إن خصائص الإسلام تتمثل في كونه دين شريعته مرنة، متوازنة بين ما هو إلهي وما هو بشري، لا تعرف التحيز لجنس دون جنس أي تقر بالمساواة، وتعرف العدالة، وسمتها الوسطية والاعتدال، لذا كانت حاجة البشرية إلى هذا الدين أهم من حاجاتها المادية، وأن أسباب سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة أتت من لدن حكيم خبير يعلم قصور عقول البشر عن بلوغ الغاية من أسباب خلقهم في الكون أصلا.
غير أن الإنسان مادي بطبيعته وربما اقتصر همه، وبذل قصارى جهده، وغالب عمره في جمع الثروات، والسعي وراء الشهوات دون بلوغ الغايات، فكانت الرسالة الخاتمة التي أرسل الله تعالى بها رسول من جنس البشر ـ محمد صلى الله عليه وسلم ـ برسالة إلهية من رب البشر إلى البشر ليبلغوا به ومعه منتهى السعادة الحقة التي يجدونها في هذا الدين الذي يرعى مصالح الإنسانية ويعلم حاجاتها، ذلك أن الإسلام لا تتناقض فيه الربانية مع الإنسانية؛ فالإنسان مخلوق ذو مكانة خاصة، وهو أكرم المخلوقات على الله، ولذا أرسى الإسلام مبدأ "الإخاء البشري" الذي يستند إلى مفاهيم الحرية والمساواة والعدالة.
ولعل هذا ما دفع الدكتور محمد علي المصري لأن يكتب كتابه المكون من ثلاثة فصول، بعنوان: "النظام الضريبي في الإسلام ودوره في تحقيق العدالة"، تناول في الفصل الأول: "الضريبة في الفكر المالي الإسلامي"، وتلاه بالفصل الثاني، وعنوانه: "قواعد العدالة بين الفكر المالي الوضعي والفكر الإسلامي"، ثم اختتم بالفصل الثالث وعنوانه: "العدالة الاجتماعية بين الضريبة والزكاة". وقد ضمت هذه الفصول عددًا من المباحث التي تفرع عنها عددا من المطالب، هذا عدا المقدمة والنتائج والتوصيات، وعددًا من التمهيدات التي أوردها الكاتب في أغلب مباحث الكتاب وفصوله.
ومعا نتتبعُ العدالةَ عبر فصول هذا الكتاب القيم التي يراها الكاتب أنها تعني مراعاة المساواة وعدم التفرقة، أي مراعاتها في مجال الحقوق، وهي من لوازم العدل، وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه، فيعلم الفرد أن له حقًا وعليه واجب يجب الالتزم به. ولهذا كان العدل ـ من خلال الرؤية الإسلامية ـ أحد أصول الدين، سواء أكان عدلا تشريعيا أو أخلاقيا، أو اجتماعيا. ومن نواتج تطبيقه نشر الأمان المجتمعي، وتوثيق أواصر المعاملات، وتأثيره الاقتصادي.
وقد اهتم الكاتب بالعدالة الاجتماعية وتجلياتها في فريضة الزكاة باعتبارها المورد الأساسي في النظام المالي للإسلام، وما ينبثق عن هذا النظام غير الزكاة: الخراج والعشور، كما امتد اهتمامه إلى "الضريبة" باعتبارها مصطلحا يختص به النظام المالي الوضعي، غير أنه يخضعها للدراسة في ضوء النظامين الماليين: الإسلامي والوضعي، ليخرج بحكمه البات: (أن مصطلح الضريبة لا يشبه ما جاء في مصطلحات العشور، أو الخراج، أو الزكاة، لذلك لا يمكن أن نطلق على هذه المصطلحات، كلمة ضريبة).
لكن هذا لا ينفي أن فقهاء المسلمين تحدثوا عن مصطلح "التوظيف"، وهو ما يتحقق في أن يلزم الحاكم القادرين من المسلمين ماليا، بدفع مبالغ معينة لأغراض معينة مشروعة. وقد استطاع الكاتب أن يحسم الخلاف ـ من وجهة نظره ـ بين من تحفظ من العلماء على مصطلح "الضريبة" ورأى الاكتفاء بـ "التوظيف" لمدلوله الصحيح، وبين من أجاز استخدام مصطلح "الضريبة"، فرأى أنه يمكن الجمع بين الرأيين باستخدام مصطلح "الضريبة الإسلامية" خروجا من الخلاف.
ولقد أشار الكتاب إلى أن مراعاة العدل شرط من شروط فرض "التوظيف" في وضعه وفي توزيع أعبائه. ويمتد اقتران العدل والمساواة وهما من خصائص الإسلام إلى عالمنا المعاصر عندما تعمل الدول على وضع سياسة ضريبية لها، تعمل على تحقيق أغراضها الاقتصادية والاجتماعية ضمن قواعد قانونية ضريبية يجب على المشرع أن يراعيها في الفكر المالي الوضعي، هذه القواعد التي وضعها مؤسس علم الاقتصاد الكلاسيكي وأحد رواد الاقتصاد السياسي: "آدم سميث"، الذي سبقه الإسلام في وضعها قبل ظهوره بعشرة قرون.
تناول الدكتور المصري مدى تحقق العدالة في قواعد سميث، وهي: العدالة والمساواة، واليقين، والاقتصاد، والملاءمة، كما بين مدى تحققها في القواعد الإسلامية، وهي: العدالة والمساواة، والمبنية على مبادئ ثلاث، هي: العمومية، والوحدة، والكفاءة في التطبيق. وقاعدة اليقين أو التحديد، وقاعدة الملاءمة، وقاعدة الاقتصاد.
على الرغم من كثرة الكتب والدراسات الأكاديمية التي تناولت مثل موضوع الكتاب ـ الذي بين أيدينا ـ من زوايا متباينة إلا أن هذا الكتاب فيه من أنفاس كاتبه وجهده الشيء الكثير؛ فقد أنفق جُلَّ عمره في الدعوة إلى الله تعالى، والوقوف على معالم السيرة النبوية بالشرح والتفصيل والتأصيل، حيث شهدت له المنابر وساحات العلم ومنتدياتها حضوره الدائم على مدى عقود من الزمن، ولهذا جاء كتابه بقدر ما خبر من الإحاطة بنظام الضريبة، وتشريع الزكاة في الإسلام ليس لكونها شعيرة تعبدية فقط، ولا لكونها مصدرًا لجباية أموال المسلمين من الأغنياء أو من بلغ ماله النصاب الذي تجب فيه الزكاة خلال العام الهجري، بل لأنها أيضا تؤدي دورًا هامًا في الدولة الإسلامية، كما أنها لا تماثل كافة المؤسسات المالية الحديثة البديلة ولا تقوم مقام الزكاة بأي حال.
كما أن الاهتمام بدور الزكاة في تحقيق العدالة له أثره الهام في ترسيخ نظريتي التكافل الاجتماعي والإخاء الشامل للأخوة في العقيدة والإنسانية، مما سيؤدي إلى عدم التحايل في التهرب من دفع الضرائب أو الزكاة، غير أن الزكاة مضمونة الأداء كاملة طاعة لله تعالى، وتعمل أحكامها على مقاومة انتشار هذا التهرب وصوره مما يعرف بالراجعية، من خلال النهي عنه، والوقاية منه، وردع من يرتكب مثل هذا التصرف المشين الذي يخل بعدالة توزيع الزكاة.
وسأضيف من عندي مما لم يذكره الكتاب عواقب عدم تحقيق العدالة الضريبية الشاملة، على النظام الضريبي ككل، وليس على نطاق كل ضريبة على حدة، ومنها: زيادة وتنوع طرق التحايل من أجل التهرب من سداد الضريبة المقررة من بعض الممولين، وثانيا: تنامي السخط العام الذي يؤدي لخروج بعض فئات من الشعب في مظاهرات ما تلبث أن تنقلب لثورات، مثل ثورات الربيع العربي وكان أحد مطالبها تطبيق العدالة، وهو ما سـعت له الدولـة عـن طريـق تطبيـق حزمـة مـن السياسـات الاقتصاديـة كان مـن أبرزهـا إنهـاء سياسـة ضرائـب الدخـل الموحـدة التـي تسـاوي فـي العـبء الضريبـي بيـن أصحـاب الدخـول المتواضعـة وكبـار رجـال الأعمـال.
ولقد تعرض الكاتب لمفهوم العدل الاجتماعي في الإسىلام، مبينا أن تلك العدالة في الإسلام تمثل قيمة مطلقة وليست نسبية، وأنها واجبة الالتزام دائما، وهنا تفارق المساواة العدالة عند التطبيق؛ لأن إطلاق المساواة وتعميمها سيخل بتكوين المجتمع الذي جعل عماده التوزيع الهرمي، والتنوع في الخبرات، لتسير عجلة الحياة بهذا التنوع والتمايز، وأن تحقيق العدل الاجتماعي من المنظور الإسلامي لا يستند إلى القهر والمصادرة أو التأميم، لكونه ينافي احترام الإسلام للملكية الخاصة وحمايتها، ووسيلته لهذا الاستناد على منهجه التربوي النفسي الداعم لتخليص النفس البشرية من الشح والبخل وعبودية المال، مع اعترافه بالفروق الفردية بين الناس في المواهب والقدرات، والتفاوت المشروع بينهم في الثراء المشروع كما يرى المؤلف.
على أن دراستي تلك مهما بالغتُ فيها من الإحاطة بمضمون الكتاب لا تفي بما فيه من فرائد وفوائد، ولعل إطلالة على عناوين المطالب لتدل دلالة كافية على ما أشرتُ إليه من جهد الكاتب والباحث، الذي نجح ـ بامتياز ـ في الإفلات من أكاديمية العبارات الجافة، والإحالة على التفاصيل الفقهية الدقيقة، إلى خلق كتاب هو أقرب للقارئ المهتم منه إلى القارئ المتخصص ويجد كل منهما ـ مع هذا ـ بُغيته دون نقصٍ أو تسطيح، في عبارةٍ جزلةٍ سهلة، مع إيراد للأدلة والبراهين التي زاوجت بين النقل والعقل في سلاسة.
ولعل من سيطالع النتائج والتوصيات سيعلم أن الكاتب قد بذل جهدًا كبيرًا في إمكانية تطبيق ما جاء بكتابه في واقع المجتمع الإسلامي المعاصر، بل بين دور الزكاة في جانبها الشرعي وجانبها المالي والاجتماعي في الإسلام وارتباطها بالعقيدة والإيمان وأن مصدرها رباني نزل مؤيدًا بالوحي في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وأن للزكاة شق تعبدي شرعي وشق اجتماعي لا ينفصلان ولا يتضادان لأن الغاية منهما واحدة وهي الضمان الاجتماعي طبقا للأخوة الإيمانية التي توجب التكافل، كما بين أن الضريبة لا تغني عن الزكاة غير أن فرض الضريبة بشري، أما فرض الزكاة فإلهي وهو ما يوجب الكمال للزكاة.
هذا كتاب ماتع رائع، حاول فيه كاتبه أن يجعله سياحة فكرية فقهية مالية اقتصادية اجتماعية تعبدية، وازن فيه بين أقوال الفقهاء من القدامى والمحدثين، وأقوال المعاصرين من أهل التخصص في النظام الضريبي المعاصر، وقد جاءت المراجع شاهدة على هذا في مصادرها وكتبها ودراساتها التي ارتكز عليها الكتاب لتشهد بمقدار ما بذل الدكتور محمد المصري من جهد وجب توجيه الشكر والثناء له مِنَّا، والثواب الجزيل من المولى تعالى قبلنا، ونفع الله به وبعلمه الناس كافة.
غير أن الإنسان مادي بطبيعته وربما اقتصر همه، وبذل قصارى جهده، وغالب عمره في جمع الثروات، والسعي وراء الشهوات دون بلوغ الغايات، فكانت الرسالة الخاتمة التي أرسل الله تعالى بها رسول من جنس البشر ـ محمد صلى الله عليه وسلم ـ برسالة إلهية من رب البشر إلى البشر ليبلغوا به ومعه منتهى السعادة الحقة التي يجدونها في هذا الدين الذي يرعى مصالح الإنسانية ويعلم حاجاتها، ذلك أن الإسلام لا تتناقض فيه الربانية مع الإنسانية؛ فالإنسان مخلوق ذو مكانة خاصة، وهو أكرم المخلوقات على الله، ولذا أرسى الإسلام مبدأ "الإخاء البشري" الذي يستند إلى مفاهيم الحرية والمساواة والعدالة.
ولعل هذا ما دفع الدكتور محمد علي المصري لأن يكتب كتابه المكون من ثلاثة فصول، بعنوان: "النظام الضريبي في الإسلام ودوره في تحقيق العدالة"، تناول في الفصل الأول: "الضريبة في الفكر المالي الإسلامي"، وتلاه بالفصل الثاني، وعنوانه: "قواعد العدالة بين الفكر المالي الوضعي والفكر الإسلامي"، ثم اختتم بالفصل الثالث وعنوانه: "العدالة الاجتماعية بين الضريبة والزكاة". وقد ضمت هذه الفصول عددًا من المباحث التي تفرع عنها عددا من المطالب، هذا عدا المقدمة والنتائج والتوصيات، وعددًا من التمهيدات التي أوردها الكاتب في أغلب مباحث الكتاب وفصوله.
ومعا نتتبعُ العدالةَ عبر فصول هذا الكتاب القيم التي يراها الكاتب أنها تعني مراعاة المساواة وعدم التفرقة، أي مراعاتها في مجال الحقوق، وهي من لوازم العدل، وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه، فيعلم الفرد أن له حقًا وعليه واجب يجب الالتزم به. ولهذا كان العدل ـ من خلال الرؤية الإسلامية ـ أحد أصول الدين، سواء أكان عدلا تشريعيا أو أخلاقيا، أو اجتماعيا. ومن نواتج تطبيقه نشر الأمان المجتمعي، وتوثيق أواصر المعاملات، وتأثيره الاقتصادي.
وقد اهتم الكاتب بالعدالة الاجتماعية وتجلياتها في فريضة الزكاة باعتبارها المورد الأساسي في النظام المالي للإسلام، وما ينبثق عن هذا النظام غير الزكاة: الخراج والعشور، كما امتد اهتمامه إلى "الضريبة" باعتبارها مصطلحا يختص به النظام المالي الوضعي، غير أنه يخضعها للدراسة في ضوء النظامين الماليين: الإسلامي والوضعي، ليخرج بحكمه البات: (أن مصطلح الضريبة لا يشبه ما جاء في مصطلحات العشور، أو الخراج، أو الزكاة، لذلك لا يمكن أن نطلق على هذه المصطلحات، كلمة ضريبة).
لكن هذا لا ينفي أن فقهاء المسلمين تحدثوا عن مصطلح "التوظيف"، وهو ما يتحقق في أن يلزم الحاكم القادرين من المسلمين ماليا، بدفع مبالغ معينة لأغراض معينة مشروعة. وقد استطاع الكاتب أن يحسم الخلاف ـ من وجهة نظره ـ بين من تحفظ من العلماء على مصطلح "الضريبة" ورأى الاكتفاء بـ "التوظيف" لمدلوله الصحيح، وبين من أجاز استخدام مصطلح "الضريبة"، فرأى أنه يمكن الجمع بين الرأيين باستخدام مصطلح "الضريبة الإسلامية" خروجا من الخلاف.
ولقد أشار الكتاب إلى أن مراعاة العدل شرط من شروط فرض "التوظيف" في وضعه وفي توزيع أعبائه. ويمتد اقتران العدل والمساواة وهما من خصائص الإسلام إلى عالمنا المعاصر عندما تعمل الدول على وضع سياسة ضريبية لها، تعمل على تحقيق أغراضها الاقتصادية والاجتماعية ضمن قواعد قانونية ضريبية يجب على المشرع أن يراعيها في الفكر المالي الوضعي، هذه القواعد التي وضعها مؤسس علم الاقتصاد الكلاسيكي وأحد رواد الاقتصاد السياسي: "آدم سميث"، الذي سبقه الإسلام في وضعها قبل ظهوره بعشرة قرون.
تناول الدكتور المصري مدى تحقق العدالة في قواعد سميث، وهي: العدالة والمساواة، واليقين، والاقتصاد، والملاءمة، كما بين مدى تحققها في القواعد الإسلامية، وهي: العدالة والمساواة، والمبنية على مبادئ ثلاث، هي: العمومية، والوحدة، والكفاءة في التطبيق. وقاعدة اليقين أو التحديد، وقاعدة الملاءمة، وقاعدة الاقتصاد.
على الرغم من كثرة الكتب والدراسات الأكاديمية التي تناولت مثل موضوع الكتاب ـ الذي بين أيدينا ـ من زوايا متباينة إلا أن هذا الكتاب فيه من أنفاس كاتبه وجهده الشيء الكثير؛ فقد أنفق جُلَّ عمره في الدعوة إلى الله تعالى، والوقوف على معالم السيرة النبوية بالشرح والتفصيل والتأصيل، حيث شهدت له المنابر وساحات العلم ومنتدياتها حضوره الدائم على مدى عقود من الزمن، ولهذا جاء كتابه بقدر ما خبر من الإحاطة بنظام الضريبة، وتشريع الزكاة في الإسلام ليس لكونها شعيرة تعبدية فقط، ولا لكونها مصدرًا لجباية أموال المسلمين من الأغنياء أو من بلغ ماله النصاب الذي تجب فيه الزكاة خلال العام الهجري، بل لأنها أيضا تؤدي دورًا هامًا في الدولة الإسلامية، كما أنها لا تماثل كافة المؤسسات المالية الحديثة البديلة ولا تقوم مقام الزكاة بأي حال.
كما أن الاهتمام بدور الزكاة في تحقيق العدالة له أثره الهام في ترسيخ نظريتي التكافل الاجتماعي والإخاء الشامل للأخوة في العقيدة والإنسانية، مما سيؤدي إلى عدم التحايل في التهرب من دفع الضرائب أو الزكاة، غير أن الزكاة مضمونة الأداء كاملة طاعة لله تعالى، وتعمل أحكامها على مقاومة انتشار هذا التهرب وصوره مما يعرف بالراجعية، من خلال النهي عنه، والوقاية منه، وردع من يرتكب مثل هذا التصرف المشين الذي يخل بعدالة توزيع الزكاة.
وسأضيف من عندي مما لم يذكره الكتاب عواقب عدم تحقيق العدالة الضريبية الشاملة، على النظام الضريبي ككل، وليس على نطاق كل ضريبة على حدة، ومنها: زيادة وتنوع طرق التحايل من أجل التهرب من سداد الضريبة المقررة من بعض الممولين، وثانيا: تنامي السخط العام الذي يؤدي لخروج بعض فئات من الشعب في مظاهرات ما تلبث أن تنقلب لثورات، مثل ثورات الربيع العربي وكان أحد مطالبها تطبيق العدالة، وهو ما سـعت له الدولـة عـن طريـق تطبيـق حزمـة مـن السياسـات الاقتصاديـة كان مـن أبرزهـا إنهـاء سياسـة ضرائـب الدخـل الموحـدة التـي تسـاوي فـي العـبء الضريبـي بيـن أصحـاب الدخـول المتواضعـة وكبـار رجـال الأعمـال.
ولقد تعرض الكاتب لمفهوم العدل الاجتماعي في الإسىلام، مبينا أن تلك العدالة في الإسلام تمثل قيمة مطلقة وليست نسبية، وأنها واجبة الالتزام دائما، وهنا تفارق المساواة العدالة عند التطبيق؛ لأن إطلاق المساواة وتعميمها سيخل بتكوين المجتمع الذي جعل عماده التوزيع الهرمي، والتنوع في الخبرات، لتسير عجلة الحياة بهذا التنوع والتمايز، وأن تحقيق العدل الاجتماعي من المنظور الإسلامي لا يستند إلى القهر والمصادرة أو التأميم، لكونه ينافي احترام الإسلام للملكية الخاصة وحمايتها، ووسيلته لهذا الاستناد على منهجه التربوي النفسي الداعم لتخليص النفس البشرية من الشح والبخل وعبودية المال، مع اعترافه بالفروق الفردية بين الناس في المواهب والقدرات، والتفاوت المشروع بينهم في الثراء المشروع كما يرى المؤلف.
على أن دراستي تلك مهما بالغتُ فيها من الإحاطة بمضمون الكتاب لا تفي بما فيه من فرائد وفوائد، ولعل إطلالة على عناوين المطالب لتدل دلالة كافية على ما أشرتُ إليه من جهد الكاتب والباحث، الذي نجح ـ بامتياز ـ في الإفلات من أكاديمية العبارات الجافة، والإحالة على التفاصيل الفقهية الدقيقة، إلى خلق كتاب هو أقرب للقارئ المهتم منه إلى القارئ المتخصص ويجد كل منهما ـ مع هذا ـ بُغيته دون نقصٍ أو تسطيح، في عبارةٍ جزلةٍ سهلة، مع إيراد للأدلة والبراهين التي زاوجت بين النقل والعقل في سلاسة.
ولعل من سيطالع النتائج والتوصيات سيعلم أن الكاتب قد بذل جهدًا كبيرًا في إمكانية تطبيق ما جاء بكتابه في واقع المجتمع الإسلامي المعاصر، بل بين دور الزكاة في جانبها الشرعي وجانبها المالي والاجتماعي في الإسلام وارتباطها بالعقيدة والإيمان وأن مصدرها رباني نزل مؤيدًا بالوحي في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وأن للزكاة شق تعبدي شرعي وشق اجتماعي لا ينفصلان ولا يتضادان لأن الغاية منهما واحدة وهي الضمان الاجتماعي طبقا للأخوة الإيمانية التي توجب التكافل، كما بين أن الضريبة لا تغني عن الزكاة غير أن فرض الضريبة بشري، أما فرض الزكاة فإلهي وهو ما يوجب الكمال للزكاة.
هذا كتاب ماتع رائع، حاول فيه كاتبه أن يجعله سياحة فكرية فقهية مالية اقتصادية اجتماعية تعبدية، وازن فيه بين أقوال الفقهاء من القدامى والمحدثين، وأقوال المعاصرين من أهل التخصص في النظام الضريبي المعاصر، وقد جاءت المراجع شاهدة على هذا في مصادرها وكتبها ودراساتها التي ارتكز عليها الكتاب لتشهد بمقدار ما بذل الدكتور محمد المصري من جهد وجب توجيه الشكر والثناء له مِنَّا، والثواب الجزيل من المولى تعالى قبلنا، ونفع الله به وبعلمه الناس كافة.