جمال زكى مقار هو - بحق - كاتب الجوائز فقلما يِصدر عمل له إلا ويحصد عنه جائزة ما ، حيث فاز بخمس جوائز عن أعماله منها جائزة الدولة التشجيعية عام 1998 وقد صدرت المتتالية القصصية رواية الدم فى 141 صفحة عن دار سعاد الصباح عام 1993 وفازت بجائزة نجيب محفوظ عن المجلس الأعلى للثقافة عام 1995 .
ولعل عنوان المتتالية القصصية أغنية الدم يشير إلى ثيمة المتتالية الرئيسية وهو الثأرالذى استغرق أربع قصص هى أغنية الدم وأغنية الموت وأغنية الرحيل وأغنية الثأر أى ما يقرب من ربع المتتالية بالإضافة إلى هاجس الثأر فى كثير من القصص الاخرى " .
تبدأ المتتالية القصصية بمقدمة من أقوال الكاتب الروسى نيقولاى جوجول " إن الأغانى هى مبعث سرورى ، هى حياتى ، كم أحبها ، إن كل أغنية هى قطعة من التاريخ الشعبى الحى الممتلئ بالروح ...." ويعلق الكاتب بأن هذا العمل محاولة لإستلهام غناء الصعيد ، إذن البناء القصصى للعمل قام على استلهام غناء الصعيد عبر اثنتى عشرة قصة ، وهى محاولة سردية غير تقليدية ، تتناول المتتالية الصراع بين الموت والحياة عبر ثيمة الثأر وسلسال الدم بين عائلتي الجمّيعية والشريّعية فى احدى قرى صعيد مصر وإن لم يحددها من خلال اثنتى عشرة قصة جعل عنوان كل قصة باسم أغنية ، تبدأ بأغنية الولد ثم تُختم بأغنية الثأر وتتخللها أغنيات تتناول كافة حياة القرية .
كان رضوان هو الشخصية الرئيسة فى المتتالية حيث بدأت القصة الأولى بانجابه ولدا من زوجته بدرية والتى أنجبت خمس بنات من قبل فكان انجابه مبعث سرور واحتفال مهيب استغرق عدة قصص من المتتالية ( الولد ، الايام السبعة ، السوق ، المطاهر ) ، حمل رضوان ثأر أبيه صغيرا وعندما شب أخذ بثأره فقتل السيد ثم قتل سالم الجميعى ثم كان مقتله ثأرا من عائلة الجميعية فى القصتين الأخيرتين أغنية الرحيل وأغنية الثأر.
أما الشخصية الثانية فهى وهيبة وقد أبدع الكاتب فى رسم شخصيتها بفنية واقتدار فهى جمرة الثأر فى عائلة الجميعية فقد ظلت تؤجج مشاعر زوجها سالم الجميعى للأخذ بثأر أخيها السيد حتى قُتل زوجها سالم ، ومضت تؤجج مشاعرعائلة الجميعية ضد رضوان حتى نجحوا أخيرا فى قتله ثأرا " إلا وهيبة فما استطاع الزمن من صبرها وإصرارها منالا فقد كان ثأرها صداقها . حين تزوجت سالم ساومته على ثأر أخيها ، فهو صداقها الذى لن تأخذه مالا أو كسوة أو كردانا فقبل ، ومرت الأيام أخذت تنفخ له فى الكير حتى أكل حقدهما قدرتهما على الإنجاب فلم يرزقا ولد أو بنتا ، ظلت تفح له وهو يمتلئ ويفرغ حتى جاء اليوم الذى ناله فيه رضوان ، لم يعد لها إلا أن تجلس إلى حقدها وكراهيتها تغذيها من لوعة قلبها حتى لا تنطفئ جذوتها فيه "ص110 وهو تصوير بديع لنار الغل والحقد حتى صح في تصويرها بما يسمى جمالية القبح .
أما الشخصية الثالثة فهما جابر وفاطمة فى أغنية العشق فهما نسمة الهواء فى هجيرهذه القرية ونقطة الضوء فى ظلام الموت والثأر " قلب جابر أخضر ، أينعت فيه زهرة العشق فطاف بالليل الساجى ومر بين سنابل الفمح فراشة ضليلة صعدت وهبطت ، قفزت وحطت فوق بيت طينى واطئ ، حيث تجلس فاطمة رائقة الحسن ، خارجة من طست الاستحمام طرية وندية ، دلقت ماءه أمام الدار وقعدت تفوح منها رائحة فطر أنوثتها " ، وكان جابر "يتمايل مع نسائم الحب الذى يوقد النار فى الحنايا" ، عشق جابر فاطمة وأراد أن يتزوجها فرفضها عمه رضوان لفقرها وتواضع مستواها الاجتماعى وأمررضوان أبيها أن يتركا القرية إلى قرية آخرى ، قام جابر وفاطمة بالهروب إلى قرية مجاورة وصادفا أن التقيا بصياد كبيرالسن وامرأته المسنة فوجدا فيه ابنهما الغائب فعطفا عليهما وآوياهما وساعدوهما على الزواج ، عاد جابر إلى أهله حين علم بمقتل عمه رضوان إلا أنهم قابلوه بقسوة بالغة وحين تقدم بالعزاء إلى زوجة عمه " أحس بكلماتها ترتد إليه قاسية باردة كنصل سكين تنغرس فى قلبه " حتى أمه أنكرت معرفته ورفضت استقباله "لم تهتز ، قاومت كل نوازعها ، قبضت على قلبها باسنانها حتى لا يصرخ ولا يقفز متهللا فرحا " ص133 .
صورت المتتالية شخصيات وظيفية بالقرية مثل فوزية الداية تولد النساء رغم أنها لم ترزق بطفل(مفارقة ) تحجم البهائم تداوى الأطفال تجبر الأرجل والأيدى فهى مجمع خبرات وما خابت قط وصفتها إلا معها هى ، كما صورشخصية الحلاق (واكد المنياوى )بحقيبته الخشبية "عاش بينهم حلاقا ومزينا يحلق أقفيتهم ويزين وجوههم ويختن أطفالهم وله فى بعض أعمال الطب باع "ص63 ، كما صورت شخصية تتسم بالخرافة وتدعى الجنون فى أغنية الراهب وهو رجل يسكن الجبل ويصدر صرخات وأصوات ملتاعة يطلب طعاما فيرتجفون منه ويعطونه الطعام " يهبط يدق الأبواب بل يزيحها بقدمه ، يرتمى ، يتمتم ، يطلب طعاما ، يأتونه بأيد مرتجفة ، ترمقه العيون وهو يلتهم الطعام فى نهم ، يقف بقامته المديدة النحيلة ولحيته المصفرة يطلق صرخته فيرتج المكان ... صار جزءا من عالمهم المملوء بالوهم والخرافة "ص56
حفلت المتتالية بكثير من التقنيات الرفيعة والتى أسهمت بالإرتقاء بفنيتها ، فالشخصيات تم تصويرها بطريقة فنيه أشبه برسم البورتريه منها شخصية المجنون ساكن الجبل السابق ذكرها ، كذلك عندما تقارن وهيبة بين زوجها وبين رضوان " قارنت بينهما .. سالم النحيف القمئ العدمان يابس العود كشريط الوناسة التى بلا زيت ، ورضوان الوحش الغبى الضارى برقبته الغليظة كجذوع شجر الجميز " ، وفى وصف وجه وهيبة " نظر إليها رأى وجهها قاسيا لم يعرف الفرحة من زمن " ص28
استخدم الكاتب تفنية الحلم حين رأى سالم الجميعى فى منامه عمه السيد المقتول مغتاظا ينظر إليه ، كذلك تقنية حلم اليقظة لسالم" يغرق فى حلمه برى رضوان مسجى بلا بلغة فى قدمه رأسه شج بفاس شجا وفمه مغروس فى الطين " ص27
جاءت المتتالية مفعمة بتصوير البيئة الريفية" سمعتا صرير جداجد الحقول ونقيق ذكور الضفادع ،مضتا تقطعان غابة النخيل ..جاءهما خوار البقر وثغاء الغنم وصياح الديكة "ص13 وهكذا على مدار المتتالية ، كما لم تحدد الزمان ومكان القرية ربما لدلالة استمرار هذه الاوضاع المشار إليها .
جاءت لغة المتتالية لغة تعبيرية بامتياز عبرت عن الفرح بالمولود وعبرت عن العشق والحب كما عبرت عن أزمة أهل المقتول ومدى الغيظ والحقد والألم على قاتليه فكانت لغة انفعالية ، كان السرد بلغة بسيطة لا تفاصح فيها ولا إسفاف أما الحوار فكان باللهجة الصعيدية المغرقة أحيانا فى المحلية مثلا قوله - ميتى أسمع عويلك على زوجتك ؟ / أنا متوخر بعدين نتكلم / ملاش مكان بينا يا جابر / بوك يا ولدى اتوخر .
اتسم السرد بالحركية والمشهدية فى كثير من مواضعه وكأنها مشاهد سينمائية ، ولعل من أكثر المشاهد عنفا وحركة وإثارة كانت فى قصة أغنية الموت ص84 و85 وهو مشهد العراك بين سالم ورضوان فى الجرن حيث انفردا كل منهما بالآخر بعيدا عن الناس فكان مشهدا عنيفا دمويا انتهى بمقتل سالم واصابة رضوان باصابات دموية حيث " أنشب أسنانه فى بز رضوان واقتلع لحمه ، صرخ رضوان من ثقبة الألم فى ضلوعه " وعاد رضوان إلى بيته وقام بكى جرح بعود الفرن وهوأحمرمن النيران ، وهو بلا شك من أشد المشاهد دموية وعنفا .
حفلت المتتالية بالمداعبة اللطيفة بين رضوان وزوجته حيث كانت تجهز للعشاء له فقالت عندما فهمت مرامه فى الحديث (اختشى يا راجل ياك لسه صغير) وهكذا الفن يجذب القارئ وينوع له من الأساليب ويرمى له بالمُلح للتخفيف عنه .
كانت الأغانى القروية جزءا من البناء السردى حيث كان السرد تقطعه بعض الأغنيات ثم يستمر مرة أخرى إلا أن بعض هذه الأغنيات كانت ركيكة وضعيفة وبعضها أضعف من الحدث الدرامى وهبط به فكان السرد أقوى من بعض تلك الاغانى التى كانت أشبه بالنظم فمثلا عند موت رضوان بعد عراك دامى رهيب وهم يحملون جثته تخلل السرد تلك الأغانى
ساعة الطلوع طلعوا ملامح عجبه / ساعة الرجوع رجعوا على خشبه
ساعة الطلوع طلعوا ملاح ملاح / ساعة الرجوع رجعوا على الألواح
انتهت المتتالية بصرخة بدرية زوجة رضوان إلى ابنها طالبة منه الثأر لأبيه " هو براجل وحماره براجل وفردة بلغته براجل فهمان ؟!
وكأنها دعوى لدورات الثأرالتى لاتُعرف لها بداية ولاتعرف لها نهاية .
رغم أن الثيمة الرئيسة بالمتتالية هى ثيمة الثأر والموت فهناك ثيمة الحياة هناك الإنجاب والاحتفال بالولد وعمل سبوع له وشراء جدى له من السوق ، وهناك العشق والحب والهروب من تلك البيئة الكئيبة المحرضة على الثأر، كذلك حفلت المتتالية باشارات خفية ترفض الدجل والشعوذة دون أية إشارة مباشرة وبذلك كانت المتتالية القصصية عملا فنيا وأدبيا بديعا عبر عن صراع الحياة والموت بالقرية المصرية بصعيد مصر .
ولعل عنوان المتتالية القصصية أغنية الدم يشير إلى ثيمة المتتالية الرئيسية وهو الثأرالذى استغرق أربع قصص هى أغنية الدم وأغنية الموت وأغنية الرحيل وأغنية الثأر أى ما يقرب من ربع المتتالية بالإضافة إلى هاجس الثأر فى كثير من القصص الاخرى " .
تبدأ المتتالية القصصية بمقدمة من أقوال الكاتب الروسى نيقولاى جوجول " إن الأغانى هى مبعث سرورى ، هى حياتى ، كم أحبها ، إن كل أغنية هى قطعة من التاريخ الشعبى الحى الممتلئ بالروح ...." ويعلق الكاتب بأن هذا العمل محاولة لإستلهام غناء الصعيد ، إذن البناء القصصى للعمل قام على استلهام غناء الصعيد عبر اثنتى عشرة قصة ، وهى محاولة سردية غير تقليدية ، تتناول المتتالية الصراع بين الموت والحياة عبر ثيمة الثأر وسلسال الدم بين عائلتي الجمّيعية والشريّعية فى احدى قرى صعيد مصر وإن لم يحددها من خلال اثنتى عشرة قصة جعل عنوان كل قصة باسم أغنية ، تبدأ بأغنية الولد ثم تُختم بأغنية الثأر وتتخللها أغنيات تتناول كافة حياة القرية .
كان رضوان هو الشخصية الرئيسة فى المتتالية حيث بدأت القصة الأولى بانجابه ولدا من زوجته بدرية والتى أنجبت خمس بنات من قبل فكان انجابه مبعث سرور واحتفال مهيب استغرق عدة قصص من المتتالية ( الولد ، الايام السبعة ، السوق ، المطاهر ) ، حمل رضوان ثأر أبيه صغيرا وعندما شب أخذ بثأره فقتل السيد ثم قتل سالم الجميعى ثم كان مقتله ثأرا من عائلة الجميعية فى القصتين الأخيرتين أغنية الرحيل وأغنية الثأر.
أما الشخصية الثانية فهى وهيبة وقد أبدع الكاتب فى رسم شخصيتها بفنية واقتدار فهى جمرة الثأر فى عائلة الجميعية فقد ظلت تؤجج مشاعر زوجها سالم الجميعى للأخذ بثأر أخيها السيد حتى قُتل زوجها سالم ، ومضت تؤجج مشاعرعائلة الجميعية ضد رضوان حتى نجحوا أخيرا فى قتله ثأرا " إلا وهيبة فما استطاع الزمن من صبرها وإصرارها منالا فقد كان ثأرها صداقها . حين تزوجت سالم ساومته على ثأر أخيها ، فهو صداقها الذى لن تأخذه مالا أو كسوة أو كردانا فقبل ، ومرت الأيام أخذت تنفخ له فى الكير حتى أكل حقدهما قدرتهما على الإنجاب فلم يرزقا ولد أو بنتا ، ظلت تفح له وهو يمتلئ ويفرغ حتى جاء اليوم الذى ناله فيه رضوان ، لم يعد لها إلا أن تجلس إلى حقدها وكراهيتها تغذيها من لوعة قلبها حتى لا تنطفئ جذوتها فيه "ص110 وهو تصوير بديع لنار الغل والحقد حتى صح في تصويرها بما يسمى جمالية القبح .
أما الشخصية الثالثة فهما جابر وفاطمة فى أغنية العشق فهما نسمة الهواء فى هجيرهذه القرية ونقطة الضوء فى ظلام الموت والثأر " قلب جابر أخضر ، أينعت فيه زهرة العشق فطاف بالليل الساجى ومر بين سنابل الفمح فراشة ضليلة صعدت وهبطت ، قفزت وحطت فوق بيت طينى واطئ ، حيث تجلس فاطمة رائقة الحسن ، خارجة من طست الاستحمام طرية وندية ، دلقت ماءه أمام الدار وقعدت تفوح منها رائحة فطر أنوثتها " ، وكان جابر "يتمايل مع نسائم الحب الذى يوقد النار فى الحنايا" ، عشق جابر فاطمة وأراد أن يتزوجها فرفضها عمه رضوان لفقرها وتواضع مستواها الاجتماعى وأمررضوان أبيها أن يتركا القرية إلى قرية آخرى ، قام جابر وفاطمة بالهروب إلى قرية مجاورة وصادفا أن التقيا بصياد كبيرالسن وامرأته المسنة فوجدا فيه ابنهما الغائب فعطفا عليهما وآوياهما وساعدوهما على الزواج ، عاد جابر إلى أهله حين علم بمقتل عمه رضوان إلا أنهم قابلوه بقسوة بالغة وحين تقدم بالعزاء إلى زوجة عمه " أحس بكلماتها ترتد إليه قاسية باردة كنصل سكين تنغرس فى قلبه " حتى أمه أنكرت معرفته ورفضت استقباله "لم تهتز ، قاومت كل نوازعها ، قبضت على قلبها باسنانها حتى لا يصرخ ولا يقفز متهللا فرحا " ص133 .
صورت المتتالية شخصيات وظيفية بالقرية مثل فوزية الداية تولد النساء رغم أنها لم ترزق بطفل(مفارقة ) تحجم البهائم تداوى الأطفال تجبر الأرجل والأيدى فهى مجمع خبرات وما خابت قط وصفتها إلا معها هى ، كما صورشخصية الحلاق (واكد المنياوى )بحقيبته الخشبية "عاش بينهم حلاقا ومزينا يحلق أقفيتهم ويزين وجوههم ويختن أطفالهم وله فى بعض أعمال الطب باع "ص63 ، كما صورت شخصية تتسم بالخرافة وتدعى الجنون فى أغنية الراهب وهو رجل يسكن الجبل ويصدر صرخات وأصوات ملتاعة يطلب طعاما فيرتجفون منه ويعطونه الطعام " يهبط يدق الأبواب بل يزيحها بقدمه ، يرتمى ، يتمتم ، يطلب طعاما ، يأتونه بأيد مرتجفة ، ترمقه العيون وهو يلتهم الطعام فى نهم ، يقف بقامته المديدة النحيلة ولحيته المصفرة يطلق صرخته فيرتج المكان ... صار جزءا من عالمهم المملوء بالوهم والخرافة "ص56
حفلت المتتالية بكثير من التقنيات الرفيعة والتى أسهمت بالإرتقاء بفنيتها ، فالشخصيات تم تصويرها بطريقة فنيه أشبه برسم البورتريه منها شخصية المجنون ساكن الجبل السابق ذكرها ، كذلك عندما تقارن وهيبة بين زوجها وبين رضوان " قارنت بينهما .. سالم النحيف القمئ العدمان يابس العود كشريط الوناسة التى بلا زيت ، ورضوان الوحش الغبى الضارى برقبته الغليظة كجذوع شجر الجميز " ، وفى وصف وجه وهيبة " نظر إليها رأى وجهها قاسيا لم يعرف الفرحة من زمن " ص28
استخدم الكاتب تفنية الحلم حين رأى سالم الجميعى فى منامه عمه السيد المقتول مغتاظا ينظر إليه ، كذلك تقنية حلم اليقظة لسالم" يغرق فى حلمه برى رضوان مسجى بلا بلغة فى قدمه رأسه شج بفاس شجا وفمه مغروس فى الطين " ص27
جاءت المتتالية مفعمة بتصوير البيئة الريفية" سمعتا صرير جداجد الحقول ونقيق ذكور الضفادع ،مضتا تقطعان غابة النخيل ..جاءهما خوار البقر وثغاء الغنم وصياح الديكة "ص13 وهكذا على مدار المتتالية ، كما لم تحدد الزمان ومكان القرية ربما لدلالة استمرار هذه الاوضاع المشار إليها .
جاءت لغة المتتالية لغة تعبيرية بامتياز عبرت عن الفرح بالمولود وعبرت عن العشق والحب كما عبرت عن أزمة أهل المقتول ومدى الغيظ والحقد والألم على قاتليه فكانت لغة انفعالية ، كان السرد بلغة بسيطة لا تفاصح فيها ولا إسفاف أما الحوار فكان باللهجة الصعيدية المغرقة أحيانا فى المحلية مثلا قوله - ميتى أسمع عويلك على زوجتك ؟ / أنا متوخر بعدين نتكلم / ملاش مكان بينا يا جابر / بوك يا ولدى اتوخر .
اتسم السرد بالحركية والمشهدية فى كثير من مواضعه وكأنها مشاهد سينمائية ، ولعل من أكثر المشاهد عنفا وحركة وإثارة كانت فى قصة أغنية الموت ص84 و85 وهو مشهد العراك بين سالم ورضوان فى الجرن حيث انفردا كل منهما بالآخر بعيدا عن الناس فكان مشهدا عنيفا دمويا انتهى بمقتل سالم واصابة رضوان باصابات دموية حيث " أنشب أسنانه فى بز رضوان واقتلع لحمه ، صرخ رضوان من ثقبة الألم فى ضلوعه " وعاد رضوان إلى بيته وقام بكى جرح بعود الفرن وهوأحمرمن النيران ، وهو بلا شك من أشد المشاهد دموية وعنفا .
حفلت المتتالية بالمداعبة اللطيفة بين رضوان وزوجته حيث كانت تجهز للعشاء له فقالت عندما فهمت مرامه فى الحديث (اختشى يا راجل ياك لسه صغير) وهكذا الفن يجذب القارئ وينوع له من الأساليب ويرمى له بالمُلح للتخفيف عنه .
كانت الأغانى القروية جزءا من البناء السردى حيث كان السرد تقطعه بعض الأغنيات ثم يستمر مرة أخرى إلا أن بعض هذه الأغنيات كانت ركيكة وضعيفة وبعضها أضعف من الحدث الدرامى وهبط به فكان السرد أقوى من بعض تلك الاغانى التى كانت أشبه بالنظم فمثلا عند موت رضوان بعد عراك دامى رهيب وهم يحملون جثته تخلل السرد تلك الأغانى
ساعة الطلوع طلعوا ملامح عجبه / ساعة الرجوع رجعوا على خشبه
ساعة الطلوع طلعوا ملاح ملاح / ساعة الرجوع رجعوا على الألواح
انتهت المتتالية بصرخة بدرية زوجة رضوان إلى ابنها طالبة منه الثأر لأبيه " هو براجل وحماره براجل وفردة بلغته براجل فهمان ؟!
وكأنها دعوى لدورات الثأرالتى لاتُعرف لها بداية ولاتعرف لها نهاية .
رغم أن الثيمة الرئيسة بالمتتالية هى ثيمة الثأر والموت فهناك ثيمة الحياة هناك الإنجاب والاحتفال بالولد وعمل سبوع له وشراء جدى له من السوق ، وهناك العشق والحب والهروب من تلك البيئة الكئيبة المحرضة على الثأر، كذلك حفلت المتتالية باشارات خفية ترفض الدجل والشعوذة دون أية إشارة مباشرة وبذلك كانت المتتالية القصصية عملا فنيا وأدبيا بديعا عبر عن صراع الحياة والموت بالقرية المصرية بصعيد مصر .
