هذا العمل الرّوائي، ما يعكس اطّلاع الرّوائية وحبها للثقافة الأندلسية وتشبّعها بها. حيث نجدها تضمّن الأبيات الاندلسيّة وإيقاعاتها بصوت الشيخ غفور:
لمن نشكي بليعتي عيدولي يا اهل الهوى
آش عيبي وذلتي خلوتي خاطري انكوى
شعلت نيران مهجتي ضيّعت القلب ما قوى[26]
وكذلك الأبيات “يا غربتي قولي لأهلي
متشوق ولا شي بيا
غير توحشت الغالي
يا ذاك الطير العالي
فوق السطح تلالي
روح عند حبابي
خبرهم ورجع ليا…”.[27]
إنها وغيرها أبيات وظّفتها ربيعة جلطي في لحظات صدق وشجن وحنين عاشتها شخصياتها خاصّة الشخصيتان الرئيسيتان الجدة لالّة أندلس المتشبّعة بالثقافة الأندلسية، وحفيدتها أندلس الفنانة المرهفة المحبة للسّلام.
كما نجدها في سياق آخر يرتبط بالأعراس والزفّات توظّف أغنية الراي”طريق الليسي ويا دلالي..طريق الليسي عقبة وكي عياتني”.[28] كون إيقاعات الراي تتصدر الأعراس الجزائرية وتدوّي في لياليها.
كما لا تنسى ربيعة جلطي توظيف الفن التّشكيلي من بعض المواضع من روايتها مثلما هو واضح في هذا المقطع “كان فنانا تشكيليا بوهيميا غريب الأطوار … يدعى يحيى الغريب، ويشاع أنّ اللّوحة التي تتصدّر مدخل بيتها من أعماله وبريشته… كان يوقع في أسفل لوحاته على شكل عينين تشبهان عيني حبيبته لالّة أندلس “.[29] حيث ألصقت صفات الفنانين وطقوسهم في إحدى الشخصيات الثانوية التي تطلّب السرد أن تكون بهذا الشكل، ولمـــّا كان الفنّان مؤثرا فيمن حوله وتاركا بصمته، حتى وإن غاب فإنّ توقيع يحيى غريب لاحق لالّة أندلس وكان سببا في اعتقال المستعمرين لها، كما يتضح في قولها: ” في صباح ممطر دُقّ الباب بعنف، كان جنود فرنسيون يطلبون لالّة أندلس إلى مقرّ الاستنطاق، بتهمة انتمائها إلى عصابة يحيى الغريب والتنسيق معه للإخلال بالأمن والنظام العام، ودليل تهمتها صورها التي تملأ لوحات يحيى الغريب، وعيناها الرابضتان أسفل كل لوحة بمثابة توقيع”.[30]
3) التّجريب في العتبات:
يقصد بالعتبات النّصية تلك المرفقات المحيطة بالنّص، والّتي يحتاجها أيّ باحث لسبر أغوار النّص، قصد استنطاقها وتأويلها، وهي عناصر موجّهة بدرجة أساسيّة إلى قارئ النّص ومتلقّيه، لتضعه على المسار الصّحيح للقراءة.[31] ويندرج لاهتمام بالعتبات ضمن سياق نظري وتحليلي عام يعتني بإبراز ما للعتبات من وظيفة وأهميّة في فهم خصوصيّة النّص، وتحديد جوانب أساسيّة من مقاصده الدلالية.[32]
وفي تعريفه للعتبات يقول النّاقد الفرنسي جيرار جينيتGérard Genette (المزداد سنة 1930م ): ” كلّ ما يجعل من النّص كتابا، يقترح نفسه على قرّائه، أو بصفة عامة على جمهوره، فهو أكثر من جدار، ذي حدود متماسكة، نقصد به هنا العتبة أو البهو الّذي يسمح لكلّ منّا دخوله أو الرجوع منه..” [33] و يقول :” هو بمثابة السياج الّذي يحيط بالكتاب، من العنوان وشبه العنوان والعنوان الفرعي والمقدّمة والملحق والتنبيه والتمهيد والحاشية والهوامش في أسفل الصفحة وفي آخر الكتاب والتّصدير والرّسوم والإعلان عن إصدار جديد والرباط وجلادة الكتاب، وغير ذلك من المؤشرات[34] الّتي يمكن أن يصطلح عليها بالميثاق الإجناسي “.[35] وخصّص جينيت في كتابه (عتبات Seuils) المنشور سنة 1987 لهذه الأنواع أحد عشر فصلا، وهذا التخصيص راجع لاهتمامه بالعتبات، فأدرج ضمنها كلّ ما يوازي النص الأدبي ويتعلّق به، ذلك أنّ لكل نصّ إبداعي نصّا موازيا.
إنّ الكشف عن الفضاءات الرّمزية والدّلالية المتفاعلة في النّص ينطلق من العتبات (أو كما يسميها جيرار جينيت بالمـــــُناص أو النّص الموازي Para texte) الّتي تُعدّ بوّابة أيّ عمل أدبيّ، يدخل منها القارئ إلى النّص بفكرة مسبقة تمكّنه من فهم الفكرة الّتي أعلن عنها المؤلِّف، بداية من العنوان الرئيس ” فيقوم القارئ بربط العلاقات بين العنوان والنّص المعلن عنه، ومن هنا يبدأ التواطؤ بين القارئ والمؤلّف عن طريق التقديمات والهوامش والاعترافات النصيّة “.[36] وقد لقيت هذه النّظرية اهتماما ورواجا وانتشارا ، وذلك كونها تفيد في فهم خصوصية النّص ودلالاته، بغية تسليط الضوء على طبيعة العلاقة الّتي يقيمها مع المجتمع المتداوِل له بما في ذلك قرّائه.
تختلف رواية “الذّروة” في تجريبها للعتبات عن كثير من الأعمال الرّوائية الرّاهنة، من حيث العنونة والتّصدير والصّورة.. وغيرها، حيث حاولت الكاتبة إعطاء عتبات نصّها شيئا من الغموض المقصود المنفتح على عدّة دلالات ومعانٍ، إنّها لعبة رمي الطعم الفنّي والجمالي للمتلقّي من خلال العتبات، في محاوله لغوايته وجذبه إلى عالم النّص، ليُدخله ويسبر أغواره، فالمتلقّي ” يتعامل مع النّصوص الرّوائية وفق تقنيّة الإثارة المقصودة والمصحوبة بالإعجاب والاستغراب، فينتج عن ذلك إقبال على النّص أو نفور منه، وتنطلق تفاعلاتها من اللّقاء البصري الأول بين القارئ والرّواية، فتنشأ تلك العلاقة الحواريّة الّتي تبدأ بالمـــُنااص (العتبات)، الّذي يعتبره السّيميائيون عتبة أو واجهة خارجية تجسّد الأبعاد البنائيّة والدلاليّة والجماليّة للنّص الرّوائي”.[37] وعلى هذا الأساس جاءت عتبات نصّ “الذّروة” التي كرّست أهمّ العناصر كالعنوان والصورة والتصدير… وللإشارة فقد غابت بعض العتبات الموجودة على المستوى التنظيري عن نص “الذّروة” كالعنوان الفرعي والإهداء (الذي ناب عنه التصدير).
3-1) العنوان:
يشكّل العنوان عنصرا أساساً في النّصوص، خاصّة النثرية منها، إذ يعدّ المفتاح الإجرائي الأوّل الذي يمكن من خلاله ولوج عالم النّص وكشف أسراره، وازدادت أهميته مع النظريات الشكلانية والبنيوية والسّيميائية، باعتباره نصّا صغيرا له وظائف شكلية وجمالية ودلالية، تعدّ مدخلا لنّص كبير، فالعنوان للنّص كالرّأس للجسد.[38] والعنوان عند السّيميائيين سؤال إشكالي ينتظر حلا، والنّص يتولّى مهمة الإجابة عن هذا السؤال، وهذا بإحالة القارئ على مرجعية النّص المركبة من دلائل وقرائن تدلّ على طبيعته القراءة التي تناسبه ونوعها،[39] فهو نداء المؤلِّف إلى القارئ، إذ يترك أثرا في نفس المتلقّي، فيجذبه إليه، ولا يتحقق ذلك إلا إذا توفّرت في العنوان شروط معيّنة، هي:
- أن يكون مختصرا للمتن.
- أن يكون مؤثرا، وأن يثير أفق انتظار المتلقي.
- ألاّ يتجاوز حدود الجملة. وإن لزم ذلك وضع عنوان تفسيري للعنوان الكبير الشامل، فهو فرعي يحمل دلالات معيّنة، فهو يشرح ويبسّط ويوضّح، ” فكلما استدللت بشيء تظهره على غيره، فهو عنوان.” [40] فالعنوان بهذا الشكل يلعب دور المنبّه الذي يثير استجابة القارئ، ليستفزّ بداخله رغبة في قراءة النّص.
يظهر عنوان رواية “الذّروة” لأوّل وهلة بسيطا عاديا، إلا أنّه يحرّك لدى متلقيه غريزة التأويل والبحث عن معانٍ ودلالات لهذه الكلمة، التي قد تستقرّ في ذهنه بأكثر من وجه، ما يدفعه إلى المضيّ في تصفّح الرّواية ومباشرةِ قراءتها، ليعرف المدلول الحقيقي الّذي قصدته الكاتبة من عنوانها، ولماذا اختارت لروايتها هذا العنوان بالذات. إنّه يطرح نفسه كتساؤل مبدئي عن علاقة هذه الكلمة بمحتوى الرّواية. عن أيّة ذروة تحدثت الكاتبة. لتبدأ عملية البحث عن تعالق العنوان بالأحداث والشخصيات والأهمّ من ذلك بالتّيمات المهيمنة على الرّواية. لقد جرّبت ربيعة جلطي وهي تلج عالم الرّواية لأوّل مرّة، هذا العنوان كمجسّة تتحسّس
من خلالها أفق انتظار القارئ، القارئ الجزائري والعربي الذي تعوّد عليها شاعرة مرهفة. لا روائيّة مجرّبة، ليراها في هذا النّص تسرد لنا ما جاد به مخيالها السّردي.
إنّه عنوان متعلّق بكاتبة بلغت ذروة الكتابة الشّعرية لتنتقل إلى السّرد، قبل أن يتعلّق بنصّها. دون أن ننفي علاقة العنوان المنطقيّة والإلزاميّة بالنّص. فالذّروة هنا تعني ذروة السّلام التي بلغتها أندلس، وتصالحها مع الحبّ ومع نفسها ومع المجتمع. إنها ذروة العجز الذي وصل إليه الزّعيم وهو يفقد ذروة النشوة الحقيقية الّتي يتمتع بها أبسط الرجال. كما أنها ذروة الشرّ والخبث اللذين وصلت إليهما الياقوت. إذن هي ذروات وليست ذروة واحدة.
3-2) صورة الغلاف:
تُعرّف الصّورة بأنّـــها كلّ تقليد تمثيلي مجسّد؛ أي إدراك مباشر للعالم الخارجي في مظهره المضيء،[41] فالقارئ عند رؤيته للصورة تتداعى في مخيلته جملة من التساؤلات تصبّ كلّها في حالة الغموض والإبهام والفوضى في حصر دلالة العلامة المفعمة بالمعاني.[42] فوضع الصورة على غلاف الرّواية يزيد من شهية القارئ لمعرفة محتواها، خاصّة إذا كانت (زيادة على العنوان) مبهمة وغامضة، ذلك أنّ صورة واحدة في غلاف رواية ما تحتمل أكثر من معنى وبالتالي أكثر من تأويل.
تضمّن غلاف رواية “الذروة” لربيعة جلطي صورة لقسم علوي من جسد المرأة يأخذ مساحة من شكل دائري ويكرّر ليملأ المساحة السفلية منها. إنّه شكل يشبه المِـــرآة التي ذكرت أكثر من مرّة في الرواية، والّتي عادة ما ترتبط بالأنوثة، وما يؤكّد ذلك انعكاس صورة المرأة. في الشكل.
تظهر المرأة في الصّورة وكأنّـــها مستلقية أو متكئة، شاردة الذّهن سارحة البال كأنّها تفكر أو تحلم وتتخيل.. لتؤكد أنّ الرّواية أنثوية بامتياز فكاتبتها أنثى وبطلاتها إناث. وما يزيد أنثوية هذه الرّواية، الألوان المستعملة في رسم الصورة والغلاف بين وردي وبني فاتح وأبيض.
3-3) العناوين الداخلية:
هي عند جيرار جينيت “عناوين مرفقة أو مصاحبة للنّص، ولوجه التحديد في داخل النّص كعناوين الفصول…والأجزاء للقصص والرّوايات..”.[43] وإن كانت الرّوايات الكلاسيكية لا تعنون الفصول وإنما تكتفي بترقيمها أوتعدادها (الفصل الأول، الفصل الثاني…)، وإن كانت الرّوايات الجديدة تعنون الفصول، فإنّ رواية “الذّروة” جرّبت هذا وذاك. حيث سمت بعض الأجزاء، واكتفت في بعضها بالترقيم فقط.
إنّ متأمل التقسيم الّذي وضعته ربيعة جلطي يدرك أنها لم تقسّم روايتها إلى فصول بل إلى أجزاء منها ما هو طويل ومنها ما جاء مقتضبأ، حيث جعلتها 16 جزءاً، سمّت منها الثاني “حمّالة النّهد جيد وحبل من مسد”والثالث “ابن أمه” والرابع “النّشوة” والخامس “ابنة أبيها” والسّابع “سعدية يا سعدية غير أنت وبزاف عليا والثامن “انا الياقوت واللي ما يبغينيش يموت” والرابع عشر “أقدار رحيل لالّة أندلس”. بينما بقيت الأجزاء 1، 6، 9، 10، 11، 12، 13، 15،16 دون عناوين. حيث إنّ لكل عنوان من عناوين الأجزاء علاقة مباشرة بإحدى الشّخصيات الّتي هيمنت على الجزء المعنون به، وتقوم بمهمة السّرد فيه، بينما الأجزاء غير المعنونة هي امتداء للأجزاء المعنونة من حيث تسلسل الأحداث والشخصيات المهيمنة والسّاردة.
3-4) كلمة النّــاشر/الغلاف الرّابع:
نقصد هنا الغلاف الخلفي للرّواية، ويضمّ كلمة النّاشر حيث يتم تثبيت جهة النشر على لوحة الغلاف، بشكل لا يخلو من القصدية أو من بعض الدّلالات، قد تكون تجارية إذا كانت جهة النّشر من مؤسّسات الطّباعة المشهورة، في الإخراج والتصميم.. وقد تكون ذات دلالة إعلامية لصالح النّاشر، إذا كان مؤلِّف الكتاب معروفا في عالم التأليف والكتابة.[44] وإذا ضّيقنا الدّائرة لنحصرها في مجال الخطاب الرّوائي العربي، فإنّ كلمة الناشر ترتبط في معظم الحالات بتقديم الرّواية، وتقريب عالمها السّردي ومضمونها الحكائي من القارئ. وقد لا يخضع ما يُكتب على ظهر الكتاب (أو الرّواية) بالضرورة لمعايير ثابتة.
وفعلا تضمّن الغلاف الرّابع من رواية “الذّروة” كلمة النّاشر الّتي جاء فيها ” تتناول رواية الذّروة حيوات خمس نساء، يتقاسمن ويتخاصمن عالما من الأحلام والأوهام والذكور. رواية حب وبوح، تحيل بمرارة كبيرة على الواقع العربي الّذي تتحكّم في أنفاسه سلطة مريضة وهرمة، رواية تبحث عن السلام المفقود في النّفوس، وعن المناطق المتوحشّة في الرّوح، حيث الشرّ المطلق يرفض الأخوّة”
إنها كلمة توخّى من خلالها النّاشر تقريب محتوى الرّواية من القارئ وجذبه إليها، كنوع من الدّعاية من جهة، ودغدغة شهية القراءة والتعرّف على شخوص الرواية، وعوالمهم، خاصة أنّهن نساء من جهة أخرى، وما يزيد من كونها رواية تستفز لفعل القراءة، ذِكر النّاشر أنّها تعرّي الواقع العربي الّذي تتحكم فيه سلطة هرمة، هذا ما يبث في نفس القارئ شيئا من التّشويق واللّهفة لمعرفة كيف كانت هذه التّعرية.
كما لا ننسى تضمين الغلاف الرابع بتعريف موجز للكاتبة ربيعة جلطي، كون أن “الذروة” أولىى رواياتها، وهذا لتأكيد أهمية هذا العمل، في مسار الرّواية العربية عموما والجزائرية خصوصا، لأنّه مرتبط باسم كاتبة معروفة ومن إصدار دار نشر مشهورة.
3-5) التصدير/بديل الإهداء:
يعدّ التّصدير في عرف جيرار جينيت اقتباسا يتموضع عامة على رأس الكتاب، أو في جزء منه.[45] ويتلبّس بشكل جملة أو عبارة تتضمن إهداءً أو قولا شارحا.[46] هو – شأنه شأن الإهداء – عتبة حاملة بداخلها لإشارات ذات دلالة توضيحية.[47] ويعتبر تقليدا ثقافيا عريقا لأهمية وظائفه وتعالقاته النصّية،[48] ولو أنّ التّصدير يختلف عن الإهداء في بعض التفاصيل، كون التصدير عام قد يكون قولا مأثورا أو بيتا شعريا أو آية قرآنية… يتوخّى من خلاله الكاتب غاية معينة، أمّا الإهداء فيكون خاصا موجها لشخص ما أو فئة معينة.
جاء تصدير رواية “الذّروة” في شكل توشيح متسم بشيء من الغموض والضبابية، في قولها :”لو أنّ شبها تراءى بين هؤلاء وآخرين، فذلك لأنه يخلق من الشبه أربعين”.[49] وكأنّ الكاتبة تريد سلفا أن تبرئ نفسها من أيّ تطابق قد يحصل بين الشّخصيات الموجودة في القصّة (هؤلاء)، وبين الأشخاص الموجودين في الواقع (آخرين) والّذين قد تنطبق عليهم نفس صفات الشخصيات وطقوسها وطباعئها ومناصبها…
إنّ هذا التّصدير جاء منظوما ومسجوعا كما لو كان بيتا شعريا، يبدو أنّ الكاتبة ها هنا أرادت أن تنطلق من نَفَسها الشعري ويكون في مقدمة روايتها. إنّه تصدير سِيغ بذكاء ووعي كبيرين. تفطنت بهما الكاتبة أنّ الواقع يحتمل بل يركد زعيما عاجزا هرما، ووجود الياقوت وسعدية.. فوضعت هذا التّصدير كتبرئة للذمة، وفي نفس الوقت تأكيدا للتشابه الّذي سيتراءى بين هؤلاء وآخرين.
4) التّجريب في التّيمات/التّجديد الموضوعاتي:
التّيمة Thèmeهي فكرة أو رأي عام، تعكس مجموعة من الآراء الفرعية (أو مجموعة من التيمات) يتمّ تقديمها لتكون ممــــثَّـــــلة.[50] فإذا كانت الأحداث تُروى بحيث تكون ملائمة للشخصيّة نفسها أو البيئة ذاتها، فإنها يمكن أن تُروى بحيث تكون ملائمة للتّيمة نفسها.[51] وهذا ما نلمسه جليا في رواية “الذّروة” الّتي هيمنت على أحداثها وشخصياتها مجموعة من التّيمات، والّتي سنحاول معالجتها على النّحو الّذي ظهرت لنا عليه في النّص، أي في شكل مجموعات أو فُرادى.
4-1) الجسد:
إنّ النّص الأنثوي يتـــّخذ من جسد الأنثى مادّة خاما يقوم بصياغتها لتحقيق الإغراء والإثارة واللّذة النّصيّة، فللجسد في النّص الأنثوي قيمة وإغراء، حيث إنّ استعمال الجسد من طرف الأنثى يتفوّق عن كل استععمالاته الأخرى، فلا يستطيع وصف الأنثى إلاّ الأنثى الخبيرة بأحوال أنوثتها، والقادرة على تقديم الجسد بالطريقة المناسبة، واستثماره لتأثيث المساحات السّردية في النّص، فالجسد هو أيقونة الكتابة النسوية.[52]
ولقد فرض الجسد الأنثوي بتفاصيله المختلفة والمعقّدة نفسه في رواية “الذّروة”، ولا يتم طرح الجسد الأنثوي ولا يكتمل إلا إذا استدعينا بعض تفاصيل الجسد الذّكوري الّذي قدمته لنا الرّوائية في شخصية الزعيم العاجز، الّذي فقد مؤهلاته الذّكورية، في وقت بقيت فيه حاجبته تتمتّع بكامل مؤهلاتها الأنثوية، مدّعيا أنّ العيب ليس فيه، بل في حاجبته الّتي لم تعد قادرة على استثارته وتلبية رغباته الجنسية، باحثا عن أنثى أخرى تلبي له ذلك فاشتهاها في أندلس الّتي لم يصل إليها.
إنّ الجسد في بُعده الإيروسي هو البؤرة التي تتجلى فيها وعبرها الذوات والأشياء التي تكوّن عالم النّص الروائي، إنه الشّكل الّذي تنطلق منه وتلتقي عنده كل الأشكال، وهو أساسا الشكل القار القابل لاستيعاب سلسلة من الأفعال والأوصاف التي تحيل بهذا الشكل أو ذاك على قيمة هي الأساس الّذي تقوم عليه ممكنات المكوّن الدّلالي وسبل تحققه.[53] فقد صاحبت تّيمة الجسد محطات رواية “الذّروة” منذ بداية السّرد في قولها :” أن تغلق الباب دونك للحظات، فأنت تريد الاقتراب من حقيقتك في سريّتها التي لن تفشي بها لأحد آخر غيرك، مهما دنا، أن تشاهد ضوأها الخافت عن قرب، أن تتعرف عليها عارية إلاّ من عيوبها ومفاتنها”.[54] فتفاصيل الجسد ترتبط منطقيا بالسّرية والخصوصية، ولا تظهر إلا لصاحبها بفعل التعرّي، وهذا كان حال اندلس التي حاولت منذ المراحل الاولى من عمرها إخفاء مفاتنها، على الرغم من أنّها كانت في صراع دائم مع تفاصيل جسدها تقول :”… فباغتني القلق المهيمن على ملامحي.. تحسّست حمالة صدري المائلة المنزلقة.. إلا أني لم أشعر يوما براحة ثديي داخلها.. أنظر أحيانا إلى الأخريات بحسد.. في التاسعة من عمري بدأت معاناتي”.[55] بينما كان العكس مع الياقوت وسعدية اللّتان كانتا خريجتا بارات. فاقدتين للعذرية.
4-2) الذّكورة والأنوثة/الصراع اللامتناهي:
إنّ منطق الصّراع الّذي تؤسّس عليه المرأة عموما وربيعة جلطي على وجه الخصوص كتاباتها، يحتّم عليها تقديم النّص المخالف الّذي يكتسي بزي الأنثى، والذي يتحوّل إلى جسد، وتصبح الكتابة بعد ذلك تعويضا عن الآخر، واستغناءً عن وظيفته التقليدية ووسيلة لممارسة الرغبة، والاحتفاء بالنّص.[56] ويأتي اهتمام المرأة بالكتابة من خلال مواجهتها لطريق مسدود حدّدت هندسته الثقافة الذكورية السّائدة الّتي عملت على وضع كينونتها على هامش المجتمع، وبذلك اجتاحت كتابة المرأة نزعة امتلاك الوعي بالذّات الكاتبة، بالإضافة إلى امتلاك شرط الحرية في التّعاطي مع هذه الحرية الثقافية، فأصبح للكتابة وظيفة مزدوجة، تنتقل من فك الأغلال الخارجية إلى تحرير القيود الدّاخلية، فانفتحت الكتابة على لغة اللاّوعي، واعتُبر عامل التخييل عند الكاتبة عاملا من عوامل استعادة الأنثوية وانتشالها من منظومة الخطاب العام.[57] وكأنّ المرأة تريد تحقيق ذاتها المهمّشة عبر التاريخ من خلال الكتابة، وتحاول إدماج نفسها في الحياة بمختلف ميادينها، وهذا من خلال نقد المجتمع الذكوري وتعريته وكشف معايبه، هذا ما يفسّر لنا الصراع بين الذكورة والأنوثة في الكتابة النسوية، والذي يظهر جليا في رواية الذروة في مواضع كثيرة من السّرد، والّذي قدّمته لنا ربيعة جلطي في شخصية أندلس منذ مرحلة مبكرة من عمرها، تقول:” في المدرسة أستمع إلى التعليقات السّاخرة القاسية من طرف زملائي الذكور في القسم، يرفقونها بضحكات مموهة عن البنات اللّواتي بدأت حبات الفول تظهر تحت مآزرهن..إلا أنا
- ألم تلاحظوا يا أصحاب أندلس الوحيدة بينهن، لم نر عليها تغيّرا أو انتفاخا”.[58] إنه نوع من التحدّي الّذي مارسته أندلس تجاه زملائها كي لا تكون موضعا لسخريتهم مثل باقي زميلاتها، وكأنّ الرّوائية أرادات أن تسقط ملامح القوة والتحمّل والصبر على هذه الشخصية، وإظهارها بصفاات الوعي والذّكاء، ما جعلها تنتصر على الذّكور، تقول :” لم يكونوا على علم بحيلتي، أضحك في دواخلي على ذقونهم، تعلمت مبكرا أنّ الذّكور، رغم ما يدّعونه من خبث نستيطع أن نخدعهم ببساطة، لم أستغرب فيما بعد، عندما علمت في درس علم النّفس، أنّ دماغ الرجل يفكر في حركة تندفع في اتجاه واحد مستقيم مثل حصان ملجّم، بينما دماغ المرأة يفعل ذلك في اتجاه حلزوني”.[59] ما يثبت ما قلناه آنفا أنّ الكاتبة تقدّم لنا أندلس على أنها أنثى قوية متحديّة للمجتمع الذكوري الّذي ينظر إلى الأنثى على أنّها جسد لا غير، متحمّلة أي عبء وأيّة مشقة في سبيل الظهور أمامهم قوية غير محرجة من تفاصيل جسدها. تضيف قائلة :”كل صباح نكاية فيهم أوقظ عمتي، فتعصب صدري بمشد صيدلاني، مثل ذلك الذي يستعمل عادة في شد الجروح، تلويه مرات عديدة حول صدري، إلى درجة أن يختفي النتوءان، ألبس ثيابي بهدوء تام ثم المأزر الزهري، ثم لا شيء يظهر”.[60] تضيف ” أحمل المحفظة وآخذ طريق المؤسسة التعليمية شامخة الرأس، يغمرني إحساس بالانتصار. على من؟ لست أدري”.[61]
ويستمرّ نقد الذّكورة في مواضع كثيرة من الرّواية، فنجدها تطرح إحدى أهمّ حلقات الصّراع بين الذّكورة والأنوثة، ألا وهي قضية تعدّد الزوجات كما هو وضح في هذا المقطع ” لكنّ أبي في زيجاته لم يجمع بين زوجتين اثتين أبدا. ربما في ثقافته الدّينية العميقة المختلفة عن السّائد، فهو في رؤيته وفلسفته يؤمن بأنّ الجمع بين اثنتين حرام، وفي رأيه لا يمكن العدل بين اثنتين مهما كان… المرا صوب راجل، لا يمكن أن تعزف بإتقان على آلتين موسيقيتين في الوقت نفسه”.[62] مبررة أنّ الرجل غير قادر على أن يعدل بين زوجتين ممّا يستدعي تحريم التعدّد. مقدّمة هذا الرأي في نموذج الأب (والد أندلس) الّذي كان يفضّل الطلاق كل مرّة على الجمع بين الزّوجاتن تضيف: “فلا تكاد الواحدة ترتاح بين ذراعيه، وتسخّن مكانها في سريره، حتى تأخذ أخرى بتلابيب شغافه، فيسرع إلى الطّلاق، ليتزوج من جديد نساء –تقول جدّتي– تخاطفن أيامه ولياليه وتوزّعن أمواله وضيّعن وقته”.[63] ورغم كل هذا التمرّد المصاحب لشخصية أندلس على المجتمع الذّكوري، إلاّ أنّنا نجدها في بعض المواضع تستسلم لكونه مجتمعا حاكما قابضا لزمام الأمور، تقول: “مبكرة، عارية من رحمها وعطشي لحليب أمي، فطنت أنّ مصائرنا بين أيدي الذّكور، كيف لي أن أرفض أو أن أقبل؟”.[64] وكأنّه نوع من اليأس والتسليم لفطرة الحياة كون الأنثى مرتبطة بذكر تابعة له.
إنّ المجتمعات الذكورية هي تلك المجتمعات الّتي تنتج مفهوم الأب والأبوّة وتقوم على تفديس له ينبع من الحالة التي تحيطه بها هذه المجتمعات البطريركية، إنها هالة ترتفع به من مرتبة الاب الطبيعي إلى مرتبة الأب الثقافي والرّوحي، لتمنحه بعد ذلك شرعية لكل أقواله وأفعاله، دونما أدنى مساءلة، ويكون استنادا على ذلك، المرجعية الأولى في كل القضايا والمشكلات، وتكون رؤيته هي الرّؤية الوحيدة، وقادرة على تفسير كنه الأشياء واختراق حجب الغيب وإعطاء التفسيرات التي لا تقبل المراجعة، وأنه جنوح إلى التقديس، هو ما تتصف به المجتمعات الذّكورية في نظرتها للذكر.[65]
4-3) الصّداقة:
لما كانت رواية “الذّروة” سردا لقصص نساء وحيواتهن، تطلّب الحبك ربطهن في شبكة من العلاقات المتباينة، سواء فيما بينهن أو في الأوساط الاجتماعية المحيطة بكل واحدة منهن، ومن أهمّ تلك العلاقات نجد الصّداقة باعتبارها رابطة اجتماعية يقيمها الإنسان مع من حوله. والصّداقة رابطة يكتسبها الإنسان منذ مراحله الأولى وتكبر معه وتتطوّر وتنضج بتقدّم العمر.
وعموما يمكن حصر تيمة الصّداقة في روية “الذّروة” بوجهين اثنين أولهما حقيقي والآخر متخيّل، فالأول يقتضي وجود الصّديق في شخصية حيّة فعّالة في الحكي، والثاني يفترض وجود الصّديق ويتخيله أو يحلم به.
4-3-1) الصّديق الحقيقي المجسّد:
وهو موجود بكثرة في مواضع مختلفة من الرّواية، مثلما هو بين أندلس وصديقاتها في المدرسة، تقول :”” كم تضاحكت صديقاتي بعد مرور عدّة سنوات، وهنّ يلاحظن تطاير أزرار قمصاني لقوّة ضغط صدري، وثم وهن يساعدنني في التقاط الأزرار التالفة
- أين كنت تخفين هذه الأهرامات يا ملعونة؟
- تحت مشدّ عمّتي ليلى !!! أجيبهم فندلع عاصفة من الضحكات المتتالية التي تشبه تساقط مطر من الزجاج المكسور”.[66] يبرز هذا الحوار مدى الحميمية التي تجمع بينها وبين صديقاتها، والّتي عادة ما تكون حميمية بوح وإفشاء للأسرار، والأمر نفسه مع الياقوت وسعدية.
إنّ الصّداقة تقتضي توافقا بين الأرواح وانسجاما في السلوكات، وإلا فلن تبلغ ذروتها وحميميتها، ولن تعمّر او تتطوّر، أو حتى تعزز الثقة بين أطرافها، وهذا ما كانت تفتقر له صداقة أندلس والياقوت، في قولها :” اقتربت مني.. إنها الياقوت زميلة الدّراسة منذ الطّفولة. لم تكن قريبة منّي يوما، جمعتنا الأقدار وفرّقتنا السّلوكات والأفكار، علمت أنها أصبحت تعتلي كرسيا مهما في الدولة وتحمل الصفارة”.[67] فرغم أنهما كانتا تعرفان بعضهما منذ أيّام الدراسة، إلا أنّ اختلافاهما في التفكير والسلوكات حال دون صداقتهما، ومع ذلك كانتا تعرفان بعضهما جيدا حدّ معرفة الصّديقة لأسرار صديقتها تقول الياقوت :” اعتقد أنني أعرفك بما يكفي لأدرك أنك لست تماما كالأخريات، أعرفك يا أندلس منذ أن كنّا في المدرسة، يميزك شيء ما، شيء لا يوصف يقرّبك من الملائكة، وتعرفين أني من فصيلة الشياطين، لا يمكن أن تخدعيني، ولا حتى أن تخدعي غيري. ثم إنّك فنانة، ويقال إنّ للفانين ميزانا آخر للوجود”.[68] وهي ها هنا تؤكد أيضا على الختلاف القائم بينهما
إنّ أنانية الياقوت وحبّها للكرسي والصفارة، ورغبتها في الحفاظ عليهما بأي ثمن، جعلاها ترضخ لرغبة الزعيم في جسد أندلس، وتنسى صديقتها وأخلاقها ومبادئها، تقول :” ولكن الأمر انقضى ولا رجعة فيه، صاحب الغلالة قال كلمته وأنا لا أرد له طلبا، وتنصيبك اليوم بداية رحلتك معنا، وما دام وضع بين يدي الكرسي والصفارة، فلو طلب مني حليب الطير لأتيته به، وسأضحّي حتى بأمي وأختي لو اقتضى الأمر”.[69] محاوِلة ترهيب أندلس كي تمتثل للأوامر وتذهب إلى الزّعيم، وعندما يئِست منها، ولم تلق من لدنها تقبّلا للأمر. لجأت إلى سعدية صديقتها المقربة تقول :” أنا ضائعة من غير سعدية، ما الذي كنت سأفعله لولاها؟ ربما قمت بخطأ كارثي أندم ليه طول عمري..”.[70] فنجد سعدية تضحّي بنفسها لتساعد صديقتها مقابل امتيازات أهمها الوصول إلى الزعيم، فتسافر إلى لبنان وتخضع لعملية تجميل لتصبح أندلس.
4-3-2) الصّديق المتوهَّم المتخيّل:
وهنا يكون الصديق كائنا لا هو موجود في الواقع، ولا هو موجود في شخوص الرّواية الآدميين، وإنما هو كائن متخيّل في ذهن إحدى الشخصيات، تنسجه الأوهام وتصنع الحاجة مثلما هو في القصّة التي حكتها الجدة لالّة أندلس لحفيدتها، قصّة المرأة التي تركها زوجها والتحق بالحرب تقول:” تشتعل فكرة في ذهن الزوجة المتروكة للوحدة المشغولة لقدر الانتظار مثل أغلب النساء:
- لابد لي من صديق مؤنس يحمل معي صدري!
تمزج المرأة التراب بالماء وبالخيوط والحجر، ترفع قامة منه، ثم عنقا حانيا، ثم وجها وعينين وأذنين وأنفا، ثم تنزع خاتم الزواج من أصبعها، تصنع به الفم، تقبّل التمثال الترابي وتعانقه وتعطيه اسما:
- أسعد…أسعد.. سأسميك أسعد.
.. آه يا أسعد.. كنت متعبة ووحيدة وحزينة، لكنني أشعر أني أحسن حالا الآن… أيّام تذهب وأيّام تجيء – تقول جدّتي لالّة أندلس – وأسعد يستمع وينظر إلى المرأة في صمت”.[71] لقد كانت الوحدة والوحشة سببين كافيين دفعا هذه الزوجة إلى البحث عمّن يستمع إليها ويشاركها حزنها وقنوطها، فوصل بها الأمر إلى صنع تمثال تتّخذ منه صديقا تناجيه، ودام بها الأمر حتى عبدته، إلى أن عاد زوجها من الحرب وحطّمه، ومسح الأوهام من ذهنها.
4-4) الجدّة/منبع الحكمة ومجرى الذّاكرة الثورية :
تعدّ شخصية الجدّة لالّة أندلس من أهمّ شخصيات هذه الرّواية، إلى حدّ تتحوّل معه إلى تيمة، تؤطّر أهم أحداث الرّواية، إنّها تمثّل امتداد العمر ومنبعا للحنكة والحكمة، تقول أندلس :” جدّتي لالّة أندلس حكيمة في اختيار المثل الصائب، دقيقة في اختيار الحكاية اللائقة بالمقام، تعلّمك درسا لن تنساه ما حييت، وتترك لك الغربة العارمة معلقة حول عنقك مثل جرس، الرغبة في أن تحكيها لغيرك”.[72] فقد ساهمت بحكمتها ونبوغها في تكوين الشّخصية القويّة التي ظهرت لنا بها حفيدتها أندلس، تقول: “كم فاجأت شخصيتها سنوات عمري الأولى وما بعدها وأنا أكتشف العالم من حولي، فاجاتني أناقتها وطريقة جلوسها، وقفتها بجبينها المرتفع، وكأنّها تخشى سقوط تاج وهمي خفيّ من فوق رأسها، لا يراه غيرها…”.[73] لقد تركت الجدة بصمتها الحسية والوجدانية في شخصية حفيدتها وأورثتها طقوسها وطبائعها.
تعلمت أندلس الّتي كانت تعاني من ضخامة حجم صدرها وصعوبة حمله، من جدتها أن حمل أثقال الصدر لا تكمن في حمله ثديا، وإنما في حمله أوزارا ومشاعرا وحنينا… تقول :” ثم كم هي فظيعة تلك الصّورة التي رسمتها جدّتي لالّة أندلس في مخيّلة الطفلة مني، وهي تحدثني عن امرأة لم تستطع حمل أثقال صدرها بمفردها، وهي تنتظر زوجها الجندي الغائب في الحرب. وحيدة في بيتها تنتظره. تغلي انتظاره في قهزتها. تسكّرها، أو تفضل مرات أن تشرب انتظاره مرا أسود، دون سكّر أو حليب….يفيض قلبها داخل صدرها بما لا يقال… لا أحد يستطيع حمل أثقال صدره بمفرده”. [74] فالمتعارف في الثقافة الانسانية منذ القدم أنّ الصّدر موطن المشاعر والأحاسيس والنوازع والتناقضات.. لكنّ المقام والطريقة والأسلوب الّذي قدّمت به الجدّة هذا الدّرس لحفيدتها، كان ينمّ عن بلاغة وحكمة عظيمتين.
وتظهر الجدّة في السّرد صارمة متشدّدة غير متقبلة للناس يسهولة، تقول :” لم تكن جدتي لالّة أندلس تحب زوجات أبي أللواتي أتين متتاليات عقبة عودته من الجبل ورفقائه المجاهدين…”.[75] إنّها تمثل تلكم العجائز الحادّات في الطبع الصّارمات في التعامل.
إإنّ أهم ما تمثله تيمة الجدّة في الرّواية، هو الذّاكرة الوطنية، خاصّة في مرحلتها المتعلقة بالاستعمار والّتي تمثل بؤرة الذّاكرة الجزائرية، لقد عاشت لالّة أندلس الثورة وعايشتها، ووقعت ضحية الاستعمار الرنسي الغاشم تقول :” أخذت لالّة أندلس على متن سيارة جيب إلى مركز تعذيب خلف مرتفع بمحاذاة المدينة، عُذّبت أندلس وجلدت بالسّياط من طرف أحد الأهالي الخونة المتعاملين مع الفنرسيين، كان يضرب جسدها البضّ ويحصي عدد الجروح، بتلذّذ بشهوة جنسية نارية، وتسرب أنّه في كل ضربة سوط كانت ترفع صوتها باسم الله واسم زوجها الشّهيد، الأمر الّذي أغضب إلى حد الجنون معذّبيها”.[76] لقد جعلها هذا الحادث تزداد كرها للحرب والمستعمر وترفض التعامل مع كل من هو أجنبي وأو يمتّ بصلة لفرنسا، تقول : ” لالّة أندلس لم تكن تخفي حقدها على المستعمرين الفرنسيين الذين سجنوا زوجها سي العربي وعذبوه ثم قتلوه، ظلّت تتألم لأنّ زوجها حبيبها استشهد تحت وسائل التعذيب… فكيف يمكن إذن أن تقبل لالة أندلس بحفدة من دم القتلة.. هكذا كانت تردّد”.[77]
تتّسم الجدة بالوفاء لزوجها الشهيد مخلصة له ولذكراه، ومتشبّثة بحبها له، رغم تعاقب السّنين، تفول: ” لم يستطع أحد أن يقنع لالة أندلس أنّ زوجها سي العربي الّذي اعتقلته السّلطات الاستعمارية بتهمة الانتماء إلى حزب محظور يدعو إلى الانفصال والاستقلال عن المتروبول قد استشهد، كانت دوما تخبرهم أنه أقرب إليها من حبل الوريد، وأنّ حضوره يملأ البيت ويملأ حياتها ونومها ويقظتها وسريرها، ولا مكان لرجل آخر…”.[78] إنها تظهر على قدر كبير من الشّهامة والنّبل، وما يزيد شهامتها ونبلها وإخلاصها لزوجها وحبها له تفانيها في تربية ابنها (والد أندلس) تضيف قائلة:”كيف لأبي إذن أن يجرؤ على أن يتزوج بفرنسيّة، يبنما إرضاء أمّه لالّة أندلس يبدو غايته المثلى”.[79] فحبه لوالدته التي أحسنت تربيته يجعله يسبق مرضاتها ويحسب الأمور مليا قبل الإقبال على أي خطوة.
4-5) السّخرية:
إنّ فنّ السخرية وإن صُنّف ضمن أدب الفكاهة لاشتماله عنصر الإضحاك، إلاّ أنّه يمكننا إدراجه ضمن أرقى أشكال التعبير الأدبي، خاصّة لما يحمل في طيّاته من مواقف انتقادية تظهر في إحساسنا بالمفارقة الدّلالية المرفوقة بانفعال الضحك.[80] فحضوره في رواية “الذّروة” عكس لنا إحدى ركائز الشكل الفني الذي حاولت ربيعة جلطي تجريبه من جهة، وأتاح لها عرض أرائها الانتقادية في الذّكورة وتقويضها، وتعرية واقع السّلطة والحكم وكشف معايبها. لقد أصبحت السّخرية ها هنا تيمة وأداة في نفس الوقت، مكّنتا الرّوائية من تمرير أرائها. والمتمعّن في متن الرّواية يلاحظ عدّة مظاهر و أوجه للسّخرية، يمكن حصرها في:
4-5-1) السّخرية من الذّكورة وتقويضها:
لقد صاحبت السّخرية من الذّكروة رواية “الذّروة” من بدايتها إلى نهياتها، وهذا ما لاحظناه في الصّراع بين الذكورة والأنوثة (في عنصر سابق)، حيث نرى شخصيات الأنثى في الرواية على رئسهن اندلس والياقوت ينتقدن كلّ ما في عالم الذّكور من تصرّفات وطقوس وعيوب ومن رؤيتهم للأنثى على أنّها جسد وشهوة. تقول أندلس :” فخورة بفكرتي الخارقة في قرارة نفسي يتعاظم زهو، وأنا أسخر من زملائي الذّكور، بينما هم يتهامسون ويشيرون إلى صدور البنات… كنت على أهبة أن أتحمّل أكثر وأكثر، كي لا يفطن زملائي التلاميذ الذّكور … هم يسخرون من زميلاتي، وأنا أسخر منهم”.[81] فنرى أندلس في مواضع كثيرة تقوّض الذكورة وتنتقدها وتسخر منها. وسنرى هذا الوجه من السخرة يتكرر في السّخرية من الزّعيم
4-5-2) السّخرية من السّلطة/التهكّم بالسّياسيين:
يتجلّى هذا الوجه من السّخرية بشكل كبير وواضح مع شخصية زهيّة تلك المترجمة التي تعمل في منصب عالٍ وتحتك بالسّياسيين تقول ” جميع أفراد العائلة النوزّعة في جغرافيا البلد أو خارجها، يتناقلون بسريّة تامّة ونكهة مرح أخبارها وسرّ احتفاظها بمنصبها ولياقتها وبابتسامتها، رغم تعاقب الحكومات وروائح أفواه الوزراء.. وطبائعهم الّتي يجرجرونها من دُشُورهم أو قُراهم أو مدنهم الدّاخلية النّائية”.[82] فمجرد استحضار زهيّة في السّرد في بدايات الرّواية وذكر عملها في الوسط السياسي، بدأت السّخرية من المسؤولين وأصحاب القرار، وكأن الرّوائية تعمّدت ربط هذه الشّخصية بالوسط السّياسي، لتطرحه في روايتها وتنتقده وتسخر منه
إنّ الضغط والقنوط اللذين كانت تعاني منهما زهيّة في عملها وعدم قدرتها على البوح، جعلاها تبتدع عادة غريبة وهي الإغلاق على نفسها في الحمّام وصنع وجوه لسياسيين ومسؤولين والسّخرية منهم في قولها :” تدخل زهيّة الحمام، تغلق الباب دونها. رويدا رويدا يتعالى صوتها ليس بالغناء كعادة الناس تحت الماء، ولكنّ بصراخ الغضب والشّجار، تسبّ وتلعن بأعلى صوتها وتسمّي أشخاصا بأسمائهم. علمت فيما بعد أنهم مسؤولون مهمّون في السّلطة وتسيير أمور البلد. هؤلاء الذين ستلقاهم خلال يوم العمل الجديد هذا، أو تكون على موعد عمل معهم في السّاعات المقبلة… حين تدخل زهية قاعة الحمام تحمل إضافة إلى حقيبة يدها بعض الملفات والصّور وأدوات أخرى تخفيها عن العيون.. تلصق زهية الواحد من شخصياتها على مرآة الحمام الكبيرة، تدخل معه في حوار عن أمر ما، عن مسألة تبدو جادة في البداية، ثم لا تلبث أن تكيل له السّباب بأعلى صوتها وتبصق عليه، وتهينه وتأمره وتنهاه… أسكت يا كلب يبدو أنك صدّقت أنّك وزير، كيف لك أن تكونه وأنت على ما أنت عليه من الغباء والشطط، أنت لست أكثر من ذبابة زرقاء… يا له من بلد ويا له من زمن أغبر ويا له من زمن بئيس أصبح فيه أمثالك مسؤولين عن مصالح الناس… “.[83] وكأنّها تنظّف في الحمّام ذاتها لا جسدها. وعندما انتهت الرّوائية من تمرير هذه الفكرة استغنت عن شخصيّة زهيّة وأنهت قصتها بالزّواج. تقول “سوف ل تعود زهية إلى الحمام كي تنظف ذاتها من أدرانهم”.[84] ما يؤكّد توظيف هذه الشّخصية لتغطية جانب من جوانب السّخرية من السياسة في الرّواية.
كانت الرّوائية ذكية وفطِنة عندما ربطت السّخرية في روايتها بالطفولة، طفولة أندلس واين عمها فتحي، وهما ينظران من ثقب الحمام إلى عمّتهما زهيّة وهي تمارس عادتها في تنظيف ذاتها من الشوائب والقذارات الّتي تعلق بها جرّاء احتكاكها وتعاملها مع السّياسيين والمسؤولين الّذين تلقاهم في عمليها، لقد تعرّف الطِفلان بسهولة وذكاء على كل المسؤولين الّذين حضروا عرس زهية وسخرا منهم بدورهما، تقول أندلس: ” همس فتحي ابن عمتي في أذني وهو يومئ إلي مشيرا إلى أحدهم:
أندلس .. أندلس أنظري إلى ذاك القادم.. إنّه هو. هو !!!
من ؟ تقصد من ؟ قلت بلهفة وأنا أستدير بسرعة.
ذاك الّذي تسمّيه زهيّة كرش الحرام. أتذكرين يوم داست على رأسه حتى تمزّقت المنشفة الزّرقاء ؟
- أذكووووور.. إذن هو ذاك كرش الحرام الّذي فرشخت زهيّة رأسه ذلك الصّباح وحذّرته من الاختلاسات عن طريق تضخيم فواتير ترقيع المؤسّسات المفلسة.
وذاك الذي خلفه هو طوطو الكذّاب !!
أنظر.. أنظر فتحي يا إلهي!! كرشه ضخمة ألا تعيقه في النّوم ؟
نتوارى خلف إحدى ساريات الدّار ونضحك ملء رئاتنا الفتية”.[85]
لقد حاولت الرّوائية وهي تقوم بإقحام الطفلين في لعبة السّخرية أن تبرئ قليلا نصّها، وأرادت أن تنبّه أنّ الواقع السّياسي وأحوال النّظام وطبائع المسؤولين قد تكون مكشوفة حتى للأطفال. لقد كبرت أندلس وهي على دراية بالفساد السياسي والأخلاقي للمسؤولين والأعيان، ما جعلها فيما بعد تتفطّن بسرعة لمخطط الياقوت الّتي أرادت تمريرها للزعيم، كي تكون إحدى ضجيعاته.
4-5-3) السّخرية من الزّعيم/صاحب الغلالة وأزمته الجنسية:
يعدّ هذا الوجه من السّخرية أجرأ ما مارسته الكاتبة في نصّها، لقد كانت سخرية مباشرة على لسان الياقوت من صاحب الغلالة، تقول :” أنا الّتي قدّمت الكثير لذلك الأخرق، والآن أشم رائحة التنكّر والجفاء…سأكون صريحة معك يا أندلس ، السبب هو أنّه بعدّ كل عملية جنسية فاشلة يذكّرني دوما بصوته المتحشرج:
- أخرجتك من البوهيمية يا الياقوت، وأنت لا تساوين حتى بصلة خامجة، نصّبتك حاجبة ورئيسة على الطوابير، وسلّمتك الكرسي والصّفارة..”.[86] فكانت مهمّة الياقوت في السّرد ها هنا هي السّخرية من شخص الزعيم والتشهير بمعظلته وإفشاء سرّه الكائن في عجره الجنسي، تواصل قائلة: “لا يررد أن يعترف بعجزه، يريد أن يبرهن دائما أنّه القيّم والقائم والقوّام الّذي يستحق أن يُبايَع ويُنتخب بالنسبة العربية المعروفة، أي أكثر من 99 في المائة من أصوات الشعب المفتون به وبقدراته الخارقة في كل شيء بدءا من السرير وانتهاءأً بالسّرير…”.[87] وإن كانت الياقوت لا تفشي سرّه إلا لمن تأتي بهنّ إليه، فهي لا تفعل ذلك إلا خوفا منه ومن انقلابه عليها ، وحفاظها على نفوذها وجبروتها، اللّذين سيزوالان لو فشلت في مهمّتها. تقول:” غرز عينيه في وجهي المبلّل بالدّمع دون أدنى إحساس بالشفقة على حالي… وبصوت جاف أوضح لي أنّني إن أنا أردت أن أحافظ على الكرسي والصّفارة، فعلي أن آتي بك إليه”.[88]
وتستمر السّخرية مع سعدية التي أرسلتها الياقوت إلى لبنان لتخضع لعملية تجميل وتصبح نسخة عن أندلس وعادت لتلتقي الزّعيم، فتصف الموقف كأنّه لقاء حميمي برجل عادي تقول سعدية:” الآن.. الآن ينتظرني أهم ذكور هذا البلد وأقواهم وأشدّهم قوة وبأسا.. سينتهي من أمر قواده وعساكره وخدامه وممواليه وأئمته وقناصله ورجال بحريته وارض – أرضه وجو – جوه سينتهي من تواقيعه على مراسيم الجريدة الرسمية ثم يجلس على حافة سريره ينتظرني”.[89] لكنّ الحيلة لم تنطل عليه وكشف خطّة الياقوت بعدما باشرته سعدية وتحسس نهدها، وتفطّن أنّه مفبرك ومزيّف، تقول :” تفرّس في وجهي بينما ملامحه تشتد شيئا فشيئا، ثم صرخ:
- هذا فالصو. غش..هذا سيليكون ؟!! “.[90]
إنّ القدرات التخييلية التي مكّنت الرّوائية من تقريب سعدية من شخص الزعيم حتّى المضاجعة، منحت الرّواية جرأة أكثر وسخرية أبلغ، إنّها على لسان سعيدة تنتقد عجزه وذكورته بكل سخرية وتهكّم تقول: “….والله التنقيب عنه أصعب بكثير من البحث والتنقيب عن بئر بترول في صحراء البلد.. “.[91] تضيف ” ألا يخجل من ذكر كهذا ؟ … كان عليه أن يشتري واحدا بدل أن يجلس أمامي هكذا مثل فيل عجوز… كان عليه أن يترك حاشيته يتدبرون أمره أو على الياقوت أن تتدبّره له وتعالج المشكلة بصفة نهائية، فبدل أن تحضر له كل مرة واحدة من عاهرات البلد، تتفرج على عاهته، عليها أن تفصل في الأمر بشكل نهائي. لماذا لم تبحث عن عيادة أبو جهل؟!! ربما وجدوا له ضالّته واستراح”.[92] وخوفا من غضبه وحفاظا على هدوء الموقف تتودد إليه كي لا تظهر سخريتها على أنّها استصغار له، تضيف ” أنت غالٍ يا سيّدي.. ثم إنّ ما تطلبه وتحتاجه، لم يعد ذا قيمة في البلد. فهو لكثرته وفائضه يُرمى ويضيع في البحر بالعشرات كل يوم”.[93] وهي هنا تسخر منه ومن الذّكورة ككل، وكأنها صفة لم تعد ضرورية، وأصحابها (الذّكور) لم يعودو مهمّين لدرجة أنّهم يركبون قوارب الموت وينتهون في البحر.، ولكن المقصود هنا كان التنبيه إلى الهجرة غير الشرعية، الّتي كانت وما زالت تزهق أرواح الكثيرين.
4-6) الغموض:
اللّغة في الغالب نظام اصطُلِح عليه، ولكل نظام نسج معيّن، فإذا اختلفت طريقة حبك ذلك النّسج، فإنّ المتلقي يقلق لذلك وإذا خرجت التعبيرات اللغويّة عن المعتاد فإنّ المتلقّي يلمس ذلك ويبحث له عن تصنيف [94] وهذا ما يعرف بظاهرة الغموض التي تعدّ “المحرك الأساسي الّذي يولد الطاقة الشعرية والكثافة الفنية للنّص الإبداعي”.[95] وتكسبه شيئا من الضّبابية التي تنتج عنها جمالية وخصوصية، قد لا توجد في نصوص أخرى .
إنّ رواية “الذّروة” على ما هي عليه من جرأة في الطّرح والسّخرية والتهكّم من السّياسين والمسؤولين وفضحها لفساد السّلطة وهشاشة الحكم، إلا أنّها تتّخذ شيئا من الضّبابية والغموض المتعمّدين من خلال إخفاء أسماء هذه الشخصيات والاكتفاء بإبراز صفاتها وطبائعها وإطلاق ألقاب ساخرة عليها مثل: صاحب الغلالة، الحاجبة، قصر الزعامة، كرش الحرام، طوطو الكذاب، أبو حدبة المرتشي، الدّلاقة الشياتة، الثعلب الأعور..
قائمة المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم، رواية ورش.
- أحمد السماوي، التطريس في القصص، إبراهيم درغوثي نموذجا، دار التسفير، تونس، 2002.
- أسماء أولاد إبراهيم: التجريب في الخطاب السردي عند السعيد بوطاجين، رواية أعوذ بالله – أنموذجا، رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في النقد الأدبي والفني، جامعة مستغانم، 2010-2011.
- بن جمعة بوشوشة: اتجاهات الرواية في المغرب العربي، دار سحر، تونس، 1999.
- جميل حمداوي، السيميوطيقا والعنونة، مجلة عالم الفكر، مجلد 25، صادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد 3 ، مارس 1997.
- جيرالد برنس: علم السرد، الشكل والوظيفة في السرد، تر باسم صالح، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2012.
- حسن محمد حماد: تداخل النصوص في الرواية العربية، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، د.ت.
- حورية طاهير ومحمد محمدي: السخرية والتوتر، دراسة جمالية في أعمال السعيد بوطاجين، مجلة جيل للدراسات الأدبية والفكرية، يصدرها مركز جيل للبحث العلمي، ع1، ديسمبر 2013.
- خليل شكري هياس: فاعلية العتبات النّصية في قراءة النص السيري، السيرة الأدبية للربيعي أنموذجا، مؤلف جماعي بعنوان ” أسرار الكتابة الإبداعية ن عبد الرحمن مجيد الربيعي والنص المتعدد”، إعداد وتقديم ومشاركة محمد صابر عبيد، دار صامد للنشر، صفاقس، تونس، ط1، فيفري 2008.
- ربيعة جلطي: الذروة، رواية، دار الآداب للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2010.
- رفيقة سماحي: التناص في رواية “الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي”، موفع مجلة مسارب الإلكترونية.
– سامية شتوب: السخرية وتجلياتها في القصة الجزئرية القصيرة، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في تحليل الخطاب بإشراف رشيد بن مالك، قسم اللغة والعربية وآدابها، جامعة تيزي وزو، 2010-2011.
- سعيد بنكراد: الجسد بين السرد ومقتضيات المشهد الجنسي، قراءة في الضوء الهارب لمحمد برادة، مجلة علامات، مجلة فصلية، المغرب، ع6، 1996.
- صالح مفقودة: أبحاث في الرواية العربية، منشورات أبحاث في اللغة والأدب الجزائري، جامعة بسكرة، الجزائر، دت.
- صبري حافظ: التناص وإشارات العمل الأدبي، مجلة البلاغة المقارنة ألف، جامعة القاهرة ، ع4، 1984.
- صلاح فضل:
* لذة التجريب الروائي، أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي، القاهرة، ط1، 2005.
* نحو تصور كلي لأساليب الشعر العربي المعاصر، مجلة عالم الفكر، الكويت، ع 3 و4، 1994، مج22.
- عبد الحق بلعابد: عتبات، جيرار جينيت من النص إلى المناص، تقد سعيد يقطين، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2008.
- عبد الحميد الحسامي : العتبات النصية في ديوان رياحين الجنة للأميري، دراسة في البنية والرؤية، مجلة الأدب الإسلامي، رابطة الأدب الإسلامي العالمية، الرياض،ع 66، 2008.
- عبد الفتاح الحجمري: عتبات النص، البنية والدلالة، منشورات الرابطة، الدار البيضاء، 1996.
- عبد الناصر بوعلي: التناص مع القرآن الكريم في شعر مفدي زكريا، مجلة الأثر، كلية الآداب واللغات، جامعة ورقلة، غ7، 2008.
- فاطمة مختاري: الكتابة النسائية، أسئلة الاختلاف وعلامات التحوّل، أطروحة دكتوراه العلوم في الأدب الحديث والمعاصر، بإشراف وذناني بوداودن جامعة ورقلة، 2013/.2014
- لعموري زاوي ، مصطلح التناص وشعرية تلقيه في الترجمات النقدية العربية، كتاب أعمال الملتقى المصطلح والمصطلحية في العلوم الإنسانية بين التراث والحداثة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية. جامعة سعد دحلب، البليدة، يومي 15/16 مارس 2004.
- مبروك كواري: المناصية والتأويل، مجلة بحوث سيميائية، مركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية، الجزائر، العددان 3 و4 ، ديسمبر 2007.
- فكري الجزار، العنوان وسيميوطيقا الاتصال – دراسات أدبية – الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998.
- محمد المعتصم: الخطاب الروائي والقضايا الكبرى، النزعة الإنسانية في أعمال سحر خليفة، منشورات احتاد الكتاب العرب، دمشق، 1991.
- وداد أبو شنب، المتعاليات النصية عند إميل حبيبي: الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس – نموذجا – رسالة مقدّمة لنيل درجة الماجستير في الأدب العربي، جامعة تيزي وزو، 1998.
- وليد خضور: الذكورة والجسد في رواية الذروة لربيعة جلطي، مجلة مقاليد، جامعة ورقلة، العدد9، 2015.
[1] أسماء أولاد إبراهيم: التجريب في الخطاب السردي عند السعيد بوطاجين، رواية “أعوذ بالله” – أنموذجا، رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في النقد الأدبي والفني، جامعة مستغانم، 2011-2012، ص 11
[2] بن جمعة بوشوشة: اتجاهات الرواية في المغرب العربي، دار سحر، تونس، 1999، ص 20
[3] محمد المعتصم: الخطاب الروائي والقضايا الكبرى، النزعة الإنسانية في أعمال سحر خليفة، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1991، ص66
[4] صلاح فضل: لذة التجريب الروائي، أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي، القاهرة، ط1، 2005، ص 3
[5] ربيعة جلطي: الذروة، دار الآداب، بيروت، ط1، 2010، ص 9
[6] المصدر نفسه، ص 10
[7] أسماء أولاد إبراهيم: التجريب في الخطاب السردي عند السعيد بوطاجين، رواية “أعوذ بالله” – أنموذجا، ص 16
[8] صالح مفقودة: أبحاث في الرواية العربية، منشورات أبحاث في اللغة والأدب الجزائري، جامعة بسكرة، الجزائر، دت، ص 170
[9] لعموري زاوي ، مصطلح التناص وشعرية تلقيه في الترجمات النقدية العربية، كتاب أعمال الملتقى المصطلح والمصطلحية في العلوم الإنسانية بين التراث والحداثة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية. جامعة سعد دحلب، البليدة، يومي 15/16 مارس 2004، ص 384
* الطروس من أصل يوناني يعني الكتاب الممحو، وطرس الكاتب الكتاب، أي أعاد الكتابة على المكتوب.
[10] أحمد السماوي، التطريس في القصص، إبراهيم درغوثي نموذجا، دار التسفير، تونس، 2002، ص 45 /
[11] المرجع لسابق، ص 52
[12] عبد الناصر بوعلي: التناص مع القرآن الكريم في شعر مفدي زكريا، مجلة الأثر، كلية الآداب واللغات، جامعة ورقلة، غ7، 2008، ص 238
[13] صبري حافظ: التناص وإشارات العمل الأدبي، مجلة البلاغة المقارنة “ألف”، جامعة القاهرة ، ع4، 1984 ، ص 27
[14] ربيعة جلطي: الذروة، ص 38
[15] المصدر نفسه، ص 54
[16] سورة آل عمران الآيات 169 – 171
[17] ربيعة جلطي، الذروة، ص 29
[18] سورة المسد، الآيتان 4-5
[19] رفيقة سماحي: التناص في رواية “الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي”، موفع مجلة مسارب الإلكترونية.
[20] ربيعة جلطي: الذروة، ص 14
[21] المصدر نفسه، ص 27
[22] المصدر نفسه، ص 51
[23] المصدر نفسه، ص 55
[24] المصدر نفسه، ص .76
[25] المصدر نفسه، ص 79
[26] المصدر نفسه، ص 15
[27] المصدر السابق، ص 58
[28] المصدر نفسه، ص 15
[29] المصدر نفسه، ص 52
[30] المصدر نفسه، ص 54
[31] خليل شكري هياس: فاعلية العتبات النّصية في قراءة النص السيري، السيرة الأدبية للربيعي أنموذجا، مؤلف جماعي بعنوان ” أسرار الكتابة الإبداعية ن عبد الرحمن مجيد الربيعي والنص المتعدد”، إعداد وتقديم ومشاركة محمد صابر عبيد، دار صامد للنشر، صفاقس، تونس، ط1، فيفري 2008، ص99
[32] حسن محمد حماد: تداخل النصوص في الرواية العربية، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، د.ت، ص 64
[33] جميل حمداوي، السيميوطيقا والعنونة، مجلة عالم الفكر، مجلد 25، صادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد 3 ، مارس 1997ص 103
[34] وتقابل تلك المؤشرات المصطلحات الفرنسية التالية، كما هي في كتابه
Gérard Genette, Seuils, édition de seuil, 1er publication, paris, 1987, p9
(Titre, sous titre, intertitre, préfaces, avertissement, avant propos, notes-marginales, infrapaginales, terminales, épigraphe, illustration, prière d’insérer, bande jaquette
[35] أحمد السماوي، التطريس في القصص “إبراهيم درغوثي نموذجا”، دار التسفير، تونس، 2002، ص 46
[36] وداد أبو شنب، المتعاليات النصية عند إميل حبيبي: الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس – نموذجا – رسالة مقدّمة لنيل درجة الماجستير في الأدب العربي، جامعة تيزي وزو، 1998، ص 147
[37] مبروك كواري: المناصية والتأويل، مجلة بحوث سيميائية، مركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية، الجزائر، العددان 3 و4 ، ديسمبر 2007، ص321
[38] خليل شكري هياس: فاعلية العتبات النّصية في قراءة النص السيري، السيرة الأدبية للربيعي أنموذجا، مؤلف جماعي بعنوان ” أسرار الكتابة الإبداعية ن عبد الرحمن مجيد الربيعي والنص المتعدد”، إعداد وتقديم ومشاركة محمد صابر عبيد، دار صامد للنشر، صفاقس، تونس، ط1، فيفري 2008، ص 100
[39] مبروك كواري: المناصية والتأويل، مجلة بحوث سيميائية، ص 323
[40] محمد فكري الجزار، العنوان وسيميوطيقا الاتصال – دراسات أدبية – الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998، ص 17
[41] حميد سلاسي: ما هي الصورة، موقع سعيد بنكراد، مجلة علامات، المغرب، ع5، 1996
[42] مبروك كواري: المناصية والتأويل، ص 327
[43] عبد الحق بلعابد: عتبات، جيرار جينيت من النص إلى المناص، تقد سعيد يقطين، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2008، ص125
[44] ينظر خليل شكري هياس: فاعلية العتبات النّصية في قراءة النص السيري، ص 107
[45] عبد الحق بلعابد: عتبات، جيرار جينيت من النص إلى المناص، ص 107
[46] عبد الحميد الحسامي : العتبات النصية في ديوان رياحين الجنة للأميري، دراسة في البنية والرؤية، مجلة الأدب الإسلامي، رابطة الأدب الإسلامي العالمية، الرياض،ع 66، 2008، ص44
[47] حسن محمد حماد: تداخل النصوص في الرواية العربية، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 64
[48] عبد الفتاح الحجمري: عتبات النص، البنية والدلالة، منشورات الرابطة، الدار البيضاء، 1996، ص 26
[49] ربيعة جلطي: الذروة، ص 5
[50] جيرالد برنس: علم السرد، الشكل والوظيفة في السرد، تر باسم صالح، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2012، ص 101
[51] المرجع نفسه، ص 101
[52] وليد خضور: الذكورة والجسد في رواية الذروة لربيعة جلطي، مجلة مقاليد، جامعة ورقلة، العدد9، 2015، ص 14
[53] سعيد بنكراد: الجسد بين السرد ومقتضيات المشهد الجنسي، قراءة في الضوء الهارب لمحمد برادة، مجلة علامات، مجلة فصلية، المغرب، ع6ن 1996، ص 28
[54] ربيعة جلطي: الذروة، ص 8
[55] المصدر نفسه، ص 29
[56] ينظر وليد خضور: الذكورة والجسد في رواية الذروة لربيعة جلطي، مجلة مقاليد، ص 183
[57] فاطمة مختاري: الكتابة النسائية أسئلة الاختلاف وعلامات التحوّل، أطروحة دكتوراه العلوم في الأدب الحديث والمعاصر، بإشراف وذناني بوداودن جامعة ورقلة، 2013/2014، ص62
[58] ربيعة جلطي، الذروة، ص 30
[59] المصدر نفسه، ص 31
[60] المصدر نفسه، ص 31
[61] المصدر نفسه، ص 31
[62] المصدر السابق، ص 38-39
[63] المصدر نفسه، ص 42
[64] المصدر نفسه، ص 63
[65] وليد خضور: الذكورة والجسد في رواية الذروة لربيعة جلطي، مجلة مقاليد، ص185
[66] المصدر نفسه، ص 32
[67] المصدر السابق، ص 67
[68] المصدر نفسه، ص 72
[69] المصدر نفسه، ص 83
[70] المصدر نفسه، ص 131
[71] المصدر نفسه، ص 34
[72] المصدر السابق، ص 33
[73] المصدر نفسه، ص 56
[74] المصدر نفسه، ص 33
[75] المصدر نفسه، ص 38
[76] المصدر نفسه، ص 54
[77] المصدر نفسه، ص 40
[78] المصدر نفسه، ص 53-54
[79] المصدر السابق، ص 41
[80] سامية شتوب: السخرية وتجلياتها في القصة الجزئرية القصيرة، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في تحليل الخطاب بإشراف رشيد بن مالك، قسم اللغة والعربية وآدابها، جامعة تيزي وزو، 2010-2011، ص 10
[81] ربيعة جلطي: الذروة، ص 31
[82] المصدر نفسه، ص 9
[83] المصدر السابق، ص 10-11
[84] المصدر نفسه، ص 27
[85] المصدر نفسه، ص 16 – 17
[86] المصدر نفسه، ص 69
[87] المصدر نفسه، ص 70
[88] المصدر نفسه، ص 82
[89] المصدر نفسه، ص 160
[90] المصدر نفسه، ص 171
[91] المصدر نفسه، ص 172
[92] المصدر نفسه، ص 174
[93] المصدر نفسه، ص 176
[94] حورية طاهير ومحمد محمدي: السخرية والتوتر، دراسة جمالية في أعمال السعيد بوطاجين، مجلة جيل للدراسات الأدبية والفكرية، يصدرها مركز جيل للبحث العلمي، ع1، ديسمبر 2013، ص 187
[95] ينظر صلاح فضل: نحو تصور كلي لأساليب الشعر العربي المعاصر، مجلة عالم الفكر، الكويت، ع 3 و4، 1994، مج22، ص87
- أ. بلقاسم فدّاق - جامعة البليدة 2، أ. منصور بويش/جامعة الجزائر 2.
بحث نشر بكتاب أعمال مؤتمر الرواية العربية في الألفية الثالثة ومشكل القراءة في الوطن العربي: الجزائر العاصمة 21-22|08|2016 ، ص 175.