* ما هي نوعية الظروف التي أملت اختيارك الذهاب الى مدينة العرائش للدراسة بها؟
" في تلك الفترة، أقصد عام 1956، وجدت نفسي بين اختيارين إثنين لا ثالث لهما: إما أن استمر في بيع السجائر المهربة· وارشاد السياح الأجانب، وأظل أميا لا أعرف شيئا مما يحدث في هذا العالم· أو أذهب الى العرائش لكي أدرس لمدة أربع سنوات وأصبح معلما أعلم الأطفال الفقراء الذين ينتمون إلى نفس طبقتي الكادحة·
أنا اخترت الطريق الثاني· أقصد التعليم· لسببين:
ـ السبب الأول: لرد الاعتبار للمهمشين والبوهيميين أمثالي، الذين لا يعترف بهم التاريخ الرسمي المأجور مخافة أن يلوثوا مجده الجليل!!
- السبب الثاني للاحتجاج من خلال كتاباتي على الاستغلال الفظيع، البشع الذي يتعرضون له·
* أساتذك في مدرسة المعلمين، من تذكر منهم الآن؟
" عبد الواحد أخريف وأحمد الإدريسي·
* هل صحيح أن احترام رواد مقهى "كونتيننطال" بتطوان للأديب محمد الصباغ كان هو دافعك إلى أن تصبح كاتبا وإسما بين الأسماء؟
" نعم· هذا صحيح·
* هل يمكن أن تروي هذه الواقعة الهامة بتفصيل أكثر؟
" لقد تحدثت عنها في الجزء الثاني من سيرتي الذاتية "زمن الأخطاء"، ولكن لابأس من ذكرها هنا·
أثناء دراستي بمدرسة المعلمين بتطوان عام 1960، كنت أتردد بين فترة وأخرى، على مقهى "كونتيننطال" وكان هذا المقهى مشهورا يتردد عليه ويرتاده مجموعة من الكتاب المغاربة، أمثال: محمد الصباغ، المهدي الدليرو، أحمد عبد السلام البقالي ومحمد العربي الخطابي·
في يوم لاحظت أن رواد المقهى يحيطون شخصا أنيقا باحترام وتقدير بالغين· وعندما سألت عن اسم ذلك الشخص، قيل لي إنه الأديب المغربي المعروف محمد الصباغ· ولم أكن قد قرأت له أي شيء· فكرت: الكتابة امتياز· وقلت لنفسي: أنا أستطيع أن أكتب أيضا· لماذا لا أصبح أنا الآخر كاتبا حتى يحترمني الناس!
في الغد اشتريت كتب محمد الصباغ وقرأتها· ثم كتبت خربشات سميتها "حديقة العار"· وقدمتها لمحمد الصباغ قائلا: "هذا أول ما كتبت· هل يمكن أن تقرأه وتعطيني رأيك فيه؟"· بعد أن قرأها قال لي مشجعا: "لغتك لابأس بها· ولكن ينقصك الأسلوب الأدبي استمر في الكتابة ولا تنقطع عن القراءة"·
ثم كتب لي قائمة بعناوين بعض الكتب، وطلب مني أن أقرأها·
وفيما بعد جلسنا معا وتحدثنا· ورويت له شذرات عن حياتي المتشردة في طنجة، ودراستي في العرائش وتطوان، وصحبته مرة أو مرتين الى منزله في المدينة القديمة بتطوان· وقد وجهني كثيرا في قراءاتي الشعرية والنثرية باللغة الإسبانية·
* أفهم من كلامك أنك قررت أن تصبح كاتبا لأن الكتابة مهنة تجلب الاحترام لمن يمارسها·
" نعم· كان هذا دافعي لكي أصبح كاتبا آنذاك· ولكن فيما بعد تجذر الوعي بالكتابة عندي· ولم تعد الرغبة في الكتابة نابعة من فراغ· وإنما أصبحت حاجة أساسية، ووسيلة للاحتجاج على القبح، والانتصار لكل ما هو جميل في الإنسان والحياة·
* ما هي أول قصة كتبتها؟ وأين نشرت؟
" خلال الفترة الممتدة بين عامي: 1961/1960، كتبت بعض القطع النثرية متأثرا بالحركة الرومانسية، التي كانت سائدة آنذاك· وكان ما أكتبه لا يتجاوز - بصراحة - الخاطرة· مثل "جدول حبي" التي نشرتها لي جريدة "العلم"، وكدت أطير فرحا ونشوة· فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي يظهر فيها اسمي مطبوعا في جريدة·
وفيما بعد، وبالضبط عام 1966، كتبت أول قصة قصيرة بعنوان: "العنف على الشاطئ"، وأرسلتها الى مجلة "الآداب" البيروتية، فنشرت في أحد أعدادها، وأرسل لي سهيل إدريس رسالة شخصية يشجعني فيها على مواصلة الكتابة· ثم أرسلت قصة أخرى عنوانها "العنف وبقول الأموات"· ونشرت في المجلة نفسها·
* على ضوء ما قلته آنفا· أنت لم تبدأ الكتابة بشكل جدي، وبطريقة احترافية ناضجة، إلا عام 1966·
" نعم، لم اكتسب القدرة على الكتابة الأدبية الوازنة إلا بعد عام 1966، لقد كانت تلك السنوات بمثابة تدريب لاكتساب أسلوبي الخاص· أما الموهبة فقد كانت موجودة·
* ما هي الروافد التي أخذت منها تعلمك· وساهمت في تكوينك الثقافي والأدبي؟
" تكويني الأدبي أساسه حصيلة هامة جدا لقراءات متشعبة في شتى حقول المعرفة· أعتقد أنني ربما أكون قد قرأت أكثر من 4000 كتاب به بدءا من سنة 1957·
قد لا أكون كاتبا جيدا وكبيرا، ولكن بالتأكيد أنا قارئ جيد وكبير·
* لم تدرس بطريقة أكاديمية منتظمة· ومستواك الدراسي لا يتعدى الثالثة من التعليم الثانوي، أريد أن أعرف منك كيف اكتسبت ملكة الكتابة؟
" اكتسبت ملكة الكتابة من خلال مخزون القراءات من جهة ومن خلال استعمال القواميس من جهة أخرى· أنا أملك أكثر من ستين قاموسا في مختلف اللغات· وليس عندي عقدة السؤال· إذا كان هناك من هو متمكن من اللغة العربية ومن قواعدها النحوية أفضل مني، لا أتردد في سؤاله واستشارته عن قاعدة لغوية·
لقد بذلت مجهودا كبيرا في تعلم اللغة العربية وقواعد النحو والإعراب· رغم أنني لا أستطيع إعراب جملة واحدة، جملة صعبة طبعا!
10/16/2004
" في تلك الفترة، أقصد عام 1956، وجدت نفسي بين اختيارين إثنين لا ثالث لهما: إما أن استمر في بيع السجائر المهربة· وارشاد السياح الأجانب، وأظل أميا لا أعرف شيئا مما يحدث في هذا العالم· أو أذهب الى العرائش لكي أدرس لمدة أربع سنوات وأصبح معلما أعلم الأطفال الفقراء الذين ينتمون إلى نفس طبقتي الكادحة·
أنا اخترت الطريق الثاني· أقصد التعليم· لسببين:
ـ السبب الأول: لرد الاعتبار للمهمشين والبوهيميين أمثالي، الذين لا يعترف بهم التاريخ الرسمي المأجور مخافة أن يلوثوا مجده الجليل!!
- السبب الثاني للاحتجاج من خلال كتاباتي على الاستغلال الفظيع، البشع الذي يتعرضون له·
* أساتذك في مدرسة المعلمين، من تذكر منهم الآن؟
" عبد الواحد أخريف وأحمد الإدريسي·
* هل صحيح أن احترام رواد مقهى "كونتيننطال" بتطوان للأديب محمد الصباغ كان هو دافعك إلى أن تصبح كاتبا وإسما بين الأسماء؟
" نعم· هذا صحيح·
* هل يمكن أن تروي هذه الواقعة الهامة بتفصيل أكثر؟
" لقد تحدثت عنها في الجزء الثاني من سيرتي الذاتية "زمن الأخطاء"، ولكن لابأس من ذكرها هنا·
أثناء دراستي بمدرسة المعلمين بتطوان عام 1960، كنت أتردد بين فترة وأخرى، على مقهى "كونتيننطال" وكان هذا المقهى مشهورا يتردد عليه ويرتاده مجموعة من الكتاب المغاربة، أمثال: محمد الصباغ، المهدي الدليرو، أحمد عبد السلام البقالي ومحمد العربي الخطابي·
في يوم لاحظت أن رواد المقهى يحيطون شخصا أنيقا باحترام وتقدير بالغين· وعندما سألت عن اسم ذلك الشخص، قيل لي إنه الأديب المغربي المعروف محمد الصباغ· ولم أكن قد قرأت له أي شيء· فكرت: الكتابة امتياز· وقلت لنفسي: أنا أستطيع أن أكتب أيضا· لماذا لا أصبح أنا الآخر كاتبا حتى يحترمني الناس!
في الغد اشتريت كتب محمد الصباغ وقرأتها· ثم كتبت خربشات سميتها "حديقة العار"· وقدمتها لمحمد الصباغ قائلا: "هذا أول ما كتبت· هل يمكن أن تقرأه وتعطيني رأيك فيه؟"· بعد أن قرأها قال لي مشجعا: "لغتك لابأس بها· ولكن ينقصك الأسلوب الأدبي استمر في الكتابة ولا تنقطع عن القراءة"·
ثم كتب لي قائمة بعناوين بعض الكتب، وطلب مني أن أقرأها·
وفيما بعد جلسنا معا وتحدثنا· ورويت له شذرات عن حياتي المتشردة في طنجة، ودراستي في العرائش وتطوان، وصحبته مرة أو مرتين الى منزله في المدينة القديمة بتطوان· وقد وجهني كثيرا في قراءاتي الشعرية والنثرية باللغة الإسبانية·
* أفهم من كلامك أنك قررت أن تصبح كاتبا لأن الكتابة مهنة تجلب الاحترام لمن يمارسها·
" نعم· كان هذا دافعي لكي أصبح كاتبا آنذاك· ولكن فيما بعد تجذر الوعي بالكتابة عندي· ولم تعد الرغبة في الكتابة نابعة من فراغ· وإنما أصبحت حاجة أساسية، ووسيلة للاحتجاج على القبح، والانتصار لكل ما هو جميل في الإنسان والحياة·
* ما هي أول قصة كتبتها؟ وأين نشرت؟
" خلال الفترة الممتدة بين عامي: 1961/1960، كتبت بعض القطع النثرية متأثرا بالحركة الرومانسية، التي كانت سائدة آنذاك· وكان ما أكتبه لا يتجاوز - بصراحة - الخاطرة· مثل "جدول حبي" التي نشرتها لي جريدة "العلم"، وكدت أطير فرحا ونشوة· فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي يظهر فيها اسمي مطبوعا في جريدة·
وفيما بعد، وبالضبط عام 1966، كتبت أول قصة قصيرة بعنوان: "العنف على الشاطئ"، وأرسلتها الى مجلة "الآداب" البيروتية، فنشرت في أحد أعدادها، وأرسل لي سهيل إدريس رسالة شخصية يشجعني فيها على مواصلة الكتابة· ثم أرسلت قصة أخرى عنوانها "العنف وبقول الأموات"· ونشرت في المجلة نفسها·
* على ضوء ما قلته آنفا· أنت لم تبدأ الكتابة بشكل جدي، وبطريقة احترافية ناضجة، إلا عام 1966·
" نعم، لم اكتسب القدرة على الكتابة الأدبية الوازنة إلا بعد عام 1966، لقد كانت تلك السنوات بمثابة تدريب لاكتساب أسلوبي الخاص· أما الموهبة فقد كانت موجودة·
* ما هي الروافد التي أخذت منها تعلمك· وساهمت في تكوينك الثقافي والأدبي؟
" تكويني الأدبي أساسه حصيلة هامة جدا لقراءات متشعبة في شتى حقول المعرفة· أعتقد أنني ربما أكون قد قرأت أكثر من 4000 كتاب به بدءا من سنة 1957·
قد لا أكون كاتبا جيدا وكبيرا، ولكن بالتأكيد أنا قارئ جيد وكبير·
* لم تدرس بطريقة أكاديمية منتظمة· ومستواك الدراسي لا يتعدى الثالثة من التعليم الثانوي، أريد أن أعرف منك كيف اكتسبت ملكة الكتابة؟
" اكتسبت ملكة الكتابة من خلال مخزون القراءات من جهة ومن خلال استعمال القواميس من جهة أخرى· أنا أملك أكثر من ستين قاموسا في مختلف اللغات· وليس عندي عقدة السؤال· إذا كان هناك من هو متمكن من اللغة العربية ومن قواعدها النحوية أفضل مني، لا أتردد في سؤاله واستشارته عن قاعدة لغوية·
لقد بذلت مجهودا كبيرا في تعلم اللغة العربية وقواعد النحو والإعراب· رغم أنني لا أستطيع إعراب جملة واحدة، جملة صعبة طبعا!
10/16/2004