إعداد وتقرير المحامي علي ابوحبله
شكلت زيارة الرئيس محمود عباس للصين مفصل تاريخي في تاريخ الصراع مع إسرائيل خاصة في ظل تغير موازين القوى وتعدد القوى القطبية ودخول الصين لاعب دولي على مسرح الأحداث الدولية ، بالرغم من تجاهل الصين عام 2002 في ظل إنشاء رباعيه دوليه لتحريك عملية السلام اثر تفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وضمّت روسيا وأميركا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة .
إلا أن بكين دأبت منذ ذلك التاريخ على إطلاق مبادرات سلمية متتابعة: اقتراح من خمس نقاط في مايو/ أيار 2003، وخطة من أربع نقاط في مايو/ أيار 2013، واقتراح من خمس نقاط في أغسطس/ آب 2014، وخطّة من أربع نقاط في أغسطس/ آب 2017، وخطّة من أربع نقاط في مايو/ آب 2021. وتتمحور جميعها حول وجوب إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ووقف النشاط الاستيطاني وضمان الأمن للجميع عبر مفاوضات وحوارات بناءة. وإذ يحسب لبكين حماستها لإقامة سلام عادل، وتمسّكها بالقرارات الدولية ذات العلاقة، إلا أنها لم تربط هذه المبادرات بجهد دبلوماسي مع الأطراف الدولية، وبالذات مع الولايات المتحدة، وهذه لم تسع إلى ضم الصين إلى أي جهد سياسي ودبلوماسي لشقّ الطريق نحو حلّ سياسي. وقد ردّت بكين على التجاهل الأميركي والغربي عموما بتجاهل مماثل، إذ أطلقت مبادراتها المتتالية بصورة منفردة، كما فصلت بطبيعة الحال بين الخلافات السياسية مع أميركا (وغيرها) تنامي المصالح الاقتصادية المشتركة.
نشطت الديبلوماسيه الصينية في الآونة الاخيره وبرزت معها الوساطة كإحدى الركائز الأساسية لأهداف وممارسات السياسة الخارجية الصينية، مع تعمد بكين وضع نفسها كصانعة سلام في منطقة الشرق الأوسط. وهذا يساعد الصين على ترسيخ الصورة المحلية والدولية المهتمة بإحلال السلام والاستقرار في المنطقة. وقد استمر هذا الاهتمام منذ منتصف القرن الماضي وإلى الآن بصورة أو بأخرى، ليصل إلى الوضع الحالي للعلاقات والقائم على موازنة حذرة بين مصالحها العالمية مع القوى الكبرى ودورها على الساحة العالمية في مجالات السياسة والاقتصاد والعسكر، ومصالحها الإقليمية واهتمامها بإقامة علاقات اقتصادية وعلمية وتكنولوجية حتى مع الكيان الصهيوني
قيام الصين بلعب دور في الشرق الأوسط يهدف لتحقيق مصالحها وبسط نفوذها للوصول إلى آسيا وتعد منطقة الشرق الأوسط وتحديدا بلاد الشام بوابة آسيا الغربية وهي محور الصراع بين الدول الكبرى للاستحواذ على المصالح والهيمنة والنفوذ على مقدرات آسيا الاقتصادية ومواردها الطبيعية ، وتعود رغبة الصين في لعب دور ما في الشرق الأوسط لاعتقادها أن مصالحها الكبيرة في المنطقة تتطلب منها تحركاً ما للحفاظ على الاستقرار وعدم الانحياز إلى أي طرف من أطراف الصراع العربي-الإسرائيلي، والقيام بدور ما في العثور على تسوية تخمد النزاعات في المنطقة.
وتتناقض السياسة الصينية مع سياسة الولايات المتحدة، المبنية على الهيمنة والتدخلات الخارجية في شؤون الدول ذات السيادة. وقد شرعت الصين في رسم صورة عالمية لها باعتبارها دولة "حيادية" و "مسئولة" منفتحة على جميع الأطراف لا تتدخل في الصراعات الإقليمية والشؤون الداخلية، وتكتفي بمراقبتها بحذر. وأصبحت تتبنى هذه الإستراتيجية بشكل مباشر منذ مشاركتها في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وذلك بسبب هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي، وحصولها على تفويض من جانب قواه الكبرى بالعمل على حل الصراع العربي-الإسرائيلي.
وأصبحت السياسة الصينية تجاه الصراعات الإقليمية، ومن ضمنها الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، أكثر انسجاماً مع سياسة المجتمع الدولي، ومنذ تولي الرئيس شي شينبينغ السلطة عام 2013، أصبحت الصين تلعب دورا فاعلا وملفتا في اقتراح خططٍ لإحلال السلام ودعم حق الفلسطينيين بتقرير المصير ودعم حل الدولتين. وعلى الرغم من السياسة التي دعمت فلسطين تاريخياً منذ "الحقبة الماوية"، حدّت العلاقات الاقتصادية بين الصين وكيان الاحتلال، الى حد كبير، الدعم الصيني المباشر للقضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وخصوصا بعد 1991. فاتجهت السياسة الصينية لتكون أكثر توازنا بين فرقاء الصراع وهو التوازن الذي تزايد منذ وصول الرئيس شي جين بينغ السلطة في 2013. وذلك بموجب أن الاقتصاد هو من أولويات الإستراتيجية الصينية لأهميته على الصعود الصيني المتزايد. فبرز تناقض بين تنامي الشراكات الاقتصادية مع " إسرائيل " ، ودعم حق الفلسطينيين. بشكل عام، بدأت الصين مند منتصف الثمانينيات تتراجع عن مواقفها المؤيدة علناً للدول العربية في صراعها مع الكيان الإسرائيلي، وذلك بالتحديد في عام 1985 عندما ألقى رئيس مجلس الدولة الصيني محاضرة في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) في بريطانيا، حيث اكتفى بالتصريح عن "تأييد الشعوب العربية ضد سياسة التوسع الإسرائيلي". وأتى ذلك في إطار بداية تراجع الصين عن مواقفها المؤيدة علناً للدول العربية في صراعها مع الكيان الصهيوني . ودعم هذا التوجه وزير الخارجية الصيني آنذاك عندما صرح بقوله: "إننا نؤيد المفاوضات السلمية التي تخدم الحل العادل والشامل لمشكلة الشرق الأوسط." هذا التطور في موقف الصين أصبح يمثل نهجاً مختلفاً عن النهج السابق، وأدى فيما بعد إلى إجراء اتصالات دبلوماسية بين الصين وإسرائيل، وصولاً إلى تبادل الاعتراف الدبلوماسي وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة في يناير 1992.
وعلى ضوء المقاربة الموقف الصيني في إطارات عدة. منها العلاقة التنافسية مع واشنطن، وتحركات الولايات المتحدة وحلفائها في ربوع آسيا، والتعاون الصيني-الإسرائيلي. بالإضافة الى التأويلات المتعلقة بتطور الموقف الصيني من القضية الفلسطينية؛ ما يؤهلها لتكون لاعباً فعلياً في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وعليه، يمكن القول إن إعادة طرح الموقف الصيني من القضية الفلسطينية كان من أهم النتائج الإستراتيجية والدولية التي أفرزتها زيارة الرئيس محمود عباس للصين وتعد تاريخيه بكل المقاييس
تؤمن الصين، وبحسب تصريحات مسئوليها، بأنه لا أمن ولا استقرار في الشرق الأوسط ما لم يتمّ حلّ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وأن الشعب الفلسطيني يعاني الظلم وليس من العدل الاستمرار في هذه المعاناة. ففي خطابه الذي ألقاه خلال القمة الصينية العربية التي عقدت في الرياض أواخر العام الماضي أعرب الرئيس الصيني عن استيائه من الظلم الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني، وأنه لا يمكن الاستمرار في هذه المعاناة إلى أجل غير مسمّى. وخلال لقاء الرئيس الصيني بالرئيس محمود عباس في زيارته لبكين أعاد الرئيس شي التشديد على معاناة الشعب الفلسطيني ودعم الصين للقضية الفلسطينية.
إن رغبة بكين في إيجاد حل لـ "الصراع" الفلسطيني الإسرائيلي ليست بجديدة، فهي قد عرضت مساعيها لتسهيل المباحثات بين الجانبين خلال السنوات الماضية، فقد عقدت عدة مباحثات استكشافية حول النزاع في أعوام 2003 و2006 و2013 و2017 وتمحورت جميعها حول وجوب إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967، ووقف النشاط الاستيطاني وضمان الأمن للجميع عبر مفاوضات وحوارات بنّاءة واحترام الوضع التاريخي الراهن للأماكن المقدسة في القدس. وأضيف إليها في العام 2017 "تعزيز السلام" من خلال التنمية الاقتصادية بين "إسرائيل" وفلسطين. وأعادت مبادرة الرئيس الصيني مؤخّراً ما تضمنته المبادرات الصينية السابقة نفسها.
ورغم أن فرص الصين لتكون لاعب في التوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين تبدوا ضئيلة وتدرك بكين ذلك جيداً. وعلى الرغم من ذلك فقد أعلنت مبادرتها لتسوية القضية الفلسطينية. فهي من ناحية ترغب في أن يكون لها دور أكبر في الشرق الأوسط وتأمين الأمن والاستقرار لتحقيق مكاسب اقتصادية، ولا سيما بعد عودة العلاقات بين السعودية وإيران، ومن ناحية أخرى تعتبر المبادرة تحدياً للولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر نفسها الراعية الوحيدة للمفاوضات المتعلقة بالقضية الفلسطينية والتي لم تأتِ بأي نتيجة وهي معلّقة منذ العام 2013، وربما يشكّل دخول بكين الآن على خط المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية وسيلة ضغط على واشنطن لاستئناف المحادثات بين طرفي النزاع.
وفي إطار آخر، لا تريد "إسرائيل" أن تكون الصين هي راعية المفاوضات بينها وبين فلسطين بل الولايات المتحدة الأميركية. فالأخيرة حليفة "إسرائيل" وتقف إلى جانبها في المحادثات بينما الصين طرف محايد وعادل. كما أنه ليس من مصلحة "تل أبيب" أن يكون لبكين نفوذ أكبر من واشنطن في الشرق الأوسط لأنه يضرّ بمصالحها في المنطقة. وقبول "إسرائيل" بالوساطة الصينية سيضرّ بالعلاقات الإسرائيلية الأميركية خاصة أن الصين هي المنافس الاستراتيجي لأميركا وسبق لواشنطن أن مارست ضغوطات على "تل أبيب" للابتعاد عن الصين.
ولكن من المحتمل أن تقبل "إسرائيل" مبدئياً بالوساطة الصينية للضغط على الولايات المتحدة الأميركية ولا سيما في ظل فتور العلاقات بين الرئيس بايدن وبنيامين نتنياهو وامتناع الرئيس الأميركي عن توجيه دعوة لنتنياهو لزيارة أميركا حتى الآن، والمفاوضات التي تجريها واشنطن مع طهران حول الملف النووي الإيراني.
بقراءة متأنية ومعرفة ما بين السطور يعد التوازن مفتاح نهج الصين تجاه " إسرائيل " / فلسطين. مع إبقاء باب الدبلوماسية مفتوحًا، بحيث تقدم بكين موقفًا لا يمكن أن يرفضه الإسرائيليون ولا الفلسطينيون، بينما تنأى بنفسها بما يكفي عن أكثر الفصائل المؤيدة للصراع من كلا الطرفين.
-يقدر الفلسطينيون الخطاب الصيني المؤيد للفلسطينيين. لكن لا يمكنهم توقع إمكانية قيام الصين بالكثير مما يتجاوز إصدار خطاب شديد اللهجة أمام الهيئات الدولية. لا تقدم بكين للفلسطينيين سوى لغة الخطاب "المعيارية" - بسبب علاقاتها مع إسرائيل. فالبعد المادي للعلاقة الصينية الإسرائيلية أكثر قيمة [للصين] من ذلك مع الفلسطينيين، ويمكن القول إنه قيد على قدرة [بكين] أو رغبتها في أن تصبح وسيطًا أكثر نشاطًا في الانحياز للفلسطينيين. يُضاف أن معظم الإسرائيليين يتبنون وجهات نظر إيجابية تجاه الصين. لذلك، وعلى الرغم من خلافاتهم السياسية حول القضية الفلسطينية، فإن الصين لا تزال ترغب بالعمل مع الإسرائيليين.
المبادرة التي قدمها الرئيس الصيني شي جين بينغ في لقائه مع الرئيس محمود عباس تتضمن اقتراحا من ثلاث نقاط لتسوية القضية الفلسطينية، حيث أكد شي أن القضية الفلسطينية ظلت لأكثر من نصف قرن دون حل، ما تسبب في معاناة كبيرة للشعب الفلسطيني؛ يجب تحقيق العدالة لفلسطين في أسرع وقت ممكن.
أولا، يكمن الحل الأساسي للقضية في إقامة دولة فلسطين المستقلة التي تتمتع بسيادة كاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ثانيا، يتعين تلبية الحاجات الاقتصادية والمعيشية لفلسطين، ويحتاج المجتمع الدولي إلى تكثيف المساعدات الإنمائية والإنسانية لفلسطين.
ثالثا، من المهم الحفاظ على الاتجاه الصحيح لمحادثات السلام. يتعين احترام الوضع التاريخي الراهن للأماكن المقدسة في القدس، ويتعين تجنب الأقوال والأفعال المفرطة والاستفزازية.
ويتعين عقد مؤتمر سلام دولي واسع النطاق وأكثر موثوقية وتأثيرا من أجل تهيئة الظروف لاستئناف محادثات السلام والإسهام بجهود ملموسة لمساعدة فلسطين وإسرائيل على العيش بسلام، حسبما قال.
وأوضح أن "الصين مستعدة للعب دور إيجابي لمساعدة فلسطين في تحقيق المصالحة الداخلية وتعزيز محادثات السلام". وقالت وسائل إعلام رسمية صينية، أن الرئيس شي جينبينغ جدد للرئيس الفلسطيني محمود عباس الأربعاء دعوته لتصبح فلسطين "عضوا كامل العضوية" في الأمم المتحدة. ، وقال شي خلال اجتماعه مع عباس في بكين إن "الصين تدعم فلسطين لتصبح دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة"، وفق ما نقلت إذاعة سي سي تي في الصينية الرسمية.
هناك إجماع فلسطيني وعربي ودولي أن للصين دورا مهم قد تلعبه في منطقة غرب آسيا، وفيما يخص القضية الفلسطينية بشكل خاص. وحسب مستجدات المواقف الصينية على ضوء نتائج ما تمخضت عنه زيارة الرئيس محمود عباس وإطلاق الصين لمبادرتها تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهذا يتطلب تحرك صيني على كافة المستويات لوضع المبادرة الصينية على أجندة العمل الدولية وإكسابها زخم دولي قابل للتنفيذ ويقود حقا لخلط الأوراق .
هناك بوادر لدور صيني أوسع وأعمق في قضايا الشرق الأوسط لا تزال في بداياتها المبكرة، ولا يمكن التعويل عليها في تحقيق اختراق يستحق الذكر، وإن كان تغير موقفها تجاه الاحتلال الإسرائيلي قد ينعكس على الأقل بحرمانه من تطوير التعاون الأمني مع دولة عملاقة كالصين تهيمن على شبكة تجارية متنامية
شكلت زيارة الرئيس محمود عباس للصين مفصل تاريخي في تاريخ الصراع مع إسرائيل خاصة في ظل تغير موازين القوى وتعدد القوى القطبية ودخول الصين لاعب دولي على مسرح الأحداث الدولية ، بالرغم من تجاهل الصين عام 2002 في ظل إنشاء رباعيه دوليه لتحريك عملية السلام اثر تفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وضمّت روسيا وأميركا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة .
إلا أن بكين دأبت منذ ذلك التاريخ على إطلاق مبادرات سلمية متتابعة: اقتراح من خمس نقاط في مايو/ أيار 2003، وخطة من أربع نقاط في مايو/ أيار 2013، واقتراح من خمس نقاط في أغسطس/ آب 2014، وخطّة من أربع نقاط في أغسطس/ آب 2017، وخطّة من أربع نقاط في مايو/ آب 2021. وتتمحور جميعها حول وجوب إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ووقف النشاط الاستيطاني وضمان الأمن للجميع عبر مفاوضات وحوارات بناءة. وإذ يحسب لبكين حماستها لإقامة سلام عادل، وتمسّكها بالقرارات الدولية ذات العلاقة، إلا أنها لم تربط هذه المبادرات بجهد دبلوماسي مع الأطراف الدولية، وبالذات مع الولايات المتحدة، وهذه لم تسع إلى ضم الصين إلى أي جهد سياسي ودبلوماسي لشقّ الطريق نحو حلّ سياسي. وقد ردّت بكين على التجاهل الأميركي والغربي عموما بتجاهل مماثل، إذ أطلقت مبادراتها المتتالية بصورة منفردة، كما فصلت بطبيعة الحال بين الخلافات السياسية مع أميركا (وغيرها) تنامي المصالح الاقتصادية المشتركة.
نشطت الديبلوماسيه الصينية في الآونة الاخيره وبرزت معها الوساطة كإحدى الركائز الأساسية لأهداف وممارسات السياسة الخارجية الصينية، مع تعمد بكين وضع نفسها كصانعة سلام في منطقة الشرق الأوسط. وهذا يساعد الصين على ترسيخ الصورة المحلية والدولية المهتمة بإحلال السلام والاستقرار في المنطقة. وقد استمر هذا الاهتمام منذ منتصف القرن الماضي وإلى الآن بصورة أو بأخرى، ليصل إلى الوضع الحالي للعلاقات والقائم على موازنة حذرة بين مصالحها العالمية مع القوى الكبرى ودورها على الساحة العالمية في مجالات السياسة والاقتصاد والعسكر، ومصالحها الإقليمية واهتمامها بإقامة علاقات اقتصادية وعلمية وتكنولوجية حتى مع الكيان الصهيوني
قيام الصين بلعب دور في الشرق الأوسط يهدف لتحقيق مصالحها وبسط نفوذها للوصول إلى آسيا وتعد منطقة الشرق الأوسط وتحديدا بلاد الشام بوابة آسيا الغربية وهي محور الصراع بين الدول الكبرى للاستحواذ على المصالح والهيمنة والنفوذ على مقدرات آسيا الاقتصادية ومواردها الطبيعية ، وتعود رغبة الصين في لعب دور ما في الشرق الأوسط لاعتقادها أن مصالحها الكبيرة في المنطقة تتطلب منها تحركاً ما للحفاظ على الاستقرار وعدم الانحياز إلى أي طرف من أطراف الصراع العربي-الإسرائيلي، والقيام بدور ما في العثور على تسوية تخمد النزاعات في المنطقة.
وتتناقض السياسة الصينية مع سياسة الولايات المتحدة، المبنية على الهيمنة والتدخلات الخارجية في شؤون الدول ذات السيادة. وقد شرعت الصين في رسم صورة عالمية لها باعتبارها دولة "حيادية" و "مسئولة" منفتحة على جميع الأطراف لا تتدخل في الصراعات الإقليمية والشؤون الداخلية، وتكتفي بمراقبتها بحذر. وأصبحت تتبنى هذه الإستراتيجية بشكل مباشر منذ مشاركتها في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وذلك بسبب هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي، وحصولها على تفويض من جانب قواه الكبرى بالعمل على حل الصراع العربي-الإسرائيلي.
وأصبحت السياسة الصينية تجاه الصراعات الإقليمية، ومن ضمنها الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، أكثر انسجاماً مع سياسة المجتمع الدولي، ومنذ تولي الرئيس شي شينبينغ السلطة عام 2013، أصبحت الصين تلعب دورا فاعلا وملفتا في اقتراح خططٍ لإحلال السلام ودعم حق الفلسطينيين بتقرير المصير ودعم حل الدولتين. وعلى الرغم من السياسة التي دعمت فلسطين تاريخياً منذ "الحقبة الماوية"، حدّت العلاقات الاقتصادية بين الصين وكيان الاحتلال، الى حد كبير، الدعم الصيني المباشر للقضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وخصوصا بعد 1991. فاتجهت السياسة الصينية لتكون أكثر توازنا بين فرقاء الصراع وهو التوازن الذي تزايد منذ وصول الرئيس شي جين بينغ السلطة في 2013. وذلك بموجب أن الاقتصاد هو من أولويات الإستراتيجية الصينية لأهميته على الصعود الصيني المتزايد. فبرز تناقض بين تنامي الشراكات الاقتصادية مع " إسرائيل " ، ودعم حق الفلسطينيين. بشكل عام، بدأت الصين مند منتصف الثمانينيات تتراجع عن مواقفها المؤيدة علناً للدول العربية في صراعها مع الكيان الإسرائيلي، وذلك بالتحديد في عام 1985 عندما ألقى رئيس مجلس الدولة الصيني محاضرة في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) في بريطانيا، حيث اكتفى بالتصريح عن "تأييد الشعوب العربية ضد سياسة التوسع الإسرائيلي". وأتى ذلك في إطار بداية تراجع الصين عن مواقفها المؤيدة علناً للدول العربية في صراعها مع الكيان الصهيوني . ودعم هذا التوجه وزير الخارجية الصيني آنذاك عندما صرح بقوله: "إننا نؤيد المفاوضات السلمية التي تخدم الحل العادل والشامل لمشكلة الشرق الأوسط." هذا التطور في موقف الصين أصبح يمثل نهجاً مختلفاً عن النهج السابق، وأدى فيما بعد إلى إجراء اتصالات دبلوماسية بين الصين وإسرائيل، وصولاً إلى تبادل الاعتراف الدبلوماسي وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة في يناير 1992.
وعلى ضوء المقاربة الموقف الصيني في إطارات عدة. منها العلاقة التنافسية مع واشنطن، وتحركات الولايات المتحدة وحلفائها في ربوع آسيا، والتعاون الصيني-الإسرائيلي. بالإضافة الى التأويلات المتعلقة بتطور الموقف الصيني من القضية الفلسطينية؛ ما يؤهلها لتكون لاعباً فعلياً في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وعليه، يمكن القول إن إعادة طرح الموقف الصيني من القضية الفلسطينية كان من أهم النتائج الإستراتيجية والدولية التي أفرزتها زيارة الرئيس محمود عباس للصين وتعد تاريخيه بكل المقاييس
تؤمن الصين، وبحسب تصريحات مسئوليها، بأنه لا أمن ولا استقرار في الشرق الأوسط ما لم يتمّ حلّ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وأن الشعب الفلسطيني يعاني الظلم وليس من العدل الاستمرار في هذه المعاناة. ففي خطابه الذي ألقاه خلال القمة الصينية العربية التي عقدت في الرياض أواخر العام الماضي أعرب الرئيس الصيني عن استيائه من الظلم الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني، وأنه لا يمكن الاستمرار في هذه المعاناة إلى أجل غير مسمّى. وخلال لقاء الرئيس الصيني بالرئيس محمود عباس في زيارته لبكين أعاد الرئيس شي التشديد على معاناة الشعب الفلسطيني ودعم الصين للقضية الفلسطينية.
إن رغبة بكين في إيجاد حل لـ "الصراع" الفلسطيني الإسرائيلي ليست بجديدة، فهي قد عرضت مساعيها لتسهيل المباحثات بين الجانبين خلال السنوات الماضية، فقد عقدت عدة مباحثات استكشافية حول النزاع في أعوام 2003 و2006 و2013 و2017 وتمحورت جميعها حول وجوب إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967، ووقف النشاط الاستيطاني وضمان الأمن للجميع عبر مفاوضات وحوارات بنّاءة واحترام الوضع التاريخي الراهن للأماكن المقدسة في القدس. وأضيف إليها في العام 2017 "تعزيز السلام" من خلال التنمية الاقتصادية بين "إسرائيل" وفلسطين. وأعادت مبادرة الرئيس الصيني مؤخّراً ما تضمنته المبادرات الصينية السابقة نفسها.
ورغم أن فرص الصين لتكون لاعب في التوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين تبدوا ضئيلة وتدرك بكين ذلك جيداً. وعلى الرغم من ذلك فقد أعلنت مبادرتها لتسوية القضية الفلسطينية. فهي من ناحية ترغب في أن يكون لها دور أكبر في الشرق الأوسط وتأمين الأمن والاستقرار لتحقيق مكاسب اقتصادية، ولا سيما بعد عودة العلاقات بين السعودية وإيران، ومن ناحية أخرى تعتبر المبادرة تحدياً للولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر نفسها الراعية الوحيدة للمفاوضات المتعلقة بالقضية الفلسطينية والتي لم تأتِ بأي نتيجة وهي معلّقة منذ العام 2013، وربما يشكّل دخول بكين الآن على خط المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية وسيلة ضغط على واشنطن لاستئناف المحادثات بين طرفي النزاع.
وفي إطار آخر، لا تريد "إسرائيل" أن تكون الصين هي راعية المفاوضات بينها وبين فلسطين بل الولايات المتحدة الأميركية. فالأخيرة حليفة "إسرائيل" وتقف إلى جانبها في المحادثات بينما الصين طرف محايد وعادل. كما أنه ليس من مصلحة "تل أبيب" أن يكون لبكين نفوذ أكبر من واشنطن في الشرق الأوسط لأنه يضرّ بمصالحها في المنطقة. وقبول "إسرائيل" بالوساطة الصينية سيضرّ بالعلاقات الإسرائيلية الأميركية خاصة أن الصين هي المنافس الاستراتيجي لأميركا وسبق لواشنطن أن مارست ضغوطات على "تل أبيب" للابتعاد عن الصين.
ولكن من المحتمل أن تقبل "إسرائيل" مبدئياً بالوساطة الصينية للضغط على الولايات المتحدة الأميركية ولا سيما في ظل فتور العلاقات بين الرئيس بايدن وبنيامين نتنياهو وامتناع الرئيس الأميركي عن توجيه دعوة لنتنياهو لزيارة أميركا حتى الآن، والمفاوضات التي تجريها واشنطن مع طهران حول الملف النووي الإيراني.
بقراءة متأنية ومعرفة ما بين السطور يعد التوازن مفتاح نهج الصين تجاه " إسرائيل " / فلسطين. مع إبقاء باب الدبلوماسية مفتوحًا، بحيث تقدم بكين موقفًا لا يمكن أن يرفضه الإسرائيليون ولا الفلسطينيون، بينما تنأى بنفسها بما يكفي عن أكثر الفصائل المؤيدة للصراع من كلا الطرفين.
-يقدر الفلسطينيون الخطاب الصيني المؤيد للفلسطينيين. لكن لا يمكنهم توقع إمكانية قيام الصين بالكثير مما يتجاوز إصدار خطاب شديد اللهجة أمام الهيئات الدولية. لا تقدم بكين للفلسطينيين سوى لغة الخطاب "المعيارية" - بسبب علاقاتها مع إسرائيل. فالبعد المادي للعلاقة الصينية الإسرائيلية أكثر قيمة [للصين] من ذلك مع الفلسطينيين، ويمكن القول إنه قيد على قدرة [بكين] أو رغبتها في أن تصبح وسيطًا أكثر نشاطًا في الانحياز للفلسطينيين. يُضاف أن معظم الإسرائيليين يتبنون وجهات نظر إيجابية تجاه الصين. لذلك، وعلى الرغم من خلافاتهم السياسية حول القضية الفلسطينية، فإن الصين لا تزال ترغب بالعمل مع الإسرائيليين.
المبادرة التي قدمها الرئيس الصيني شي جين بينغ في لقائه مع الرئيس محمود عباس تتضمن اقتراحا من ثلاث نقاط لتسوية القضية الفلسطينية، حيث أكد شي أن القضية الفلسطينية ظلت لأكثر من نصف قرن دون حل، ما تسبب في معاناة كبيرة للشعب الفلسطيني؛ يجب تحقيق العدالة لفلسطين في أسرع وقت ممكن.
أولا، يكمن الحل الأساسي للقضية في إقامة دولة فلسطين المستقلة التي تتمتع بسيادة كاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ثانيا، يتعين تلبية الحاجات الاقتصادية والمعيشية لفلسطين، ويحتاج المجتمع الدولي إلى تكثيف المساعدات الإنمائية والإنسانية لفلسطين.
ثالثا، من المهم الحفاظ على الاتجاه الصحيح لمحادثات السلام. يتعين احترام الوضع التاريخي الراهن للأماكن المقدسة في القدس، ويتعين تجنب الأقوال والأفعال المفرطة والاستفزازية.
ويتعين عقد مؤتمر سلام دولي واسع النطاق وأكثر موثوقية وتأثيرا من أجل تهيئة الظروف لاستئناف محادثات السلام والإسهام بجهود ملموسة لمساعدة فلسطين وإسرائيل على العيش بسلام، حسبما قال.
وأوضح أن "الصين مستعدة للعب دور إيجابي لمساعدة فلسطين في تحقيق المصالحة الداخلية وتعزيز محادثات السلام". وقالت وسائل إعلام رسمية صينية، أن الرئيس شي جينبينغ جدد للرئيس الفلسطيني محمود عباس الأربعاء دعوته لتصبح فلسطين "عضوا كامل العضوية" في الأمم المتحدة. ، وقال شي خلال اجتماعه مع عباس في بكين إن "الصين تدعم فلسطين لتصبح دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة"، وفق ما نقلت إذاعة سي سي تي في الصينية الرسمية.
هناك إجماع فلسطيني وعربي ودولي أن للصين دورا مهم قد تلعبه في منطقة غرب آسيا، وفيما يخص القضية الفلسطينية بشكل خاص. وحسب مستجدات المواقف الصينية على ضوء نتائج ما تمخضت عنه زيارة الرئيس محمود عباس وإطلاق الصين لمبادرتها تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهذا يتطلب تحرك صيني على كافة المستويات لوضع المبادرة الصينية على أجندة العمل الدولية وإكسابها زخم دولي قابل للتنفيذ ويقود حقا لخلط الأوراق .
هناك بوادر لدور صيني أوسع وأعمق في قضايا الشرق الأوسط لا تزال في بداياتها المبكرة، ولا يمكن التعويل عليها في تحقيق اختراق يستحق الذكر، وإن كان تغير موقفها تجاه الاحتلال الإسرائيلي قد ينعكس على الأقل بحرمانه من تطوير التعاون الأمني مع دولة عملاقة كالصين تهيمن على شبكة تجارية متنامية