مصطفى فودة - قراءة فى كتاب هوامش العميد (2/2) ملامح التجربة المعرفية عند طه حسين د أيمن بكر

يواصل الكاتب البحث عن ملامح التجربة المعرفية عند طه حسين بالفصل الثانى من الكتاب بعنوان طه حسين ..شيخ العامود ، باحثا عن آثار الوعى الشفوى المبكرعند طه حسين المعتمد على السمع والإملاء لفقدانه للبصر والمتأثر بالتلقى الشفوى عبر شيخ الكتاب ثم شيخ العامود فى الأزهر ثم تحول بعد ذلك عند دخوله الجامعة وعلى يد الاساتذة الأوربيين الى الوعى الكتابى ولكن آثار الوعى الشفوى المبكر ظلت باقية فى آليات تفكيره ومن سمات الانتاج الشفوى عند طه حسين إستخدام الصيغ المتكررة والتأكيد اللفظى والمعنوى والإطناب وإستخدام فواصل إيقاعية ، وينتهى الكاتب بأن عقلية طه حسين أقرب للكتابية لكن شيئا عميقا من التقليد الشفوى ظل موجودا عنده فى عملية إنتاج المعرفة ، وبسبب اختلاط العقليتن الشفوية والكتابية لدى طه حسين حدثت كبرى المعارك التى خاضها طه حسين وهى قضية الانتحال فى الشعر الجاهلى فى كتابه فى الشعر الجاهلى والذى أعاد طباعته بعد تلك الأزمة بعنوان الأدب الجاهلى ، وتتلخص فى تشكك طه حسين فى الشعر الجاهلى وأنه منحول بعد ظهور الاسلام حيث يشكك فى قدرة العقلية الشفوية على حفظ الشعرالجاهلى ونقله بصورة أمينة وأن الرواة تلاعبوا به وبدلوه وغيروه ، وأنه – حسب رأى طه حسين - لا ينبغي أن يُستشهد بهذا الشعر على تفسير القرآن وإنما ينبغي أن يُستشهد بالقرآن على تفسير الشعر وتأويله وهو فى رأى الكاتب " نوع من التسلط التقييمى بين نصين الشعر الجاهلى والقرآن وأنه يلغى إمكان التفاعل النصى الذى أشار إليه القدماء حين ربطوا فهم النص القرآنى باستيعاب الشعر الجاهلى " ص82 .
دلل الكاتب بتناقض طه حسين فى قضية انتحال الشعر الجاهلى بأنه حاكم الشعر الجاهلى وهو نص شفوى لا يهتم بتوثيقه ونسبته الى مؤلفه وحاكمه بالعقلية الكتابية التى تهتم بتوثيق النص ونسبته لمؤلفه وتحاكم النص الشعرى الجاهلى بناء على أدلة بحث تاريخية وثائقية هدفها تاكيد نسبة الشعرالجاهلى إلى مؤلف وحيد أو نفى هذه الصلة " الشعر الجاهلى والشفوى بصورة عامة هو صناعة جماعية لا يعنيها فى كثير أو قليل فكرة المؤلف / المصدر / المركز بل إنه منتج لغوى يتم التلاعب به لصالح المحتوى الجمالى" ص83 وأن ظاهرة الانتحال بنص طه حسين نفسه لم تقتصر على الشعر العربى القديم وحده بل إنها موجودة لدى الأمم القديمة تظهر فى المسألة الهومرية والشك فى الوجود التاريخى لهوميروس ونسبة الإلياذة والأوديسا إليه ، وأن ما يراه طه حسين انتحالا هو فى حقيقة الأمر سنة أدبية فى كافة النصوص فى المرحلة الشفوية .
فى الفصل الثالث من الكتاب بعنوان مستقبل الثقافة ومشكلات القراءة توجه الكاتب بإعادة النظر فى مشروع طه حسين حول مستقبل الثقافة فى مصر وكذلك المشروعات الفكرية الكبيرة وذلك لتغير الواقع الثقافى المصرى والعربى وحدوث متغيرات إقليمية وعالمية كبيرة ، ويصل الكاتب إلى أن هناك آليتان تعوقان محاولات التجديد الأولى هى الإجمال أو التلخيص الذى يسعى لقنص لب الخطاب بميراث العقلية الشفوية مما يؤدى إلى تسهيل عملية إصدار الأحكام بخاصة الأحكام التفضيلية أو الإقصائية فيقال أشعر الناس وأفضل كذا وأحسن وهكذا فهى بقايا شفوية قوية ، و"الآلية/الآفة الثانية التى تسم عمليات القراءة ..هى الاستخدام السياسى أو الإستغلال السياسى للنصوص وهى آلية لم يسلم منها نص فكرى مهم حتى القرآن رغم قداسته " ويبين الكاتب استخدام هاتين الآليتين فى مقدمة الدكتور فتحى سرورعلى كتاب طه حسين مستقبل الثقافة فى مصر إذ اختزل مشروع طه حسين الى مشروع عن تطوير التعليم وبالطبع مشروع طه حسين عن الثقافة وهو مفهوم أوسع بكثر من التعليم ، ويدور تساؤل لقارئ كتاب مستقبل الثقافة هل كان طه حسين منبهرا بالغرب ويدعو إلى تغريب الثقافة المصرية ، ويصل الكاتب الى أن طه حسين لم يكن منحازا الى الغرب ولكن منحازا إلى مجموعة من القيم ىالحضارية / الانسانية يتبعها حيثما كانت .
أما الفصل الرابع من الكتاب بعنوان شذرات العميد فيتناول الكاتب فيه مجموعة من المقالات الصحفية المصرية والفرنسية والمترجمة فى كتاب طه حسين من الشاطئ الآخر وهى مجموعة مقالات قصيرة أملاها طه حسين بالفرنسية وترجمها عبد الرشيد الصادق المحمودى بوصفها إضاءات لآراء له ، ويعدد الكاتب أهمية تعلم اللغات الأجنبية وبأن مفاهيم الثقافة المحملة على اللغة لا يمكنها ان تتطابق بين ثقافتين أو بين لغتين ، ويظهر الكاتب ان اكتساب طه حسين اللغة الفرنسية داخل سياقتها الاجتماعية وكذلك اكتسابه اللغة اللاتينية هما من اكثر العناصر التى ميزت طه حسين عمن سواه من أبناء جيله " ما جعل أدوات التفكير لديه تتحرر يصورة صادمة لمعاصريه " ص115 فكان تعلم اللغات هو جزء رئيسى فى تجربة طه حسين المعرفية .
ملاحظة توجد هنة بسيطة بالكتاب وهو خطأ مطبعى بصفحة 105 فى اسم عبد الرشيد الصادق المحمدى وصحته المحمودى وله عدة مؤلفات عن طه حسين بالإضافة إلى الكتاب المترجم المذكور ، وتكرر نفس الخطا المطبعى بهامش ص111(المقتبس من مقدمة عبد الرشيد الصادق المحمدى) والصحيح المحمودى وأرى تصحيحه فى طبعته الثانية .
أحسب أن كتاب هوامش العميد قد فتح فتحا جديدا وكبيرا للتعرف على التجربة المعرفية عند طه حسين وهذا يحسب للكاتب والكتاب ، وأحسب أيضا أن هناك مصادر أخرى لإلقاء الضوء على التجربة المعرفية عند طه حسين وهى الخطابات والمراسلات بين طه حسين ومعاصريه وهناك كتب تناولت هذه الرسائل منها كتاب رسائل طه حسين لابراهيم عبد العزيز طبعة ميريت وكذلك كتاب طه حسين الوثائق السرية لعبد الحميد ابراهيم طبعة دار الشروق ، وكذلك كتاب معك لسوزان طه حسين ، وهو ما يدعو الكاتب إلى إصدار جزء ثان للكتاب يبحث فيها هذه المصادر الهامة فى رصد التجربة المعرفية عند طه حسين وعلى قدر أهل العزم تأتى العزائم .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى