إن بيلماون تعني صاحب الجلود، و بيدماون تعني صاحب الوجوه، وتعدد الوجوه يحيلنا على تعدد الشخصيات، وتعددها يحتاج للأقنعة لتجسيد أدوار مختلفة، وقد ظهرت الأقنعة أول مرة في عهد الإغريق على يد أب المسرح "اسخيلوس" الذي لجأ للأقنعة حتى تتمكن شخصية واحدة من لعب عدة أدوار وهذا يظهر بشكل واضح العمق الفني لاحتفالات بوجلود الذي يقوم على التخفي في الجلود للعب الدور، وبالحديث عن المسرح فإن دوره لم يقتصر على الخشبة بل امتد ليشمل أشكالاً فنية متعددة كلها تجسد المآسي الإنسانية ، والتمزقات الداخلية التي عاشها وهو ينتقل من اله الى آخر....
بيلماون ليس الا امتداد للثقافة اليونانية التي انتشرت عبر السنين في كل بقاع الأرض لتتجسد بطرق مختلفة وإن كانت متقاربة تقاربا يجعل الكثير من السوسيولوجيين والأركيولوجيين والأنتربولوجيين يختلفون في أصولها الحقيقية... ، حيث يرى بعض الباحثين أن جدورها افريقية مستوحاة من أساطير قديمة تقوم على مبدأ تقديس الحيوان، ودخلت الى المغرب مع نزوحهم عبر العصور الى البلاد حيث جلبوا معهم عاداتهم وتقاليدهم ...، وربما كان قولهم هذا يحمل بعض الصواب ، فقد سألت أحد كبار السن الذين عايشوا احتفالات بيلماون قديما في احدى الدواوير قرب تزنيت عن هذه التظاهرة الاحتفالية، فكان الجواب أنهم كانوا ينادونهم ب "اسمكان " وهي كلمة أمازيغية تعني " السود"، كما كانت تسمى نساؤهم ب" تيووين " أي" العبدة " وهي اشارة الى أصحاب البشرة السوداء ...، كما أخبرني عن مقطع من الأغاني التي كانوا يرددونها حيث يقول مقطع الأغنية : " الالة مهيرا، بمبرا تضوف أيور "، وعندما قمت بمحاولة بحث عن كلمات المقطع وجدت أن بامبرا تعني " البامبارا " وهم شعب يستوطن غربي أفريقيا وأغلبيتهم يعيشون في مالي كما يتواجدون في غينيا، سنغال، بوركينا فاسو والنيجير... ، وهناك من يعرف البامبرا بكونها " رفض لكل أنواع السلطة " وهذا يحيلنا على طقوس رفض العبودية والتهجير، وكل أشكال الإستبداد والعنف والعنصرية التي عاشتها هذه الشعوب ، وتعتبر " البامبرا كذلك طقس من طقوس الكناوة بالمغرب ....
إن هذا يبين احتمالية صحة الرأي القائل بقدوم طقوس " بيلماون "مع المهاجرين السود، لكن بالعودة الى المقطع الأول من الأغنية " الالة مخيرا " وجدت أن مخيرا قد تكون هي نفسها " مهيرا " في الأساطير اليونانية الهة الزواج والخصوبة وزوجة زيوس رب الأرباب ، خانها زيوس مع سيميلي وحملت منه ب ديونيسيوس الذي حوله والده الى جدي/ عتروس حتى يحميه من غيرة مخيرا..، ومنذ ذلك اليوم عاش باخوس وهو الاسم الثاني لديونسيوس، وهناك من يسميه ياكوش طرديا يجوب العالم يغني ويرقص...، ليكون بذلك راعيا للفن الشعبي ورمزا له .
إن احتفالات بيلماون تشبه الى حد كبير القصة الاسطورية ل ديونيسيوس أو باخوس، فبيلماون قبل ادخال التغييرات الحالية عليه لم يكن سوى في هيئة عتروس يطارد أهل الدوار ومعه مساعدوه ومن يمسكونه يسجن، وفي المساء تتم مقايضة السجناء بمبلغ مالي يصرف على مصالح الدوار أو القرية ، كل ذلك في جو من الفرجة والمرح والرقص والغناء...
ان هذه الاحتفالات كانت في بدايتها تعبير عن الماسي الانسانية، الا أنها خرجت نوعاما عن قالبها أو عمقها التراجيدي لتتحول عبر الزمان الى ملهاة وكوميديا تهيمن عليها الفرجة والصخب والرقص والمواكب...، فهي نوع من تحويل الآلم الانسانية الى قوالب فكاهية تنتهي بإرسال رسالة وأخد العبرة.
وهي احتفالات ليست حكرا على مدن سوس بالمغرب ودواويرها بل نجدها في مدن مختلفة، بل ودول اخرى مثل جزر الكناري بإسبانيا التي اخدت هذه العادات من مناطق سوس بالمغرب بلا شك لأن قاموسها اللغوي يتضمن كلمات من أصل سوسي مثل كلمة " la ajunta " وهي مأخودة من كلمة توالا التي تعني بالدريجة " النوبة " وتستعمل كلمة توالا او الدّور للدالة على دور الشخص في الرعي ، حيث كان أهل القرية يكلفون كل يوم شخصا لرعي أغنام القرية، وتختلف مدة رعي كل شخص حسب عدد أغنامه، من يملك 5 اغنام يرعى يوم واحد ومن يملك10 يومين وهكذا تنظم " توالا " أو النوبة في دواوير سوس.
وهناك كذلك كلمة "teguirorte" وتعني تكرورت بالأمازيغية ، وهي " الكوري او الزريية" ، توجد ايضا كلمة " tejate " وتعني تغاط بالأمازيغية وهي انثى الماعز.
إن تواجد احتفالات بوجلود في مناطق متفرقة من العالم دليل قاطع على قدم وتجدر هذه الثقافة في عمق التاريخ، وتجسد في أشكالها التعبيرية ارتباط الإنسان بالأرض والرعي، كما تقوم على الثنائيات التي تجسد الصراعات والمخاوف التي مر منها الإنسان على مر الزمان كالخير والشر ، الاحترام والمسخرة ، الدين والوثنية، السيد والعبد، اليهودية والاسلام ، القبائل والمخزن، الشريعة والأعراف ....
ان مهرجان تموكايت أو بيلماون او بيدماون أو هرما... ، احتفال بالأرض والإنسان ، احتفال بإنتصاره على قساوة الطبيعة، احتفال بنجاة ديونيسيوس اله الخصب والنماء من قتل مهيرا له ، احتفال ببدايات الإنسان، وسخرية من ألمه الوجودي في قالب فرجوي وكوميدي.. ، لذلك يجب أن يكون بمعزل عن تصنيفه بكونه وثنية وشيطنة ...، لأنه يحمل ابعادا فنية جمالية وثقافية وفلسفية ، فمجيء الأديان لا يعني مسح التاريخ والتراكمات المعرفية التي تعتبر خريطة لمعرفة الشعوب المختلفة وعاداتها التي ساهمت في تشكيل عقليته وعاداته بل حتى الحمض النووي الخاص به .
بيلماون ليس الا امتداد للثقافة اليونانية التي انتشرت عبر السنين في كل بقاع الأرض لتتجسد بطرق مختلفة وإن كانت متقاربة تقاربا يجعل الكثير من السوسيولوجيين والأركيولوجيين والأنتربولوجيين يختلفون في أصولها الحقيقية... ، حيث يرى بعض الباحثين أن جدورها افريقية مستوحاة من أساطير قديمة تقوم على مبدأ تقديس الحيوان، ودخلت الى المغرب مع نزوحهم عبر العصور الى البلاد حيث جلبوا معهم عاداتهم وتقاليدهم ...، وربما كان قولهم هذا يحمل بعض الصواب ، فقد سألت أحد كبار السن الذين عايشوا احتفالات بيلماون قديما في احدى الدواوير قرب تزنيت عن هذه التظاهرة الاحتفالية، فكان الجواب أنهم كانوا ينادونهم ب "اسمكان " وهي كلمة أمازيغية تعني " السود"، كما كانت تسمى نساؤهم ب" تيووين " أي" العبدة " وهي اشارة الى أصحاب البشرة السوداء ...، كما أخبرني عن مقطع من الأغاني التي كانوا يرددونها حيث يقول مقطع الأغنية : " الالة مهيرا، بمبرا تضوف أيور "، وعندما قمت بمحاولة بحث عن كلمات المقطع وجدت أن بامبرا تعني " البامبارا " وهم شعب يستوطن غربي أفريقيا وأغلبيتهم يعيشون في مالي كما يتواجدون في غينيا، سنغال، بوركينا فاسو والنيجير... ، وهناك من يعرف البامبرا بكونها " رفض لكل أنواع السلطة " وهذا يحيلنا على طقوس رفض العبودية والتهجير، وكل أشكال الإستبداد والعنف والعنصرية التي عاشتها هذه الشعوب ، وتعتبر " البامبرا كذلك طقس من طقوس الكناوة بالمغرب ....
إن هذا يبين احتمالية صحة الرأي القائل بقدوم طقوس " بيلماون "مع المهاجرين السود، لكن بالعودة الى المقطع الأول من الأغنية " الالة مخيرا " وجدت أن مخيرا قد تكون هي نفسها " مهيرا " في الأساطير اليونانية الهة الزواج والخصوبة وزوجة زيوس رب الأرباب ، خانها زيوس مع سيميلي وحملت منه ب ديونيسيوس الذي حوله والده الى جدي/ عتروس حتى يحميه من غيرة مخيرا..، ومنذ ذلك اليوم عاش باخوس وهو الاسم الثاني لديونسيوس، وهناك من يسميه ياكوش طرديا يجوب العالم يغني ويرقص...، ليكون بذلك راعيا للفن الشعبي ورمزا له .
إن احتفالات بيلماون تشبه الى حد كبير القصة الاسطورية ل ديونيسيوس أو باخوس، فبيلماون قبل ادخال التغييرات الحالية عليه لم يكن سوى في هيئة عتروس يطارد أهل الدوار ومعه مساعدوه ومن يمسكونه يسجن، وفي المساء تتم مقايضة السجناء بمبلغ مالي يصرف على مصالح الدوار أو القرية ، كل ذلك في جو من الفرجة والمرح والرقص والغناء...
ان هذه الاحتفالات كانت في بدايتها تعبير عن الماسي الانسانية، الا أنها خرجت نوعاما عن قالبها أو عمقها التراجيدي لتتحول عبر الزمان الى ملهاة وكوميديا تهيمن عليها الفرجة والصخب والرقص والمواكب...، فهي نوع من تحويل الآلم الانسانية الى قوالب فكاهية تنتهي بإرسال رسالة وأخد العبرة.
وهي احتفالات ليست حكرا على مدن سوس بالمغرب ودواويرها بل نجدها في مدن مختلفة، بل ودول اخرى مثل جزر الكناري بإسبانيا التي اخدت هذه العادات من مناطق سوس بالمغرب بلا شك لأن قاموسها اللغوي يتضمن كلمات من أصل سوسي مثل كلمة " la ajunta " وهي مأخودة من كلمة توالا التي تعني بالدريجة " النوبة " وتستعمل كلمة توالا او الدّور للدالة على دور الشخص في الرعي ، حيث كان أهل القرية يكلفون كل يوم شخصا لرعي أغنام القرية، وتختلف مدة رعي كل شخص حسب عدد أغنامه، من يملك 5 اغنام يرعى يوم واحد ومن يملك10 يومين وهكذا تنظم " توالا " أو النوبة في دواوير سوس.
وهناك كذلك كلمة "teguirorte" وتعني تكرورت بالأمازيغية ، وهي " الكوري او الزريية" ، توجد ايضا كلمة " tejate " وتعني تغاط بالأمازيغية وهي انثى الماعز.
إن تواجد احتفالات بوجلود في مناطق متفرقة من العالم دليل قاطع على قدم وتجدر هذه الثقافة في عمق التاريخ، وتجسد في أشكالها التعبيرية ارتباط الإنسان بالأرض والرعي، كما تقوم على الثنائيات التي تجسد الصراعات والمخاوف التي مر منها الإنسان على مر الزمان كالخير والشر ، الاحترام والمسخرة ، الدين والوثنية، السيد والعبد، اليهودية والاسلام ، القبائل والمخزن، الشريعة والأعراف ....
ان مهرجان تموكايت أو بيلماون او بيدماون أو هرما... ، احتفال بالأرض والإنسان ، احتفال بإنتصاره على قساوة الطبيعة، احتفال بنجاة ديونيسيوس اله الخصب والنماء من قتل مهيرا له ، احتفال ببدايات الإنسان، وسخرية من ألمه الوجودي في قالب فرجوي وكوميدي.. ، لذلك يجب أن يكون بمعزل عن تصنيفه بكونه وثنية وشيطنة ...، لأنه يحمل ابعادا فنية جمالية وثقافية وفلسفية ، فمجيء الأديان لا يعني مسح التاريخ والتراكمات المعرفية التي تعتبر خريطة لمعرفة الشعوب المختلفة وعاداتها التي ساهمت في تشكيل عقليته وعاداته بل حتى الحمض النووي الخاص به .