هجيرة نسرين بن جدو - الشجاع الصارم "أرزقي الأوراس"

فجرت تلك المعارك والمقاومات الشديده للشيخ المقراني ،الشيخ الحداد ،لاله فاطمه نسومر و بوزيان القلعي وغيرهم ثورة تحريريه كان رشاشها بيانا ثار على اثره الشعب وسنامها قادة تخطط وتدبر كيفيه التخلص من هذا الاستدمار الغاشم، فاندلعت حرب الجزائر في الفاتح من نوفمبر سنه 1954 شارك فيها ما لا يزيد عن 1500 جندي مجاهد بقطع سلاح قليله وقنابل تقليديه معدوده ،قادها كل من الاشاوس: مصطفى بن بولعيد, محمد العربي بن مهيدي, محمد بوضياف ,ديدوش مراد, محمد خيضر، احمد بن بلة ،حسين ايت احمد، كريم بلقاسم و رابح بيطاط.
انفجرت تلك الثوره المجيده في عرش النمامشه بالاوراس الشامخ وهناك اطلقت اول رصاصه من طرف رفقاء درب مصطفى بن بولعيد تنبئ بحرب ضروس شرسه لاسترجاع ما سلب من حق وشرف وسياده.
رغم حملة الاعتقالات التي شنتها فرنسا الغاشمه تحت قيادة جنرالاتها السفاحين لاحباط الثوره من مخططات عسكريه الا ان كل هذا باء بالفشل فاصبحنا من نصر الى نصر حتى كللت ثورتنا بالنجاح واستعادت الجزائر سيادتها في الخامس من جويليه سنه 1962.
... قبل ذلك بعده سنوات وتحديدا في عام 1929... في "تالاتينزار" "ببني معوش" ولايه "بجايه" وفي كبد الظلام الحالك ومن رحم المعاناه يولد "أرزقي بايري" ويترعرع وسط عائله فقيره . ليس هناك ما يسد جوع هذه العائله سوى خبزه" كسره" وابريق قهوه عبقت رائحتها ارجاء الدوار البارد ولم يكن امام الشاب ارزقي المفعم بالحيويه والنشاط المعبئي بحب الوطن والادب الا ان يذهب الى العاصمه مع عائلته للبحث عن عمل... حي بلكور الشهير او بلوزداد كان وجهته اين انخرط في صفوف الكشافه الاسلاميه الجزائريه، لم يكن البحث عن عمل في العاصمه بالامر الهين ومع ذلك عمل في مقهى في هذا الحي العريق، مقهى "بالحفاف" الذي كان يستقبل كل فئات الشعب الجزائري كان يستقبل كذلك افراد العسكر والشرطه الفرنسيه بزيهم الرسمي الذي كان يستفز الشاب أرزقي المنخرط في الحركه الوطنيه كان المقهى كذلك مركز لقاء بعض" الخاوه".........
"..... هاي أرزقي... تعال... تعال ...تعال...." يقول بصوت خافت احد الفدائيين المتخفي في حله المتشرد ..:"لقد جاءت فرصتك..." ارتجف بدن ارزقي بالفرحه ولم يستطع كتم شعوره وذهب مسرعا الى صاحب المقهى:" البشرى... البشرى يا سي حميد " ، اشار سي حميد صاحب المقهى بيده الى ارزقي وكانه يقول له :"هدئ من روعك سوف يفضح امرك"، لم تكن الفرصه للعمل بل كانت لتنفيذ عمليه فدائيه بالسلاح الابيض وهي طعن شرطي وسط المقهى او وسط المدينه تحت انظار الجميع... هذا امر جبهه التحرير وشرطها الوحيد للانخراط فيها... لم يتردد ارزقي للحظه وبكل صرامه وشجاعه يقوم بالعمليه في وسط حي بلكور.
في 28 ديسمبر 1954 يودع الشاب أرزقي صاحب المقهى متجها الى شرق البلاد بالناحيه الاولى وتحديدا الى باتنه عروس الاوراس بعد ان اعلمه المسؤول الذي نظم رحيله بكل شيء وزوده باسماء الذين سيتعامل معهم واطلعه على كلمه السر المتداوله بين الخاوه في تلك المنطقه والتي كانت "الشاي الاخضر ".
... الطريق وعره ومحفوفه بالمخاطر وفي هذا الجو البارد يصل ارزقي الى مقهى في مدينه باتنه، يجلس على الكرسي وهو ينفخ في يديه الجامدتين من شدة البرد، يتقدم اليه نادل المقهى :" صباح الخير! بماذا اخدمك؟"
ارزقي:" صباح الخير اريد كاس شاي اخضر من فضلك "
النادل:" الشاي الاخضر يشرب ليلا في الغابه مع الخلان اما الان فنقدم القهوه الساخنه مع رغيف كسره "
أرزقي:" الكسره واين اجدها؟"
النادل:" عند صاحب المقهى .... هناك... اذهب اليه انه منتظرك "
دخل ارزقي الى صاحب المقهى وهو يجر في قدميه وعلامات التعب والجوع والبرد باديه على كل جسده.
"...تفضل... تفضل."
أرزقي:" هل نجلس هنا؟"
صاحب المقهى:" لا! تفضل الى الغرفه الخلفيه"
دخل ارزقي الى الغرفه فوجد فيها سريرا وبطانيه ووسادتين، نظر مليا الى الغرفه المرتبه والدافئه ثم استلقى على السرير ، دخل صاحب المقهى وهو يحمل صينيه فيها قهوه ساخنه و رغيف كسره دغدغت رائحته انف الشاب ارزقي:
"... تفضل!.. اشرب قهوتك واسترح قليلا ونلتقي مساء على وجبه العشاء"... لم يكمل صاحب المقهى السي رشيد كلامه حتى اكمل ارزقي قهوته ورغيف خبزه، نزع قشابيته وحذائه وغط في نوم عميق عسى ان يريحه من تعب السفر...
ومع حلول الظلام يطرق السي رشيد باب الغرفه التي ينام فيها ارزقي وهو يحمل في يده صينيه العشاء، نهض الشاب من فراشه وهو يتمطى ...
السي رشيد :"هيا تقدم.. كل! اعلم انك جائع، النادل خارجا ليقلك الى الغابه".
بعد العشاء ودع ارزقي السي رشيد وشكره ومضى الى الغابه مع النادل اين التقى بقائد في جيش التحرير :"مرحبا بك يا السي ارزقي! تفضل معي! الطريق من هنا.. اردت ان استقبلك بنفسي المكان مؤمن حتى الكهف."
سلك المجاهدان طريقا وعره حتى دخلا الى كهف في قلب الجبل الشامخ المكسو بالثلج، وهناك وجد مجموعه من الجنود تتدفئ حول نار يكاد لهيبها يضيء الكهف... رحب الجنود بالوافد الجديد ودعوه الى الجلوس معهم لشرب الشاي الاخضر.... بعد ايام حضر السي مصطفى بن بولعيد وبدا بتوزيع المهام على الجنود ومن الاوامر التي تلقاها ارزقي هي تكليفه بالعمل ضمن احدى الفصائل بالجهه و تنظيم وتنفيذ بعض العمليات، لم يكن الخوف والتردد من صفات ارزقي، كان ينفذ حرفيا ما يؤمر به ،يخطط ينظم ثم يهجم بكل شجاعه.

كان هناك في باتنه عميل خطير لا يكاد يفارق منزله المجاور للثكنه العسكريه، تنكر ارزقي وثلاثه من مرافقيه بزي الجنود الفرنسيين لا سيما انهم شبان بيض الوجوه مثلهم، قصدوا منزل الحركي في الرابعه نهارا ..ناداه ارزقي بالفرنسيه قائلا:
Hé !!! emmène-toi vite le capitaine veux te voir grouille-toi
"هيا!! النقيب يطلبك على الفور تعال... اسرع...!"
وبالفعل خرج من منزله وصافح اولئك الجنود ظنا منه انهم من جنود الثكنه ،مشى الجميع وما كادوا يصلون الى مفترق طرق قرب مدخل الثكنه حتى حولوا وجهتهم الى حيث تم تنفيذ حكم الاعدام في الخائن.
عندما علم السي مصطفى بن بولعيد باحداث العمليه علق قائلا :"عندما يكون في صفوفنا امثال هؤلاء الابطال سنستقل.. وعن قريب"

في احدى الليالي حضر الاخوه في المنطقه الاولى وقال قائدهم:" استسمح الخاوه ،لقد جاء الامر بارسال فوج من 11 عضوا بقياده " أرزقي الاوراس" الى منطقه القبائل كتدعيم لنظام الثوره ،جهزوا انفسكم واذهبوا في اقرب وقت!"
الطريق من باتنه الى منطقه القبائل متعبه، شاقه وطويله مشى المجاهدون بخطى ثابته وكلهم عزم على النصر ولكن للاسف عند وصولهم الى دوار المكارطه بضواحي برج بوعريريج وشي بهم الى قوة العدو فقاموا بتطويقهم والاشتباك معهم، فكانت النتيجه استشهاد ثمانيه منهم واسر اثنين بينما نجى أرزقي الاوراس باعجوبه ،اختبأ البطل حتى غروب الشمس لانه لم يستطع التحرك من شده التعب ولا مزاولة طريقه تحت الشمس الحارقه لشهر يوليو.... مكث بقريه ثيوال قليلا الى ان تم اللقاء مع الرائد احميمي لاول مره في العاشر من ذات الشهر عام 1955 في معصره الحاج لونيس.
الرائد احممي:' نحمل درب طريقنا الى قريه آيت اعمر اوزكان عن طريق ايت سيدي عمر بالضفه الغربيه لوادي الصومام وهناك سنلتحق بالركب."
ارزقي الاوراس: " هل يعلم احد بلقائنا هذا؟"
الرائد احميمي: " غير انا وانت"
ارزقي الاوراس:" جيد! لا تخبر احدا بتحركاتنا حتى وان كان القائد"
الرائد احميمي :"هل تشك باحد؟"
ارزقي الاوراس :"لا! ولكن يجب اخذ الاحتياط كي لا يفعل بنا ما فعل من قبل"
الرائد احميمي:" لا تقلق...."
سلكا المجاهدان طريقهما وعندما وصلا اتجها الى منزل المجاهد ا"لعربي اببسعين" اين التقيا باسد جرجر " العقيد عميروش"، الذي عينه كمسؤول عسكري بالجهه والسي حميمي نائبا له. وما كاد ارزقي الاوراس يستقر في حوض الصومام حتى بدا في تنفيذ سلسله من العمليات العسكريه مع مجموعه من المجاهدين منهم: سي حميمي، السي محمود معمر ،حمو مليكش، و عبد الرحمن ميرة.
19 اوت 1955 يوم حار حرارة دم بطلنا الذي قام بنصب كمين "دلاقه" " ببني وارتلان". ..." الله اكبر ....حي على الجهاد ....." كانت الكلمه التي تبدا بها كل معركه او هجمه، اشتعلت نيران الهجمه التي نظمها شهيدنا وكثر الكر والفر ،هلك سبعه جنود للعدو و استشهد المجاهدان بوزناد سالم و زموري محمد اعراب، تاولت الهجمات بعد ذلك حيث قام ابطال الجزائر باحراق جرار للعدو في "بوشقفه" مع غنم خمس بنادق صيد ثم احراق معمل الورق بضواحي "وادي غير" في نفس الشهر.
في سبعه سبتمبر 1955 اتفق قادة الافواج الثلاثه بالهجوم على مقرات الدرك الفرنسي في نفس اليوم والساعه ،فتولى فوج ارزقي الاوراس مقر الدرك في مدينه "لقصر" والسي حميمي ب "صدوق" وعبد الرحمن ميرة ب "تازمالت". وفي شهر اكتوبر من نفس السنه نصب كمين بضواحي" مزاية" قضى أثناءه على ملازم من اصل جزائري في الجيش الفرنسي. ليس هناك ما يطفئ غضب بطلنا سوى دماء العدو ففي نفس الشهر تعرض بضواحي "بوربعطاش" " باكفادو" لحافله تابعه لشركه فرنسية ،اوقفها في الطريق للمراقبه وصادف ان كان في داخلها دركيان فرنسيان بالزي المدني مسلحان ،ما كاد يطلب منهما اوراقهما حتى فاجأه احدهما بطلقه ناريه من مسدسه فاصابه في ذراعه ولكنه كان اسرع منهما فقضى عليهما.

استشهد ارزقي بايري المدعو أرزقي الاوراس في 20 جانفي 1956 في معركه اماسين [أذكر تفاصيلها لاحقا] وفي اليوم الموالي للمعركه قام العدو بنبش قبر أرزقي الاوراس بعد وشايه من احد الخونه بالمنطقه، فعرضوا جثمانه للصحافه ثم نقلوه الى بجايه اين اعادوا دفنه للمره الثانيه.
قدم الشعب الجزائري قوافل متعاقبه من الشهداء من خيره ابنائه المخلصين الذين رووا بدمائهم الزكيه كل شبر من ارضنا الطيبه وبات اديمها مزيجا من عظام الشهداء الطاهره الزكيه.

هجيرة نسرين بن جدو -بالتصرف-
15-07-2023
المصادر:
منشورات وزاره المجاهدين .
منشورات المنظمه الوطنيه للمجاهدين. منشورات مجله اول نوفمبر.
من معارك المجد في ارض الجزائر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى