عمر مؤجل هى المجموعة القصصية الثانية للكاتبة الفلسطينية سهام السايح ، وعنوان المجموعة جملة اسمية محذوف المبتدأ منها وتقديره هو عمر مؤجل ، وهو عنوان يكتنفه بعض الغموض ويثير الشجن ، وربما يشير إلى الصعوبات التى تواجهها المرأة بالقصص لدرجة أنها لا تحيا وتعتبرعمرها مؤجلا إلى وقت آخر فى المستقبل ، وتتكون المجموعة من إحدى عشرة قصة قصيرة فى ثمانين صفحة .
تبدأ المجموعة القصصية بإهداء " إلى النساء اللواتى أكتب عنهن " ويشير الإهداء وعلى ما نرى إلى التعبيرعن المرأة وهمومها ومشكلاتها فى المجتمعات العربية ، منها مشكلة إجبار الأسر الفقيرة على تزويج بناتهن برجال كبيرى السن وما ينتج عنه من نفور وكراهية بين الزوجين وفشل وتعاسة فى حياتها ، وتضحيات الأم لأولادها ثم جحود هؤلاء الأبناء ، وهو ما عبرت عنه القصة الأولى (كرامتها الذبيحة) من إجبار والد بيسان على تزويج ابنته من رجل كهل قبيح الشكل أراد مواقعتها بالقوة وهو فى حالة سكر فدفعه الإبن (مازن) فاصطدمت رأسه بالخزانة مما أدى إلى مقتل والده ثم أعترفت الأم بأنها من دفعته وتسببت فى مقتله وقضت عشرسنوات بالسجن بدلا من ابنها ، ثم تنكر لها الابن وادعى لزوجته أن أمه قد ماتت .
وتكررت مشكلة تزويج الأسر الفقيرة بناتها الصغيرات لأزواج كبيرى السن فى القصة العاشرة لست كومبارس ، حيث قام العم وزوجته بإجبار ابنة أخيه صبا التى تقيم معه بعد مقتل أسرتها بأحد المخيمات الفلسطينية ، على الزواج من الكهل مالك المنزل الذى يقيمون به لتسديد ديونهم وحرمانها من تعليمها الجامعى .
تناولت القصة الثانية حب فتاة من كاتب ومؤلف رواية العمر الجميل والتى أهداها لها ولكنها تعانى من غيرة مرضية من امراة أخرى تتخيل أن الكاتب قد كتب روايته لامرأة أخرى تنافسها فى حبها " سأصاب بالهوس بسبها ، تتشابك الأسئلة فى رأسى مكونة عقد يصعب تفكيكها هل كتب هذه الرواية لى أو لها
القصة الثالثة أرجوحة الأبطال هى قصة عن الوطن والتضحية بالنفس فى سبيل تحريره ، وبعنوانها نوع من السخرية من المشنقة التى تتنظر الأبطال المدافعين عن الوطن ، ومنهم باسم الذى يعمل صحفيا ويقاوم الاحتلال بمقالاته النارية ضده فيحكم عليه بالإعدام شنقا ، وكانت رؤية خطيبته مريم هى أمنيته الأخيرة قبل إعدامه "أسند باسم ظهره على جدار السجن منتظرا أن يرى أمنيته الأخيرة قبل موعد إعدامه شنقا بقلب يخفق كالطائر" ، وقد حققوا له أمنيته ، وبالقصة بعض المباشرة ربما أثر موضوع القصة عليها .
القصة الرابعة جميلة موسكو عن آنا كارنينا بطلة رواية تولستوى آنا كارنينا إختارت الكاتبة الساعات الأخيرة قبل انتحارها من القطار وراحت " تسترجع ذكرياتها " .
وكذلك القصة السادسة بعنوان المجنونة عن آديل ابنة الكاتب الفرنسى فيكتور هوجو حيث تركت أباها لأجل حبيبها ثم تركها حبيبها وانطلقت وراءه تبحث عنه حتى أصابها الجنون وأنهت الكاتبة القصة بعبارة "هذا مالم تستطع أن تعبر عنه آديل ابنة الكاتب الشهير فيكتورهوجو عندما هربت من عائلتها " وقد اختارت الكاتبة لحظات فارقة فى حياتها وكذلك فى القصة السابقة .
أما القصة الخامسة ليل بلون الفضة فهى قصة حب على لسان جدة بلغت تسعين عاما تحكى لحفيدتها فيروز قصة حب الشاعر الصوفى ابن الفارض للجدة وهى صغيرة وكتمانه ذلك الحب حتى مرض ومات ، وقد كتب فى حبها أشعارا منها / يا حارقا بالنار وجه محبه / مهلا فإن مدامعى تطفيه / أحرق بها جسدى وكل جوارحى / واحرص على قلبى فأنك فيه ، ثم تقول الجدة لحفيدتها "لم أكن السبب فى موته بل إفراطه فى الكتمان هو السبب
القصة السابعة طبق السلطة الأخيرعن كنان وزوجته ميريانا وهما زوجان وممثلان مسرحيان ، وقد أجهضت ميريانا جنينها بناء على قرار وإلحاح زوجها بحجة أن الإنجاب سيعيقهما عن العمل المسرحى ، وشكل لها هذا الحدث أزمة كبيرة فى حياتها مع زوجها وهاجمته عند الشروع فى تمثيل مسرحية عن جان جاك روسو والذى تكرهه حيث تراه كاذبا ومنتاقضا مع مبادئه حيث أودع أبنائه الخمسة إلى ملجأ ، وكان فقدان عاطفة الأمومة هاجسا مريعا لها مما أدى إلى الطلاق من زوجها ومغادرتها منزله .
فى قصة فى عيده الرابع والأربعين وهو اليوم الأخير فى حياة بابلو اسكوبار أكبر تاجر مخدرات فى العالم وهو من كولومبيا وذلك قبل حصاره ومقتله من الشرطة ، حيث تخيلت القصة أنه فى يومه الأخير مضى يتذكرجرائمه التى ارتكبها فى صورة مشاهد منها ، مشهد أرملة الشرطى وهى ترثى زوجها الذى قتله بيديه ، مشهد مقتل أطفال كولومبيا أثناء ذهابهم إلى المكتبة فى عيد الكتاب وتطاير جثثهم بسبب الانفجار الذى تسسب فيه ، سماعه أصوات الفقراء وهم يدعون له بقلب محب ويطلقون عليه لقب (روبن هود) أو اللص الشريف والذى كان يسرق من الاغنياء ليعطى الفقراء فكان شخصية شديدة التعقيد والتناقض .
القصة التاسعة رجل من نبيذ وعلقم ، وهى قصة حب رومانسية بين مطرب ساحر الصوت (كرم) وتعشقه امرأة (ريماس) تقول عنه " لم أعلم هل يغنى أم يسكب على قلبى أكوابا من الخمر..هذا ليس بغناء وإنما تراتيل مقدسة " ورغم ذلك تتوجس من حبها له وتتمنى إزالة هذا الحب من قلبها بسبب نرجسيته وغروره ، وقد دعاها لتذهب معه الى باريس لإحياء حفلة ولبت دعوته ، وهناك تعزز مخاوفها منه حيث قام بالإعتداء عليها " وأخفيت كدمات الضرب بمساحيق التجميل " ، والقصة كانت بصوت ريماس وكنا نود لو نسمع الصوت الآخر صوت المغنى كرم حتى تتكامل الرؤية الفنية للقصة .
أما القصة الأخيرة هاوية الندم عن قصة الدكتور يوسف الطبيب النفسى ومبتكر طريقة جديدة لعلاج الاكتئاب وهى طريقة التفريغ النفسى ، ومن المفارقة أن زوجته تعانى من مرض الاكتئاب ويفشل فى علاجها ، وأثناء علاجه لأحد المرضى (حمزة) بطريقة التفريغ النفسى يحكى حمزة عن مأساته حيث تعرض طفليه للإختطاف أثناء تواجدهم مع زوجته أثناء عمله بالبرازيل ، من عصابة قاموا بتقطيع أطراف أطفاله ، وكان مقصد القصة الفرعية هى تطبيق المثل الشعبى (اللى يشوف بلاوى الناس تهون عليه بلوته) والقصة الفرعية هذه يمكن الإستغناء عنها وغير ضرورية بالقصة الأصلية .
إمتازت المجموعة القصصية باستخدام تقنيات سردية حديثة أدخلت المتعة الفنية على القارئ منها ، كما فى القصة الأولى بدأت بما انتهى إليه الحدث ، إذ بدأت بتحقيق الشرطة فى مقتل زوج البطلة بيسان ، ثم إستخدام تقنية الإسترجاع للأحدث أثناء إعترافها للشرطة بما حدث ، التشظى فى الزمن حيث لم يكن خطا مستقيما من الماضى إلى الحاضر ولكنه كان متشظيا يبدأ من الحاضر ثم يعود ألى الماضى ثم يعود للحاضر مرة ثانية ، كذلك كانت طريقة السرد مشهدية وتصويرية وأشبه بكتابة مشاهد سينمائية وعلى سبيل المثال مشهد التحقيق " جلست بيسان على المقعد ببطء ثم سحبت ركبتيها إلى صدرها وأخذت تبعد شعرها البائس عن وجهها باصابعها التى ترتعش توترا " هو مشهد تصويرى بإمتياز به سمات السيناربو .
أجادت الكاتبة رسم الشخصيات فقد رسمت شخصية الزوج الكهل والتى تكرهه بمهارة وفنية عالية بالقصة الاولى " كان زوجى يخيفنى دائما ، بأسنانه البارزة عندما يتكلم ، وفكه الضخك وكأن قبيلة بكاملها مدفونة داخله ، وصوته المخيق الذى يشبه صوت الذئاب وهى غاضبة ، والبصاق المتطاير من فمه عندما يتكلم " ص8 وهى صورة بشعة لزوجها الكهل تعبر عن كراهيتها له .
كانت لغة الكاتبة لغة فنية بإمتياز بها الكثير من الصور الجمالية واستعانت بالمجاز والكناية والتشبيه بطريقة فنية " كانت تلك الليلة بلون الفضة بسبب امتلاء السماء بالنجوم " ص26 ، وبقصة جميلة موسكو " شعرت نينا بتيارات الهواء الباردة تصفع وجهها ثم رأت الامل ينزلق من بين أصابعها نحو العدم" ص21 ، وصورة الذاكرة "تعبت ذاكرتها من الركض" ص31 ، وغيرها الكثير جدا من هذه الصور الجمالية فى قصص المجموعة .
أكثرت الكاتبة من التشبيه بطريقة ملحوظة إلى درجة أنه كان سمة بلاغية فى أسلوبها ففى القصة الأولى كانت هناك ثلاثة تشبيهات فى فقرة من سطرين " سارت وحيدة على أرصفة العمر المتبق ، بجسد نحيف مثل عود الكبيرت ووجه شاحب مثل حبة الليمون ، تنزف ألما مثل سمكة انتشلها الصياد من البحر للتو " ص8 ، وفى قصة هاوية النوم تصف زوجة الاب " إنها كالافعى ناعمة وملساء من الخارج وداخلها سم أسود " ص72 ، جلست كصنم هش ، وكأنه ولد فى محارة ما ، بقلب يخفق كالطائر ص19 .
كان الحوار بالعامية الفلسطينية بين الأم وزوجة الإبن بالقصة الأولى ص8
- مش هون بيت مازن
- هون بس هو مش هون أنا مرته شو بدك منه يا حجة ؟
- أنا مش حجة أنا أمه
وكان بالفصحى البسيطة فى باقى القصص .
حفلت المجموعة القصصية بكثير من الأشارات الثقافية وذكر شخصيات روائية وحقيقية مثل حب أبطال قصصها للروايات والكتب والمكتبات والفنون والغناء واللوحات وذكر كُتاب ومؤلفين وأبطال روايات ، وعلى سبيل المثال بقصة لست كومبارس كانت البطلة الساردة شديدة التعاسة مع زوجها الكهل فكانت مكتبتها هى الشى الوحيد التى تواسيها وكانت تتخيل زوجها أبطال روايات ، "وكانت تتخيله دارسى بطل رواية جين أوستن ، وتارة تتخيله جان فالجان بطل رواية فيكتورهوجو وتارة تتخيله هولدن بطل رواية سالينجر" ص61 ، والإشارة إلى كتاب كبار مثل جان جاك روسو ، والشاعر ابن الفارض وأبيات شعرية له ، ورواية آنا كارنينا لتولوستوى فى قصة جميلة موسكو، آديل ابنة فيكتورهوجو فى قصة المجنونة ، ومتلازمة استندال عن حالة نفسية تنتج عن رؤية الأشياء شديدة الجمال ، والاشارة إلى رواية أنهم يقتلون الجياد أليس كذلك لهوراس مكوى وغيرها من الإشارت الثقافية الكثيرة التى بالغت الكاتبة كثيرا فى ذكرها .
بالمجموعة القصصية بعض الهنات مثل عدم التوقف عند النهاية الطبيعية لبعض القصص وإطالة النهايات دون ضرورة مثل القصة الأولى، والاستطراد فى بعضها الآخر مثل القصة الأخيرة هاوية الندم ، الإفراط فى استخدام الأدوات البلاغية مثل الاستعارة والتشبيه والمجاز ، كذلك الإفراط كما ذكرنا فى ذكر الإشارات الثقافية دون ضرورة ، غير أن الكاتبة لديها لغة فنية جميلة وأسلوبا سرديا بديعا ، كما أنها استخدمت تقنيات سردية حديثة أبعدت عن القصص الإملال و الرتابة وجعلتها جميلة وأكثر جاذبية .
تبدأ المجموعة القصصية بإهداء " إلى النساء اللواتى أكتب عنهن " ويشير الإهداء وعلى ما نرى إلى التعبيرعن المرأة وهمومها ومشكلاتها فى المجتمعات العربية ، منها مشكلة إجبار الأسر الفقيرة على تزويج بناتهن برجال كبيرى السن وما ينتج عنه من نفور وكراهية بين الزوجين وفشل وتعاسة فى حياتها ، وتضحيات الأم لأولادها ثم جحود هؤلاء الأبناء ، وهو ما عبرت عنه القصة الأولى (كرامتها الذبيحة) من إجبار والد بيسان على تزويج ابنته من رجل كهل قبيح الشكل أراد مواقعتها بالقوة وهو فى حالة سكر فدفعه الإبن (مازن) فاصطدمت رأسه بالخزانة مما أدى إلى مقتل والده ثم أعترفت الأم بأنها من دفعته وتسببت فى مقتله وقضت عشرسنوات بالسجن بدلا من ابنها ، ثم تنكر لها الابن وادعى لزوجته أن أمه قد ماتت .
وتكررت مشكلة تزويج الأسر الفقيرة بناتها الصغيرات لأزواج كبيرى السن فى القصة العاشرة لست كومبارس ، حيث قام العم وزوجته بإجبار ابنة أخيه صبا التى تقيم معه بعد مقتل أسرتها بأحد المخيمات الفلسطينية ، على الزواج من الكهل مالك المنزل الذى يقيمون به لتسديد ديونهم وحرمانها من تعليمها الجامعى .
تناولت القصة الثانية حب فتاة من كاتب ومؤلف رواية العمر الجميل والتى أهداها لها ولكنها تعانى من غيرة مرضية من امراة أخرى تتخيل أن الكاتب قد كتب روايته لامرأة أخرى تنافسها فى حبها " سأصاب بالهوس بسبها ، تتشابك الأسئلة فى رأسى مكونة عقد يصعب تفكيكها هل كتب هذه الرواية لى أو لها
القصة الثالثة أرجوحة الأبطال هى قصة عن الوطن والتضحية بالنفس فى سبيل تحريره ، وبعنوانها نوع من السخرية من المشنقة التى تتنظر الأبطال المدافعين عن الوطن ، ومنهم باسم الذى يعمل صحفيا ويقاوم الاحتلال بمقالاته النارية ضده فيحكم عليه بالإعدام شنقا ، وكانت رؤية خطيبته مريم هى أمنيته الأخيرة قبل إعدامه "أسند باسم ظهره على جدار السجن منتظرا أن يرى أمنيته الأخيرة قبل موعد إعدامه شنقا بقلب يخفق كالطائر" ، وقد حققوا له أمنيته ، وبالقصة بعض المباشرة ربما أثر موضوع القصة عليها .
القصة الرابعة جميلة موسكو عن آنا كارنينا بطلة رواية تولستوى آنا كارنينا إختارت الكاتبة الساعات الأخيرة قبل انتحارها من القطار وراحت " تسترجع ذكرياتها " .
وكذلك القصة السادسة بعنوان المجنونة عن آديل ابنة الكاتب الفرنسى فيكتور هوجو حيث تركت أباها لأجل حبيبها ثم تركها حبيبها وانطلقت وراءه تبحث عنه حتى أصابها الجنون وأنهت الكاتبة القصة بعبارة "هذا مالم تستطع أن تعبر عنه آديل ابنة الكاتب الشهير فيكتورهوجو عندما هربت من عائلتها " وقد اختارت الكاتبة لحظات فارقة فى حياتها وكذلك فى القصة السابقة .
أما القصة الخامسة ليل بلون الفضة فهى قصة حب على لسان جدة بلغت تسعين عاما تحكى لحفيدتها فيروز قصة حب الشاعر الصوفى ابن الفارض للجدة وهى صغيرة وكتمانه ذلك الحب حتى مرض ومات ، وقد كتب فى حبها أشعارا منها / يا حارقا بالنار وجه محبه / مهلا فإن مدامعى تطفيه / أحرق بها جسدى وكل جوارحى / واحرص على قلبى فأنك فيه ، ثم تقول الجدة لحفيدتها "لم أكن السبب فى موته بل إفراطه فى الكتمان هو السبب
القصة السابعة طبق السلطة الأخيرعن كنان وزوجته ميريانا وهما زوجان وممثلان مسرحيان ، وقد أجهضت ميريانا جنينها بناء على قرار وإلحاح زوجها بحجة أن الإنجاب سيعيقهما عن العمل المسرحى ، وشكل لها هذا الحدث أزمة كبيرة فى حياتها مع زوجها وهاجمته عند الشروع فى تمثيل مسرحية عن جان جاك روسو والذى تكرهه حيث تراه كاذبا ومنتاقضا مع مبادئه حيث أودع أبنائه الخمسة إلى ملجأ ، وكان فقدان عاطفة الأمومة هاجسا مريعا لها مما أدى إلى الطلاق من زوجها ومغادرتها منزله .
فى قصة فى عيده الرابع والأربعين وهو اليوم الأخير فى حياة بابلو اسكوبار أكبر تاجر مخدرات فى العالم وهو من كولومبيا وذلك قبل حصاره ومقتله من الشرطة ، حيث تخيلت القصة أنه فى يومه الأخير مضى يتذكرجرائمه التى ارتكبها فى صورة مشاهد منها ، مشهد أرملة الشرطى وهى ترثى زوجها الذى قتله بيديه ، مشهد مقتل أطفال كولومبيا أثناء ذهابهم إلى المكتبة فى عيد الكتاب وتطاير جثثهم بسبب الانفجار الذى تسسب فيه ، سماعه أصوات الفقراء وهم يدعون له بقلب محب ويطلقون عليه لقب (روبن هود) أو اللص الشريف والذى كان يسرق من الاغنياء ليعطى الفقراء فكان شخصية شديدة التعقيد والتناقض .
القصة التاسعة رجل من نبيذ وعلقم ، وهى قصة حب رومانسية بين مطرب ساحر الصوت (كرم) وتعشقه امرأة (ريماس) تقول عنه " لم أعلم هل يغنى أم يسكب على قلبى أكوابا من الخمر..هذا ليس بغناء وإنما تراتيل مقدسة " ورغم ذلك تتوجس من حبها له وتتمنى إزالة هذا الحب من قلبها بسبب نرجسيته وغروره ، وقد دعاها لتذهب معه الى باريس لإحياء حفلة ولبت دعوته ، وهناك تعزز مخاوفها منه حيث قام بالإعتداء عليها " وأخفيت كدمات الضرب بمساحيق التجميل " ، والقصة كانت بصوت ريماس وكنا نود لو نسمع الصوت الآخر صوت المغنى كرم حتى تتكامل الرؤية الفنية للقصة .
أما القصة الأخيرة هاوية الندم عن قصة الدكتور يوسف الطبيب النفسى ومبتكر طريقة جديدة لعلاج الاكتئاب وهى طريقة التفريغ النفسى ، ومن المفارقة أن زوجته تعانى من مرض الاكتئاب ويفشل فى علاجها ، وأثناء علاجه لأحد المرضى (حمزة) بطريقة التفريغ النفسى يحكى حمزة عن مأساته حيث تعرض طفليه للإختطاف أثناء تواجدهم مع زوجته أثناء عمله بالبرازيل ، من عصابة قاموا بتقطيع أطراف أطفاله ، وكان مقصد القصة الفرعية هى تطبيق المثل الشعبى (اللى يشوف بلاوى الناس تهون عليه بلوته) والقصة الفرعية هذه يمكن الإستغناء عنها وغير ضرورية بالقصة الأصلية .
إمتازت المجموعة القصصية باستخدام تقنيات سردية حديثة أدخلت المتعة الفنية على القارئ منها ، كما فى القصة الأولى بدأت بما انتهى إليه الحدث ، إذ بدأت بتحقيق الشرطة فى مقتل زوج البطلة بيسان ، ثم إستخدام تقنية الإسترجاع للأحدث أثناء إعترافها للشرطة بما حدث ، التشظى فى الزمن حيث لم يكن خطا مستقيما من الماضى إلى الحاضر ولكنه كان متشظيا يبدأ من الحاضر ثم يعود ألى الماضى ثم يعود للحاضر مرة ثانية ، كذلك كانت طريقة السرد مشهدية وتصويرية وأشبه بكتابة مشاهد سينمائية وعلى سبيل المثال مشهد التحقيق " جلست بيسان على المقعد ببطء ثم سحبت ركبتيها إلى صدرها وأخذت تبعد شعرها البائس عن وجهها باصابعها التى ترتعش توترا " هو مشهد تصويرى بإمتياز به سمات السيناربو .
أجادت الكاتبة رسم الشخصيات فقد رسمت شخصية الزوج الكهل والتى تكرهه بمهارة وفنية عالية بالقصة الاولى " كان زوجى يخيفنى دائما ، بأسنانه البارزة عندما يتكلم ، وفكه الضخك وكأن قبيلة بكاملها مدفونة داخله ، وصوته المخيق الذى يشبه صوت الذئاب وهى غاضبة ، والبصاق المتطاير من فمه عندما يتكلم " ص8 وهى صورة بشعة لزوجها الكهل تعبر عن كراهيتها له .
كانت لغة الكاتبة لغة فنية بإمتياز بها الكثير من الصور الجمالية واستعانت بالمجاز والكناية والتشبيه بطريقة فنية " كانت تلك الليلة بلون الفضة بسبب امتلاء السماء بالنجوم " ص26 ، وبقصة جميلة موسكو " شعرت نينا بتيارات الهواء الباردة تصفع وجهها ثم رأت الامل ينزلق من بين أصابعها نحو العدم" ص21 ، وصورة الذاكرة "تعبت ذاكرتها من الركض" ص31 ، وغيرها الكثير جدا من هذه الصور الجمالية فى قصص المجموعة .
أكثرت الكاتبة من التشبيه بطريقة ملحوظة إلى درجة أنه كان سمة بلاغية فى أسلوبها ففى القصة الأولى كانت هناك ثلاثة تشبيهات فى فقرة من سطرين " سارت وحيدة على أرصفة العمر المتبق ، بجسد نحيف مثل عود الكبيرت ووجه شاحب مثل حبة الليمون ، تنزف ألما مثل سمكة انتشلها الصياد من البحر للتو " ص8 ، وفى قصة هاوية النوم تصف زوجة الاب " إنها كالافعى ناعمة وملساء من الخارج وداخلها سم أسود " ص72 ، جلست كصنم هش ، وكأنه ولد فى محارة ما ، بقلب يخفق كالطائر ص19 .
كان الحوار بالعامية الفلسطينية بين الأم وزوجة الإبن بالقصة الأولى ص8
- مش هون بيت مازن
- هون بس هو مش هون أنا مرته شو بدك منه يا حجة ؟
- أنا مش حجة أنا أمه
وكان بالفصحى البسيطة فى باقى القصص .
حفلت المجموعة القصصية بكثير من الأشارات الثقافية وذكر شخصيات روائية وحقيقية مثل حب أبطال قصصها للروايات والكتب والمكتبات والفنون والغناء واللوحات وذكر كُتاب ومؤلفين وأبطال روايات ، وعلى سبيل المثال بقصة لست كومبارس كانت البطلة الساردة شديدة التعاسة مع زوجها الكهل فكانت مكتبتها هى الشى الوحيد التى تواسيها وكانت تتخيل زوجها أبطال روايات ، "وكانت تتخيله دارسى بطل رواية جين أوستن ، وتارة تتخيله جان فالجان بطل رواية فيكتورهوجو وتارة تتخيله هولدن بطل رواية سالينجر" ص61 ، والإشارة إلى كتاب كبار مثل جان جاك روسو ، والشاعر ابن الفارض وأبيات شعرية له ، ورواية آنا كارنينا لتولوستوى فى قصة جميلة موسكو، آديل ابنة فيكتورهوجو فى قصة المجنونة ، ومتلازمة استندال عن حالة نفسية تنتج عن رؤية الأشياء شديدة الجمال ، والاشارة إلى رواية أنهم يقتلون الجياد أليس كذلك لهوراس مكوى وغيرها من الإشارت الثقافية الكثيرة التى بالغت الكاتبة كثيرا فى ذكرها .
بالمجموعة القصصية بعض الهنات مثل عدم التوقف عند النهاية الطبيعية لبعض القصص وإطالة النهايات دون ضرورة مثل القصة الأولى، والاستطراد فى بعضها الآخر مثل القصة الأخيرة هاوية الندم ، الإفراط فى استخدام الأدوات البلاغية مثل الاستعارة والتشبيه والمجاز ، كذلك الإفراط كما ذكرنا فى ذكر الإشارات الثقافية دون ضرورة ، غير أن الكاتبة لديها لغة فنية جميلة وأسلوبا سرديا بديعا ، كما أنها استخدمت تقنيات سردية حديثة أبعدت عن القصص الإملال و الرتابة وجعلتها جميلة وأكثر جاذبية .